أثواب من البرد: نساء غزة يصنعن الدفء من قلب الحصار
"حين يُمحي الدفء من الأجساد، ويصبح البرد ضيفًا ثقيلًا على خيام النازحين، تبرز قصص لا تُروى إلا بالدموع والكفاح. في غزة، حيث الحصار والجوع يحاصران الأنفاس، وحيث الحرب دمرت كل ما يمت للحياة بصلة.
في لحظة ما، تبدو الحياة وكأنها تراكم من الكوارث والخيبات، ولكن ما يحدث في غزة اليوم هو أكثر من مجرد قصة مأساة.
إنها قصة حرب مستمرة، حصار غير إنساني، وشتاء قارس يهدد بقاء الأرواح. الحرب التي بدأت في تشرين الأول/أكتوبر 2023 دمرت كل شيء في غزة، سواء كانت المنازل أو الشوارع أو المستشفيات أو حتى الأمل.
وعندما دخل الشتاء، جاء معه ما هو أسوأ: نقص في الغذاء، تفشي المجاعة، وفقدان الأمل في الحصول على أبسط مقومات الحياة. إن التأثيرات المدمرة للحرب والحصار أصبحت جزءاً من حياة كل شخص في غزة، إذ أصبح البقاء على قيد الحياة تحدياً يومياً في ظل الظروف غير الإنسانية التي يعيشها السكان.
هكذا كانت غزة
كانت غزة، في وقت من الأوقات، واحدة من أكثر الأماكن حيوية على وجه الأرض.
ولكن، ومع الحصار، العدوان، إغلاق المعابر، تفشى الفقر في كل زاوية، والناس يجدون أنفسهم أمام خيارين: إما أن يستشهدوا جوعًاً أو بردأ!
لا مواد غذائية تصل، ولا ملابس شتوية تكفي، الأدوية أصبحت حلماً بعيداً!
مأساة الشتاء في غزة
يحدث هذا في الوقت الذي يحاول فيه سكان غزة البقاء على قيد الحياة وسط ظروف لا يمكن تصورها.
واحدة من هذه القصص جاءت من سميرة طموس، امرأة بسيطة من أسرة نازحة، فقدت كل شيء في الحرب.
إنها قصة تروي أملًا في منتصف العتمة، قصة انتصار صغير في مواجهة الفقر والموت. خرجت تلك الأسرة وغيرها من الأسر بملابسها القليلة، ومعها القليل من الأمل الذي تلاشى سريعاً في مواجهة شتاء غزة. لم تكن لديهم أية ملابس شتوية، لا معاطف، ولا سترات، ولا شيء. ومع دخول الحصار في مرحلته الأكثر قسوة، كان الشتاء يبدو كعدو آخر يضيف على معاناتهم جرحاً جديدًا لا يمكن شفاءه.
ملابس لطفلتي المريضة
بعد مرور أكثر من عام على النزوح، وجدوا أنفسهم في مواجهة أقسى أنواع الشتاء، والبرد الذي لم يكن لديهم من سبيل للتغلب عليه. "لم يكن لدينا أي ملابس، ولم يكن هناك أي مكان لشرائها. في السوق، لم أتمكن من العثور على ملابس لطفلتي المريضة"، تقول سميرة، التي كانت تبحث بشغف عن ملابس تدفئ ابنتها من البرد القارس. لكن المعابر كانت مغلقة، والطرقات مقطوعة، ولم يكن هناك سبيل لتوفير الاحتياجات الأساسية.
"لا يوجد أي
— Jaafar Abdul Karim (@jaafarAbdulKari) November 5, 2024
ملابس شتوية
في غزة!"
مبادرة إبرة وخيط
تستخدم البطانيات
الحرارية لتؤمن
الدفء لأهل غزة! #جعفر_توك pic.twitter.com/osp4EGBp2s
هذا الحصار المروع جعل الحياة تصبح شبه مستحيلة، وأدى إلى أن يعيش سكان غزة تحت تهديد مزدوج: حرب تدمير وحصار خانق لا يرحم.
إعادة تدوير الأمل
في تلك اللحظة، ولدت فكرة غير تقليدية، فكرة ربما كانت هي الخطوة الوحيدة التي تتيح لهم البقاء على قيد الحياة. فكروا في كيفية تحويل البطانيات الحرارية إلى ملابس شتوية تحميهم من البرد.
"لقد صنعنا سترات للأطفال من 3 سنوات إلى 14 عاماً، وبلوزات للأولاد والبنات، وملابس شتوية للمراهقين والشباب"، تروي نداء عطية مؤسسة مشروع "الأبرة والخيط"، التي بدأت المشروع البسيط بنفسها، وهي تخيط باستخدام يدها تلك البطانيات التي كانت تبقيهم على قيد الحياة في تلك اللحظات العصيبة.
هذه الفكرة لم تكن مجرد وسيلة للتدفئة، بل كانت أيضاً مقاومة فعالة ضد التأثيرات المدمرة للحرب والحصار التي حولت غزة إلى مكان يعجز فيه الناس عن الوصول إلى حتى أبسط احتياجاتهم.
في ظلّ صعوبة الحصول على القماش.. نساء غزة تحولن البطانيات إلى ملابس pic.twitter.com/TzH1jMU1PQ
— Ultra Palestine - الترا فلسطين (@palestineultra) November 6, 2024
ولكن مع زيادة الطلب على هذه الملابس الشتوية البسيطة، كان عليهم الانتقال من الخياطة اليدوية إلى استخدام آلة خياطة.
لكن كما كان الحال في كل خطوة، واجهوا عائقًا آخر: نقص الوقود والطاقة. لم يكن لديهم الطاقة الكافية لتشغيل الآلات، لذلك طوّروا حلًا مبتكراً آخر، وهو نقل آلة الخياطة إلى دراجة هوائية لتعمل بالطاقة البديلة.
كانت تلك "لحظة عبقرية" في قلب المعاناة. لكن مع هذا الحل البسيط، كانوا يواجهون عواقب الحصار وارتفاع أسعار الوقود، ما جعل المشروع يشبه معركة أخرى ضد التأثيرات المدمرة للحرب والحصار.
النساء في خضّم الحرب
ما بدأ كمشروع لتوفير ملابس شتوية للمحتاجين في المخيمات أصبح الآن ضرورة أكثر من كونه مجرد حل موقت. فقد أصبحت تلك الملابس بمثابة أمل بسيط للنازحين، الذين لا يزالون يتوافدون إلى شواطئ البحر، حيث أصبحت المياه هي المأوى الوحيد لهم.
هؤلاء النازحون يعيشون على حافة الموت، وعندما يغلق البحر كل الأبواب أمامهم، لا يجدون سوى الجوع والبرد. تقول سميرة: "لقد أصبحنا فقراء، كنا نفكر في كيفية البقاء على قيد الحياة، وأصبح البحر ملاذنا الوحيد".
الأمل وسط الألم
تقول: "في كل خياطة، هناك خيط من الأمل". رغم أن غزة لا تزال تعيش تحت التأثيرات المدمرة للحرب والحصار، فإن الناس في غزة يثبتون يوماً بعد يوم أنهم لا يزالون قادرين على الابتكار والبقاء على قيد الحياة رغم الظروف الصعبة التي لا تطاق.
غزة، في هذه اللحظة، هي مكان يشن عليه الاحتلال عدواناً همجياً، ولكنه أيضاً مكان مليء بالأمل. ومع استمرار الحصار، فإن القليل من الأمل المتبقي قد يكون أكثر من كافٍ للبقاء على قيد الحياة.
لكن، يبقى السؤال الأهم: كم من الوقت سيستمر الناس في مقاومة التأثيرات المدمرة للحرب والحصار؟