هجرة جماعية لأطباء لبنان..2021 عام الأزمات المتلاحقة في القطاع الطبي

بسبب الأزمة التي يعاني منها لبنان منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019 فإنه يخسر يومياً عدداً من أفراد كادره الطبي، الذين يختارون الهجرة إلى بلدانٍ أخرى سعياً لظروفٍ معيشيةٍ أفضل، بالإضافة إلى واقع صحي يتردى يوماً بعد آخر.

  • هجرة جماعية للأطباء من لبنان..2021 عام الأزمات المتلاحقة في القطاع الطبي
    2500 طبيباً لبنانياً هاجر إلى الخارج

يخسر لبنان يوماً بعد يوم، وفي ظل الأزمة التي تعصف به منذ حوالى السنتين، جزءاً كبيراً من أطبائه ذوي الاختصاص، الذين يختارون الهجرة إلى بلدانٍ أخرى، سعياً لظروفٍ معيشيةٍ أفضل وهرباً من الواقع الذي يزداد تردياً في بلدهم يوماً بعد آخر، الأمر الذي جعل القطاع الطبي يواجه واقعاً صعباً بفقدانه عموده الفقري، وجزءاً أساسياً لاستمراره بالشكل المطلوب، خصوصاً في ظلّ انتشار جائحة كورونا. 

تشير التقديرات إلى أنّ نحو 2500 طبيب قد هاجر إلى الخارج في عام 2021، بنسبةٍ تقارب الـ40%، وأيضاً نحو 30% من الممرّضين والممرضات تركوا لبنان إما بشكل دائم أو مؤقت.

الأسباب التي تدفع الكادر الطبي إلى الهجرة كثيرةً ومتعددة، وهي تمثّل معاناة أغلب الشعب اللبناني، ووفقاً للطبيبة النسائية، جنوب خزعل التي هاجرت إلى دولةٍ خليجيةٍ هرباً من الأزمات المتلاحقة في البلاد، فإنّ الهجرة باتت "أفضل خيار لي ولأولادي، خصوصاً وأنّ الأمل بانفراج الأوضاع باتَ معدوماً".

وتضيف الدكتورة خزعل في حديث مع الميادين نت أنّ أوّل الأسباب التي دفعتها إلى الهجرة هي "عدم توفّر المستلزمات الأساسية لمزاولة مهنتي، فمثلاً لم أكن أستطيع، كغيري من الأطّباء، معاينة المرضى في العيادة مع الانقطاع المتواصل للكهرباء، خصوصاً وأنّ المعاينة الطبية في مجالي، تتركّز على تشغيل آلة التصوير الصوتي (echography)، أو عندما كنت أطلب بعض الفحوصات والأدوية للمرضى، فيواجه المريض صعوبات الحصول عليها لعدم توفّرها في السوق، وندخل في دوامة البحث عن بدائل متوفّرة".

أزمات عديدة عانى منها القطاع الطبي في 2021

ما قالته الدكتورة خزعل للميادين نت، هو جزءٌ من الظروف القاسية التي عانى ولا يزال يعاني منها الكادر الطبي، إن كان في المستشفيات، أو في العيادات الخاصة، فقد شهد لبنان شحاً في المحروقات وارتفاعاً بأسعارها بشكلٍ كبير، الأمر الذي دفع بطبيعة الحال إلى تقنين الكهرباء، فباتت المستشفيات تعاني في الحصول على المحروقات (وبالتالي الطاقة الكهربائية) للحفاظ على سلامة مرضاها.

إلى ذلك، شكّل نقص المحروقات في القطاع الطبي خطراً على أرواح المرضى، وخاصةً مرضى العناية الفائقة، الذين يعيشون على أجهزة التنفس الاصطناعي، إضافةً إلى مرضى غسيل الكلى والسرطان، كما أدّى إلى إعطاء المستشفيات الأولوية لمرضى معينين على حساب آخرين تبعاً لحالتهم الصحية. ووفق نقابة المستشفيات، فإنّ كلفة تأمين مادة المازوت باتت "قيمتها الشهرية تبلغ أحياناً مجموع أجور الموظفين، وثمنها يُدفع نقداً وبالدولار فقط".

كما أشارت نقابة المستشفيات منذ أيّام إلى أنّ "المستشفيات أصبحت عاجزةً تماماً عن تأمين الأوكسيجن وكواشف المختبر والأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية في ظل الشروط الصعبة التي يطلبها الموردون، وهي شروط تعجيزية في ظل الوضع الذي تمر به المستشفيات"، وذلك في وقت يستورد لبنان 90% من الأدوية والمستلزمات الطبية التي رُفع الدعم عنها، ولا تشكل الصناعة الوطنية سوى 10% فقط من تلك الحاجات. 

أضف إلى ذلك، "عدم تسديد مستحقات المستشفيات التي لم يصلها فلس واحد من مستحقاتها للعام 2021 من معظم الجهات الضامنة الرسمية، إضافةً إلى مستحقات لسنين ماضية"، بحسب النقابة. 

ومع دخول متحور "أوميكرون" سريع الانتشار إلى البلاد، بات القطاع الطبي أمام تحديّات أكبر وأخطر، في ظل نقص الكادر الطبي والتمريضي، وإقفال عدد كبير من أقسام كورونا في العديد من المستشفيات، وفي وقت ناهزت نسبة الأشغال بأقسام كورونا المفتوحة الـ80% من عدد الأسرة المتوفرة حاليّاً، خصوصاً وأنّ نسبة المرضى المصابين بفيروس كورونا غير الملقحين، الموجودين في العناية الفائقة، بلغت 100%، فيما يعود 80% من الإصابات بكورونا لغير الملقحين.

ويذكر هنا أنّ نسبة التلقيح في لبنان بجرعة واحدة بلغت 39%، و34% بجرعتين، و10% بـ3 جرعات، وفق بيانات وزارة الصحة، وهي نسب تعدّ متدنية جداً، وتؤخّر بعودة الحياة إلى طبيعتها، كما تثقل الكاهل الطبي.

أزمة لبنان الصحية تهدد الأمن الصحي المحلي والإقليمي

لم يقتصر تأثير أزمات القطاع الصحي على المستشفيات والكادر الطبي فحسب، بل أيضاً على المواطنين اللبنانيين الذين تهدد أمنهم الصحي والرعائي. إذ أنّ ما زاد الطين بلةً مؤخراً هو رفع الدعم عن الأدوية، الأمر الذي أدّى لارتفاع أسعار الأدوية وخصوصاً المزمنة منها، ارتفاعاً جنونياً.

فمثلاً، وصل سعر دواء مرض السكري إلى نحو 500 ألف ليرة لبنانية، والصرع نحو 600 ألف ليرة، وضغط الدم نحو 300 ألف ليرة، فيما يبلغ الحد الأدنى للأجور في البلاد 675 ألف ليرة (25 دولاراً بحسب سعر الصرف الحالي غير الرسمي)، علماً أنّ هذا الأجر لا يزال يفقد قيمته كلّما ارتفع سعر صرف الدولار.

ارتفاع سعر الأدوية وضع اللبنانيين أمام خيارين، إمّا شراء الدواء بسعر مرتفع، وهو خيارٌ غير متاح أصلاً للفقراء، وإمّا عدم شراءه إذا لم يتوفر بديل عنه، وبالتالي تعريض صحتهم وحياتهم للخطر. 

وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ الأسر الفقيرة المحرومة من الرعاية الصحية في لبنان بلغت نسبتها 33%، فيما بلغت نسبة الفقر في البلاد 82%، وذلك بحسب دراسة أعدتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية بغربي آسيا "الإسكوا". 

هذا الواقع الصعب، دفع المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط، أحمد المنظري، إلى التحذير من أنّ "لبنان يفقد بسرعة وبشكل تدريجي مكانته طويلة الأمد كوجهة طبية رئيسية في الإقليم، إذ كان يوفر موارد الصحة البشرية المؤهلة تأهيلاً عالياً والتكنولوجيا، كما الوصول في الوقت المناسب إلى رعاية صحية جيدة". 

ولفت المنظري إلى أنّ "الأزمة الحالية لا تعرض صحة سكان لبنان للخطر فحسب، بل إنها تهدد أيضاً الأمن الصحي الإقليمي والعالمي".

بعد أن عشنا في عام 2021 الكثير من الأحداث المهمة والمفصلية، يشرف هذا العام على الأفول، ولكنها ليست فقط نهاية عام عادية، هي بداية حقبة في حياة شعوب المنطقة والعالم.