"الطوفان" إذ يقرع أبواب عامه الثالث... مساهمة في جدلٍ لم ينقطع؟

بدل أن تنصرف الأنظار جميعها، لرؤية "اليوم التالي" لغزة بعد الحرب، علينا أن نصرف أنظارنا، أو بعضاً منها على الأقل، صوب "اليوم التالي" لـ"إسرائيل"..."إسرائيل" بعد الطوفان لن تعود إلى ما كانت عليه.

  • هل كان على حماس مسبقاً أن تتنبأ بكل ما سيحصل؟
    هل كان على حماس مسبقاً أن تتنبأ بكل ما سيحصل؟

اليوم، يدخل "طوفان الأقصى" عامه الثالث، وتدخل معه، أشرس حروب العصر وأكثرها وحشيّةً، فيما تداعيات الأمرين معاً، وتفاعلاتهما، ما زالت تجوب الآفاق، محدثة ارتدادات زلزالية، لم تعد درجات "ريختر" تتسع لها...وفيما حبال الجدل حول السابع من أكتوبر والطوفان، ما زالت ممتدة.

على وقع المجازر اليومية، التي صاحبت حرب التطهير والإبادة، علا صوت المشككين في جدية الطوفان وجدواه، وتعالت الأصوات المندّدة والمُدينة والمُتهِمة... وكلما توالى ارتقاء قوافل الشهداء وتزايدت أعداد المفقودين والجرحى والأسرى، كانت دوائر التأييد للسابع من أكتوبر تتقلص، وكلما تساقطت الأبراج والمنازل فوق رؤوس ساكنيها، كانت مشاعر العطف تتراجع، وتتقدم عليها التحفظات من كل صنف... في البدء، خطف السابع من أكتوبر أنظار الكثرة من الفلسطينيين وأصدقائهم وعقولهم وضمائرهم، ولجأت "الأصوات الناعقة" للاختباء خلف الكلمات المترددة والمتلعثمة، اليوم حلّ الفجور والسفور محلها، وبدأنا نرى الوجوه العارية والكالحة، تفيض بمكوناتها المهزومة والذليلة من على المنابر والشاشات الصفراء.

ولكيلا نخلط الحابل بالنابل، ولا نأخذ الجميع بجريرة نفر من المستسلمين، الذين سكنتهم الذِلّة والهزيمة، واعتادوا عليها، واعتاشوا منها، دعونا نميز بين أصوات بريئة تصدر عن فداحة الثمن، وتئن بجراح غزة وأهلها، وتُقدر بأن كلفة السابع من أكتوبر أعلى بكثير من مردوده، هذه الأصوات نحترمها ونقدر فيض مشاعر أصحابها ونُبلها...وأخرى، لم تكن يوماً مع مقاومة الشعب الفلسطيني، ولم تتورع عن إدراج فصائلها على "لوائح الإرهاب"، وترى فيها تهديداً وليس فرصة، ولا تمانع في التحالف والتنسيق مع العدو، لاحتوائها ومحاصرتها، توطئة لاستئصالها...هؤلاء ليسوا من بين المخاطبين بهذه المقالة، إنك لن تهدي من أحببت، وحالهم أقرب إلى الاستعصاء، لا شفاء لها، يصدرون عن أضيق المصالح والحسابات الأنانية، وجُلّهم من "المؤلفة جيوبهم" و"المتحسسين لرؤوسهم".

"وين كنا" و"وين صرنا"؟

لنعد إلى السادس من أكتوبر 2023، وما الذي كان يدور في كل غرفة، ويصدر عن كل شفة: القضية الفلسطينية انتهت، باتت في ذيل اهتمامات العرب والمسلمين، وعلى آخر جدول الأعمال العالمي...قطار التطبيع جارف، ويكاد يصل محطته السعودية، التي ستفتح له أبواب محطات عربية وإسلامية عديدة، سرعان ما ستغادر مربع التردد والخجل... الضفة تُبتلع بصمت والقضم المتدرج يسير على قدم وساق، من دون إدانة أو تنديد أو اعتراض، باستثناء ما يصدر عن عواصم عربية، من بيانات مكرورة، فارغة من أي مضمون، ولا تثير اهتمام أحد...السردية الإسرائيلية تكاد تكون "كاسحة" للرأي العام، غزة تنوء تحت نير حصار جائر، أبقى جيلاً من أبنائها وبناتها، خلف قضبان أكبر سجن مفتوح على سطح الأرض، المقدسات عرضة للتهويد والتدنيس على أيدي قطعان المستوطنين والمتدينين الفاشيين، والسلطة في حالة تآكل، لم يبق منها سوى هياكل التنسيق الأمني، فيما المنظمة، لم يتبق منها سوى "خاتم" منذور للتوقيع على صكوك الإذعان...عربٌ "ملّوا" من "القضية المركزية الأولى"، رغم أنهم سبق أن أداروا ظهورهم لها، ولم تعد بالنسبة لغالبيتهم، "مركزية" ولا "أولى"، ومنذ سنوات طوال...كل هذا ما زال يجري ويتواصل حتى الآن، ولكنه يلقى صدّاً عالمياً، ويدور تحت عدسة رأي عام دولي متحفز، وردود الأفعال الرسمية (والأهم الشعبية) تلوّح بسيوف الإدانة والمقاطعة والعقوبات والاعتراف بحقوق الفلسطينيين، وجدارتهم لنيلها.

سقطت الدبلوماسية، وسقط خيار المفاوضات، بعد أن تبيّن للقاصي والداني، أنها "ليست حياة" ودائماً بالإذن من المرحوم صائب عريقات، سقط أوسلو بدلالة قرارات المجلسين الوطني والفلسطينيين، مراراً وتكراراً، والتي ركنت في الإدراج المغلقة بإحكام، وبالتصريحات المتعاقبة للقادة الإسرائيليين الذين فاخروا بتهديم هذا المسار، وفعل كل شيء ممكن لمنع قيام دولة فلسطينية، بدلالة "قانون القومية" الذي أقره الكنيسيت في عام 2018...

أخفقت الدبلوماسيات العربية، حتى في الحفاظ على "شكليات التفاوض"، آخر جولة منها عقدت في عمّان، قبل عقد من الطوفان، وقد جاءها نتنياهو "مخفوراً" بقيود أوباما – كيري، ودائماً من أجل إحباطها وتقطيع السبل على مراميها...دول أوروبا تسخر من الدعوات للاعتراف ولو شكلياً، بدولة فلسطينية، برغم حديثها المنافق دوماً عن "حل الدولتين"...العالم متعدد الأقطاب لم يتظهّر بعد، روسيا منهمكة في أوكرانيا، والصين ما زالت تتثاءب حين يتعلق الأمر بدورها السياسي، وتقفز كالكنجارو حين يتعلق بدورها الاقتصادي...واشنطن لم يعد لديها ما تعطيه للفلسطينيين سوى صفقة القرن، كسقف أعلى وليس كحدٍ أدنى لطموحاتهم وأشواقهم.

في الشأن الداخلي الفلسطيني، كانت السُبل قد سدّت بإحكام في وجه مصالحة حقيقية، واستعادة جدية وجادة لمسار الوحدة والتوحد... عباس يلغي انتخابات 2021 بالضد من الإجماع الوطني الفلسطيني، وبصمت وتواطؤ وتحريض من عواصم عربية ودولية، ضارباً عرض الحائط بكل التطورات التي طرأت على المشهد الفلسطيني الداخلي، وتوازنات القوى المستجدة بداخله، متنكراً لحقيقة أنه والسلطة، وحزبها الرئيس حركة فتح، لم يعودوا يمثلون غالبية الشعب الفلسطيني، وأن ثمة لاعباً جديداً على الساحة، تسلح بشرعيتين، أولاهما شعبية، وتمثلت في نتائج انتخابات 2006 واستطلاعات الرأي عشية انتخابات 2021، وثانيتهما، كفاحية، ستتجلى في "سيف القدس" والقبض على جمر العمل المقاوم، وصولاً إلى الطوفان.

ما كان لهذه الانسدادات، ولهذا "الموات" في المشهد الفلسطيني أن تمضي راكدةً إلى الأبد، وما كان لمسار التآكل في وضع الفلسطينيين، قضية وحقوقاً وأرضاً ومقدسات، أن يغير اتجاهه من دون "غزال يبشر بزلزال"، هكذا كانت الحال عند اتخاذ القرار بالسابع من أكتوبر، وهذا ما كان يجول في العقل الاستراتيجي لمن أطلق الطوفان...تلكم نقطة البدء للحديث عمّا جرى في ذلك اليوم الأغر من أيام الشعب الفلسطيني.

هل كان على حماس مسبقاً أن تتنبأ بكل ما سيحصل؟

ما كان يبدو "حجراً كبيراً"، ستلقيه كتائب القسام في بركة الاستنقاع الشرق أوسطية في السابع من أكتوبر، سيصبح خارجاً عن السيطرة والتحكم، وأحسب أنه تجاوز حسابات حماس وقيادتها، بل وتجاوزها بكثير، وستتسع الدوائر المرتدة التي سيحركها "حجر السابع من أكتوبر" لتطال قارات العالم الست، بدءاً بفلسطين و"إسرائيل"، وليس انتهاء بأبعد مدينة أو بلدة في هذا العالم.

من كان ليُقَدّر أن يتداعى الطوفان إلى حد ضرب إيران في عقر برنامجها النووي والاستراتيجي، وأن يفضي إلى سقوط نظام الأسد، وأن يتعرض حزب الله لما تعرض له من ضربات استراتيجية مؤلمة، وأن يبرز أنصار الله كلاعب إقليمي، يغلق "إيلات" ويضرب "تل أبيب"، يبرم الاتفاقات مع واشنطن ويلغيها...من كان يظن أن الطوفان، سيعيد تغيير الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، بتعزيز الحضور بدل الانكفاء، وأن غزة، هذه الرقعة الصغيرة، ستكون إحدى البوابات لتغيير النظام العالمي برمّته، وأن أوروبا ستتخلى عن بقايا أوراق التوت التي تستر عوراتها، وأن رحلة التخاذل والهوان، ستأخذ العرب، أنظمة وحكاماً، إلى مهاوي الردى، وأن السلطة الفلسطينية، ستصمد في مواجهة شعبها، وليس عدوها، رافضة مد يد العون والإسناد لغزة ومقاومتها، حتى بالكلمة الطيبة، وليس بالسلاح والمقاومة، كما أمل كثيرون....من كان يظن أن الطوفان، سيُخرِج جيلاً بأسره، في الغرب والشرق، إلى الساحات والميادين، وأن العلم الفلسطيني سيرفرف عالياً في كل شارع وزقاق في هذا العالم، وأن "إسرائيل" وسرديتها، ستبلغ أرذل العمر، وتتلوّن بالسواد، بوصفها دولة أبارتيد وإبادة وتطهير عرقي، مجللة بعار فاشية جديدة، استحقت المثول أمام العدالة الدولية...من كان يتوقع أن يحدث كل ذلك، ومن لديه "المخيال السياسي" لرسم الصورة كما تَظهّرت؟

لم تصل حسابات حماس والمقاومة، إلى هذا الحد، لقد أجروا حساباتهم بالفعل، وجاءت قاصرة عن رؤية نهاية المطاف، وهذا صحيح...لكن يصح السؤال هنا كذلك، من في هذا العالم، كان يتوقع أن تنتهي التطورات إلى ما انتهت إليه؟، إذ حتى محترفي "الحكمة بأثر رجعي"، وهم كثر على الساحتين الفلسطينية والعربية، ما عادوا يجرؤون على ترديد عبارتهم المكرورة: "ألم نقل لكم"...لقد قالوها في بداية الحرب، وعندما بدأ الوحش الإسرائيلي يخرج من عقاله، ويشرع في تمزيق أحشاء غزة وأهلها... لكن بعد عامين من الإجرام الإسرائيلي الشائن والثبات الفلسطيني الأسطوري، وبعد كل هذه الارتدادات الزلزالية الكونية، يبدو أن القوم باتوا أكثر تواضعاً، فما حدث يفوق قدرة العقل على التخيّل والخيال... فلماذا يطلب من حماس، ما لم يكن في مُكنة خصومها ومجادليها التنبؤ به والاستعداد له؟!

أما كان بالإمكان تقليص الأثمان؟

ليس أخلاقياً التهوين أو التخفيف من فداحة الثمن الذي دفعه الفلسطينيون في سياق الطوفان ودرء العدوان، فحياة كل طفل فلسطيني مهمة، وحياة كل مقاتل فلسطيني مهمة كذلك... لكننا سنعود إلى السؤال البديهي، وهل يمكن لشعب مُستعمَر، أن يتخلص من مُستعمِرِه، من دون أثمان، وغالباً أثمان جسيمة وفادحة؟

ثم، من قال إن الثمن الذي دفعه الفلسطينيون كان حتمياً؟...ألم يكن بالإمكان "لجم" أو "كبح جماح" العدو المدجج بالسلاح والكراهية، لو أن السلطة جنحت لخيار "التنسيق" مع المقاومة، بدلاً من "التنسيق مع الاحتلال... ولو أن النظام العربي، استخدم أقل ما بحوزته من أوراق سياسية واقتصادية وقانونية (ولا نقول عسكرية مع أنها مستحقة)... لم يفعلوا ذلك، وترددوا كثيراً قبل أن يبدأوا بإلقاء اللائمة على "إسرائيل" وحكومتها و"جيشها"، عن فظائع حرب التطهير والإبادة... لقد فضلوا لوم حماس، حتى إن بعضهم، سعى لتبرير ما تفعله "إسرائيل" بوصفه عقاباً مستحقاً على الحركة وشعبها، لأنها تجرأت على صفعها، وضربها في أيقوناتها، "الجيش" الذي لا يقهر، والاستخبارات التي لا تفشل...بعضهم من أسفٍ، شاطر "إسرائيل" نظريتها "كيّ الوعي" وتماشى مع رواية تأديب جيل أو جيلين من الفلسطينيين، حتى لا يجرؤ أحدٌ في المستقبل على التفكير في فعل شيء مماثل...هم يخشون المقاومة، كما "إسرائيل"، وهم يخشون مقولة إن هزيمتها أمرٌ ممكن، وهم يخشون صور الثبات والبطولة المبثوثة من غزة، ويفضلون عليها، صور المجاعة والدمار والموت المتنقل في الشوارع، علّها تكون تذكرة للرأي العام العربي، بـ"فضيلة" التزام البيوت والمنازل.

خلف حكاية "تقليص الثمن"، كانت تقبع عند البعض منهم، أسوأ النوايا... هم أرادوا لحماس أن ترفع راية بيضاء، إن لم يكن لإنقاذ مقاتليها وحفظ نفسها، فعطفاً ورأفة بأهل غزة ونسائها وأطفالها... هم لا يكترثون بأهل غزة ولا مقاومتها... هم يريدون للتاريخ أن يسطر على صفحاته بأن الحركة فجّرت أعنف هجوم ضد الإسرائيليين، لاذت بالراية البيضاء... هم يريدون أن يبعثوا لأجيال جديدة من الفلسطينيين ومن شعوبهم، مفادها: ألم تروا ما الذي حلّ بمن سبقكم؟... هم لا يريدون الخلاص من المقاومة، بل اقتلاع جذوتها من العقول والنفوس والضمائر، ليس للجيل الحاضر، بل وللأجيال القادمة كذلك.

في حرب السرديات، لم تقتصر ساحة المواجهة على سرديتين فلسطينية وأخرى إسرائيلية... داخل السردية الفلسطينية، كانت هناك سرديتان، واحدة تتغنى بالحكمة والشجاعة في عدم فعل أي شيء، والتزام مقاعد المتفرجين، وأخرى سردية مقاومة ملهمة للعقول وملهبة للمشاعر...ولقد وجدت كل سردية منهما، صدى لها في العالمين العربي والإسلامي، وليس خافياً على أحد، أن سردية المقاومة والصمود والثبات، قد كانت لها اليد العليا، وأن الشوارع الدولية والرأي العام العالمي، قد غادرت مربع الانقياد للسردية الإسرائيلية، إلى غير رجعة.

هل فلسطين في وضع أفضل اليوم؟

على المدى الفوري المباشر، فلسطين تنزف دماً في الضفة والقدس، وبالأخص في غزة، و"إسرائيل" نجحت في كسر كل قيد أو ضابط لسلوكها الإجرامي – البربري...لكن في المقابل، "إسرائيل" التي أرادت في ذروة توحشها، أن تغير صورة الشرق الأوسط وخرائطه، تجد نفسها اليوم، وجهاً لوجه، أمام حقيقة أن غزة ومقاومتها، نجحتا في تغيير صورة العالم...أطواق العزلة التي أحاطت بحركة مدرجة على لوائح الإرهاب من الشقيق والعدو، باتت تلتف اليوم، حول "إسرائيل"، التي فقدت وتفقد صورتها أمام العالم، كواحة للديمقراطية في صحراء الشرق الأوسط القاحلة، وأمام يهود العالم بوصفها ملاذاً للأمن والازدهار..."إسرائيل" التي تفجّر حلمها بأنها "الكبرى"، تختنق اليوم بـ"اللقمة الفلسطينية"، فما زال أهل غزة على أرضهم، وبإجماع دولي نادر تحقق بفعل الصمود والتضحيات والمقاومة، وما زالت أيادي شبان الضفة والقدس، تقاوم المخرز الإسرائيلي، برغم جبروت العدو وخذلان الشقيق.

وبدل أن تنصرف الأنظار جميعها، لرؤية "اليوم التالي" لغزة بعد الحرب، علينا أن نصرف أنظارنا، أو بعضاً منها على الأقل، صوب "اليوم التالي" لـ"إسرائيل"..."إسرائيل" بعد الطوفان لن تعود إلى ما كانت عليه، وقد يكون من السابق لأوانه، رسم معالم صورتها ما أن تصمت المدافع، وأنصح بقراءة ما يقوله بعضٌ ممن تبقى من عقلاء "إسرائيل"، حول المستقبل الكالح الذي ينتظرهم ويتهدد مشروعهم.

وعلى المديين المتوسط والبعيد، فإن ما مضى لـ"إسرائيل" في هذا العالم، لن يعود، سيما مع الجيل الشاب الذي تابع الحرب اليوم، والمنتظر ليتولى مقاليد السلطة والحكم وصناعة القرار والرأي العام في بلاده غداً... طريق الفلسطينيين للاعتراف بهم شعباً توّاقاً للحرية، مكافحاً في سبيلها، مضحياً من أجل الوصول إليها، بات طريقاً رحباً، يمتد على مساحة العالم، من دون الخضوع لسيف الابتزاز بالعداء للسامية أو كراهية اليهود.

قد تخرج حماس كفصيل، أضعف عسكرياً بعد الطوفان، وقد تواجه مزيداً من أطواق العزلة، بيد أنها كفكرة ومشروع، لن تذوي ولن تنزوي... هذا جزء من الثمن الذي دفعته الحركة، وستواصل دفعه... لكن من فائض القول، إنه ثمن مُشرف مهما عظم وتعاظم، وشتان بين حركة تدفع من كيسها في ميادين مقارعة العدو، وحركات دفعت من رصيدها وسمعتها ونفوذها وقيادتها، جراء الاحتماء في أحضان "التنسيق الأمني" واستمراء "قيود أوسلو" الثقيلة...كيف سينتهي هذا الحراك على الساحة الداخلية الفلسطينية، وأي توازنات ستتبلور في قادمات الأيام، ليس هذا هو المهم، الأهم، أن جذوة المقاومة ستستمر مشتعلة ومُتّقدة...ونختم بالقول: ربما نجح أوسلو والتماهي مع السلطة في إطفائها عند فتح، وحذار أن ينجح مسار التفاوض الذي بدأ في شرم الشيخ من إطفائها لدى حماس وبقية فصائل المقاومة.

 

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.