"طهران تايمز": بعد عامين.. كيف أعاد "طوفان الأقصى" تعريف القضية الفلسطينية

عملية "طوفان الأقصى" أجبرت العالم على مواجهة واقع الاحتلال والحصار الذي طال تجاهله، ما ضمن استحالة إسكات أو نسيان قضية فلسطين.

0:00
  • "طهران تايمز": بعد عامين... كيف أعاد "طوفان الأقصى" تعريف القضية الفلسطينية

صحيفة "طهران تايمز" الإيرانية تنشر مقالاً يتناول الذكرى الثانية لعملية "طوفان الأقصى"، ويحلّل جذور العملية وتداعياتها الإقليمية والدولية من زوايا سياسية وإنسانية واستراتيجية.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

أعادت الذكرى السنوية الثانية للعملية العسكرية المفاجئة التي شنتها حماس على "إسرائيل" إشعال الجدل العالمي حول جذورها وعواقبها ومعناها السياسي.

من جهة، يزعم العديد من المحللين أنّ الهجوم، المسمى عملية "طوفان الأقصى"، كان ذريعة لشن "إسرائيل" حرباً شاملة على غزة، وهي حملة أودت بحياة أكثر من 67 ألف فلسطيني وخلفت دماراً واسعاً في القطاع. ووفقاً لهذا الرأي، لولا العملية، لما تمكنت "إسرائيل" من تبرير التجويع المتعمد والحصار الإنساني اللذين أغرقا غزة في مجاعة.

من جهة أخرى، ترى مجموعة متزايدة من المراقبين الإقليميين والدوليين أنّ عملية حماس لم تكن حتمية فحسب، بل كانت أيضاً نقطة تحول تاريخية. ويجادلون بأن القضية الفلسطينية، التي كانت تتلاشى من الأجندة العالمية، قد عادت إلى الحياة من جديد مع أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ما أجبر العالم على مواجهة عقود من الاحتلال والحصار والقمع المنهجي.

وفي حين تداولت وسائل الإعلام الغربية على نطاق واسع الرواية الأولى التي تصور الحملة العسكرية الإسرائيلية باعتبارها دفاعية، فإن الرأي الثاني يستحق القدر نفسه من الاهتمام لفهم الديناميكيات الأساسية التي أدت إلى اندلاع الصراع

جذور الحتمية

لعقود، اتسمت سياسات "إسرائيل" تجاه الفلسطينيين بالاحتلال والتهجير والخنق الاقتصادي. منذ عام 2007، يخضع قطاع غزة لحصار بري وجوي وبحري شامل، أُدين على نطاق واسع باعتباره شكلاً من أشكال العقاب الجماعي. وكثيراً ما وُصف القطاع بأنه أكبر "سجن مفتوح" في العالم، حيث يُحرم أكثر من مليوني شخص حرية التنقل والحقوق الأساسية.

يجب فهم عملية تشرين الأول/أكتوبر 2023 على هذه الخلفية. فبعد يومين من هجوم حماس، أعلنت "إسرائيل" "حصاراً شاملاً" على غزة، قاطعةً بذلك الغذاء والماء والوقود والكهرباء. وقد أدت هذه السياسة إلى مجاعة واسعة النطاق وأزمة إنسانية غير مسبوقة في التاريخ الحديث. وبحلول آب/أغسطس 2025، أكّد التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، وهو المرجع العالمي الرائد في مجال الأزمات الغذائية، أن مدينة غزة تعاني المجاعة، وهي نتيجة يعزوها العديد من الخبراء إلى التلاعب المتعمد بالجوع.

بينما عانى الفلسطينيون الحصار لستة عشر عاماً، كشفت العملية عن حجم معاناتهم أمام الرأي العام العالمي. وحفزت احتجاجات دولية متواصلة وحركات شعبية تطالب بإنهاء التواطؤ الغربي في حصار "إسرائيل" لغزة.

حافزٌ للوعي العالمي

قبل تشرين الأول/أكتوبر 2023، كانت القضية الفلسطينية تتراجع تدريجياً عن دائرة الاهتمام الدولي، إذ طغت عليها أزمات إقليمية وعالمية أخرى. لكن عملية "طوفان الأقصى" قلبت هذا الاتجاه. فقد أثارت وحشية الرد الإسرائيلي، التي بُثّت مباشرةً عبر وسائل الإعلام العالمية، موجةً من حركات التضامن، من واشنطن إلى جوهانسبرغ، ومن لندن إلى كوالالمبور.

على مدار العامين الماضيين، تظاهر ملايين الناس دعماً لحق الفلسطينيين في تقرير المصير، مطالبين بإنهاء العلاقات العسكرية والاقتصادية مع "إسرائيل". وقد بدأ هذا التحول في الوعي العالمي يؤثر على المواقف الدبلوماسية. فقد اتجه العديد من الدول الغربية المتحالفة منذ زمن طويل مع "إسرائيل"، بما في ذلك فرنسا والمملكة المتحدة وكندا، نحو الاعتراف بفلسطين كدولة. ويجادل المحللون بأن هذه التطورات ما كانت لتتحقق لولا الإلحاح المتجدد الذي أوجدته أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر.

كشف الطموحات الإقليمية

كما كشفت العملية عن طموحات "إسرائيل" الإقليمية الأوسع، ولا سيما رؤية "إسرائيل الكبرى" التي لطالما نوقشت في الفكر الصهيوني. أيّد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو علناً سياسات تعكس توجهات توسعية، متصوّراً امتداد "إسرائيل" إلى أجزاء من دول مجاورة مثل الأردن ولبنان ومصر وسوريا والعراق، وحتى المملكة العربية السعودية.

أدت عملية "طوفان الأقصى" إلى دحض هذه الرواية القائلة بالهيمنة الإسرائيلية المطلقة، كاشفةً عن المقاومة الاستراتيجية التي لا تزال تتحدى خطط "إسرائيل" للتوسع الإقليمي.

التداعيات الجيوسياسية

أعاد الصراع الدائر صياغة المبادرات الدبلوماسية. تشير خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف إطلاق النار في غزة، والمكونة من 20 نقطة، إلى أنّ صمود المقاومة الفلسطينية قد حدّ من قدرة "إسرائيل" على تحقيق السيطرة الكاملة على القطاع.

إذا نُفّذت هذه الخطة، فإنها ستجبر "إسرائيل" على الانسحاب من مناطق واسعة من غزة، ما يعكس طموحاتها لما بعد الحرب. لولا عملية 7 أكتوبر، لربما عززت "إسرائيل" قبضتها تدريجياً على القطاع تحت ستار الأمن. لكن العملية، بدلاً من ذلك، أبرزت روح المقاومة الفلسطينية الراسخة وقدرتها على تغيير ديناميكيات القوة الإقليمية.

لحظة فارقة في التاريخ الفلسطيني

بعد عامين، لا تزال عملية عاصفة الأقصى نقطة تحول في النضال الفلسطيني. ورغم أن تكلفتها البشرية كانت هائلة، إلا أنها غيّرت الوعي العالمي بمعاناة غزة، وأعادت إشعال النقاش الدولي حول العدالة والسيادة والمقاومة.

سواء اعتُبرت هذه العملية عاملاً محفزاً مأسوياً أو انتفاضة حتمية، فقد غيّرت مسار الصراع، وأجبرت العالم على مواجهة واقع الاحتلال والحصار الذي طال تجاهله، ما ضمن استحالة إسكات أو نسيان قضية فلسطين.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.