"ذي دبلومات": فك رموز الانتخابات الهندية.. كيف أضعفت قبضة مودي؟
خسر حزب بهاراتيا جاناتا بزعامة مودي أغلبيته، ما يعني أنه سيعتمد بشكل كبير على الحلفاء خلال هذه الفترة.
صحيفة "ذي دبلومات" تنشر مقالاً للكاتب سنيجديندو بهاتاشاريا يتحدث فيه عن نتائج الانتخابات الأخيرة في الهند، ويشرح أسباب خسارة حزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي أغلبيته في البرلمان.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
لا شيء كان أكثر رمزية في الرابع من حزيران/يونيو؛ اليوم الذي أظهرت فيه نتائج الانتخابات الوطنية الهندية خسارة حزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي أغلبيته في البرلمان، من النتيجة في المقعد البرلماني في فايز آباد في شمال الهند.
في كانون الثاني/يناير 2024، قاد مودي حفل تكريس معبد رام الجديد الكبير (رام ماندير) الذي حظي بتغطية إعلامية كبيرة على الأرض نفسها التي كان يوجد فيها مسجد بابري الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر قبل هدمه في عام 1992. رئيس الوزراء وحزبه بهاراتيا جاناتا أعربا عن أملهما في أن يكون المعبد إيذاناً بعصر جديد من الفخر القومي الهندوسي في البلاد يضمن فترة ولاية ثالثة للحزب على رأس الهند.
لقد كان اللورد رام أكبر تعويذة سياسية لحزب بهاراتيا جاناتا. كانت حركة تسعى إلى هدم مسجد بابري في بلدة أيوديا في ولاية أوتار براديش في شمال الهند و"إعادة بناء" معبد رام في الموقع نفسه، هي التي أدت إلى صعود حزب بهاراتيا جاناتا على المستوى الوطني في التسعينيات.
لكن يوم 4 حزيران/يونيو كشف أنّ تدشين المعبد الذي حظي برعاية كاملة من الدولة فشل في إقناع الناخبين، بما في ذلك أغلبية الهندوس. وخسر حزب بهاراتيا جاناتا مقعد مدينة فايز آباد البرلماني الذي يضم أيوديا. ويشكل الهندوس 83% من التركيبة السكانية في فايز آباد.
وفي انعكاس لهذا الاتجاه، وفي تطور غير متوقع إلى حد ما، خسر حزب مودي أغلبيته في مجلس الشعب الهندي (لوك سابها). ومن بين مقاعد البرلمان البالغ عددها 543 مقعداً، بلغ عدد مقاعد حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي 240 مقعداً، وهو أقل بكثير من الأغلبية البالغة 272 مقعداً.
وبما أن حلفاءه فازوا بـ44 مقعداً آخر، فقد يظل التحالف الوطني الديمقراطي بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا قادراً على تشكيل حكومة، ولو بأغلبية ضئيلة إلى حد مثير للقلق.
عام 2014، فاز حزب بهاراتيا جاناتا بمفرده بـ282 مقعداً، وبلغ عدد مقاعد حزب التجمع الوطني الديمقراطي 336 مقعداً. وقد تحسن العدد عام 2019، عندما فاز حزب بهاراتيا جاناتا وحده بـ303 مقاعد، وأضاف حلفاؤه 50 مقعداً آخر. وهذه المرة، دعا مودي إلى 370 مقعداً لحزب بهاراتيا جاناتا، و400 لحزب التجمع الوطني الديمقراطي.
ووصف ماليكارجون كارجي، رئيس حزب المؤتمر، حزب المعارضة الرئيسي في الهند، النتيجة بأنّها "هزيمته السياسية والأخلاقية".
فاز حزب المؤتمر بـ99 مقعداً، وهو تحسن كبير عن حصيلته عام 2014 البالغة 44 مقعداً وحصيلة 2019 البالغة 52 مقعداً. بشكل عام، حققت منصة المعارضة للتحالف الوطني التنموي الوطني الهندي، المعروف شعبياً باسم كتلة الهند، نحو 230 مقعداً.
بعض الأحزاب ليست جزءاً من أي من التحالفين، ويحاول الجانبان الآن استمالتها للمطالبة بتشكيل الحكومة.
نتائج الانتخابات تمثل انتصاراً لشعب الهند
قال نيلانجان موخوبادهياي، مؤلف العديد من الكتب عن القوميين الهندوس ومودي، إنّ "الحكم الصادر في 4 حزيران/يونيو يمثل انتصاراً لشعب الهند.. لقد لقنوا مودي درساً". ووصف موخوبادهياي النتيجة بأنّها "حكم تصحيحي" لا يتأثر بالروايات الضخمة والمبالغات، ورأى أنّ النتائج بمنزلة رفض لنظام حكم شديد المركزية، إذ تكون الحكومة مرادفة لفرد واحد، وقال: "يظهر الحكم أنّ الناس لا يريدون أن يحكمهم مصاب بجنون العظمة، بل يريدون حكماً جماعياً. إنّه رفض للأسلوب الاستبدادي للحكم، يشبه إلى حد كبير الحكم الصادر عام 1977".
عام 1977، صوتت الهند لمصلحة إقالة رئيسة الوزراء أنديرا غاندي بعد حكمها الدكتاتوري الذي دام 21 شهراً بموجب أحكام الطوارئ التي سمحت لها بسحق كل المعارضة.
ووفقاً لسانجاي كومار، الأستاذ والمدير المشارك لبرنامج لوكنيتي، وهو برنامج بحثي في مركز دراسة المجتمعات النامية في نيودلهي، فقد أصدرت الهند حكماً منقسماً، موضحاً: "لا توجد رواية لعموم الهند.. لقد عانى حزب بهاراتيا جاناتا في الولايات التي هيمن عليها على مدى السنوات العشر الماضية، لكنه اكتسب أيضاً شعبية في الولايات التي لم يصل فيها إلى السلطة من قبل"، معتبراً أنّ "قدرة حزب بهاراتيا جاناتا على التوسع إلى ما هو أبعد من سيطرته التقليدية أنقذته من الهزيمة".
لقد كانت عبادة شخصية مودي هي الإستراتيجية الرئيسية لحزب بهاراتيا جاناتا ومصدر قوته على مدى العقد الماضي. وفي نهاية الحملة الانتخابية لعام 2024، ادعى مودي أنّ ولادته "لم تكن بيولوجية، بل أرسله الله عمداً". ومن ناحية أخرى، شددت أحزاب المعارضة بشدة على عبادة الشخصية هذه.
والجدير بالذكر أنّ هامش فوز مودي من دائرة فاراناسي في شمال الهند انخفض من 480 ألف صوت في عام 2019 إلى 150 ألف صوت هذه المرة.
وأشار أبورفاناند، أستاذ الأدب الهندي في جامعة دلهي والمعلق السياسي، إلى أنّ الديمقراطية الهندية شهدت قادة يتمتعون بأغلبية أكبر، مثل جواهر لال نهرو وراجيف غاندي، اللذين كان لهما قوة برلمانية تزيد على 400 مقعد، وأنديرا غاندي التي كان لديها أكثر من 350 مقعداً، "ومع ذلك، لم يحدث من قبل في الديمقراطية الهندية أن قدم زعيم نفسه على أنه شخص مرسل من الله"، بحسب أبورفاناند، الذي أضاف أنّ "هذه الغطرسة تجاه شعب غير مقبولة".
ووفقاً لأجاي جودافارثي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي، "لا ينبغي الاستخفاف بخسارة حزب بهاراتيا جاناتا، نظراً إلى قوة التلاعب التي كان يتمتع بها حزب بهاراتيا جاناتا باستخدام المال ووسائل الإعلام".
وقال جودافارثي مؤلف كتاب "السياسة والأخلاق والعواطف في الهند الجديدة": "لقد أثبت الناس أنّ الهند لا تزال مدفوعة بالفطرة السليمة القوية، وهو الأمر الذي تعكسه هزيمة فايز آباد".
وقال أبوورفاناند: "أدرك الشباب في ولاية أوتار براديش أنّ حزب بهاراتيا جاناتا كان يستخدم المدينة الفاضلة للأمة الهندوسية لإخفاء عدم كفاءتهم في القضايا الحقيقية للحكم، مثل خلق فرص العمل وتوليد الثروة".
وجهت ولاية ماهاراشترا، ثاني أكبر ولاية في الهند، والتي تضم 48 مقعداً برلمانياً، ضربة قاسية أخرى لحزب التجمع الوطني الديمقراطي بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا. وبلغ عدد أعضاء التجمع الوطني الديمقراطي في الولاية 41 مقعداً في عامي 2014 و2019، لكن المعادلات السياسية تغيرت بشكل جذري منذ نهاية عام 2019 بسبب تغير شركاء التحالف والانقسامات اللاحقة في حزبين معارضين إقليميين وإطاحة حكومة الولاية التي تقودها المعارضة.
وألقت أحزاب المعارضة اللوم على حزب بهاراتيا جاناتا في هندسة الانقسامات باستخدام الأموال والوكالات الحكومية، وأصبحت موجة التعاطف لمصلحة المعارضة حديث المدينة خلال الحملة الانتخابية.
وفي نهاية المطاف، انخفض رصيد حزب بهاراتيا جاناتا إلى 9 في الولاية، مع فوز حلفائه بـ8 آخرين. وفي الوقت نفسه، حصل حزب المؤتمر وحلفاؤه على 30 مقعداً في ولاية ماهاراشترا.
وقال جودافارثي إنّ نتائج ماهاراشترا تظهر أنّ "الناس لا يوافقون على تعطيل الأخلاق بما يتجاوز الحد".
عندما بدأت الحملة الانتخابية مطلع نيسان/أبريل، شعر المراقبون السياسيون بأنّ انتخابات 2024 كانت مختلفة بشكل كبير عن انتخابات 2014 و2019، إذ كانت "موجة مودي" غائبة، على الأقل ظاهرياً.
ومع ذلك، بدأ محللون مثل سانجاي كومار وعالم النفس الذي تحوّل إلى ناشط سياسي يوجيندرا ياداف يشيرون إلى أنّ رواية الحملة الانتخابية تغيرت في منتصف الطريق، وأنّ دعوة حزب بهاراتيا جاناتا للعودة إلى السلطة بأغلبية أكبر جاءت بنتائج عكسية. وقال ياداف في وقت سابق لصحيفة "الدبلوماسي" إنّه كان يستشعر بعض التيارات الخفية على الرغم من عدم وجود موجة لها.
ووفقاً لكومار، أراد حزب بهاراتيا جاناتا خوض الانتخابات حول قضايا مثل رام ماندير وإلغاء المادة 370 (المتعلقة بمنطقة كشمير الحساسة)، لكن قضايا أخرى مثل التضخم والبطالة هيمنت على الحملة الانتخابية.
ويعتقد العديد من المراقبين السياسيين الآخرين أنّ الحكم يعكس مدى خوف الناس من منح حزب بهاراتيا جاناتا الكثير من السلطة.
وتكبد حزب بهاراتيا جاناتا خسائر أمام القوى الإقليمية في أكبر 4 ولايات في الهند، إذخسر 29 مقعداً في ولاية أوتار براديش، و14 مقعداً في ولاية ماهاراشترا، و6 مقاعد في ولاية البنغال الغربية، و5 مقاعد في ولاية بيهار. ومن بين الولايات المتوسطة الحجم، خسر الحزب 11 مقعداً في ولاية راجاستان و8 مقاعد في ولاية كارناتاكا.
ومع ذلك، زاد حزب بهاراتيا جاناتا حصيلته بمقدار 12 مقعداً في ولاية أوديشا الشرقية التي اكتسحها، وحصل على 4 مقاعد في تيلانجانا، و3 في ولاية أندرا براديش، و1 في ولاية كيرالا في الجنوب.
وأشار كومار إلى أنّ استراتيجية حملة حزب بهاراتيا جاناتا كانت مختلفة بشكل كبير في الولايات الجنوبية مقارنة بالشمال، إذ "كانوا يقومون بحملات أكثر حول الصورة الدولية للحكومة، والإنجازات العالمية للهند، وكيفية بروز الهند كلاعب عالمي رئيسي. لقد كانوا يعلمون أنّ مشاعر المعبد لا تصلح في الجنوب".
وإذا تمكن مودي من تشكيل الحكومة للمرة الثالثة، وهو الإنجاز الذي لم يحققه سوى أول رئيس وزراء للهند، هو جواهر لال نهرو، فمن غير المرجح أن يتمتع بالحرية نفسها التي دافع بها بجرأة عن الأجندة القومية الهندوسية على مدى السنوات العشر الماضية.
نقلته إلى العربية: بتول دياب