الملفات الشائكة في المفاوضات الأميركية – الصينية

هل ضاق العالم بالاقتصادين الأكبر فيه، أم أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة من يملك السوق ومن يتحكم به؟

0:00
  • المنافسة تصاعدت بين أكبر اقتصاد استهلاكي في العالم وأكبر اقتصاد إنتاجي.
    المنافسة تصاعدت بين أكبر اقتصاد استهلاكي في العالم وأكبر اقتصاد إنتاجي.

يواصل ملف الرسوم الجمركية إلقاء ظلاله على الاقتصاد العالمي، باعتباره مؤشراً على طبيعة المرحلة الاقتصادية الجديدة التي تسعى الولايات المتحدة لفرضها على العالم، في محاولتها لإعادة تنشيط الإنتاج الداخلي عبر طرح الشروط أو المشاركة المباشرة في اقتصاديات الدول الأخرى.

فمنذ تحوّل الاقتصاد الأميركي إلى اقتصاد استهلاكي، وانتقال معظم خطوط الإنتاج إلى الصين، تصاعدت المنافسة بين أكبر اقتصاد استهلاكي في العالم وأكبر اقتصاد إنتاجي، ما أدى إلى انقسام اقتصادي عالمي يثير مخاوف متعددة، أبرزها:

1- تراجع الثقة في الديون السيادية.

2- ازدياد معدلات التضخم وارتفاع الأسعار.

3- تراجع قيمة الدولار.

4- تصاعد الاضطرابات الجيوسياسية.

الرسوم الجمركية في أعلى مستوياتها

رفعت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية على السلع الصينية إلى نحو 145%، وردّت الصين بإجراءات مماثلة، ما دفع الطرفين إلى استئناف المفاوضات وتعليق الرسوم لمدة 90 يوماً قابلة للتجديد.

وتتركز أبرز عناوين التفاوض في أربعة ملفات رئيسية:

أولاً: الملكية الفكرية

تتّهم واشنطن بكين بعدم احترام براءات الاختراع، وتطالب بتشديد القوانين لحماية الشركات الأجنبية. وتشمل الاتهامات:

1- سرقة التكنولوجيا من الشركات الأميركية، مقابل رفض واشنطن الاعتراف بالتطور التقني الصيني.

2- تقليد المنتجات وتسويقها بأسعار منخفضة، فيما تردّ الصين بأنّها تنتج وفقاً لمواصفات الشركات المتعاقدة.

3- نقل التكنولوجيا القسري عبر إلزام الشركات الأجنبية بالشراكة مع نظيرات محلية في قطاعات التكنولوجيا والاتصالات.

4- ضعف الحماية القانونية وبطء الفصل في النزاعات التجارية.

وترى واشنطن، التي فرضت رسوماً على مئات آلاف السلع الصينية، أن هذه القضايا تتجاوز الشكليات، إذ ترتبط مباشرة بملفات حساسة مثل شركة "هواوي" وتطبيق "تيك توك" اللذين مثّلا صدمة للأسواق العالمية، ما دفع الإدارة الأميركية إلى تفعيل بند الأمن القومي وحظر التعامل معهما، إضافة إلى تعزيز اتفاقياتها مع دول أخرى لحماية الملكية الفكرية من التوسع الصيني.

ويُعدّ ملف الملكية الفكرية من أكثر الملفات تعقيداً في المفاوضات الحالية.

ثانياً: عجز الميزان التجاري

يشكّل العجز التجاري أحد أبرز محاور الخلاف، إذ تستورد الولايات المتحدة من الصين أكثر مما تصدّره إليها.

ففي عام 2018 بلغ العجز نحو 419 مليار دولار، وتراجع في نهاية عام 2024 إلى 280 مليار دولار، وهو ما تعدّه واشنطن نتيجة مباشرة للرسوم الجمركية.

ويعود هذا العجز إلى اعتماد الولايات المتحدة بشكل كبير على الواردات الصينية في مجالات الإلكترونيات والملابس والآلات، مقابل ضعف الصادرات الأميركية، خصوصاً في قطاعات التكنولوجيا والخدمات.

وتطالب واشنطن بـ:

1-  فتح السوق الصينية أمام الشركات الأميركية.

2- وقف الدعم الحكومي للشركات الصينية.

3-  تحسين حماية الملكية الفكرية.

4- رفع القيود عن الاستثمارات الأجنبية.

أما بكين، فتؤكد أن العجز يعكس الهيكلية الطبيعية للاقتصاد العالمي، وأن الشركات الأميركية من أبرز المستفيدين من التصنيع في الصين

ثالثاً: الدعم الحكومي للشركات الصينية

ترى واشنطن أن الدعم الحكومي الصيني يخلق منافسة غير عادلة، ويهدّد الصناعات الحساسة، خصوصاً في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة مثل شبكة الجيل الخامس (5G) والذكاء الاصطناعي (AI) والطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية.

فالشركات المدعومة من الحكومة الصينية تستفيد من قروض منخفضة الفائدة وإعفاءات ضريبية، ما يمكّنها من تسويق منتجات بأسعار تقل عن التكلفة الفعلية، ويؤدي ذلك إلى إقصاء المنافسين الأميركيين والأوروبيين من الأسواق، وسيطرة الصين بالكامل على سلاسل التوريد العالمي.

وترى الولايات المتحدة أن هذا الدعم ساهم في إغلاق مصانع أميركية وفقدان آلاف الوظائف، كما يُستخدم لتعزيز النفوذ السياسي والاقتصادي للصين في الدول النامية عبر شركات مدعومة حكومياً.

رابعاً: فتح الأسواق الصينية

تسعى واشنطن إلى توسيع حضورها في السوق الصينية لتقليل اعتمادها على سلاسل التوريد، ولمنح شركاتها فرصاً استثمارية في ثاني أكبر اقتصاد عالمي.

فتح الأسواق الصينية يُعد، من وجهة النظر الأميركية، خطوة أساسية نحو تقليص العجز التجاري واستعادة التوازن في العلاقات الاقتصادية مع بكين.

ختاماً، تبدو المفاوضات بين الصين والولايات المتحدة معقدة وطويلة الأمد، إذ تتجاوز الاقتصاد إلى أبعاد استراتيجية تتعلق بالهيمنة على الأسواق العالمية، وربما تكون شاقة وأصعب من المفاوضات في القضايا السياسية. 

ويبقى السؤال مطروحاً: هل ضاق العالم بالاقتصادين الأكبر فيه، أم أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة من يملك السوق ومن يتحكم به؟

وفي خضم هذا الصراع، تواجه دول العالم تحدياً أساسياً يتمثل في حماية اقتصادياتها ومجتمعاتها من ارتدادات المنافسة بين العملاقين.