29 أيار/مايو.. هل يصمد الحاجز أم ينهار؟

من المتوقَّع أن تبدأ حملة القمع داخل البلدة القديمة قبل وصول مَسيرة المستوطنين، حتى تُفتح كل الطرق للمسيرة.

  • 29 مايو/أيار.. هل يصمد الحاجز أم ينهار؟
    شعر المستوطن الإسرائيلي بضعف حكومته، وبالتالي تهديد أمنه الشخصي

يقف الشعب الفلسطيني، ومعه كل الشرفاء العرب والمسلمين، اليوم، أمام امتحان صعب وتاريخي. الحركة الصهيونية، المتمثلة بـ"إسرائيل"، ترى أن الظرف العربي العام هو أكثر الظروف مُلاءمة لاقتطاع القدس المحتلة وما فيها من مقدَّسات من أصحابها الطبيعيين. وإن احتاج ذلك إلى حرب دينية، فقادة المستوطنين الفاشيين يرون أن الحرب الدينية مقبلة، لا محالة، لكنها اليوم أسهل عليهم من الحرب الدينية في المستقبل، لذلك يفضّلونها اليوم. وصرّحوا ويصرّحون بذلك في مواقعهم الإلكترونية علنا، وبكل وقاحة وتعجرف وغطرسة. المستوطنون وقياداتهم على قناعة بأنهم إن لم يحسموا مسألة القدس المحتلة اليوم، فسيكون من الصعب عليهم حسمها في المستقبل، لأن موازين القوى الإقليمية والدولية تتغير في غير مصلحتهم.

حكومة الاحتلال الإسرائيلي، برئاسة نفتالي بينيت، رئيس مجلس الاستيطان في الضفة الغربية والقدس سابقاً، هي حكومة ضعيفة، "جائعة للعنف"، كما قال الجنرال احتياط، وعضو لجنة الخارجية والأمن سابقاً، وهي تحتاج إلى عمليات اغتيال في إيران وسوريا والضفة المحتلة، وتحتاج إلى حملة اعتقالات واسعة وقمع منهجي، وإلى استرضاء غلاة المستوطنين الفاشيين كي يرضوا عنها. 

بالإضافة إلى ذلك، يشعر المستوطن الإسرائيلي بضعف حكومته، وبالتالي تهديد أمنه الشخصي، وهذا تدركه حكومة بينيت أيضاً. وبالتالي، لا بد من سفك دماء فلسطينية ودعم لمخططات المستوطنين، وعلى رأسهم "جماعات الهيكل" المزعوم، على اختلافهم، باختلاف ارتباطاتهم الدولية ومصادر تمويلهم. لكل هذه الأسباب وأكثر، وضعت الحكومة خطة لحملة أمنية وحملة عسكرية، آخذةً في الاعتبار تطورها إلى حرب إقليمية، لكنها تفضل أن تحقّق أهدافها من دون التورط في حرب إقليمية، أو حتى في معركة متعددة الأطراف، كما حدث في أيار/مايو من السنة الماضية، أو ما سُمِّي معركة "سيف القدس".

أحد أسباب صعوبة هذا الامتحان، هو التآمر والتخاذل العربيان الرسميّان، وتردي الموقف الفلسطيني الرسمي، وهو ما يذكّرنا بامتحانات مشابهة مرّ فيها الشعب الفلسطيني في تاريخه النضالي، وأدوار "وساطة" مشابهة قامت بها الأنظمة العربية الرسمية، لا لمصلحة الفلسطينيين ولا رحمة بهم، بل لمصلحة ذلك "الوسيط"، الفردية، أو لمصلحة نظام حكمه الرجعي الذليل أمام اسياده المستعمِرين. فهل تعلَّمنا من دروس "الوساطة"، هذه، ما يتوجب علينا تذكُّره عشيةَ كل امتحان؟

كتب أحد الزملاء من قطاع غزة أن الوساطتين القطرية والمصرية في أعلى نشاطهما، وهما تنقلان الرسائل الإسرائيلية في اتجاه واحد، منها رسائل تهديد وأخرى تهدئة ووعود. وأضاف أن إحدى الرسائل، التي حملها المبعوث القطري، العمادي، إلى قطاع غزة، كانت "أن الأمن الإسرائيلي يعمل على ضبط المَسيرة، وأنه غير معني بتصعيد أو اشتباك في هذه المرحلة. وهذا يشترك فيه مع المستوى السياسي". ماذا تعني هذه الرسالة؟ وكيف نقرأها؟ هل هي رسالة سلام وتهدئة؟ أم أنها رسالة تضليل وخداع؟  لو كانت "إسرائيل" جادّة فعلاً بالتهدئة لَما أصرّت على إجراء المسيرة الاستفزازية في القدس القديمة المحتلة، ولما أصرّت على حماية المستوطنين خلال اقتحاماتهم المتكررة والمتفاقمة للحرم القدسي الشريف، منذ اليوم الأول لهذه الحكومة ولغاية اليوم. أمّا أن يحمل المبعوث القطري هذه الرسالة فهو قبولُه أداءَ دور يخدم فيه من حمّله إيّاها، وكان عليه أن يرد الرسالة إلى أصحابها. كان عليه أن يقول للإسرائيليين إن الإصرار على إجراء مَسيرة الأعلام الاستفزازية هو الخطر الذي يجب تجنُّبه، ولا يمكنني أن أطلب من المقاومة الفلسطينية أن تلتزم الهدوء، ولاسيما أن الجانب القطري ليس مندوباً للأمم المتحدة، وإنما هو جزء من المنظومتين العربية والإسلامية، اللتَّين يُفترض بهما أن تكونا شريكتين في الدفاع عن عروبة القدس وإسلامية الأقصى.

الى جانب القطريين، كان ضباط جهاز الاستخبارات المصريون ينقلون رسائل إسرائيلية مشابهة إلى المقاومة الفلسطينية. ليس هذا فحسب، بل يجتهدون في خداع المقاومة لتمرير المشروع الإسرائيلي، فيقدّمون إليها الضمانات المصرية الفارغة، كما حدث في كل الجولات السابقة. يضيفون إلى الرسائل الإسرائيلية بعض التفاصيل الأخرى، التي تتعلق بالوضع في القطاع ووعود بتسهيلات إسرائيلية في المقابل في الأيام المقبلة. مغريات تافهة لا يقبلها إلّا المتسولون. لم يتردّد ضباط الاستخبارات المصرية في الطلب من فصائل المقاومة اعتماد سياسة ضبط النفس، "لأن مصر غير معنية بتفجر الصواعق، أو بانجرار غزة، بصورة محدّدة، نحو حرب حتى لو كانت محدودة، لأن الأجواء المصرية لا تحتمل أي خروج عن المألوف". وهل على الفلسطينيين أن يستسلموا للمحتل الإسرائيلي لأن ظروف مصر لا تحتمل المواجهة؟  يبدو واضحاً، من كل ما قامت وتقوم به الاستخبارات المصرية، أنها تؤدّي دوراً لا يمتّ إلى المصلحة الفلسطينية بصلة، وإنّما تقوم بدور تُمْليه الإدارة الأميركية في خدمة المخططات الإسرائيلية. لقد لُدِغَت المقاومة الفلسطينية من الاستخبارات المصرية مرات ومرات، من خلال "وساطة" في اتجاه واحد، و"ضمانات" ثبت أنها كاذبة أو مخادعة.  

إشاعات وانتصارات مسبَّقة

خلافاً لما أُشيع بأن المَسيرة ستكون محدودة العدد، أو أنها لن تتعدى باب العمود، وما إلى ذلك، أعلنت قيادة الاحتلال، صباح الجمعة، أنها لن تغيّر مسار مسيرة الأعلام. المسيرة، وفق المسار المقرَّر لها، لن تقف أمام باب العمود، بل سيدخل منه 8 آلاف مستوطن، ويَسيرون بالأعلام حتى حائط البراق، مروراً بالحيّ الإسلامي. بالإضافة إليهم، ستدخل 8 آلاف مستوطِنة من الباب الجديد، ليصلن إلى حائط البراق عبر أزقة الحيّ المسيحي. أمّا الهدف الرسمي والمعلَن، فليس اقتحام الأقصى في المرحلة الحالية، حتى إن أرادت جماعات الهيكل المزعوم ذلك، وإنما السيطرة على بوابات القدس القديمة المحتلة من دون اعتراض فلسطيني، والسبب أن المستوطن الإسرائيلي يحتاج إلى أن "يشعر بالعظمة" المتمثلة بالقوة العسكرية، ولأن الحكومة الضعيفة تحتاج إلى أن تثبت التزامها سياسةَ القوة وأهداف المستوطنين. وعندما يعتاد الفلسطينيون قبول مَسيرة الأعلام السنوية داخل القدس القديمة المحتلة، ويصبح ذلك أمراً عادياً، تنتقل "إسرائيل" إلى تحقيق المرحلة اللاحقة من مخططها، وهي اقتحام المَسيرة باحات الأقصى. إنها سياسة "حساب المخاطر" التي تنتهجها "دولة" الاحتلال: تُراكِمُ الإنجازات، خطوة خطوة.

ما هي الخطوط الحُمر؟

تحدّثت وسائل الإعلام العربية، نقلاً عن المقاومة الفلسطينية، عن "الخطوط الحُمر"، لكن بضبابية، فهل تجاوُزُ المسيرة بابَ العمود إلى داخل الأسوار هو خط أحمر؟ أم "اقتحام أسوار الاقصى" هو الخطوط الحُمر؟ ماذا نفهم من القول بأن "الأقصى خط أحمر"؟ أو ماذا نفهم من دعوة المفتي الشيخ عكرمة صبري، الموجَّهة إلى الشبّان المسلمين، من أجل "التجمع داخل باحات الأقصى لمنع المستوطنين من اقتحامه"؟ وهل هذا يعني أن مسيرة الأعلام داخل القدس القديمة لا تعني تجاوزاً للخطوط الحُمر؟ 

إن نجاح قوات الاحتلال في تمرير مسيرة الأعلام الاستفزازية في أسواق القدس القديمة المحتلة وأزقتها، يعني أن المسيرة حققت أهدافها المعلَنة، كما حددتها المؤسستان السياسية والأمنية الصهيونيتان. وهي أهداف لن يكتفي بها المستوطنون. وبذلك، ستبدو المؤسسة السياسية الإسرائيلية نجحت، في نظر "الوسطاء" العرب، في الإيفاء بوعودها. لكن لا يجوز أن ننسى أنها أهداف مرحلية، يُبنى عليها، وفق برنامج طويل الأمد لا ينتهي إلّا بهدم قبة الصخرة.

لا تصدّقوا الاستخبارات المصرية أو القطرية. إنها تنسّق مع العدو على حساب الشعب الفلسطيني، ولها مصالحها في ذلك. وأثبتت التجربة، عشرات المرات، أن "الوسطاء" العرب، منذ الملك عبد العزيز والأمير عبد الله، حتى ضباط الاستخبارات المصريين أو المبعوث القطري وغيرهم، غيرُ صادقين. فهل نعود إلى الجُحر الذي لُدِغنا منه عشرات المرات!!! إنها مأساتنا المستمرة.

سيناريوهات متوقَّعة.. أو كسر الحواجز

تحسب قوات الاحتلال أن الشعب الفلسطيني سيزحف صباح الأحد إلى القدس، وربما بدءاً من يوم السبت. لذلك، ستقيم عشرات الحواجز في الطرقات المؤدية إلى القدس المحتلة، وسيكون عملاء الاحتلال منتشرين في كل زاوية وشارع وزقاق، يتواصلون مع الاستخبارات. كما أنها ستقيم عشرات الحواجز الأخرى داخل البلدة القديمة المحتلة، ولن تُبقي زاوية في البلدة القديمة من دون كاميرا مرتبطة بغرفة عمليات تدير الأحداث. فهل تصمد الحواجز العسكرية أمام الزحف الفلسطيني؟ 

لقد استعدّت شرطة الاحتلال جيدا لوجود أعضاء كنيست عرب داخل البلدة القديمة المحتلة، كما حدث في أيار/مايو الماضي، وحصلت على إذن مسبَّق من المستشار القضائي "لإخلائهم بالقوة"، وأبلغتهم ذلك أيضاً.

من المتوقَّع أن تبدأ حملة القمع داخل البلدة القديمة قبل وصول مَسيرة المستوطنين، حتى تُفتح كل الطرق للمسيرة. من المتوقَّع أن تكون بوابات الأقصى مفتوحة لدخول الشبّان الفلسطينيِّين، من البلدة القديمة المحتلة إلى داخل أسوار الأقصى، قبل وصول المستوطنين إلى باب العمود والباب الجديد. وبذلك يتم تفريغ البلدة القديمة وحشر الشبّان داخل أسوار الأقصى، من أجل ضمان مرور المسيرة من دون مقاومة.

فهل تستعدّ المقاومة لسيناريوهات من هذا القَبيل، أم تستعدّ لكسر الحواجز وسيناريوهات أخرى؟

الذكرى السنوية الأولى لمعركة "سيف القدس"؛ المعركة التي أحدثت تحولاً في مسار مقاومة المحتل الإسرائيلي، ونقلت المعركة معه إلى مستوى جديد، وأرست معادلات جديدة لم تكن مطروحة في السابق، وعززت حلف المقاومة كمدافع عن القدس وكل فلسطين.