"Responsible Statecraft": هل ستقيم "هيئة تحرير الشام" حكماً إسلامياً في سوريا؟

نأمل أن تنجح هيئة تحرير الشام بتنفيذ أجندة سياسية أيديولوجية تركّز على الدولة، على النقيض من أجندة جهادية عالمية عنيفة، بعد سنوات من الحرب الوحشية.

0:00
  • "Responsible Statecraft": هل ستقيم "هيئة تحرير الشام" حكماً إسلامياً في سوريا؟

مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب إميل نخلة، تحدّث فيه عن توجّهات هيئة تحرير الشام للحكم في سوريا.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:

وضع سقوط الأسد نهاية لحكم الرجل القوي القومي العلماني البعثي الذي لم تتحقّق تطلّعاته إلى "الوحدة والحرية والاشتراكية" في الأنظمة السياسية المتعدّدة الأعراق والطوائف في العراق أو سوريا أو لبنان. واستمرت أشكال مختلفة من الإسلام في الهيمنة على الأنظمة السياسية العربية. والسؤال الآن هو ما هي ميول هيئة تحرير الشام في هذا الصدد.

خلال تفاعلاتي العديدة مع الأحزاب والجماعات السياسية الإسلامية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي في تسعينيات القرن العشرين وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أقرّ محاوري بأنّ الأجندة السياسية الأيديولوجية التي تركّز على الدولة، في مقابل الأجندة الجهادية العالمية العنيفة، هي المسار الوحيد الممكن لإزالة الأنظمة الاستبدادية والوحشية والفاسدة من مجتمعاتهم. أخبرني العديد من زعماء هذه الأحزاب، على سبيل المثال، الحزب الإسلامي الماليزي في ماليزيا، وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وجبهة العمل الإسلامي في الأردن، وحزب الرفاه في تركيا، وحزب النهضة في تونس، وحزب التقدّم والتنمية في المغرب، خلال زياراتي، أنه للفوز بالانتخابات الوطنية، يتعيّن عليهم تبنّي برامج تركّز على قضايا أساسية والالتزام بالانتقال السلمي للسلطة من خلال صناديق الاقتراع، وليس الرصاص.

وتشير التصريحات العامّة التي أدلى بها حتى الآن زعيم هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع، المعروف أيضاً باسمه الحربي، أبي محمد الجولاني، إلى أنّه قد يندرج أكثر في هذا التقليد السياسي للأحزاب الإسلامية على الرغم من جذوره الأكثر تطرّفاً. وعلى الرغم من حكم هيئة تحرير الشام غير الشامل في إدلب في السنوات الأخيرة، فقد ركّزت المجموعة تحت قيادته على تقديم الخدمات العامة الرئيسية أكثر من فرض نسخة وحشية وصارمة من الشريعة المرتبطة بتنظيم القاعدة.

أسباب التفاؤل الحذر

إنّ تفاؤلي الشخصي ينبع من ثلاث ملاحظات على الأقل تستند إلى دراستي لهيئة تحرير الشام منذ إنشائها:

1- انفصلت عن تنظيم القاعدة قبل سنوات.

2- كان الجولاني صريحاً في اعترافه بالتنوّع العرقي والديني في البلاد.

3- اعتمد على القيادة السورية الأصلية.

بطبيعة الحال، هناك احتمال أن تتطوّر وتتحوّل الأوراق المحلية والإقليمية، والتي من شأنها أن تعرقل التزام الجولاني المعلن بإنشاء سوريا مستقرة وموحّدة تحترم أقلياتها.

في الواقع، بينما كان تنظيما القاعدة و"داعش" يتعرّضان للتدمير بفعل الضربات الجوية الأميركية والروسية والسورية في منتصف العقد الماضي، انفصلت جبهة النصرة وعدد قليل من الجماعات الإسلامية المسلحة الأصغر حجماً في سوريا عن تنظيم القاعدة وشكّلت هيئة تحرير الشام، أو جبهة تحرير سوريا، التي كان هدفها الرئيسي الإطاحة بنظام الأسد.

ومن الجدير بالذكر أنّ هيئة تحرير الشام تبنّت أجندة محلية واختارت فقط نشطاء سوريين أصليين لقيادة المجموعة. وعلى النقيض من تنظيمي القاعدة و"داعش"، لم يقم تنظيم هيئة تحرير الشام بدعوة زعماء غير سوريين، على سبيل المثال، سعوديون أو يمنيون أو عراقيون أو من آسيا الوسطى أو شمال أفريقيا للانضمام إلى الجبهة الجديدة. كما اعتبرت هيئة تحرير الشام أنّ المفهوم السلفي المتطرّف للجهاد العالمي والإرهاب فشل في تغيير المجتمعات الإسلامية أو إزاحة الحكم الاستبدادي في العديد من البلدان الإسلامية، بما في ذلك بلاد الشام.

لقد أوضح الجولاني نفسه في عام 2016 أنّ مجموعته الجديدة تسعى إلى تحرير سوريا من نظام الأسد وإقامة نظام سياسي جديد تعدّدي يعكس التنوّع العرقي والديني للمجتمع السوري. وباعتباره مواطناً سورياً، يدرك الجولاني أنّ سوريا تضم ​​مسلمين سنة، ومسلمين شيعة، بمن في ذلك الأقلية العلوية، والكرد، والأرمن والمسيحيون من طوائف مختلفة، والدروز، وأقليات صغيرة أخرى. ومنذ سقوط نظام الأسد، دعا صراحة إلى حماية الأقليات وحقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق المرأة.

وفي حين حثّ السكان على التخلّي عن الانتقام والثأر، وخاصة ضد الطائفة العلوية، التي كانت بمثابة القاعدة الطائفية لسلالة الأسد، فقد وعد بمقاضاة كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين والاستخباراتيين السابقين المسؤولين عن أسوأ الانتهاكات في عهد الأسد، وحثّ البلدان الأخرى والمنظمات الدولية على المساعدة في تقديمهم إلى العدالة.

بطبيعة الحال، في العديد من ثورات تغيير النظام، أظهر التاريخ أنّ أفراد الجمهور المظلومين غالباً ما يطاردون المسؤولين المستهدفين من النظام القديم ويعدمونهم بإجراءات موجزة من دون محاكمة. ومن المؤسف أنّ سوريا من غير المرجح أن تفلت تماماً من هذا النمط، ولكن هناك علامات أمل على أنّ هذه الإعدامات المتفرقة قد لا تنحدر إلى عهد جديد من الإرهاب.

لا شيء من هذا مضمون. وكما حدث في الاحتلال الأميركي للعراق، فإنّ حملة قمع واسعة النطاق ضد مسؤولي النظام السابق، وخاصة إذا كان يُنظر إليها على أنها مدفوعة بالطائفية، قد تؤدي إلى رد فعل عنيف. وبالمثل، فإنّ التطبيق الصارم للشريعة الإسلامية ضد الطوائف الأقلية قد يحوّل المجتمعات الرئيسية ضد الإدارة الجديدة بطرق يمكن للقوى الخارجية استغلالها.

وبعد أن حكمت محافظة إدلب فقط، فإنّ هيئة تحرير الشام، وخاصة إذا فشلت في تقاسم السلطة مع الدوائر الانتخابية التمثيلية الرئيسية، قد تجد نفسها بسرعة مثقلةً تماماً بغض النظر عن نواياها.

وقد تواجه الحكومة الجديدة أيضاً تحديات خارجية خطيرة، وخاصة إذا شنّت تركيا المزيد من العمليات العسكرية ضد أعدائها الكرد المفترضين في شمال شرق سوريا، وإذا استمرت "إسرائيل" في ضرباتها عبر سوريا واحتلالها للمنطقة المحايدة في مرتفعات الجولان.

ويبدو أنّ إيران، مثل روسيا، قرّرت عدم تحدّي النظام الجديد. وقد تبنّته دول الخليج والدول العربية الأخرى، في أعقاب اجتماعها الأخير في الأردن، طالما أنّه يسعى إلى سياسات وطنية شاملة ومناهضة للإرهاب في سوريا.

وقد يكون من قبيل المبالغة في هذا الوقت، بعد أقل من أسبوعين من سقوط دمشق، أن نتوقّع أن يسود الاستقرار والهدوء وأن تعمل الإدارات الحكومية بكامل طاقتها، خاصة وأنّه يمكن أن يؤثر الفاعلون الخارجيون على المسار المستقبلي لسوريا الجديدة.

وتدرج الولايات المتحدة هيئة تحرير الشام حالياً كمنظمة إرهابية، وهناك مكافأة ضخمة لمن يأتي برأس الجولاني. ومع ذلك، تمّ هذا التصنيف قبل ما يقرب من عقد من الزمان قبل أن ينفصل المتمرّدون السوريون عن تنظيم القاعدة.

وبينما تراقب إدارة بايدن تصرّفات الحكومة السورية الجديدة عن كثب، كما ينبغي لها، يمكن للإدارة المقبلة أن تساهم بشكل كبير في الاستقرار السوري الداخلي إذا نظرت في تصنيف جديد لهيئة تحرير الشام، إذا كانت الحكومة الجديدة عند تشكيلها بالكامل، تعكس تنوّع البلاد وتتابع الالتزام باحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون من خلال أفعالها وكذلك تصريحاتها.

كما ينبغي للحكومة ما بعد الأسد أن تتواصل مع جيرانها، وخاصة لبنان والأردن وتركيا والعراق، بهدف تسوية النزاعات الحدودية وعودة اللاجئين السوريين. وينبغي لها أيضاً أن تسعى للحصول على مساعدة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في تقييد تدخّلات تركيا ضد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الكرد في شمال شرق سوريا وإقناع "إسرائيل" بسحب قواتها من المنطقة العازلة في مرتفعات الجولان.

قد يثبت تقييمي لنوايا هيئة تحرير الشام وقيادتها أنه مجرّد تفكير متفائل، ولكن حتى الآن، كانت العلامات إيجابية بالنسبة لبلد ومنطقة تحمّلتا الكثير من المعاناة.

نقلته إلى العربية: بتول دياب