"ذا إنترسبت": الإبقاء على العقوبات يسحب البساط من تحت سوريا
قُبيل ساعات من سقوط نظام الأسد، تحرك الكونغرس لتمديد العقوبات المفروضة على سوريا. وعلى الرغم من التنازلات الرئاسية، فإنّ سوريا لن تكون منتعشة حتى يتم رفع العقوبات عنها.
موقع "ذا إنترسبت" ينشر تقريراً للكاتبة آيدا تشافيز تتحدث فيه عن تأثير العقوبات المفروضة على سوريا، قبل سقوط النظام، وبعده.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
بعد الهجوم المفاجئ الذي شنه المتمردون وأدى إلى انتهاء نظام بشار الأسد، تقف سوريا اليوم أمام مفترق طرق.
من المؤكد أن عملية إعادة إعمار سوريا، التي دمرتها الحرب الأهلية، ستسلك مساراً طويلاً. إلا أنّ السوريين الذين يتطلعون إلى تقديم المساعدة لأبناء وطنهم والبدء في إعادة بناء سوريا الجديدة، يشكون من نقص في السيولة. والطريقة الوحيدة التي يستطيع الغرب من خلالها مساعدة السوريين في الحصول على الأموال اللازمة لتحقيق مستقبل مستقر ومزدهر هي رفع العقوبات الأميركية.
وهذه العقوبات جاءت نتيجة محاولات استمرت عقوداً من الزمن لعزل النظام السوري. واليوم، وفي ظل رحيل الأسد، يدعو عدد متزايد من المدافعين عن حقوق الإنسان والخبراء والمشرعين الولايات المتحدة إلى الإنهاء الفوري للعقوبات المفروضة على سوريا كخطوة ضرورية لبدء عملية إعادة الإعمار والسماح للمساعدات بالوصول إلى سكان البلاد الفقراء.
وفي هذا الإطار، قالت ديلاني سيمون، وهي محللة بارزة في "مجموعة الأزمات الدولية" (International Crisis Group): "إنّ عدم التفكير في تخفيف العقوبات في الوقت الحالي يشبه سحب البساط من تحت سوريا في الوقت الذي تحاول فيه الوقوف. ولا يمكنني التأكيد على شدة تأثير العقوبات على الاقتصاد السوري".
وقد أتيحت للكونغرس هذا الشهر الفرصة لإنهاء أقسى العقوبات المفروضة على سوريا بمجرد السماح بانتهاء مدتها. ومن المفترض أن ينتهي العمل بقانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا عام 2019 في 20 كانون الأول/ ديسمبر، إلا أنّ الكونغرس ملتزم بإبقائه نافذاً. وقد تضمن اقتراح حديث لميزانية الدفاع الأميركية للعام المقبل بنداً يقضي بتمديد عقوبات قيصر؛ وتم إصدار الميزانية قُبيل ساعات قليلة من سقوط الأسد. ولأن ميزانية وزارة الدفاع تُعد بمنزلة قانون تشريعي لا بد من إقراره، فمن غير المرجح أن تتغير بنود هذه الميزانية. ولأنّ سقوط الأسد يلبي شروطاً معينة في القانون، فإنّ الرئيس يمكنه التنازل عن الكثير من العقوبات.
وبالتالي، فإنّ تصنيف الدولة السورية على أنّها إرهابية ومعها المتمردين الذين يتولون قيادة البلاد عملياً، يخلق عقبات كبيرة أمام التجارة.
الإرهابيون المحظورون
إنّ الخوف بشأن مصير سوريا المستقبلي ينبع من الفصيل المركزي الذي يقف وراء إطاحة الأسد، وهو "هيئة تحرير الشام". فقد سبق أن صنّفت حكومتا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة؛ هذه الهيئة، وهي فرع من تنظيم "القاعدة"، منظمة إرهابية؛ لذا فإنّ التعامل معها محظور. أما زعيمها أبو محمد الجولاني، فقد وضعت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار أميركي للقبض عليه لانتمائه إلى تنظيمَي "القاعدة" و"داعش".
وتحاول "هيئة تحرير الشام" والجولاني في الوقت الراهن النأي بالنفس عن انتماءاتهما السابقة، الأمر الذي تسبب في إثارة "نقاش محتدّ" في واشنطن حول ما إذا كان يتعين على الولايات المتحدة شطب المجموعة من قائمة الإرهاب، وفق ما ذكرته مجلة "بوليتيكو" مؤخراً. وبالتالي، فإنّ إدراج "هيئة تحرير الشام" كمنظمة إرهابية، ليس سوى أحد العوائق التي تحول دون انتعاش سوريا.
إنّ عقوداً من الضغوط الاقتصادية الأميركية، التي حفّزها المشرعون المتشددون في أغلب الأحيان، جعلت سوريا واحدة من أكثر الدول المثقلة بالعقوبات في العالم. وفي ظل هذه الحرب الاقتصادية، إلى جانب ضغوط الحرب الأهلية الوحشية التي يشنها نظام الأسد الاستبدادي، والمتمردون الشرسون من تنظيم "داعش"، ومختلف الجماعات المسلحة الأخرى، عانى المدنيون السوريون من أوجه الحرمان التي لا حصر لها.
ومع انتهاء نصف قرن من حكم عائلة الأسد، يقول المحللون والمشرعون، إنّ إنهاء العقوبات يمكن أن يبدأ في توفير الراحة للسوريين ودعم اقتصادهم. إلّا أنّ السبيل لبلوغ هذه الراحة يمر عبر واشنطن. وفي هذا السياق، قال روبرت فورد، الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى سوريا في عهد الرئيس باراك أوباما، يوم الخميس: "لا نعرف بالتحديد كيف سيكون مستقبل سوريا. ولا نعرف ما إذا كانت ستكون دولة تحترم حقوق الأقليات، وهو أحد الشروط التي وضعتها وزارة الخارجية أمس لاستعادة العلاقات بين البلدين". وأردف قائلاً: "ما زال الوقت مبكراً لمعرفة إلى ما ستؤول إليه الأمور، وأعتقد بأن إلغاء بعض العقوبات اليوم، ولا سيما تلك التي تستهدف قطاع البناء، سيكون بادرة طيبة".
دور واشنطن
لقد تم تصنيف الحكومة السورية على أنّها "دولة راعية للإرهاب" منذ عام 1979، لكن الحرب الاقتصادية اشتدت في عام 2011 مع اندلاع الحرب الأهلية. وأدّت سلسلة من الأوامر التنفيذية إلى تقييد معظم ما تبقى من العلاقات التجارية بين سوريا والولايات المتحدة. وفي عام 2019، أقر الكونغرس قانون "قيصر" لحماية المدنيين في سوريا، الذي وافق عليه الحزبان الجمهوري والديمقراطي، والذي وسع بشكل كبير قدرة الولايات المتحدة على فرض عقوبات على الأفراد والشركات والحكومات نتيجة تعاملهم مع نظام الأسد.
وفي الوقت الذي أُقر فيه، زعم مؤيدو القانون أنه مصمم للتخفيف من الضرر المحتمل على المدنيين السوريين - "لتجنب فرض عقوبات على المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الإمدادات الطبية والغذائية المخصصة للاستخدام المدني"، وفقاً لمعهد "بروكينغز". وعلى الرغم من ذلك، وجد مقرر خاص للأمم المتحدة في تقرير صادر عام 2023 أنّ "المبالغة المتزايدة في الامتثال" للعقوبات، ولا سيما قانون قيصر، كانت لها "آثار سلبية خطيرة على مجموعة واسعة من حقوق الإنسان".
ونتيجة للعقوبات الأميركية، التي تستهدف قطاعات كاملة من الاقتصاد وجميع المصارف الرئيسة في سوريا، تدهورت قيمة العملة وارتفعت معدلات التضخم بشكل كبير، ما أدّى إلى تفاقم الظروف الإنسانية والاقتصادية الصعبة بالفعل على أرض الواقع. وقد صرّح وزير الخارجية أنتوني بلينكن بأنّ سياسة الولايات المتحدة تقوم على اعتراض عملية إعادة الإعمار في سوريا إلى أن يتم إحراز "تقدم لا رجعة فيه للتوصل إلى حل سياسي". ويبدو أنّ تلك اللحظة قد حانت، وأن بعض المشرعين مستعدون على الأقل لاغتنامها.
فخلال هذا الأسبوع، كتب اثنان من المشرعين، وهما النائب جو ويلسون، الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية؛ والنائب بريندان بويل، الديمقراطي عن ولاية بنسلفانيا، رسالة يحثّان فيها إدارة بايدن على تخفيف بعض العقوبات على سوريا. ودعا المشرعان الإدارة إلى إبقاء العقوبات على المسؤولين السابقين في حكومة الأسد، مع تعليق أجزاء أخرى من قانون "قيصر"، وتحديداً تلك التي أدرجت قطاعات كاملة من الاقتصاد في القائمة السوداء وعرقلت إعادة الإعمار.
وجاء في الرسالة: "من الضروري اتباع نهج مدروس ومرحلي لتخفيف العقوبات والرقابة على الصادرات المفروضة على سوريا".
وبالنسبة إلى ويلسون وبويل، كانت هذه الرسالة بمنزلة نقطة تحوّل، فبصفتهما أعضاء في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب ذات النفوذ، كان المشرعان قد أيّدا في وقت سابق تشريعاً لتعزيز عقوبات "قيصر" وقالا مراراً إنّ الإعفاءات المضمنة في العقوبات الأميركية كانت كافية.
المساعدة وحدها ليست كافية
بالنسبة إلى الكثير من المراقبين للشأن السوري، فإنّ الدعوات إلى رفع العقوبات واسعة النطاق ستكون موضع ترحيب، خصوصاً بسبب تأثير الحصار الاقتصادي على الشعب السوري. وقال السفير السابق فورد: "إنّ الحجة القائلة بأن العقوبات الثانوية لم يكن لها أي تأثير على المدنيين السوريين غير مثبتة. وإذا كانت العقوبات قد أخرت مشاريع البناء، فإنّ هناك مساكن أقل نتيجة لذلك، وهذا يعني مساكن أقل للشعب السوري. كما يعني ذلك أنّ هناك وظائف أقل وأجوراً أقل. ومن المؤكد أنّ جهودنا لمنع تسليم منتجات الطاقة، ولا سيما النفط والوقود، ساهمت في رفع أسعار الطاقة في سوريا، وقد أثر ذلك أيضاً على الشعب".
وبين عامي 2019 و2021، ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية في سوريا بنسبة 800%، وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنّ 16.7 مليون شخص في سوريا يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، أيّ أكثر من 70% من السكان، وما يقرب من نصف المحتاجين هم من الأطفال.
وعلى الرغم من التراخيص وتخصيصات المساعدات الإنسانية، فإنّ الإجراءات الاقتصادية التقييدية جعلت من الصعب على المنظمات القيام بعملها. وقال سايمون، الخبير في "مجموعة الأزمات" (Crisis Group)، إنّه نتيجة لفرض عقوبات شديدة على سوريا، يظهر "تأثير سلبي"، إذ تتردد معظم الكيانات في القيام بأعمال تجارية في سوريا بسبب المخاطر القانونية المحتملة والمخاطر المتعلقة بالسمعة. وحتى لو أبدت الشركات والمنظمات الدولية استعدادها للاستفادة من الإعفاءات الخاصة بالمساعدات الإنسانية، اعتبر سايمون أنّ هناك حاجة إلى المزيد من الإعفاءات.
وفي هذا الصدد، قال سايمون: "لا يمكن للمساعدات الإنسانية وحدها أن تولّد اقتصاداً كاملاً. لقد رأينا ذلك في أفغانستان، حيث كانت هناك تراخيص ذات طابع إنساني والعاملون في مجال حقوق الإنسان موجودون على الأرض. إلّا أنّه لا يمكنك دعم الناتج المحلي الإجمالي لبلد بأكمله من خلال بعض شحنات المساعدات، حتى لو كانت الجهات المانحة على استعداد لتقديم كل المساعدات المطلوبة لتحقيق ذلك. فهذه ليست طريقة لبناء دولة مستقلة تكون قادرة على الوقوف على قدميها في النهاية".
ويعتقد سايمون بأنّ الولايات المتحدة والحكومات الأخرى التي تفرض عقوبات يجب أن تضع خطة لإلغاء هذه الإجراءات في نهاية المطاف. ومع ذلك، يمكن للولايات المتحدة حالياً اتخاذ خطوة فورية بإصدار ترخيص عام يسمح بممارسة النشاط التجاري في سوريا وليس تقديم المساعدات الإنسانية فحسب.
نقلته إلى العربية: زينب منعم