"Responsible Statecraft": الغارات الإسرائيلية على سوريا تضع أميركا في مرمى النيران

"إسرائيل" تقصف دمشق وتهدّد حكم الشرع، بينما كانت واشنطن تأمل في مساعدة الحكومة الناشئة على الوقوف على قدميها.

0:00
  • غارات إسرائيلية على مبنى هيئة الأركان العامة وسط العاصمة السورية دمشق
    غارات إسرائيلية على مبنى هيئة الأركان العامّة وسط العاصمة السورية دمشق

مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً يتناول الضربات الإسرائيلية على مواقع حكومية في دمشق، في سياق معقّد يتداخل فيه الصراع الإقليمي، والتحالفات الطائفية، والمساعي الأميركية لتثبيت حكومة سورية جديدة برئاسة الجهادي السابق أحمد الشرع.

ويرى المقال أنّ تصرّفات "إسرائيل" تعقّد مهمة الولايات المتحدة وتضعها في موقف حرج، بين دعم حليفها وبين حماية مشروعها السياسي في سوريا.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية: 

بينما كانت واشنطن تأمل مساعدة حكومة دمشق الجديدة للوقوف على قدميها، قصفت الطائرات الإسرائيلية والمسيّرات مجمّع وزارة الدفاع السورية وموقعاً ثانياً بالقرب من القصر الرئاسي في وسط دمشق، ممّا تسبّب في انفجارات هائلة قتلت أحد الأشخاص على الأقلّ وإصابت 18 آخرين بحسب وزارة الصحة السورية.

وبرّرت "تلّ أبيب" الهجوم بأنّه تحذير لحماية الأقلية الدرزية في سوريا، وقالت إنّ المزيد من "الضربات المؤلمة" ستستمرّ ما لم تنسحب القوات السورية والميليشيات المتحالفة معها من جنوب البلاد، لكن لماذا تقصف "إسرائيل" مبنى حكومياً مهمّاً في دمشق بزعم حماية الدروز؟

ويبلغ عدد أبناء الطائفة الدرزية وهم فرقة دينية إسلامية عربية نحو مليون نسمة في جميع أنحاء العالم، يعيش منهم نحو 700,000 في محافظة السويداء السورية. ويحمل نحو 150 ألف درزي الجنسية الإسرائيلية، ويخدمون في الجيش، في حين يحتفظ 20 ألفاً آخرين في الجولان الذي تحتله "إسرائيل" بالهوية الوطنية السورية. 

وقد ضغطت الدوائر الانتخابية على رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو للتحرّك، لكن أيضاً لـ "تلّ أبيب" دوافعها الخاصّة، بما في ذلك الحفاظ على منطقة عازلة يهيمن عليها الدروز في جنوب سوريا لعزلها عن الحكومة السورية الجديدة التي تراها بعين الريبة. تبنّت حكومة الشرع موقفاً منسجماً تجاه "إسرائيل" وأعلنت عن أنّها لا تسعى إلى الصراع. لكنّ المنظور السائد في "إسرائيل" هو أنّ الشرع يحاول توطيد سلطته وبمجرّد أن يفعل ذلك، قد يعود إلى جذوره الجهادية.

وهذا يشكّل أحد الأسباب التي دفعت "إسرائيل" لقصف الكثير من القدرات العسكرية التقليدية في سوريا بعد انهيار نظام الأسد مباشرة. وسبب آخر للضربة هو أنّ "إسرائيل" تفرض نفسها بأنّها حامية الدروز سواء بسبب وجود دروز إسرائيليين، أو لأنّها تريد إنتاج صورة عن أنّها متعدّدة الثقافات داخل دولة يهودية.

وجاءت الضربة الإسرائيلية في أعقاب أسبوع من القتال العنيف في السويداء خلّف مئات القتلى، بما في ذلك عمليات إعدام ميدانية ومذبحة في مستشفى. وبدأ الاشتباك عندما اختطف مسلحون بدو تاجر خضروات درزياً وسرقوه عند نقطة تفتيش على الطريق السريع بين دمشق والسويداء. وتصاعدت عمليات الاختطاف الانتقامية إلى معارك بالأسلحة النارية، حيث أصرّت دمشق على أنّها تقاتل "عصابات خارجة عن القانون"، في حين تقول الميليشيات الدرزية إنّ المدفعية الحكومية والقوات البدوية المساعدة تطلق النار عشوائياً على المدينة.

ثمّ انهار وقف إطلاق النار الذي أعلن في وقت متأخّر من يوم الـ 15 من الشهر الجاري في غضون ساعات مع استئناف نيران المدفعية. وأعلن رجل الدين الدرزي الشيخ يوسف الجربوع ووزارة الداخلية السورية هدنة جديدة في اليوم التالي تسمح ببقاء نقاط التفتيش الحكومية، على الرغم من أنّه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الفصائل الدرزية المتشدّدة ستقبل بذلك.

كما أصدر الفصيل الدرزي بقيادة الشيخ حكمت الهجري بياناً أكّد فيه حقّ الدفاع عن النفس، بينما "إسرائيل" نشرت قواتها، وقالت إنّ الوحدات العسكرية التي تعمل الآن في غزّة تنقل إلى حدود الجولان وكتائب إضافية على أهبة الاستعداد "لعدّة أيام من القتال" على طول الحدود السورية.

كذلك يهدّد هذا التصعيد مسار التطبيع الناشئ الذي تقوده واشنطن مع الرئيس السوري المؤقت، والجهادي السابق أحمد الشرع. وكان الرئيس ترامب قد تودّد علناً إلى الشرع في الرياض في أيار/مايو الماضي، وخفّف العقوبات عن سوريا لتأهيلها للانضواء ضمن اتفاقيات "أبراهام"، لكنّ هذا التوجّه أصبح الآن موضع شكّ بعد الضربة الإسرائيلية على دمشق.

وقد دأب المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا والسفير لدى تركيا توماس برّاك، على عقد اجتماعات منتظمة مع أحمد الشرع، وحثّ الأقليات السورية على قبول سلطة الحكومة المركزية في دمشق. ومع تلميحات "إسرائيل" باتخاذ المزيد من الإجراءات، يتزايد خطر اندلاع مواجهة أوسع بين الطرفين بسرعة، إلّا أنّ واشنطن على ما يبدو تعمل على خفض التصعيد في الخفاء.

من الواضح أنّ إدارة ترامب ترغب في نجاح الحكومة الجديدة في دمشق، ويتجلّى ذلك في رفعها جميع العقوبات وتصريحاتها القوية الداعمة لتوحيد سوريا تحت مظلة دمشق، بينما قيام أقرب حليف لواشنطن في الشرق الأوسط بقصف سوريا الآن لا يخدم أهداف واشنطن هناك، ومن المرجّح أنّها تسعى جاهدة لضمان عدم تفاقم الأمور.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.