"Wired": الأقمار الصناعية تُسرّب أسرار العالم
عثر باحثون على مجموعة مذهلة من بيانات الشركات والمعلومات الخاصة، تشمل آلاف المكالمات والرسائل النصية لمستخدمي "تي موبايل"، وحتى اتصالات عسكرية أميركية غير مشفّرة عبر الأقمار الصناعية.
-
"Wired": الأقمار الصناعية تُسرّب أسرار العالم
موقع "Wired" الأميركي ينشر تحقيقاً يكشف عن ثغرات واسعة في اتصالات الأقمار الصناعية حول العالم، إذ تبيّن أن عدداً كبيراً من هذه الاتصالات، بما في ذلك مكالمات هاتفية ورسائل نصية وبيانات عسكرية وصناعية حساسة، تُبثّ من الفضاء من دون أي تشفير، ما يجعلها عرضة للتنصّت والاختراق بسهولة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
تبثّ الأقمار الصناعية البيانات إلى الأرض من حولنا باستمرار. لذلك، قد يتوقع أن تكون تلك الاتصالات الراديوية الفضائية مشفرةً لمنع أي متطفّل يستخدم طبق استقبال من الوصول إلى سيل المعلومات السرية المتدفقة باستمرار من الفضاء، لكن ثمّة ما هو خاطئ بهذا الاعتقاد إلى حدّ مفاجئ ومقلق.
فلقد كشف فريق من الباحثين في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو وجامعة ماريلاند اليوم في دراسة من المرجح أن تجد صدىً في صناعة الأمن السيبراني وشركات الاتصالات وداخل الوكالات العسكرية والاستخبارية في جميع أنحاء العالم، عن أنّ ما يقرب من نصف إشارات الأقمار الصناعية الثابتة نحو الأرض، والتي يحمل الكثير منها اتصالات حسّاسةً للمستهلكين والشركات والحكومات، أصبحت عرضةً للتنصّت بشكل تامّ.
وعلى مدار 3 سنوات، طوّر باحثو جامعتي كاليفورنيا في سان دييغو وميدلاند نظام استقبال أقمار صناعية جاهزاً للاستخدام، بكلفة 800 دولار أميركي، وضعوه على سطح مبنى جامعي، لالتقاط اتصالات الأقمار الصناعية المتزامنة مع الأرض في نطاق ضيق من الفضاء المرئي من موقعهم المتميّز في جنوب كاليفورنيا.
وبمجرد توجيه طبقهم نحو أقمار صناعية مختلفة، وقضاء أشهر في تفسير الإشارات الغامضة، ولكن غير المحمية جمع الباحثون مجموعة مثيرة للقلق من البيانات الخاصة، منها حصولهم على عيّنات من محتويات مكالمات الأميركيين ورسائلهم النصية على شبكة "تي موبايل" الخلوية، وبيانات من تصفّح ركّاب الطائرات من خلال شبكة " الواي فاي" على متن الرحلة، وعلى بيانات الاتصالات المتعلقة بالبنية التحتية الحيوية مثل المرافق الكهربائية ومنصات النفط والغاز البحرية، وحتى اتصالات الجيشين الأميركي والمكسيكي وهيئات إنفاذ القانون ومواقع الأفراد والمُعدّات والمنشآت.
يقول آرون شولمان، الأستاذ في جامعة كاليفورنيا سان دييغو، والذي شارك في قيادة البحث المذكور: "لقد صُدمنا تماماً"، لأنّ هناك مسائل بالغة الأهمية من بنيتنا التحتية على هذا النظام للأقمار الصناعية، "بينما ساورتنا شكوك في أنّ كل تلك النشاطات ستكون مشفرةً". وأضاف: "ومرة تلو الأخرى، حين نكتشف فيها شيئاً جديداً، نجد أنّه ليس كما اعتقدنا".
ورقة المجموعة البحثية ستقدم هذا الأسبوع في مؤتمر جمعية آلات الحوسبة في تايوان، بعنوان "لا تنظر إلى الأعلى"، في إشارة إلى فيلم أُنتج في عام 2021، يحمل العنوان نفسه. ولكنّها أيضاً عبارة يصفها الباحثون على ما يبدو للدلالة على استراتيجية الأمن السيبراني لنظام الاتصالات عبر الأقمار الصناعية العالمي. يقول شولمان: "لقد افترض أصحاب الأقمار الصناعية أنّه لن يتمكّن أحد من فحص ومسح آلاتهم ومعرفة ما يوجد فيها. ولقد كانت هذه هي طريقتهم الأمنية، ولم يعتقدوا حقّاً أنّ ثمّةَ من سينظر إلى الأعلى".
يقول الباحثون إنّهم أمضوا العام الماضي في تحذير الشركات والوكالات التي اكتشفوا أنّ بياناتها الحساسة معرضة للخطر في اتصالات الأقمار الصناعية. وقد سارعت معظم هذه الشركات، من ضمنها "تي موبايل" إلى تشفير تلك الاتصالات وحماية البيانات. أمّا الشركات الأخرى، بما في ذلك بعض مالكي البنية التحتية الحيوية الأميركية المعرضة للخطر، والذين نبّههم الباحثون مؤخراً، ورفضوا ذكر أسمائهم لمجلة "Wired"، لم تضف التشفير إلى أنظمتها القائمة على الأقمار الصناعية بعد.
وقد سبق للباحثين أن أشاروا إلى مخاطر المراقبة الناجمة عن اتصالات الأقمار الصناعية غير المشفرة، ولكنّ حجم ونطاق هذا يبدو منقطع النظير. ولم يتناول عمل الباحثين سوى جزء صغير من الأقمار الصناعية الثابتة المدار التي يمكنهم التقاط إشاراتها من سان دييغو وهي نحو 15% من الأقمار العاملة، حسب تقدير الباحثين.
ويشير البحث إلى أنّ كميات هائلة من البيانات لا تزال على الأرجح مكشوفة عبر اتصالات الأقمار الصناعية، كما يؤكّد مات غرين أستاذ علوم الحاسوب في جامعة جونز هوبكنز، والمتخصص في الأمن السيبراني، والذي راجع الدراسة، ويقول إنّ عدداً كبيراً من بيانات الأقمار الصناعية من المرجح أن تكون عرضة للخطر لسنوات قادمة، حيث تسعى الشركات والحكومات جاهدة لتحديد ما إذا كان يجب تأمين الأنظمة القديمة وكيفية تأمينها، بينما "المذهل هو مرور هذا الكم الهائل من البيانات عبر الأقمار الصناعية، والذي يمكن لأي شخص التقاطه بهوائي، أمر لا يصدق، في حين ستعالج هذه الورقة البحثية جزءاً صغيراً جداً من المشكلة، لكنّني أعتقد أنّ حجمها لن يتغير. وسوف أشعر بالصدمة إذا كان هذا شيئاً لا تستغله بالفعل وكالات الاستخبارات في أي مكان".
نصف محادثات من الفضاء
المكالمات الهاتفية والرسائل النصية التي حصل عليها الباحثون كانت معرضة للخطر بشكل خاص، بسبب استخدام شركات الاتصالات، والذي غالباً ما يُتجاهل عبر بث الأقمار الصناعية لتوفير تغطية خلوية للمستخدمين العاديين الذين يتصلون بأبراج الاتصالات في المناطق النائية. فعلى سبيل المثال، تتصل بعض الأبراج في المناطق الصحراوية أو الجبلية في الولايات المتحدة بقمر صناعي ينقل إشاراتها من وإلى بقية الشبكة الخلوية الأساسية لشركة الاتصالات، وتعرف الاتصالات الداخلية لهذه الشبكة باسم حركة مرور "النقل الراجع".
كما أنّ أي شخص لديه جهاز استقبال أقمار صناعية خاص به في المنطقة الواسعة نفسها التي يقع فيها أحد أبراج الاتصالات الخلوية النائية، ولو على بعد آلاف الأميال يمكنه التقاط الإشارات نفسها الموجهة إلى ذلك البرج. وقد مكّن ذلك فريق البحث من الحصول على قدر من بيانات النقل غير المشفرة من شركات اتصالات أميركية عديدة، من ضمنها كانت بيانات "تي موبايل" بالغة الأهمية.
وخلال 9 ساعات فقط من التقاط اتصالات الشركة عبر الأقمار الصناعية من طبقها الوحيد، جمع الباحثون أرقام هواتف أكثر من 2700 مستخدم، بالإضافة إلى جميع المكالمات الهاتفية والرسائل النصية التي تلقوها خلال تلك الفترة.
مع ذلك، لم يتمكّنوا إلا من قراءة أو سماع جانب واحد من تلك المحادثات، أي محتوى الرسائل والمكالمات المرسلة إلى أبراج "تي موبايل" البعيدة، وليس المرسلة منها إلى شبكة الهاتف الخلوي الأساسية، الأمر الذي كان سيتطلب طبق قمر صناعي آخر بالقرب من الطبق الذي كانت الشركة تنوي استقبال الإشارة منه.
يقول ديف ليفين أستاذ علوم الحاسوب بجامعة ماريلاند، الذي شارك في قيادة البحث، "عندما رأينا كل هذا، كان سؤالي الأول، "هل ارتكبنا جريمةً، وهل تنصتنا على المكالمات فحسب، مع أنّ الفريق لم يعترض أي اتصالات بشكل نشط، بل استمع فقط إلى ما يرسل إلى طبق الاستقبال الخاص بالشركة".
كذلك وجد الباحثون أنّ شركة الاتصالات المكسيكية "تلمكس" نقلت أيضاً مكالمات صوتية غير مشفرة. واكتشفوا أيضاً أنّ شركة "إيه تي آند تي" المكسيكية نقلت بيانات خام عبر الأقمار الصناعية، تضمّنت حركة مرور الإنترنت للمستخدمين، والتي كان معظمها مشفراً أو المتصفحات التي استخدموها، بالإضافة إلى بعض بيانات الاتصال والرسائل النصية. كما عثروا على مفاتيح فك تشفير يعتقد الباحثون أنّها ربّما استُخدمت لِلحصول على معلومات حساسة أخرى نقلتها شبكة "إِيه تِي آنْد تِي"، لكنّ فريق البحث لم يحاول ذلك.
ومنذ نهاية العام الماضي، بدأ الباحثون بالتواصل مع شركات الاتصالات المتضررة، حيث استجابت شركة "تي موبايل" بتشفير بثّها عبر الأقمار الصناعية في غضون أسابيع، لكنّ ردود فعل شركات الاتصالات الأخرى كانت متباينة.
كذلك ساعد هذا البحث في تسليط الضوء على مشكلة تشفير لدى أحد وكلاء الشركة، وتم العثور عليها في عدد محدود من عمليات نقل البيانات عبر الأقمار الصناعية من عدد صغير جداً من مواقع الخلايا، والتي أُصلحت بسرعة، كما يقول متحدث باسم الشركة، على أنّ المشكلة "لم تكن على مستوى الشبكة والشركة اتخذت خطوات للتأكد من عدم حدوث ذلك مرة أخرى".
كذلك أعلن متحدث باسم شركة اتصالات "إيه تي آند تي" أنّ الشركة أصلحت المشكلة "فوراً، والتي تركزت حول أنّ أحد وكلاء الشركة "وضع عدداً قليلاً من أبراج الاتصالات الخلوية في منطقة نائية في المكسيك بشكل خاطئ". ويذكر أنّ شركة "تلمكس" لم تستجب لطلب التعليق من "وايرد"، بينما ما يزال السؤال مطروحاً حول ما إذا كانت شركات الاتصالات الخلوية الأخرى في الولايات المتحدة والعالم، خارج نطاق رؤية طبق الأقمار الصناعية الذي استخدمه الباحثون، قد قامت بتشفير بيانات نقل شبكتها عبر الأقمار الصناعية.
وقد أشار الباحثون إلى عدم رصدهم أي حركة مرور غير مشفرة لشركتي "فيريزون" أو "إيه تي آند تي" في الولايات المتحدة خلال البحث. ويقول المتحدث باسم شركة "إيه تي آند تي" إنّ شبكتي الشركة في الولايات المتحدة والمكسيك منفصلتان، و"من النادر استخدام الأقمار الصناعية لنقل البيانات الخلوية، وعادةً ما نوجّه حركة البيانات عبر شبكتنا المغلقة والآمنة. وفي الحالات النادرة التي يتعيّن فيها نقل البيانات خارج شبكتنا المغلقة، فإنّ سياستنا هي تشفيرها".
وبالإضافة إلى أبراج الاتصالات في المناطق النائية، يشير غرين إلى أنّه من الممكن أن يعرض غياب تشفير بيانات النقل الخلفي الخلوي أي شخص على الشبكة نفسها للخطر. وقد يتمكّن المتسللون من تنفيذ ما يسمى بهجوم الترحيل باستخدام برج اتصالات مزيف باستخدام أجهزة المراقبة التي تسمى أحياناً " ستينغراي" أو "مصيدة آي إم إس آي"، وتوجيه بيانات أي ضحية إلى برج متصل بالإرسال عبر الأقمار الصناعية.
يضيف غرين، "لا تقتصر تداعيات هذا على أنّ شخصاً فقيراً في الصحراء يستخدم برج اتصالاته مع نقل رجعي غير مشفر، بل يمكن أن يتحوّل هذا إلى هجوم على أي شخص، في أي مكان في البلاد".
المروحيات العسكرية وشبكات الكهرباء مكشوفة
كذلك، كشف مستقبل بثّ الأقمار الصناعية الخاص بالباحثين عن مجموعة كبيرة من الاتصالات العسكرية واتصالات جهات إنفاذ القانون غير المحمية. على سبيل المثال، حصلوا على اتصالات إنترنت غير مشفرة من سفن بحرية عسكرية أميركية، بالإضافة إلى أسماء تلك السفن، بينما أقرّ متحدث باسم وكالة أنظمة معلومات الدفاع الأميركية، لكنّه لم يقدم رداً حتى وقت كتابة هذا التقرير على طلب "وايرد" للتعليق.
بالنسبة إلى الجيش المكسيكي ووكالات إنفاذ القانون، كانت الاختراقات أسوأ بكثير. يقول الباحثون إنّهم عثروا على ما يبدو أنّها اتصالات غير مشفرة مع مراكز قيادة عن بعد، ومرافق مراقبة، ووحدات من الجيش المكسيكي ووكالات إنفاذ القانون. وفي بعض الحالات، لاحظوا نقلاً غير محمي لمعلومات استخبارية حساسة حول أنشطة مثل تهريب المخدّرات.
وفي حالات أخرى، عثروا على سجلات تتبع وصيانة الأصول العسكرية لطائرات من ضمنها مروحيات، وسفن بحرية، ومركبات مدرعة، بالإضافة إلى مواقعها وتفاصيل مهامها. ويقول شولمان، "عندما بدأنا نرى مروحيات عسكرية، لم يكن حجم البيانات الهائل هو ما أثار قلقنا بالضرورة، بل الحساسية الشديدة لتلك البيانات". كما لم يستجب الجيش المكسيكي فوراً لطلبات التعليق من "وايرد".
ربّما كانت اتصالات الأنظمة الصناعية من البنى التحتية الحيوية، مثل شبكات الكهرباء ومنصات النفط والغاز البحرية، حساسة بالقدر نفسه. وفي إحدى الحالات، وجدوا أنّ الهيئة الاتحادية للكهرباء وهي شركة حكومية في المكسيك، تضم ما يقرب من 50 مليون عميل، كانت ترسل اتصالاتها الداخلية بوضوح تامّ بدءاً من أوامر العمل التي تتضمن أسماء العملاء وعناوينهم، وصولاً إلى الاتصالات المتعلقة بأعطال المعدات ومخاطر السلامة. وقد أقرّ متحدث باسم الهيئة الاتحادية للكهرباء بذلك، لكنّه لم يقدم رداً قبل نشر هذا التحقيق.
وفي حالات أخرى لم يفصلها الباحثون علناً بعد، حذروا أيضاً مالكي البنية التحتية الأميركية من اتصالات الأقمار الصناعية غير المشفرة لبرامج أنظمة التحكم الصناعية. وفي مكالماتهم الهاتفية مع مالكي هذه البنية التحتية، أعرب بعضهم عن مخاوفهم من قدرة جهة خبيثة ليس فقط على مراقبة أنظمة التحكم في منشآتهم، بل أيضاً، باستخدام تقنيات متطورة، على تعطيلها أو انتحالها للتلاعب بعمليات المنشأة.
وقد حصل الباحثون على مجموعة ضخمة من بيانات الشركات والمستهلكين المتنوعة الأخرى، وجمعوا بيانات "الواي فاي" على متن الطائرات لأنظمة "إنتلسات" و"باناسونيك" التي تستخدمها 10 شركات طيران مختلفة. وضمن هذه البيانات، عثروا على بيانات دقيقة غير مشفرة حول أنشطة تصفح المستخدمين، وحتى التسجيلات الصوتية غير المشفرة للبرامج الإخبارية والمباريات الرياضية التي استعرضوها. كما حصلوا على رسائل بريد إلكتروني وسجلات الجرد لشركة "وول مارت" المكسيكية، واتصالات عبر الأقمار الصناعية مع أجهزة الصراف الآلي التي تديرها مصارف "سانتاندير"، و"بانغيرسيتو"، و"بانورتي" المكسيكية.
وقد صرح متحدث باسم شركة "باناسونيك" بأنّ الشركة "ترحب بنتائج البحث"، لكنّها زعمت أنّها "وجدت أنّ العديد من التصريحات المنسوبة لها إما غير دقيقة أو تُحرف موقفها". وعندما سئل، لم يحدد المتحدث ما عدّته الشركة غير دقيق. وأضاف، "أنظمة اتصالاتنا عبر الأقمار الصناعية مصممة بحيث تتبع كل حركة بيانات مستخدم بروتوكولات الأمان المعمول بها".
يقول متحدث باسم شركة "إس إي إس" وهي الشركة الأم لشركة "انتلست"، عادةً ما يختار مستخدمونا التشفير في اتصالاتهم بما يتناسب مع تطبيقاتهم أو احتياجاتهم الخاصة. وعلى سبيل المثال، توفر الشركة لعملائها على متن الطائرات نقطة اتصال "واي فاي" عامة تشبه الإنترنت العام المتاح في المقاهي أو الفنادق. وعلى هذه الشبكات العامة، "تشفر بيانات المستخدم عند الوصول إلى موقع إلكتروني عبر البروتوكول أو عند التواصل باستخدام شبكة افتراضية خاصة".
من جانب آخر، أبلغ الباحثون فريق الاستجابة للحوادث في المكسيك التابع للحرس الوطني، عن كميات هائلة من الاتصالات عبر الأقمار الصناعية غير المشفرة من الحكومة المكسيكية والمنظمات المكسيكية، وفي نيسان/ أبريل الماضي، وقبل التواصل مع الشركات بشكل منفصل، لم يستجب فريق الاستجابة للحوادث في المكسيك لطلبات "وايرد" المتكررة للتعليق.
كذلك أعلن متحدث باسم بنك "سانتاندير" المكسيكي بأنّه لم يتم اختراق أي معلومات أو معاملات للعملاء، لكنّه أكد أنّ حركة البيانات المكشوفة كانت مرتبطة بـمجموعة صغيرة" من أجهزة الصراف الآلي المستخدمة في المناطق النائية في المكسيك حيث يعد استخدام اتصالات الأقمار الصناعية الخيار الوحيد المتاح. وأضاف، "مع أنّ هذه الحركة لا تشكل خطراً على عملائنا، إلا أنّنا "استغللنا التقرير كفرصة للتحسين، من خلال تطبيق تدابير تعزّز سرية حركة البيانات التقنية المتداولة عبر هذه الروابط".
كما صرح متحدث باسم "وول مارت"، بأنّ الشركة لا تستطيع الإفصاح عن تفاصيل محددة، إلا أنّها "تؤكد أن خطوط اتصالاتها قد خضعت للتقييم والتحقق من سلامتها"، بينما لاحظ الباحثون أنّ "وول مارت" قامت بتشفير اتصالاتها عبر الأقمار الصناعية استجابة لتحذيرهم.
حان وقت النظر إلى الأعلى
إنّ كمية البيانات المتعلقة بالمكسيك في نتائج الباحثين ليست مصادفة بالطبع. فرغم أنّ طبقهم القمري كان قادراً تقنياً على التقاط إشارات من نحو ربع الفضاء المتاح، إلا أنّ جزءاً كبيراً من تلك المساحة شمل المحيط الهادئ، الذي لا يوجد فوقه سوى عدد قليل نسبياً من الأقمار الصناعية، ولم يكن سوى جزء ضئيل من أجهزة الإرسال والاستقبال على الأقمار الصناعية التي رصدها يرسل البيانات في اتجاه طبقه. ونتيجة لذلك، يقدر الباحثون أنّهم فحصوا 15% فقط من اتصالات أجهزة الإرسال والاستقبال العالمية عبر الأقمار الصناعية، ومعظمها في غرب الولايات المتحدة والمكسيك.
هذا يشير إلى أنّه بإمكان أيّ شخص تركيب جهاز مماثل في مكان آخر من العالم، ومن المرجح أن يحصل على مجموعته الخاصة من المعلومات الحساسة. ففي النهاية، اقتصر الباحثون في تجربتهم على طبق أجهزة الأقمار الصناعية الجاهزة بسعر 185 دولاراً، وحامل سقف بسعر 140 دولاراً بمحرك بسعر 195 دولاراً، وبطاقة موالف بسعر 230 دولاراً، بإجمالي أقل من 800 دولار لكامل الجهاز.
يقول مات بليز عالم الحاسوب وخبير التشفير في جامعة جورج تاون، "لم تكن هذه موارد بمستوى وكالة الأمن القومي الأميركية، بل كانت موارد بمستوى مستخدمي ديريكت تي في، والعوائق أمام هذا النوع من الهجمات ضئيلة للغاية. وبحلول الأسبوع الذي يليه، سيكون لدينا مئات أو ربّما آلاف الأشخاص، كثير منهم لن يخبرونا بما يفعلونه، وهم يكررون هذا العمل ويشاهدون ما يمكنهم اكتشافه في الفضاء".
يقول الباحثون إنّ إحدى العقبات الوحيدة أمام تكرار عملهم على الأرجح هي مئات الساعات التي قضوها على السطح لضبط قمرهم الصناعي. أمّا بالنسبة إلى التحليل المتعمق والتقني للغاية لبروتوكولات البيانات الغامضة التي حصلوا عليها، فقد يكون من الأسهل الآن تكراره أيضاً من خلال أداة برمجية مفتوحة المصدر خاصة لتفسير بيانات الأقمار الصناعية، وأيضاً تحت اسم لا تنظر إلى الأعلى.
ويُقرّ الباحثون بأنّ عملهم قد يمكن آخرين، بنوايا أقل لطفاً، من سحب البيانات نفسها شديدة الحساسية من الفضاء. لكنّهم يجادلون أيضا بأنّه سيدفع المزيد من مالكي بيانات اتصالات الأقمار الصناعية إلى تشفيرها لحماية أنفسهم وعملائهم. يقول شولمان: "ما دمنا ندعم الكشف عن البيانات غير الآمنة وتأمينها، فنحن مرتاحون جداً لذلك".
وبلا شك في أنّ وكالات الاستخبارات، المزودة بأجهزة استقبال فضائية فائقة التطور، تحلل البيانات نفسها غير المشفرة منذ سنوات. وفي الواقع، يشيرون إلى أنّ وكالة الأمن القومي الأميركية حذرت في تقرير أمني صدر عام 2022، من نقص تشفير الاتصالات عبر الأقمار الصناعية. في الوقت نفسه، يفترضون أنّ وكالة الأمن القومي وجميع وكالات الاستخبارات الأخرى من روسيا إلى الصين قد نصبت أطباق استقبال فضائية حول العالم لاستغلال هذا النقص في الحماية. كذلك لم تستجب وكالة الأمن القومي الأميركي لطلب "وايرد" للتعليق.
تقول نادية هينينغر أستاذة التشفير في جامعة كاليفورنيا سان دييغو والتي شاركت في قيادة الدراسة، مازحة، "إذا لم يكونوا يفعلون هذا بالفعل، فأين ستذهب أموال الضرائب الخاصة بي". وتقارن ما كشفته دراستهم عن النطاق الهائل للبيانات غير المحمية التي تلتقطها الأقمار الصناعية، والتي يمكن الحصول عليها، وتشبهها ببعض مع كشفه إدوارد سنودن، الذي أظهر كيف كانت وكالة الأمن القومي الأميركية وجهاز الاتصالات الحكومية البريطاني يحصلان على بيانات الاتصالات والإنترنت على نطاق هائل، في كثير من الأحيان من خلال التنصت سراً على البنية الأساسية للاتصالات مباشرةً.
وتختم هينينغر: "كان نموذج التهديد الذي كان يدور في أذهان الجميع هو ضرورة تشفير كل شيء، لأنّ هناك حكومات تتجسس على أسلاك الألياف الضوئية تحت الماء، أو تجبر شركات الاتصالات على السماح لها بالوصول إلى البيانات. وما نراه الآن هو أنّ هذا النوع نفسه من البيانات يبثّ إلى جزء كبير من سكان الكوكب.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.