مسؤولة أميركية سابقة: ما الذي يتوجب على بايدن فعله لمساعدة غزة الآن؟

إدارة بايدن المنتهية ولايتها تملك فرصة أخيرة لتصويب الأمور.

0:00
  • الرئيس الأميركي جو بايدن
    الرئيس الأميركي جو بايدن

ستايسي غيلبرت، كبيرة المستشارين المدنيين والعسكريين في مكتب شؤون السكان واللاجئين والهجرة، التابع لوزارة الخارجية، تكتب مقالاً نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية. 

جاء في المقال أنّ منع "إسرائيل" للمساعدات الإنسانية في غزّة يخالف القانون الأميركي. لذا، يجب على إدارة بايدن قطع المساعدات العسكرية عن الاحتلال.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

في 13 تشرين الأول/أكتوبر، أرسل كل من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن رسالة استثنائية إلى كل من نظيريهما الإسرائيليين توجز كيف تعرقل "إسرائيل" وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وتطلب أليهما اتخاذ خطوات ملموسة للتخفيف من الأزمة خلال 30 يوماً، أو المخاطرة بخسارة المساعدات العسكرية الأميركية.

وها قد حل الموعد النهائي، إلا أنّ كثيراً من الأمور تغير منذ إرسال تلك الرسالة. فلقد فاز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، وأُقيل وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، وهو أحد متلقي الرسالة؛ وأصدر "البرلمان" الإسرائيلي قانونين لوقف العمل الأساسي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في غزة والضفة الغربية.

أما مواصلة "الحكومة" الإسرائيلية بشكل اعتباطي عرقلة وصول المساعدات المنقذة للحياة إلى الفلسطينيين، الذين هم في أمس الحاجة إليها، واستخدامها للأسلحة الأميركية التي تتسبب بالموت والدمار العشوائي في جميع أنحاء غزة، فهو الأمر الوحيد الذي بقي على حاله. وفي الأسابيع الأخيرة من ولايته، يحظى الرئيس الأميركي جو بايدن بفرصة استثنائية لتصحيح هذا الوضع. وبدلاً من الاستمرار في تبرير الحرب التي تشنها "إسرائيل"، يتعين على إدارته ببساطة أن تعترف بالحقائق: تواصل "إسرائيل" منع وصول المساعدات الإنسانية، وبالتالي، وفقاً للقانون الأميركي، لا يمكنها الحصول على أسلحة أميركية.

وعلى الرغم من الادعاء المتكرر بخلاف ذلك، فإن "السلطات" الإسرائيلية عوّقت  كل جوانب المهمة الإنسانية المعقدة في غزة منذ بدء الحرب قبل أكثر من عام. ووثق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ذلك بوضوح: من الشاحنات العالقة على الحدود ونقاط العبور والموانئ المحدودة وأوقات التشغيل المقيدة وتأخير منح التراخيص لسائقي الشاحنات والطاقم الطبي وعمال الإغاثة؛ إلى مجموعة معقدة من العوائق البيروقراطية، مثل القائمة المتغيرة باستمرار من العناصر التي تعدّها "إسرائيل" أسلحة محتملة، من المصابيح الكهربائية إلى المقص الجراحي.

بالإضافة إلى ذلك، هُجّر جميع سكان غزة تقريباً قسراً، وانخفضت مؤشرات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي والمأوى والحماية والحصول على المساعدات القابلة قياساً بأدنى مستوياتها على الإطلاق. وتقع منظمات الإغاثة تحت رحمة النظام العشوائي الإسرائيلي، بحيث يتعين عليها إخطار "الجيش" الإسرائيلي بمواقعها لتجنب استهدافها بعملية عسكرية. والنتيجة هي مقتل أكثر من 300 من عمال الإغاثة، وهو أعلى رقم يتم تسجيله على الإطلاق في أزمة واحدة.

ويوم الثلاثاء، أصدرت ثماني منظمات إنسانية تعمل في غزة سجل أداء يصنف مدى امتثال "إسرائيل" للتغييرات المطلوبة في رسالة 13 تشرين الأول/أكتوبر. وخلصت إلى أنّ "إسرائيل" لم تفشل في تلبية جميع المتطلبات الواردة في الرسالة فحسب، بل اتخذت أيضاً إجراءات إضافية أدت إلى تفاقم الوضع الإنساني بشكل كبير، ولاسيما في شمالي غزة.

فلنأخذ على سبيل المثال المقياس الذي تمت مناقشته كثيراً لعدد الشاحنات المسموح لها بدخول غزة. وطالبت الرسالة المؤرخة في 13 تشرين الأول/أكتوبر "إسرائيل" بالسماح لما لا يقل عن 350 شاحنة بدخول غزة يومياً، إلا أنّ سجل الأداء أظهر أنه خلال الأيام الثلاثين، لم تدخل سوى 42 شاحنة في المتوسط يومياً. وفي بعض الأيام، انخفض هذا العدد ليصل إلى ست شاحنات فقط. وحتى المتحدث باسم وزارة الخارجية، فيدانت باتيل، قال إنه في الفترة من 1 إلى 9 تشرين الثاني/نوفمبر، سمحت "إسرائيل" بدخول 404 شاحنات فقط لغزة خلال فترة الأيام التسعة بأكملها.

ونتيجة لذلك، أصبحت الظروف في غزة اليوم أسوأ مما كانت عليه عندما أرسل بلينكن وأوستن رسالتيهما. وخلال الأيام الثلاثين الماضية، قُتل نحو 1400 شخص، بما في ذلك غارة جوية في 29 تشرين الأول/أكتوبر استهدفت مبنى سكنياً مؤلفاً من خمس طبقات في بيت لاهيا أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 90 شخصاً، من بينهم 20 طفلاً. وبذلك يرتفع عدد القتلى في غزة إلى أكثر من 43,600، وفقاً لوزارة الصحة في غزة، على الرغم من أن السلطات المحلية تعتقد أن العدد الفعلي قد يكون أعلى من ذلك كثيراً.

وخلال الأسبوع الفائت، أعلن "الجيش" الإسرائيلي أن المدنيين النازحين في شمالي غزة، الذي يتم تدميره وإخلاء سكانه في ظل ظروف وصفها كبار مسؤولي الأمم المتحدة مؤخراً بأنها "مروعة"، لن يُسمح لهم بالعودة إلى منازلهم، في تجاهل صارخ للقانون الإنساني الدولي.

علاوة على ذلك، في 8 تشرين الثاني/نوفمبر، أصدرت مجموعة دولية من خبراء الأمن الغذائي تحذيراً مفاده أنّ قطاع غزة بأكمله يواجه انعداماً حاداً في الأمن الغذائي وأنّ هناك "احتمالاً قوياً بأن تكون المجاعة وشيكة" لما يقدر بنحو 75 ألف إلى 90 ألف شخص عالقين في شمالي غزة.

وعندما تكون هناك حاجة لتدفق مواد الإغاثة اللازمة لإنقاذ الأرواح إلى كل منطقة في غزة، تسيطر "إسرائيل" على الصنبور، وتقوم بتشغيله وإيقافه بشكل عشوائي ووفق مزاجها.

والاختبار البسيط لمعرفة ما إذا كانت المساعدات الإنسانية تُعرقَل بشكل اعتباطي هو التساؤل عن كيفية تصرف "إسرائيل" في حال كان مواطنوها في أمس الحاجة إليها: فهل ستكون هناك قيود على كمية الطعام أو عدد الشاحنات والسائقين والأطباء وعمال الإغاثة المسموح بدخولهم البلاد؟ وهل سيتم حجز حاويات كاملة من مواد الإغاثة لاحتوائها على مقص؟ وهل سيتم قصف المدارس التي تؤوي عائلات إسرائيلية نازحة لقتل أعداء مشتبه فيهم؟

منذ بداية الصراع، كانت وزارة الخارجية الأميركية تمتلك كل المعلومات التي تحتاجها لتحديد ما إذا كانت "إسرائيل" تعرقل وصول المساعدات الإنسانية بدقة، لكنها اختارت إعطاء الأولوية للدعم غير المشروط لها على القانون الأميركي. وفي أيار/مايو، قدمت وزارتا الخارجية والدفاع تقريراً إلى الكونغرس مفاده أنّ "إسرائيل" لا تمنع وصول المساعدات الإنسانية. إلا أن منظمات الإغاثة والخبراء في مكتب اللاجئين التابع لوزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية كانوا يبلغون بخلاف ذلك منذ أشهر.

وأنا أدرك ذلك لأنني كنت من كبار المستشارين المدنيين والعسكريين في مكتب اللاجئين، وكنت من الخبراء المتخصصين العاملين على هذا التقرير حتى تم استبعادي أنا وزملائي عنه لتعديله من قبل الجهات العليا. وصدر التقرير النهائي الذي التف على المادة "620I" من قانون المساعدة الخارجية، وهو قانون يلزم بوقف المساعدة لدولة تمنع المساعدات الإنسانية الأميركية. وأخبرتُ قيادة وزارة الخارجية أن التقرير الزائف بشكل واضح سيلاحقنا، وقدمت استقالتي.

أما الآن، وخلال الأسابيع الأخيرة التي تسبق تنصيب رئيس جديد، تمتلك إدارة بايدن هذه الفرصة الأخيرة لتصويب الأمور. والمهمة واضحة وبسيطة: إمعان النظر في الحقائق والتوصل إلى قرار صادق حول ما إذا كانت تصرفات "الحكومة" الإسرائيلية قد ساعدت سكان غزة أم أضرت بهم.

قد يُنظر إلى وقف عملية تسليم الأسلحة الأميركية إلى "إسرائيل" الآن بسخرية كونها خطوة تافهة قد تلغيها الإدارة القادمة، لكنها ستكون بمثابة عودة شجاعة إلى القانون الأميركي والمبادئ الإنسانية، مهما كانت قصيرة. فالأوان لم يفت بعد للامتثال للقانون.

نقلته إلى العربية: زينب منعم.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.