لا تحبسوا دموعكم.. فالبكاء دواء!

 البكاء، باعتباره ظاهرة فريدة لدى البشر، يشكّل استجابة طبيعية لمجموعة من المشاعر، بدءاً من الحزن العميق والأسى إلى السعادة والفرح الشديدين.

  • لا تحبسوا دموعكم.. البكاء دواء!
    البكاء يشكّل استجابة طبيعية لمجموعة من المشاعر

هل تدمع عيناك مدراراً على فقدان أسمى وأطيب وأقرب وأحب الناس إلى قلبك وروحك؟ هل تنبلج وتشرق عيناك بذلك الدمع الرقراق الصادق الصافي في الأتراح والأفراح؟ 

إذا، لا ضير في كل ذلك فهو تعبير عاطفي تلقائي لدى البشر الطبيعيين، تجعلنا نتخلص من الضغط النفسي والكبت وغيره.

ينظر مجتمعنا في كثير من الأحيان إلى البكاء -خاصة من قبل الرجال- باعتباره علامة على الضعف وقلة القدرة على التحمّل العاطفي.

والبكاء هو سَيَلان الدَّمْع (أو تذرف الدموع في العين) استجابة لحالة عاطفة أو ألم. العواطف التي يمكن أن تؤدي إلى البكاء تشمل الغضب، السعادة، أو حزن.

أما الدموع فهي سائلٌ مالحٌ يتكوّن من البروتينات والماء والمخاط والزيت، ويتواجد في أعلى المنطقة الخارجيّة من العين وتحديداً في الغدّة الدمعية “The Lacrimal Gland”، وبالتّأكيد ليست جميع الدّموع نتيجةً لإجهاد عاطفيٍّ.

هل البكاء مفيد لصحتك؟

 البكاء، باعتباره ظاهرة فريدة لدى البشر، يشكّل استجابة طبيعية لمجموعة من المشاعر، بدءاً من الحزن العميق والأسى إلى السعادة والفرح الشديدين.

ويبدو أن الجواب هو نعم، وفق  ما قاله الدكتور الاخصائي مروان مرغب لـ الميادين نت، فالفوائد الطبية للبكاء معروفة منذ العصر الكلاسيكي.  فقد افترض المفكرون والأطباء في اليونان وروما القديمة أن الدموع تعمل كمسهّل، فهي تستنزفنا وتطهّرنا.

ويتفق الفكر النفسي اليوم إلى حد كبير، حيث يؤكد على دور البكاء كآلية تسمح لنا بالتخلص من التوتر والألم العاطفي".

البكاء هو صمام أمان مهم، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن الاحتفاظ بالمشاعر الصعبة في داخلنا - وهو ما يسميه علماء النفس التكيف القمعي - يمكن أن يكون سيئاً لصحتنا.

وبحسب   مدرسة "هارفرد" الطبية، قد ربطت الدراسات بين التكيّف القمعي ونظام المناعة الأقل مرونة، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وارتفاع ضغط الدم، وكذلك مع حالات الصحة العقلية، بما في ذلك التوتر والقلق والاكتئاب.

كما تبين أن البكاء يزيد من سلوك التعلق، ويشجع على التقارب والتعاطف والدعم من الأصدقاء والعائلة.

ليست كل الدموع متساوية

يقسّم العلماء المنتج السائل للبكاء إلى 3 فئات متميزة: الدموع الانعكاسية، والدموع المستمرة، والدموع العاطفية. تؤدي الفئتان الأوليان وظيفة مهمة تتمثل في إزالة الحطام مثل الدخان والغبار من أعيننا، وتليين أعيننا للمساعدة في حمايتها من العدوى. محتواها 98٪ ماء.

أما الفئة الثالثة، وهي الدموع العاطفية (التي تطرد هرمونات التوتر والسموم الأخرى من نظامنا)، والتي من المحتمل أن تقدم معظم الفوائد الصحية.

لقد أثبت الباحثون أن البكاء يطلق الأوكسيتوسين والمواد الأفيونية الداخلية، المعروفة أيضاً باسم الإندورفين. تساعد هذه المواد الكيميائية التي تساعد على الشعور بالسعادة في تخفيف الألم الجسدي والعاطفي.

ويقول  Leo Newhouse في مجلة "هارفرد"الثقافة الشعبية، من جانبها، عرفت دائماً قيمة البكاء الجيد كوسيلة للشعور بالتحسن، وربما حتى لتجربة المتعة الجسدية. من المرجح أن يشهد الملايين من الأشخاص الذين شاهدوا أفلام الدموع الكلاسيكية مثل West Side Story أو Titanic (من بين آخرين) على هذه الحقيقة.

 البكاء عند الأولاد والرجال

تقول إحدى الأغاني الشعبية: "أعلم أنه ليس من المفترض أن يبكي الرجل، لكن هذه الدموع لا أستطيع حبسها في داخلي". تلخص هذه الكلمات بإيجاز العديد من المعضلات التي يواجهها الرجل فيما يتعلق بالتعبير العاطفي، وفق Newhouse،  منذ وقت مبكر، فيقال للأولاد أن الرجال الحقيقيين لا يبكون.

عندما يكبر هؤلاء الأولاد، قد يدفنون مشاعرهم عميقاً وينسحبون عاطفياً من أحبائهم، أو يعالجون أنفسهم بالكحول أو المخدرات، أو حتى يصبحون انتحاريين.

ولذلك يحتاج العديد من الرجال إلى تعلم مهارات كيفية إعادة التواصل مع عواطفهم.

ففي التسعينيات، قاد الشاعر روبرت بلي ندوات للرجال، علم فيها المشاركين كيفية التواصل مع مشاعر الحزن والخسارة المدفونة منذ فترة طويلة، والبكاء علانية إذا احتاجوا إلى ذلك. ولكن من الناحية المثالية، ينبغي أن يبدأ هذا التعليم كل يوم.

من جهته، يعتقد الدكتور بيل فري من مركز أبحاث الدمع وجفاف العين في ولاية مينيسوتا الأميركية، أن البكاء مفيد، فقد تبيّن أن 85٪ من النساء و73٪ من الرجال الذين شملتهم الدراسة شعروا بالارتياح بعد البكاء. ويرى فري أن الدموع تُخلّص الجسم من المواد الكيماوية المُتعلّقةبالضغط النفسي، مشيراً إلى التركيبين الكيميائي والعاطفي، والدمع التحسسّي الذي يثيره الغبار مثلاً.

 الدموع مشكلة؟

هناك أوقات يمكن أن يكون فيها البكاء علامة على وجود مشكلة، خاصة إذا حدث بشكل متكرر و/أو بدون سبب واضح، أو عندما يبدأ البكاء في التأثير على الأنشطة اليومية أو يصبح خارج نطاق السيطرة.

وعلى العكس من ذلك، فإن الأشخاص الذين يعانون من أنواع معينة من الاكتئاب السريري قد لا يتمكنون في الواقع من البكاء، حتى عندما يشعرون بالرغبة في ذلك.

اقرأ أيضاً: قهر وألم وحزن.. لماذا نستثني الرجال من البكاء؟

وفي أي من هذه الحالات، سيكون من الأفضل رؤية أخصائي طبي يمكنه المساعدة في تشخيص المشكلة واقتراح العلاج المناسب.