تجارة تركيا مع "إسرائيل".. الأبعاد والدلالات
"تل أبيب" ستتهرب من استعداء أنقرة حتى النهاية حتى لا تدفعها إلى التحالف مع طهران وسط سيناريوهات الحرب التي يتوقعها الكثيرون في الشرق والغرب.
بعد مرور يومين على التظاهرة التي شاركت فيها مجموعة من الشبان والشابات المحجبات، الذين طالبوا معاً بقطع العلاقات التجارية مع "إسرائيل"، أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عن "سلسلة من الإجراءات ضد تل أبيب ما دامت تمنع وصول المساعدات التركية إلى غزة".
جاء إعلان وزارة التجارة المفاجئ على صعيد العلاقات التجارية مع "إسرائيل"، إذ قالت الوزارة إنها قررت الحدّ من (البعض ترجم الكلمة بفرض قيود، وآخرون قالوا تقليص) صادرات 54% من المنتجات التركية التي يتم تصديرها إلى "الدولة" المذكورة، وعددها بالمئات في مختلف المجالات.
بيان وزارة التجارة أثار ردود فعل عنيفة في الشارع السياسي والإعلامي والشعبي، لأنه تضمّن اعترافاً من الدولة بزيادة حجم الصادرات التركية إلى الكيان الصهيوني بعد طوفان الأقصى. وكان المسؤولون الأتراك يرفضون هذه الأخبار التي قال عنها وزير التجارة عمر بولات قبل أسبوعين إنها "كاذبة وملفقة ويسوّق لها عملاء الموساد والإرهابيون والحسابات المزورة في شبكات التواصل الاجتماعي".
وجاء رد الفعل الأول على بيان قرار وزارة التجارة من رئيس الوزراء الأسبق وزعيم حزب العدالة والتنمية السابق أحمد داوود، إذ قال "إن الحد من صادرات البعض من المنتجات التركية لا يكفي، وعلى الحكومة أن توقف العلاقات التجارية مع إسرائيل فوراً وبشكل كامل".
وناشد داوود أوغلو، وهو زعيم حزب المستقبل، الحكومة "إغلاق المجال الجوي أمام كل الطائرات المتجهة إلى إسرائيل ومنع كل السفن المتجهة إليها من الدخول إلى الموانئ التركية أو الخروج منها".
أما زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزكور أوزال، فقد قال إن قرار وزارة التجارة الحد من الصادرات التركية إلى "إسرائيل" بعد 6 أشهر من عدوانها جاء كنتاج لرد فعل الشعب التركي على سياسات الحكومة التي استمرت في علاقاتها التجارية مع "إسرائيل" رغم عدوانها الهمجي على غزة، وتمنى على الحكومة أن تستمر في اتخاذ المزيد من القرارات لوضع حد نهائي للعلاقات الاقتصادية والتجارية مع "تل أبيب".
تامال كاراموللا أوغلو زعيم حزب السعادة الإسلامي ناشد الحكومة التركية "قطع العلاقات الاقتصادية والتجارية مع تل أبيب بعدما غطت كل احتياجاتها من تركيا خلال عدوانها على غزة".
أما زعيم حزب الرفاه الجديد فاتح أربكان، وهو نجل الزعيم الإسلامي ورئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان، فقد كان أكثر عنفاً في اتهامه الحكومة، وقال: "يكفي أن ألفت الأنظار إلى ما تضمنه قرار وزارة التجارة التي قالت إنها حدّت من تصدير البنزين والمشتقات النفطية التي تستخدمها الطائرات الإسرائيلية في عملياتها ضد الشعب الفلسطيني، وهذا بدوره يعكس حجم الكارثة في العلاقة مع الكيان الصهيوني".
واستغرب أربكان استخدام كلمة تقييد أو تقليص أو الحد من صادرات بعض المنتجات إلى "إسرائيل"، وقال: "المهم هو: لماذا لم تقرر الحكومة إيقاف تصدير كل المنتجات التركية نهائياً؟".
وناشد أربكان الحكومة "قطع العلاقة فوراً مع تل أبيب وإغلاق قاعدتي إنجيرليك وكوراجيك الأميركية اللتين تحميان الكيان الصهيوني من أي هجوم صاروخي محتمل"، وقال: "على كل الدول الإسلامية أن تتحرك فوراً وتوحّد قواها للرد على العدوان الصهيوني الإمبريالي ضد الشعب الفلسطيني والمقدسات الإسلامية".
أما زعيم حزب تركيا المستقلة حسين باش، فقد قال "إن بيان وزارة التجارة بحد ذاته يكشف مدى خطورة هذه العلاقة السرية، إذ لن يستطع أحد التأكد من تطبيق قرار الوزارة".
الرد الإسرائيلي على إعلان وزارة التجارة التركية لم يتأخر، إذ قال وزير الخارجية كاتس: "سنرد بالمثل على قرار أنقرة"، وأكّد "أن رد الفعل الإسرائيلي سيلحق الضرر بالمصالح الاقتصادية والتجارية لتركيا"، وأضاف: "لقد تحدثت إلى أصدقائنا في أميركا حتى يتخذ الكونغرس مجموعة من الإجراءات والقرارات والعقوبات الاقتصادية ضد تركيا"، في الوقت الذي تشير الأوساط السياسية إلى التوقيت الزمني لقرار أنقرة الحد من تصدير بعض المنتجات التركية إلى "إسرائيل"، وهو ما يصادف تصريحات المسؤولين الإيرانيين التي أكّدت قرار طهران بالرد على العدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، وهو ما سيضع قاعدة كوراجيك الأميركية/الأطلسية على أهبة الاستعداد والاستنفار التام، لأن مهمتها هي مراقبة على كل الفعاليات العسكرية الإيرانية، وأهمها احتمالات إطلاق الصواريخ الإيرانية باتجاه "إسرائيل"، وهو ما تحدث عنه زعيم حزب الرفاه الإسلامي عندما دعا الحكومة إلى إغلاق هذه القاعدة وقاعدة إنجيرليك التي تحتوي 50 قنبلة نووية، وهي قريبة من الحدود مع سوريا والعراق.
ويعرف الجميع أن "تل أبيب" ستتهرب من استعداء أنقرة حتى النهاية حتى لا تدفعها إلى التحالف مع طهران وسط سيناريوهات الحرب التي يتوقعها الكثيرون في الشرق والغرب، بعدما بات واضحاً أن نتنياهو سيتمادى في جنونه، كما هو الحال في استهداف أولاد إسماعيل هنية وأحفاده. والجميع يعرف أن طهران ومن معها في المنطقة والعالم هي وحدها من يستطيع أن يضع حداً لهذا الجنون، وأن ينتقم لشهداء غزة وفلسطين ومن تحالفوا معهم في السراء والضراء!