"الغارديان": سقوط النظام ينبئ بمستقبل غير مستقر لكرد سوريا

من غير المرجح أن تتسامح هيئة تحرير الشام، التي تربطها علاقات ودية مع تركيا، مع الحكم الذاتي الكردي.

0:00
  • قوات سوريا الديمقراطية الكردية
    "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية

صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر مقالاً للكاتبة زينب كايا، تحدثت فيه عن مستقبل الكرد و"حزب الاتحاد الديمقراطي" بعد سقوط النظام في سوريا.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

إنّ سقوط بشار الأسد بعد استيلاء "هيئة تحرير الشام" على السلطة في سوريا يشكّل خبراً سيئاً بالنسبة إلى الكرد في البلاد. ومن الجدير أن نرسم خريطة للكيفية التي وصلت بها الأمور إلى هنا منذ بداية الحرب في سوريا في عام 2012. فخلال الصراع، برز حزب "الاتحاد الديمقراطي" باعتباره أكبر وأكثر الأطراف السياسية الكردية نفوذاً في سوريا، حيث تولى السيطرة الإقليمية في الشمال وحافظ على إدارة مستقلة، وإن كانت هشة.

إنّ وضع حزب "الاتحاد الديمقراطي" أصبح أكثر خطورة بعد استيلاء "هيئة تحرير الشام" على السلطة. فتركيا، التي ظهرت باعتبارها الطرف الأجنبي الأكثر نفوذاً في سوريا، تركّز بشدة على الحد من أي دفع كردي نحو الحكم الذاتي، محلياً وإقليمياً. والتحدي الآخر الذي يواجهه حزب "الاتحاد الديمقراطي" هو أنّ النظام الذي تقوده "هيئة تحرير الشام" من غير المرجح أن يتسامح مع الحكم الذاتي الكردي القائم في سوريا.

كان ظهور منطقة الحكم الذاتي التي يديرها الكرد في شمال سوريا غير متوقع. كان الكرد السوريون، الذين يشكلون نحو 10% من السكّان، أكثر قمعاً وأقل وضوحاً من الكرد في تركيا والعراق وإيران. ومع ذلك، بعد وقت قصير جداً من بدء الحرب، تطور هذا الوجود الكردي الهادئ حتى ذلك الحين إلى حركة سياسية وعسكرية نشطة للغاية حظيت باهتمام إقليمي ودولي كبير.

منذ بداية الحرب السورية، اختار حزب "الاتحاد الديمقراطي" عدم الانحياز إلى الأسد أو الجماعات المتمردة المناهضة للنظام، وسعى بدلاً من ذلك إلى تأمين موقعه في الشمال. وفي عام 2012، أعلن من جانب واحد إنشاء منطقة حكم ذاتي تسمّى روج آفا (غرب كردستان)، وتتكوّن من ثلاثة كانتونات منفصلة إقليمياً: عفرين وكوباني وجزيرة.

كان كل هذا صعب الهضم بالنسبة إلى تركيا، إذ إنّ مخاوفها عميقة لأن حزب "الاتحاد الديمقراطي" لديه روابط مع حزب العمال الكردستاني (PKK)، وهي جماعة مسلّحة تقاتل القوات التركية منذ أربعة عقود وتصنّفها تركيا وحلفاؤها كمنظمة إرهابية. إنّ حزب "الاتحاد الديمقراطي" يتبع أيديولوجية زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، حتى وإن كان يصر على أنه كيان منفصل. أما تركيا، فتعدّهما كياناً واحداً وترفض قبول أي شكل من أشكال الكيان السياسي الكردي المرتبط بحزب العمال الكردستاني على حدودها. وقد فعلت كل ما في وسعها لمعارضة روج آفا دبلوماسياً وبدعم القوى الإسلامية.

ولكن النكسة الأكبر التي لحقت بمصالح تركيا جاءت من الولايات المتحدة. فبعد أن رأت الولايات المتحدة مدى فعالية وحدات الدفاع الشعبي الكردية في صد المتطرفين الإسلاميين، قدمت لها في عام 2015 الدعم العسكري لقيادة القتال ضد "داعش". وقد عزز هذا الدعم موقف الكرد، فوسّعوا تدريجياً سيطرتهم الإقليمية، ووحدوا المقاطعات الثلاث وأعادوا تسمية المنطقة بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. ورأت تركيا هذا التحالف العسكري بمنزلة خيانة من حليف في حلف شمال الأطلسي.

لقد رأت تركيا فرصتها لإعادة تأكيد سيطرتها بعد الانسحاب الأميركي في عام 2018، (على الرغم من بقاء ما يصل إلى 2000 جندي لها في سوريا)، وحوّلت نشاطها العسكري في أجزاء من شمال سوريا إلى عملية عسكرية صريحة بالتعاون مع الجيش الوطني السوري، وسيطرت على مقاطعة عفرين، واحتلت منطقة حدودية طويلة بين تل أبيض ورأس العين بينما استمرت في تنفيذ الغارات الجوية والمراقبة.

لقد أدّى التدخل العسكري التركي إلى تعريض حزب "الاتحاد الديمقراطي" للخطر، ولكن هذا الأخير استمر في الحفاظ على إدارة فعالة ومنظمة بشكل جيد في ظل ظروف صعبة.

الآن، مع انهيار نظام الأسد، أصبح موقف حزب "الاتحاد الديمقراطي" أكثر خطورة. ومن غير المرجح أن يحافظ النظام الناشئ الجديد على الاتفاق الضمني بين دمشق وحزب "الاتحاد الديمقراطي" الذي سمح بالسيطرة الكردية على الشمال بينما استمرت دمشق في تزويد السكان هناك بالموارد والخدمات والرواتب، وإن كان ذلك بشكل سيئ.

إنّ "هيئة تحرير الشام" لديها علاقة عدائية مع حزب "الاتحاد الديمقراطي" وعلاقات ودية مع تركيا. وقد تصعّد تركيا الآن تدخلها العسكري في المناطق التي يسيطر عليها الكرد. 

ولكن تركيا تستكشف أيضاً إمكانية إجراء محادثات مع كردها على أمل كسب دعمهم لتغيير الدستور على النحو الذي قد يسمح للرئيس رجب طيب إردوغان بالاستمرار في منصبه لفترة أخرى. وسوف ترغب تركيا في الدخول في أي مفاوضات مع الكرد من موقع يتمتع بأكبر قدر ممكن من القوة في سوريا، حيث من الناحية المثالية من الممكن أن يتمتع حزب "الاتحاد الديمقراطي" بأقل قدر ممكن من القوة والنفوذ.

كانت الحرب السورية عملية تغيير وتقلّب. والواقع أنّ الحرب وتغيير النظام من الممكن أن يخلقا فرصاً للجماعات السياسية غير الحكومية، ولكنهما يشكلان أيضاً مخاطر كبيرة على هذه الجماعات. إنّ الكرد على دراية تامة بهذا المد والجزر في التاريخ، ويبقى أن نرى ما إذا كانت أي نتيجة في فترة ما بعد الأسد ستكون إيجابية للاستقرار والسلام والديمقراطية بالنسبة إلى الكرد وجميع السوريين في المنطقة.

نقلته إلى العربية: بتول دياب