"ذي غارديان": "إسرائيل" تقصف بوحشية مدينة النبطية بهدف تهجير السكان
مشاهد من الدمار في جميع أنحاء النبطية، ثاني أكبر مدينة من حيث عدد السكان في جنوب لبنان، والتي أصبحت الآن صامتة بشكل مخيف وخالية من الحياة بعد أسبوع من الغارات الجوية القاسية.
صحيفة "ذي غارديان" البريطانية تنشر مقالاً للصحافي وليام كريستو الموجود في لبنان، نقل فيه مشاهد للقصف الوحشي الذي طال مدينة النبطية ومبنى البلدية فيها، ودمّر سوقاً تاريخياً، بالإضافة إلى محال تجارية.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
كان حسين جابر، رئيس مركز الدفاع المدني في النبطية، يشق طريقه وسط كومة من الخرسانة المحطمة والمعادن الملتوية التي يصل ارتفاعها إلى ركبتيه، وهو يفحص ما تبقى من السوق العثماني المفتوح في المدينة، والذي بني في عام 1910 ودمرته الغارات الجوية الإسرائيلية يوم السبت الماضي.
قال جابر، الذي يبلغ من العمر 30 عاماً، وهو يشير إلى المكان المدمّر، والذي لا يزال الدخان يتصاعد منه بعد 5 أيام من القصف، إنّه "عندما كنا أطفالاً، كان الجميع يأتون إلى هنا لشراء أغراضهم. لم يكن هذا السوق مخصصاً للنبطية فقط، بل لجميع القرى المحيطة".
كانت ملابس الأطفال وأجزاء الكمبيوتر والمنتجات من المتاجر المدمرة التي كانت تصطف على جانبي السوق متناثرة على الأرض، وكلها مغطاة بطبقة من الرماد.
كما ظهر بين الأنقاض جزء من الذخيرة الأميركية الصنع التي دمّرت السوق. وقد عثرت صحيفة "ذي غارديان" على جزء من الذخيرة المستخدمة وتسمّى (Jdam)، وهي التي تحوّل القنابل الغبية التي تتراوح أوزانها بين 500-2000 رطل (230-910 كجم) إلى قنابل موجهة بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS).
وتكررت مشاهد مماثلة من الدمار في أنحاء النبطية، ثاني أكبر مدينة من حيث عدد السكان في جنوب لبنان، والتي أصبحت الآن صامتة بشكل مخيف وخالية من الحياة بعد أسبوع من الغارات الجوية القاسية.
وقال مسؤولون طبّيون ما زالوا في المدينة إنّ موجة الغارات الجوية الإسرائيلية أدّت إلى تدهور الظروف المعيشية بشكل أكبر، ما أدى فعلياً إلى إخلاء المدينة بالكامل تقريباً. وقالت الأمم المتحدة إنّ ربع أراضي لبنان تم إخلاؤها بسبب "إسرائيل". وقالت منظمة العفو الدولية إنّ أوامر الإخلاء تثير تساؤلات حول ما إذا كانت أوامر الإخلاء تهدف إلى خلق نزوح جماعي.
وقال العاملون الطبيون في مدينة النبطية إنّ الضربات التي وقعت يوم الأربعاء قدمت دليلاً على نية "إسرائيل" تهجير اللبنانيين.
وضربت "إسرائيل" المقر البلدي للمدينة وقتلت أعضاء خلية الأزمة في المدينة، بما في ذلك رئيس البلدية أحمد كحيل، أثناء توزيعهم للمساعدات. كما أصابت الهجمات مبنى على بعد 100 متر (330 قدماً) من مركز الدفاع المدني، ما أسفر عن مقتل ناجي فحص، الذي عمل كمستجيب أول لمدة 22 عاماً. وفي المجموع، قُتل 16 شخصاً وجُرح 52 في تلك الضربات.
وأصدر "الجيش" الإسرائيلي أمر إخلاء للمدينة في 3 أكتوبر، كما فعل مع أكثر من 70 قرية في جنوب لبنان، لكن بعض الناس بقوا، بعد أن هجّروا بالفعل بسبب القتال على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية. لكن، بعد الغارات الجوية هذا الأسبوع، غادر الجميع تقريباً، ولم يتبقّ سوى العاملين الطبيين وكبار السن ذوي القدرة المحدودة على الحركة.
في مستشفى نبيه بري الحكومي الجامعي، يعيش الطاقم الطبي في المبنى مع عائلاتهم حتى يتمكنوا من الاستمرار في خدمة سكان المدينة القلائل المتبقين.
وقال الدكتور حسن وزني، رئيس مستشفى نبيه بري: "هناك قدر هائل من الضغط علينا. بالطبع، نحاول التخلص من مشاعرنا عندما نعمل. ولكن عندما ترى شخصاً فقد ذراعه أو كتفه إلى الأسفل، أو ترى طفلاً ..." ثم توقف عن الكلام.
وأضاف وزني: "لقد غص المستشفى بالجرحى يوم الأربعاء فجأة.. كانت هناك أصوات مروعة للغارات الجوية ثم بدأت سيارات الإسعاف في القدوم واحدة تلو الأخرى، لم نكن نصدق أنّ هذا العدد من الناس يمكن أن يصل في وقت واحد".
وبدأ المستشفى في ترشيد الكهرباء، وإيقاف الطاقة في الوحدات غير الأساسية، بعد أن تم قطع خط الكهرباء الذي يغذّي المستشفى في إثر غارة جوية. وتتوفر الكهرباء حالياً من مولّد يعمل بالديزل، لكن عمليات التسليم قليلة ومتباعدة. كما يخاطر سائقو شاحنات الوقود كثيراً للوصول إلى النبطية، إذ إنها تتعرض أحياناً لضربات الطائرات الإسرائيلية. كما تتعرض الإمدادات الأساسية للحياة في المدينة للتهديد، إذ لم تعد عمليات تسليم الطعام تأتي بانتظام.
كذلك، قال جراح عام يعمل في المستشفى، إنّ هذه الحرب تعد أسوأ بعشر مرات من حرب تموز عام 2006، مضيفاً أنّها حرب وحشية.
وقف عباس سلوم، أحد الإداريين الذي كان موجوداً عندما ضربت "إسرائيل" مدينة النبطية، أمام الأنقاض وهو يحمل قطعاً من الأشلاء مغطاة بالتراب الأسود. ولم يتضح لأي جثة تنتمي هذه الأشلاء، أو حتى إلى أي جزء من الجسم تنتمي.
وقال سلوم إنّ "هذا المبنى ملك للدولة ومخصص لخدمة الناس، لا توجد صواريخ أو أسلحة أو ذخيرة هنا. لدينا خبز ومعلبات هنا. وكل ما فعلته إسرائيل هو من أجل تهجير الناس، لكننا صامدون".
نقلته إلى العربية: بتول دياب.