"Mondoweiss" : جندية أميركية غادرت سلاح الجو.. لماذا؟
لماذا غادرت الجندية جوي ميتزلر القوات الجوية الأميركية وبدأت إضراباً عن الطعام؟
-
جوي ميتزلر
موقع "Mondoweiss" ينشر مقالاً يتناول شهادة شخصية لجندية أميركية سابقة، جوي ميتزلر، تعلن فيها انسحابها من الجيش الأميركي اعتراضاً على الدعم الأميركي لـ"إسرائيل" والمشاركة في الإبادة الجماعية في غزة، وتسرد من خلالها تجربتها في خوض صيام احتجاجي لمدة 40 يوماً ضمن حملة نظمها محاربون أميركيون قدامى وناشطون حقوقيون في نيويورك.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
تركت جوي ميتزلر، وهي جندية سابقة في سلاح الجو الأميركي، مؤخراً الخدمة العسكرية اعتراضاً على تمويل الولايات المتحدة للإبادة الجماعية التي يتعرّض لها الفلسطينيون في غزة والمشاركة فيها. وقد بدأت بالتعبير عن رأيها أثناء خدمتها الفعلية، وانضمت إلى منظمة "قدامى المحاربين من أجل السلام" (Veterans for Peace)، وواصلت نشاطها من خلال الانضمام إلى حملة صيام لمدة 40 يوماً من تنظيم المنظمة في نيويورك.
قبل عام من الآن، كنتُ لا أزال أكتب استمارة رفض الخدمة العسكرية للانسحاب من سلاح الجو الأميركي، لأنني كنتُ أشعر بالرعب من الفظائع التي تُرتكب بأموال الضرائب الأميركية وساعات العمل العسكرية. واليوم، أتأمل في إتمامي صياماً دام 40 يوماً، صوم المحاربين القدامى والحلفاء من أجل غزة. وقد انتهى صيامي بالاعتقال (إلى جانب 28 من قدامى المحاربين إضافة إلى حلفائنا) بسبب إغلاق الجادة الثانية أمام القنصلية الإسرائيلية في مدينة نيويورك.
وقد تمت الموافقة على الاستمارة المقدمة بصفتي ملازماً ثانياً وعلى مغادرتي في 25 نيسان/ أبريل 2025. وحدث هذا قبل نحو أسبوع من عرض مايك فيرنر، المدير التنفيذي السابق لمنظمة "قدامى المحاربين من أجل السلام" (Veterans for Peace)، فكرة كان قد توصل إليها هو وأحد المحاربين القدامى ويُدعى فيليب توتنهام. كانا يقترحان الصيام أمام مقر البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة احتجاجاً على المجاعة التي يواجهها الفلسطينيون في غزة، والتي تسببت بها الولايات المتحدة و"إسرائيل" معاً. فكان من البديهي جداً الرد على رسالته الإلكترونية في ذلك اليوم والقول: "أنا موافقة".
كان تعريض جسدي للخطر فكرةً سبق أن اعتدتُ عليها منذ أن كنت في الجيش. أما الآن، فقد أصبح لديّ هدفٌ جديد يتمثل في إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة تحت إشراف الأمم المتحدة، ووقف شحنات الأسلحة الأميركية إلى "إسرائيل"، وهما طلبان بسيطان للغاية. كان لدي خطة لتقليل السعرات الحرارية التي أتناولها تدريجياً حتى لا أصدم جسدي عندما أبدأ الصيام الكامل بـ250 سعرة حرارية في اليوم، وهي القيمة التي تم تحديدها بناء على دراسة أجرتها منظمة "أوكسفام" (Oxfam) والتي خلصت إلى أن الفلسطينيين يحصلون على 250 سعرة حرارية فقط في المتوسط يومياً. كما تطوعتُ للقيام بمعظم عمل الفريق في وسائل التواصل الاجتماعي، وكنا نشارك جميعاً في المقابلات والاحتجاجات الخارجية. وفي كثير من الأحيان، كنا نقف خارج مقر البعثة الأميركية طوال الوقت من الساعة 9:30 صباحاً وحتى الساعة 15:00 عصراً تحت أشعة الشمس. ويكفي أن نقول إننا جميعاً فقدنا طاقتنا بعد بضعة أسابيع.
وصلتُ إلى نيويورك في 28 أيار/ مايو، وكان جميع الصائمين من المحاربين القدامى، بما في ذلك مايك وفيل وكين آش وراسل براون، في حالةٍ معنويةٍ عالية. وكنتُ أنا وفيل نشارك كثيراً في فعاليات أخرى تُقام في المدينة لترويج صومنا وتكوين العلاقات. لكن شيئاً فشيئاً، بدأت المعنويات بالتراجع. وكان الأمر مخيفاً. وسرعان ما بدأ الأشخاص الأذكياء والنشيطون والمفعمون بالطاقة يتجولون كالزومبي، وكأنهم على وشك النوم واقفين. وفي منتصف فترة الصيام تقريباً، اضطررنا للتوسل إلى مايك للذهاب إلى إدارة شؤون المحاربين القدامى بسبب حالته الصحية السيئة، وبعد ذلك اكتشفنا أنه كان على وشك الموت بسبب انخفاض حاد في مستويات البوتاسيوم. وخلال فترة الصيام، واصلنا تلقي الأخبار السيئة. فقد استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد قرار يدعو إلى تقديم مساعدات إنسانية ووقف إطلاق النار. وعلى الرغم من صدور قرار "الاتحاد من أجل السلام" عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، استمرت المجازر. وكان مئات الفلسطينيين يُقتلون يومياً، بعضهم نتيجة مباشرة لمؤسسة غزة الإنسانية التي أُنشئت خلال فترة الصيام. كما شهد الإضراب اختطاف السفينة "مادلين" والقمع العنيف للمسيرة العالمية إلى غزة من قبل السلطات المصرية، إضافة إلى الضربات الإسرائيلية والأميركية على إيران. وكان الجوع يؤثر علينا جميعاً من الناحية الجسدية والنفسية.
ثم حلّ اليوم الأربعون. كان يوماً تهيّأنا له جميعاً منذ فترة طويلة. فقد كانت فترة الصيام طويلة ومتعبة وصعبة، وانضممتُ إليهم شرط أن يكون لفك الصيام معنى. وهكذا، وُضعت خطتان: إغلاق الشارع أمام القنصلية الإسرائيلية وقراءة أسماء الأطفال الذين قتلتهم "إسرائيل"، وذهاب مايك لتغطية واجهة البعثة الأميركية بالدماء. وجرى اعتقال 29 مشاركاً في ذلك اليوم، وكان من بينهم قدامى المحاربين، وناشطو منظمة "الصوت اليهودي من أجل السلام" (Jewish Voice for Peace)، وحلفاء آخرون من خارج الولاية.
فماذا حققنا إذاً؟ أعتقد أننا حققنا ما خططنا له، حتى وإن لم تُلبَّ مطالبنا. أجرينا محادثات مع الناس، وشهدنا اتساع نطاق الاحتجاج ليشمل نحو 800 شخص من جميع أنحاء العالم، وذكّرنا موظفي البعثة الأميركية ودبلوماسيي الأمم المتحدة بأننا، كمواطنين عالميين، نقف إلى جانب فلسطين. بالنسبة لي شخصياً، ساعدني ذلك على فهم معاناة الفلسطينيين بشكل أعمق. أفهم الآن كيف يشعر جسدي عندما يتوقف عن العمل ببطء، ويشاهد الأشخاص الذين أهتم لأمرهم يمرون بالتجربة نفسها، ولكن لدينا القدرة على التوقف والحصول على رعاية طبية أو ببساطة تناول المزيد من الطعام. في المقابل، لا يحظى الفلسطينيون بهذه الرفاهية. إذ يُجبر الآباء والأمهات على مشاهدة أطفالهم يتضورون جوعاً في حين تمنع "إسرائيل" المساعدات عنهم. وبينما كنتُ جالسة في زنزانة السجن، كنتُ أخطط مع آخرين لتلك الليلة. عندما يُعتقل الفلسطينيون، تُخفيهم القوات الإسرائيلية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف نحافظ على استمرارية هذه الحركة، ومن سيتولّى قيادتها الآن؟
مطلبنا الأخير هو "التصعيد". لقد تجاوز الوضع في غزة بكثير ما يمكن وصفه بالكلمات، والمسؤولية - واجب معارضة الإبادة الجماعية - تقع على عاتق الجميع في الولايات المتحدة والعالم. وفي حال رفضت هيئاتنا الدولية التحرك لإنهاء الإبادة الجماعية، فعلينا أن نتحرك بأنفسنا. علينا أن نعطل، ونقاطع، ونضرب، بل ونخاطر بأرواحنا إن استدعى الأمر. نحن نطوي صفحة هذا الصيام، لكنني أعلم أن صائمينا، بما في ذلك الصائمون في العالم، متحمسون ومستعدون لمواصلة هذا التحرّك.
أنهوا الإبادة الجماعية، أنهوا الفصل العنصري، حرّروا فلسطين!
نقلته إلى العربية: زينب منعم.