"المونيتور": اشتباكات السويداء تؤجج مخاوف تركيا من المكاسب الكردية وتفتيت سوريا

وسط الضربات الإسرائيلية والعنف الطائفي، تضاعف تركيا جهودها للحفاظ على وحدة الأراضي السورية، على أمل إدارة عودة اللاجئين ومنع الحكم الذاتي الكردي.

  • جثث مجهولة الهوية لأشخاص قُتلوا خلال عنف طائفي الأسبوع الماضي مُلقاة في أكياس خارج مستشفى السويداء الوطني (أ ف ب)
    جثث مجهولة الهوية لأشخاص قُتلوا خلال عنف طائفي الأسبوع الماضي مُلقاة في أكياس خارج مستشفى السويداء الوطني (أ ف ب)

موقع "المونيتور" الأميركي ينشر تقريراً يتناول تصاعد الاشتباكات الدامية في محافظة السويداء جنوب سوريا، وانعكاساتها الإقليمية، ولا سيما قلق تركيا المتزايد من تفكك سوريا على أسس عرقية وطائفية، وتأثير ذلك على الكرد داخل تركيا، إضافة إلى تصاعد التدخل الإسرائيلي في سوريا، والرهانات الجيوسياسية التي تحرك أنقرة وواشنطن و"إسرائيل" في هذا السياق.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

أججت الاشتباكات الدامية في محافظة السويداء جنوب سوريا هذا الأسبوع مخاوف أنقرة من تفكك سوريا على أسس عرقية وطائفية في معاقل الدروز في الجنوب والمناطق الخاضعة لسيطرة الكرد في الشمال. سارعت تركيا إلى إدانة الغارات الجوية الإسرائيلية على أهداف للحكومة السورية وسط أعمال العنف، لكن قلقها الأعمق ينبع من احتمال امتداد تفكك سوريا عبر الحدود.

مع وجود ملايين اللاجئين السوريين في تركيا وترسيخ الحكم الذاتي الكردي قرب حدودها، تُضاعف أنقرة جهودها للحفاظ على وحدة أراضي سوريا. ويخشى المسؤولون الأتراك من أنّ أي تقسيم رسمي لسوريا سيشجع الإدارة الكردية في الشمال على ترسيخ حكمها الذاتي، ما قد يُلهم طموحات مماثلة لدى السكان الكرد في تركيا.

من خلال إشراك دمشق ودول الخليج وربما الضغط على الرئيس الأميركي دونالد ترامب للضغط على "إسرائيل" لوقف هجماتها، تعمل حكومة إردوغان على صياغة سوريا ما بعد الصراع، بحيث لا تُهدد الاستقرار الداخلي لتركيا أو تُمكّن الانفصاليين الكرد.

احتكاك طويل الأمد

اندلعت اشتباكات بين ميليشيات درزية محلية ومقاتلين سنّة من جديد في السويداء هذا الأسبوع، مما دفع المحافظة الجنوبية السورية إلى أعنف موجة عنف تشهدها منذ سنوات. أدى تجدد القتال، الذي خلّف أكثر من 600 قتيل، وفقاً لمرصد حربي بريطاني، إلى ورود تقارير عن إعدامات ميدانية، وأدى إلى شنّ "إسرائيل" عدة غارات جوية استهدفت قوافل بدو قرب السويداء، بالإضافة إلى مواقع عسكرية تابعة للحكومة السورية حول دمشق وعلى طول طريق تدمر-حمص السريع.

في حين صوّرت "إسرائيل" الضربات على أنّها محاولة لحماية الدروز المحاصرين، ردّت دمشق بإعادة نشر قواتها في المنطقة في محاولة لاحتواء الصراع المتصاعد. وبدا أنّ الدروز ودمشق قد اتفقا يوم الأربعاء على وقف إطلاق النار، ما أدى إلى انسحاب القوات الحكومية. إلا أنّ الوضع لا يزال هشاً، مع استمرار التوترات. قال إردوغان يوم الخميس: "استخدمت إسرائيل الدروز ذريعة لتوسيع نطاق فوضى عارمة في سوريا"، مضيفاً أنّ الحفاظ على وحدة أراضي سوريا هو "السياسة الأساسية" لتركيا. وقال: "لم نقبل تقسيم سوريا في الماضي، ولن نقبله إطلاقاً لا اليوم ولا في المستقبل".

كما لعبت أنقرة دوراً سرياً في خفض التصعيد، حيث تحدث وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، إضافة إلى نظرائه الإقليميين الآخرين.

كما أثارت تركيا مخاوفها بشكل مباشر مع "إسرائيل". وصرح فيدان لوكالة "الأناضول" التركية الحكومية في نيويورك يوم الأربعاء: "لقد نقلنا آراءنا بشأن هذه المسألة إلى الإسرائيليين عبر جهاز استخباراتنا، وأننا لا نريد زعزعة الاستقرار هناك".

مخاوف تركيا

إلى جانب الأزمة الحالية في السويداء، أدّت الاشتباكات إلى تضخيم المخاوف الراسخة لدى أنقرة بشأن تجزئة سوريا والآثار المترتبة على ذلك والتي قد تطلقها عبر الحدود الجنوبية لتركيا وفي سياساتها الداخلية.

قال أيهان دوغانر، المحلل البارز في مركز أبحاث "EDAM" ومقره إسطنبول، لموقع "المونيتور" إنّ "المخاطر الحالية في سوريا أعلى مما كانت عليه في آذار/مارس"، في إشارة إلى الاشتباكات العنيفة بين الفصائل المسلحة السنية والأقلية العلوية في سوريا والتي خلّفت أكثر من 1000 قتيل، معظمهم من العلويين. وأضاف أنّ "وضع الدروز أكثر حساسية من وضع المسيحيين والعلويين في سوريا لأن الدروز لديهم صلات في لبنان وإسرائيل".

إنّ تفكك سوريا على أسس عرقية ودينية ومذهبية واحتمال انتشاره إلى الدول المجاورة ليس في مصلحة تركيا.

فرّ الملايين من طالبي اللجوء السوريين إلى تركيا خلال الحرب الأهلية في بلادهم، وتنافسوا على الوظائف والسكن مع المواطنين الأتراك. يوجد حالياً نحو 3 ملايين لاجئ سوري موثّق في تركيا. أما عدد السوريين غير الموثقين فهو غير معروف. وقد كلفت استضافتهم أنقرة عشرات المليارات من الدولارات، وفقاً لمسؤولين أتراك، كما خلقت توترات اجتماعية، بما في ذلك داخل القاعدة الانتخابية لإردوغان. قد يؤدي أي صراع أو تقسيم آخر في سوريا إلى موجة جديدة من اللاجئين.

ستخاطر تركيا بتأجيج التوترات إذا أغلقت حدودها. كما جعلت تركيا الحفاظ على وحدة أراضي سوريا أولوية قصوى. تنظر أنقرة إلى الإدارة الكردية الفعلية في شمال سوريا، بقيادة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، على أنها امتداد لحزب العمال الكردستاني المحظور (PKK)، الذي نفّذ تمرداً استمر عقوداً من أجل الحكم الذاتي الكردي داخل تركيا. في أيار/مايو، أعلن حزب العمال الكردستاني حل نفسه كجزء من عملية سلام مع أنقرة. يخشى المسؤولون الأتراك من أنّ أي إضفاء شرعية على الحكم الذاتي الكردي في سوريا قد يشجع المتشددين داخل حزب العمال الكردستاني على تخريب العملية.

شجعت أنقرة المصالحة بين الرئيس السوري أحمد الشرع والجماعات الكردية السورية التي تمتعت بالحكم الذاتي الفعلي داخل سوريا، بدعم من الولايات المتحدة، منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. تعمل حكومة إردوغان وحليفها القومي، دولت بهجلي، على نزع سلاح حزب العمال الكردستاني من خلال محادثات مع الحزب الكردي التركي، الحزب الديمقراطي. أعلن حزب العمال الكردستاني، المُصنّف من قِبل تركيا والولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية كمنظمة إرهابية، عن نيته نزع سلاحه في 12 أيار/مايو، استجابةً لدعوةٍ من زعيمه المسجون، عبد الله أوجلان، في 27 شباط/فبراير. ولا يزال من غير الواضح إذا ما كان من الممكن تفكيك الجماعة بالكامل. وقد انتهت محادثات مصالحة مماثلة بين عامي 2013 و2015 بأعمال عنفٍ وإراقة دماءٍ واسعة النطاق.

المناورات الجيوسياسية التركية

في أعقاب اندلاع الاشتباكات في السويداء هذا الأسبوع، انخرط وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في جهود دبلوماسية مكثفة، حيث أجرى اتصالات مع نظيره السوري الشيباني، والمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توم بارّاك، ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، للمساعدة في التوسط لوقف إطلاق النار. كما أجرى اتصالات مع وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان. وفي كلمة له أمام الأمة صباح الخميس، قال الشرع إنّ خفض التصعيد تحقق بفضل الدبلوماسية العربية والتركية والأميركية.

زار رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد، إردوغان يوم الأربعاء في أنقرة، حيث ناقشا العلاقات الثنائية والأحداث الإقليمية. تحتاج تركيا إلى استثمارات خليجية في سوريا لضمان استعادة جارتها الجنوبية عافيتها.

ومن المرجح أيضاً أن تواصل تركيا الضغط على إدارة ترامب لإيجاد مخرج من الاشتباكات الطائفية في سوريا. ترى أنقرة في واشنطن، وخاصة ترامب، رافعة محتملة لكبح جماح "إسرائيل" وتحقيق الاستقرار في خطوط الصدع الهشة في سوريا. قال جوشوا لانديس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط والأستاذ بجامعة أوكلاهوما، لموقع المونيتور: "لقد انحازت الولايات المتحدة بقوة إلى جانب الشرع وتركيا". وأضاف أنّ بارّاك "صرّح بأن على الكرد الاستماع إلى الرئيس الشرع وتقديم تنازلات والانضمام إلى دولة واحدة ذات جيش واحد". ووفقاً للانديس، فإنّ هذا خبر سار لإردوغان وتركيا. ومع ذلك، فهو ليس ما كان يأمله الكرد.

كان جزء من حسابات ترامب لرفع العقوبات المفروضة على سوريا منذ عهد الأسد هو تشجيع تطبيع العلاقات السورية الإسرائيلية، إلا أنّ هجمات "إسرائيل" الأخيرة تُهدد بوضع الشرع وإدارته في مأزق بإجبارهما على الرد عسكرياً أو المخاطرة بظهورهما ضعيفين أمام مؤيديهما والفصائل المنافسة على حد سواء.

قال دوغانر: "لا يمكن لتركيا وقف تصرفات إسرائيل إلا من خلال الولايات المتحدة"، مضيفاً أنّه إذا فشلت الولايات المتحدة في كبح جماح "إسرائيل"، "فسيكون هناك ضغط كبير على خطوط الصدع في سوريا". وأضاف أنه إذا تمزقت  "خطوط الصدع" هذه، "فلن ينجو أحد من هذا الزلزال السياسي".

ويعتقد نيكولاس هيراس، المدير الأول في معهد نيولاينز في واشنطن، أنّ ترامب سيواجه صعوبة في كبح جماح نتنياهو.

جاءت الضربات الإسرائيلية في وقت سابق من هذا الأسبوع بعد أن تعهد كل من ترامب وباراك بمنح الإدارة السورية الجديدة فرصة لإعادة بناء البلاد. قال هيراس للمونيتور: "نتنياهو يتصرف وفق مصالحه السياسية الداخلية. بإمكانه أن يأمر [جيشه] بشن هجوم على السوريين من دون عقاب، ويرسل رسالة إلى ناخبيه بأنه رجل أفعال". وأضاف هيراس أنّ نتنياهو يتصرف بهذه الطريقة لأنّ الدروز يمثلون قضية سياسية داخلية بالنسبة له. وقال: "دائرته الانتخابية الدرزية الإسرائيلية غاضبة من الوضع في سوريا، وهو بحاجة إلى أصواتهم في الانتخابات المقبلة".

نقلته إلى العربية: بتول دياب.