سايكس بيكو وبلفور.. معاً معاً إلى الأبد
خطة ترامب"للسلام" جاءت تكريساً للتحالف الإمبريالي - الاستعماري - الصهيوني، وتكريساً لما حققه هذا الربيع الذي لم يخدم سوى مصالح الكيان العبري.
-
خطة ترامب جاءت تكريساً للتحالف الإمبريالي - الاستعماري - الصهيوني.
تسابقت العواصم الإقليمية في ما بينها للإعلان عن تأييدها خطة الرئيس ترامب "للسلام" في غزة، والتي تجاهلت حقوق الشعب الفلسطيني، ليس في غزة فحسب، بل الضفة الغربية أيضاً، واستبعدت أي أمل لقيام الدولة الفلسطينية التي لم يعد لها أي عاصمة، ولو نظرياً، ولأن الخطة لم تذكر اسم القدس أبداً كأنها تصادق على إعلان سابق للرئيس ترامب الذي أعلن القدس "عاصمة لدولة إسرائيل الأبدية" في ٦ كانون الأول ٢٠١٧، كما تسابقت هذه العواصم الإقليمية في ما بينها للضغط على قيادات حماس لإقناعها أو إجبارها على القبول بخطة ترامب التي استسلم لها محمود عباس مسبقاً بتصريحاته ومواقفه المعادية لحماس والمتجاهلة لكامل الحقوق الفلسطينية.
وأحيل أمر هذه الحقوق إلى المندوب السامي البريطاني الجديد طوني بلير، وكان أجداده هم الذين قدموا فلسطين "وطناً قومياً لليهود" في وعد بلفور المشؤوم في ٢ نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٧.
وكان ذلك بتواطؤ رؤساء العشائر الخليجية التي كانت متحالفة آنذاك مع بريطانيا ضد الدولة العثمانية، وسقطت في حربها مع الدول الاستعمارية آنذاك.
وسبق هذا "الوعد" تواطؤ آخر بين هذه العشائر، وأهمها آل سعود وآل ثاني الوهابية، مع بريطانيا التي رسمت خارطة المنطقة وتقاسمتها مع حليفتها فرنسا في اتفاقية سايكس بيكو، وقال "تاجر العقارات" الأميركي توم براك: "أكل الدهر عليها وشرب، وحان الوقت للتفكير في صياغات جديدة بديلة منها".
وهذه هي مهمة الرئيس ترامب الذي سبق "لأجداده" أن أعطوا فلسطين لليهود بقرار التقسيم في الأمم المتحدة في ٢٩ نوفمبر/ تشرين الثاني ١٩٤٧ بعدما هدد وتوعد الرئيس ترومان الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وأجبرها على الموافقة على قرار التقسيم الذي سبق للرئيس روزفلت أن ساهم فيه بالتنسيق والتعاون مع رئيس الوزراء البريطاني الاستعماري الشهير تشرتشل.
ويبدو واضحاً أن بلير بل وحتى ستارمر ماضيان على خطاه للتآمر ضد الشعب الفلسطيني، بل وحتى كل دول المنطقة، ما دام حكامها متواطئين معهما ومع ترامب، بل وحتى نتنياهو، بشكل مباشر أو غير مباشر.
ودون أن نتجاهل دور الرئيس ماكرون ممثلاً استعمارياً عن فرنسا، شريكة بريطانيا في سايكس بيكو والعديد من مشاريع وخطط التآمر الإمبريالي - الاستعماري - الصهيوني التي استهدفت وتستهدف المنطقة منذ سايكس بيكو وبلفور، مروراً بكل الحروب الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني والدول العربية، بما في ذلك حرب صدام حسين ضد إيران.
وجاء الربيع العربي الدموي ليستمر الغرب الإمبريالي في تبنيه للمشروع الصهيوني بعدما استنفرت من أجله دول بلفور وسايكس بيكو وقرار التقسيم كل إمكانياتها، وذلك بالتنسيق والتعاون مع كل من تواطأ معها طيلة مئة سنة ماضية، وهو ما اعترف به رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم في ٢٧ أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠١٧.
وجاءت خطة ترامب"للسلام"، أي الاستسلام، تكريساً لهذا التحالف الإمبريالي - الاستعماري - الصهيوني، تكريساً لما حققه هذا الربيع الذي لم يخدم سوى مصالح الكيان العبري، وخصوصاً بعدما تحالفت الدول المذكورة فيما بينها لإسقاط نظام الأسد وتسليم السلطة للإرهابيين من مختلف أنحاء العالم.
وأثبتوا بدورهم خلال الأشهر الماضية أنهم كانوا وما زالوا في خدمة تحالف سايكس بيكو - بلفور - التقسيم، الذي ما زال مستمراً ولو بأشكال وصيغ مختلفة.
ويفسر ذلك الزيارات السرية والعلنية التي قام بها طوني بلير إلى واشنطن خلال آب/ اغسطس الماضي، حيث التقى اليهودي جاريد كوشنر، وهو صهر الرئيس ترامب، وقاما معاً، وبمشاركة ستيف ويتكوف، بصياغة ما يسمى "خطة ترامب" التي كان نتنياهو على علم مسبق بكل بنودها التي نقلها له صديقاه كوشنر وبلير.
ويعرف الجميع أنه يتنقل طيلة السنوات الأخيرة بين العواصم الخليجية و"تل أبيب"، وأنه أدى دوراً مهما في ما يسمى بالاتفاقيات الإبراهيمية التي قال ترامب صيف ٢٠٢٠ إنه يستحق جائرة نوبل للسلام من أجلها.
ترامب الذي قال إنه "بحث موضوع إيران مع نتنياهو"، وناشد طهران "للكف عن دعم الموالين لها في المنطقة"، يعرف الجميع أن هدفه الأهم في المنطقة هو جمع نتنياهو مع أحمد الشرع في البيت الأبيض بعد الاعتراف للمندوب السامي البريطاني الجديد طوني بلير بكامل الصلاحيات الإقليمية والدولية لحسم ملف غزة وفلسطين.
ويرى ترامب وصهره اليهودي كوشنر وفريق عمله، ومعظمهم من اليهود، في خطة "سلام" غزة، وبالتالي لقاء الشرع بنتنياهو، الهدف الأهم، ليس فقط سياسياً واستراتيجياَ، بل عقائدياَ ودينياَ، باعتبار أن نتنياهو وأحزاب حكومته الائتلافية وغالبية مستوطني الكيان الإسرائيلي محسوبون على اليهود المتطرف.
فيما يعتقد أحمد الشرع ومن معه من قيادات الفصائل المسلحة التي انتخبته رئيساً لسوريا أنهم "يمثلون الإسلام الحقيقي المعتدل"، وبعدما تخلوا عن نهجهم المتطرف بناء على طلب بل أوامر وتعليمات الرئيس ترامب الذي التقى الشرع في الرياض في ١٤ أيار/ مايو، أي في الذكرى ٧٧ لقيام "دولة" إسرائيل العبرية وكنتاج لتحالف سايكس بيكو وبلفور والراعي الأكبر في واشنطن.
وإلا لما جلس ديفيد باتريوس "يدردش" مع الشرع في ندوة مفتوحة في نيويورك حضرها أصحاب القرار الأميركي والأوروبي، وبعدما التقى رئيس المؤتمر اليهودي العالمي دونالد لودر في جلسة "خاصة ومطولة ومهمة".
ولم ينسَ باتريوس خلال اللقاء الحديث عن ذكرياته "غير المباشرة" مع الجولاني، أي الشرع، عندما كان للفترة ٢٠٠٣-٢٠٠٦ مسؤولاً عن القوات الأميركية في الموصل، في الوقت الذي كان الجولاني يقاتل هذه القوات في الفترة الزمنية نفسها، وقبل أن يتم اعتقاله ليتعرف إلى الزرقاوي، ثم البغدادي، لينضم إلى القاعدة، ثم داعش، ليعود إلى سوريا، ويصبح زعيماً للنصرة، ثم هيئة تحرير الشام.
وكان اختيار باتريوس الذي تمت مكافأته لنجاحاته في العراق، وأصبح رئيساً للمخابرات الأميركية المركزية، "للدردشة" مع أحمد الشرع دليلاً واضحاً على "الدور الأميركي في عملية "تصنيع" البغدادي والجولاني وأمثالهم منذ الاحتلال الأميركي - البريطاني للعراق، وقبل ذلك أفغانستان، حيث كانت هناك القاعدة، ثم طالبان وباقي الحركات الجهادية.
وجاءت اعترافات السفير الأميركي سابقاً في دمشق روبرت فورد لتؤكد لنا حقيقة التحالف الأميركي - البريطاني، إذ قال وبصفته ممثلاً عن الملف السوري بأكمله للفترة ٢٠١١-٢٠١٤، إنه قام "بإعداد وتأهيل" الجولاني وباسم منظمة مقربة من المخابرات البريطانية وصاحبها جوناثان باول الذي كان مستشاراً شخصياً لطوني بلير عندما كان رئيساً للوزراء ومقرباً منه عندما التقى وزير الخارجية أسعد الشيباني في دافوس في ٢٤ يناير/ كانون الثاني الماضي.
في الوقت الذي كان المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا سابقاً جيمس جيفري يعترف بأن "علاقة أميركا بالشرع قديمة منذ أن كان اسمه الجولاني".
وكانت باريس، وهي الطرف الآخر في سايكس بيكو، تتحرك فيه بخبث دبلوماسي خطير في لبنان لصياغة مستقبل هذا البلد العربي وفق المزاج الإسرائيلي، وعبر إيصال جوزيف عون ونواف سلام إلى السلطة في بيروت، وإقناعهما أو إجبارهما على الرضوخ للمطالب الأميركية - الفرنسية - البريطانية، وأهمها التخلص من حزب الله وحلفائه ولو على حساب دمار لبنان.
باعتبار أن ذلك هو الشرط الأساسي لإنجاح المشروع الصهيوني العقائدي والديني، والذي يحظى كما كان في السابق برضى ودعم رؤساء العشائر والقبائل التي تحدث عنها توم براك مبشراً بضرورة التخلص من الدول الوطنية بحدودها التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو لتحل محلها دول ترامب التي يسعى كوشنر وبلير ونتنياهو ومن معهم في السر والعلن في المنطقة أو خارجها من قريب أو بعيد لرسم خرائطها التي تحدث عنها بوش الابن في مشروع الشرق الأوسط الكبير، ثم شمعون بيريز في مشروع الشرق الأوسط الجديد، والآن ترامب في اتفاقياته الابراهيمية بدولها الجديدة، وأهمها سوريا بحكامها الإسلاميين الجدد!