هل طوفان الأقصى "مؤامرة" على محور المقاومة؟
فتح الطوفان نافذة أمل. وإذا كان منفذوه أخطأوا في الرهان على أن عامة العرب والمسلمين سيتحركون معهم، فإن الخطأ ليس في الرهان، بل فيمن لم يرتقِ إلى مستواه.
-
نسمع في صفوفنا من يردد أن طوفان الأقصى "مؤامرة" على محور المقاومة!
على ضفتي سنة 2000، احتدم جدال في الساحة الفلسطينية، وبين المعنيين بالشأن الفلسطيني، بشأن العمليات الاستشهادية التي أثخنت الكيان الصهيوني رعباً وقتلى وجرحى. ولم يكن من المفترض أن يكون هناك جدل بشأن تلك العمليات، إذ إن أي عمل مقاوم يبرّر نفسه بنفسه، وليس في حاجة إلى تبرير، فما بالكم إذا كان ذلك العمل مؤثراً وموجعاً مثل العمليات الاستشهادية؟!
في البداية، انقض مناهضو العمليات الاستشهادية على مشروعيتها، كونها تستهدف "مدنيين" بزعمهم، وأماكن مدنية في الأعم الأغلب، وأن ذلك يسيء إلى النضال الفلسطيني ضد الاحتلال، ويوحد "المجتمع الإسرائيلي" ضدنا، وربما يصيب "يهوداً تقدميين"، في النسخة اليسارية من هذا الخطاب.
أما السلطة الفلسطينية فعدّت العمليات الاستشهادية "مؤامرة" عليها وعلى جهودها التفاوضية للوصول إلى "دولة فلسطينية"، وعلى استراتيجيتها العبقرية لشق صفوف معسكر العدو بمبادرات السلام والتنسيق الأمني. وبلغ الأمر ببعض من يتبنون هذا الخط أنهم اتهموا منفذي العمليات الاستشهادية بالتنسيق مع حكومة نتنياهو في مواجهة حزب العمل (شمعون بيريز ثم إيهود باراك)، الأميل إلى التفاهم مع السلطة الفلسطينية!
ويُغفل هذا الخطاب التآمري أن مجرد وجود شبهة من هذا النوع فوق رأس أي سياسي صهيوني سوف تُسقطه مباشرة في "المجتمع الإسرائيلي"، وكان حزب العمل سيسارع إلى فضحه في جميع الأحوال. كما أن ذلك الحزب لم يكن بالضبط "حمامة سلام" عبر تاريخه، بل كان سلَفه (الماباي) مؤسس الكيان على المجازر والدمار. وفي ضوء سجل حزب العمل المترع بالحروب والاغتيالات، سيكون من السذاجة بمكان أن نضيع الوقت في تصنيف القتلة، وأيهم أكثر إنسانية وميلاً إلى السلام.
المهم، كان رد مناصري العمليات الاستشهادية من شقين: أولاً، لا يوجد في الكيان الصهيوني "مدنيون"، إذ إننا نتعامل مع "مجتمع" استعماري استيطاني إحلالي، لا مع جيش احتلال أجنبي فحسب، فهو جيش يملك مجتمعاً، وليس مجتمعاً يملك جيشاً، و"إسرائيل" ليست سوى معسكر كبير. وبالتالي، فإن كل يهودي على أرض فلسطين هو موضوعياً جزءٌ لا يتجزأ من المشروع الصهيوني، بغض النظر عن توجهاته الحزبية أو حتى مستوى تسييسه.
وكان بعضنا، في الشق الثاني، يرد رداً سياسياً على مناهضي العمليات الاستشهادية: ما دام العدو الصهيوني يستهدف مدنيين، وما دام سجله حافلاً بالمجازر والاغتيالات منذ نشأ، وبتدمير البلدات والأحياء العربية، فإن العمليات الاستشهادية تمثل الرد العملي الممكن على استهداف الكيان الصهيوني للمدنيين في فلسطين وغيرها، أي أنها تمثل أداة ردع (ويبرز هنا نموذج اتفاق نيسان 1996 في لبنان لتحييد المدنيين في الجانبين من الصراع مثالاً بارزاً على ذلك التوجه).
عندما رجحت كفة مناصري العمليات الاستشهادية، وكان من الطبيعي أن ترجح، لأن الشعب لا يمكن إلا أن يكون مع المقاومة، انتقل مناهضو تلك العمليات إلى استراتيجية جديدة: التشكيك في حكمة العمليات الاستشهادية وجدواها سياسياً، بدلاً من التشكيك في مشروعيتها.
تجنّد لهذا الغرض مئات الكتاب وناشطي المنظمات غير الحكومية المموَّلة أجنبياً (وهو تناقض في المصطلح، لأن التمويل الأجنبي غالباً ما يكون حكومياً) كي يدعوا إلى وقف العمليات الاستشهادية، حرصاً على عدم ربط النضال الفلسطيني بـ"الإرهاب" عالمياً، وخصوصاً بعد إعلان الإدارة الأميركية ما يسمى "الحرب على الإرهاب" بعد أحداث الـ11 من سبتمبر 2001. وبالتالي، فإن الاستمرار في العمليات الاستشهادية، بحسب هذه السردية، سوف يقلب "الرأي العام العالمي" ضدنا، وقد يستجلب عملاً عسكرياً غربياً مباشراً ضد المقاومة الفلسطينية بذريعة "محاربة الإرهاب".
كأن العمل المقاوم في كل زمان ومكان لم يُرمَ بتهمة "الإرهاب" دوماً وأبداً، كأن الغرب قصّر تاريخياً في شن الحروب علينا وعلى كل شعوب الجنوب العالمي، وكأن العراق، الذي جرى غزوه واحتلاله تحت لافتة "الحرب على الإرهاب" سنة 2003، كان متورطاً في أحداث الـ11 من سبتمبر، وكأن الغرب تأخر يوماً عن إمداد الكيان الصهيوني بكل دعم ممكن، استخبارياً وعسكرياً ومادياً، في مواجهة فصائل المقاومة، وكأن الإعلام العالمي "حر"، وكأن ما يسمى "الرأي العام العالمي" سوف يستفزه استهداف بضع عشرات من المستعمرين المستوطنين في فلسطين، لا استهداف شعب بأكمله بصورة يومية منذ نهاية القرن الـ 19.
كان لا بد من استرجاع هذا الحوار اليوم في ضوء حملة التشكيك الحثيثة التي تستهدف عملية "طوفان الأقصى" المجيدة، إذ إن ما جرى مع العمليات الاستشهادية قبل 25 عاماً يجري تكراره الآن مع عملية "طوفان الأقصى" المجيدة، لا من حيث مشروعيتها، لأن التشكيك في العمل المقاوم ساقط مبدئياً، بل من حيث حكمتها وجدواها سياسياً.
ولو اقتصر التشكيك في "طوفان الأقصى" على وسائل الإعلام والأنظمة والشخصيات المعروفة بعدائها للمقاومة، لما استحق ذلك مجرد تعليق، لأن العمل المقاوم أسمى وأعلى وأقوى من أي تخرصات وتلفيق ولغو يمكن أن يرميه أعداؤه بها. ومن يهاجم العمل المقاوم يَدِنْ نفسه فحسب، ويصطف في معسكر العدو.
لكنْ، تدرك أن لدينا مشكلة حين تسمع في صفوفنا من يردد أن "طوفان الأقصى" ثبت أنه "مؤامرة" على محور المقاومة، بدلالة الضربات الكبيرة التي تعرض لها ذلك المحور، في لبنان وسوريا وإيران، على إثره، وأن المحور انجرّ إلى المشاركة في الحرب بخديعة، لأنه لم يكن في صورة موعد عملية "طوفان الأقصى".
وقد تسمع في صفوفنا من يقول إن عملية "طوفان الأقصى" لم تكن عملاً حكيماً، أو مدروساً بعناية، بدلالة الدمار الشامل الذي تعرضت له غزة، وتصفية قيادة المقاومة فيها، على خلفية الـ7 من أكتوبر 2023.
يدخل في هذا الباب الكلام المنقول عن الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين في 1/3/2025 في وسائل الإعلام، بناءً على مقابلة معه، والذي جاء فيه:
"أبدى دوغين استغرابه من الهجوم الذي شنته حركة حماس على "إسرائيل" في الـ7 من أكتوبر 2023، مشيراً إلى أنه لم يكن جزءاً من استراتيجية واضحة المعالم، بل جاء كمبادرة منفردة لم تتبعها أي خطوات سياسية أو عسكرية متماسكة.
ووفقاً له، فإن حماس لم تكن تمتلك خطة استراتيجية حقيقية، الأمر الذي أدى إلى تداعيات كارثية على قطاع غزة. لقد استغلت "إسرائيل" الهجوم لتبرير رد عسكري واسع النطاق أدى إلى تدمير كبير للبنية التحتية في غزة، وسقوط آلاف الضحايا من المدنيين، إضافة إلى تصعيد عسكري ضد إيران وحزب الله، وضربات موجهة لمحور المقاومة بأكمله".
لا تُعَدّ روسيا ضمن محور المقاومة طبعاً، كما أن لديها تقاطعات مصالح كثيرة مع الكيان الصهيوني، وهذه ليست المرة الأولى التي يشكك فيها كاتب روسي في "طوفان الأقصى"، وكان أحدهم زعم أن الكيان الصهيوني سمح بحدوث الطوفان عمداً، وسبق أن جرى الرد عليه، إذ ليس من العقلانية في شيء أن يقدم العدو على خطوة تسهل انهيار منظومتيه الأمنية والعسكرية في ساعات، وتذله علناً، وتكشفه استراتيجياً في الأرض المحتلة عام 1948 عبر غلاف غزة، وتكشف حكومته سياسياً، وتعطل التطبيع مع السعودية، ضمن "مؤامرة" لا شك في أن خسائرها أكبر كثيراً من مكاسبها المتوقعة.
لكنّ دوغين بالذات يبرز بصفته شخصية مؤثرة في أوساط النخب المناهضة للهيمنة الأميركية عالمياً، كما أن له وزنه بين النخب المقاوِمة عربياً، الأمر الذي يزيد في أهمية نقده للسابع من أكتوبر.
يضاف إليه المشككون في حكمة "طوفان الأقصى" وجدواه، بأثر رجعي، على خلفية اغتيال كبار القيادات المقاوِمة من لبنان إلى غزة، وإطاحة القيادة السورية، والدمار الشامل من غزة إلى لبنان.
من البديهي إذاً أنه لم يكن ثمة داعٍ لكتابة هذه السطور لولا تسرب أثر التشكيك في عملية "طوفان الأقصى" الرائعة إلى ثنايا بعض حواضن محور المقاومة، ولولا أن أنصاراً للمقاومة، من أصحاب المواقف والسجلات المعروفة في دعمها، راحوا يرددون مفردات ذلك التشكيك وموضوعاته في مجالسهم، أو في ثنايا تعليقاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي أحياناً.
هذه دعوة مفتوحة للكتاب والمؤثرين المقاومين كي يتصدوا للتشكيك في أبدع عملية مقاوِمة منذ بدأ الصراع مع الحركة الصهيونية، ثم للتشكيك في حكمة انخراط حزب الله والمحور ككل في الطوفان. ولو كان السيد حسن نصر الله بيننا، لبدد الشكوك المثارة بشأن ذلك كله في بضع دقائق من أحد خطاباته. أمّا بعد، فإننا نحتاج اليوم إلى جيش من الإعلاميين والمثقفين وناشطي وسائل التواصل من أجل التصدي لتلك الهجمة، وما يلي مساهمة في ذلك الجهد.
من اللافت، أولاً، أن الطعن في عملية "طوفان الأقصى" يأتي في وقتٍ يلعق فيه الكيان الصهيوني جراحه العميقة من جرائها؟ وها هو إعلام العدو ينقل يومياً مقاطع من تقييم جيش الاحتلال والشاباك للثُّغَر المتعددة، أمنياً وعسكرياً ومفاهيمياً، والتي سمحت لمأثرة السابع من أكتوبر بأن تحدث.
تتنحى رؤوس كبيرة في المؤسستين العسكرية والأمنية من جراء إخفاقات السابع من أكتوبر، وثمة استقالات واعترافات بالتقصير بالجملة، ودعوات إلى تنحية نتنياهو وحكومته من جراء تلك الإخفاقات، ودعوات أخرى إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة فيها، وألّا يقتصر التقييم على المؤسستين العسكرية والأمنية في الكيان الصهيوني.
تتمحور تلك الإخفاقات في 3 عناوين رئيسة:
أ – التقصير استخبارياً في معرفة نيّات المقاومين في غزة مسبّقاً، والاعتماد المفرط على وهم التفوق الاستخباري "الإسرائيلي"، والتجاهل المتغطرس لعدد من المعطيات الاستخبارية بأن هجوماً يجري الإعداد له في غزة، وعدم القدرة على توقع هجومٍ بهذا الحجم حتى لو أخذت تلك المعطيات في الحسبان.
ب – التقصير عسكرياً في إدارة العمليات يوم الـ7 من أكتوبر، مع أن ميزان القوى العسكري كان يميل لمصلحة القوات الصهيونية المحتشدة في غلاف غزة، عدداً وعتاداً، والعجز عن التصدي للطائرات الشراعية ومسيّرات المقاومة (بسبب قصف القسام مدرجات المطارات، الأمر الذي أخّر إقلاعها)، وعجز "القبة الحديدية" عن التصدي لنصف الصواريخ التي أطلقتها كتائب القسام.
جـ - التقصير سياسياً في تقييم موقف قيادة حماس في غزة، والتوهم أنها "مرتدعة" بعد معركة "سيف القدس" عام 2021، والاعتقاد أن غزة تمثل عدواً ثانوياً، وأن الخطر الأكبر يكمن في إيران ولبنان، وأن كل ما تريده حماس هو حل الإشكالات المعيشية وتثبيت مشروعية سلطتها في غزة.
تسبب النقطة الأخيرة بالذات التباساً في أذهان بعض المقاوِمين، لا في العقل الاستراتيجي للعدو الصهيوني فحسب، وبالتالي تسبب التباساً بشأن "طوفان الأقصى" ذاته وبشأن أهدافه. وكان كثيرون، منهم كاتب هذه السطور، غابت عنهم الفوارق بين الرسائل السياسية التسووية "الملغوصة"، التي تطلقها قيادة حماس في الخارج، ولا تزال للأسف، وبين خامة قيادة حماس في غزة، وعلى رأسها القائدان الشهيدان البطلان يحيى السنوار ومحمد الضيف، الأقرب إلى محور المقاومة، والتي اتضح عشية الطوفان أنها تتبنى مشروع التحرير الكامل والكفاح المسلح لتحقيقه.
نتحدث عن مشروعين سياسيين هنا، وكانت قيادة القسام ماضية في مشروعها الذي أعدّته جيداً، آخذةً كل المعطيات وتجارب القتال السابقة في الحسبان، فأعدت خططها وما استطاعت من قوة، ونجحت نجاحاً باهراً في تجاوز احتياطات العدو أو تعطيلها بمستوى أعلى وأوسع وأكثر تعقيداً من أي عملية فدائية ضد العدو الصهيوني من قبل، بصورةٍ ربما فاقت توقعات المخططين للعملية.
ليس صحيحاً، بحسب المعطيات المتوافرة، أن محور المقاومة كان بعيداً عما يجري في غزة، دعماً وإعداداً وتجهيزاً، وإن كان التنفيذ وخططه التفصيلية وموعد إطلاق العملية تُركت لقيادة القسام في غزة.
وبمقدار ما كشفت عملية "طوفان الأقصى" الثُّغر الموجودة لدى العدو الصهيوني، والتي تراكمت على مدى سنوات، كما يقول تقريرا جيش الاحتلال والشاباك، فإن انخراط حزب الله في معركة الطوفان، على طريق القدس، كشف ثُغَراً كبيرة لديه أحدثها العدو الصهيوني قبل سنواتٍ من الطوفان، أي أن الطوفان كشفها ولم يتسبب بها.
والآن، بأثر رجعي نقول، بعد اكتشاف تلك الثُّغر، إن حزب الله كان سيكون أفضل حالاً لو ألقى صواريخه الثقيلة على الكيان الصهيوني قبل أن يدمر العدو جزءاً كبيراً منها، ولو انخرط بصورة غير تدريجية في المعركة، ولو اقتحم الجليل بقوات الرضوان بدلاً من إفساح المجال للعدو الصهيوني كي يصفي القيادات العسكرية الكبيرة.
وبأثر رجعي نقول، بعد اكتشاف الاختراقات، خيراً فعلت كتائب القسام بإخفائها موعد إطلاق "طوفان الأقصى" وخططه التفصيلية عن الجميع.
كذلك كشفت الحرب ثُغَراً عميقة في سوريا، سبق تناول بعضها بالتفصيل في مواضع أخرى، كان منها تواطؤ الحليف الروسي، ولم يكن الطوفان هو الذي أحدث تلك الثغر. ولو انخرطت سوريا، عبر الجولان في المعركة منذ اليوم الأول، لكانت خسائرها أقل كثيراً مما خسرته اليوم.
كما أن علينا أن نميز بين الطوفان ذاته، والذي يعترف العدو رسمياً بأنه هزم فيه وأذِل، وبين طريقة إدارة المعركة بعد الطوفان، والتي أبرزت ثغرة أخرى كبيرة كشفها الطوفان ولم يتسبب بها، وهي تواطؤ الأنظمة العربية، وعدم وجود حركة شعبية عربية منظمة قادرة على إيقاف ذلك التواطؤ.
لم تنتهِ معركتا غزة أو لبنان بعدُ، كما كتبت مراراً من قبلُ، لأن العدو لمّا يتمكن من تحقيق أهدافه منهما بعدُ. أما تدمير غزة فليس علة في الطوفان، بل علة كبيرة فينا، في عامة العرب والمسلمين. ولو وقفنا جميعاً كما وقف اليمن، قيادة وشعباً، على الرغم من الظروف القاسية التي يعيشها، ولو فتحنا مزيداً من جبهات الأسناد وقدمنا المدد إلى المقاومين، ولو تمكنا من وقف التطبيع والجسر البري، ولو قطعنا النفط والغاز عن الدول المساندة للعدوان، ولو قاطعنا داعمي العدو الصهيوني، لَمّا دُمرت غزة ولا لبنان، ولتوزع عبء القتال على الجميع.
ليست أي عملية أو تجربة فوق التقييم، ولا بد من تعلم الدروس وأخذ العِبَر باستمرار، وهذا ما يفعله العقلاء دوماً، لكن عدونا ذاته، في محاسباته ومراجعاته ليوم الـ7 من أكتوبر، يقدم إلينا قائمة فعلية بإنجازات الطوفان في مقابل كل ثغرة يتحدث عنها، وهي قائمة طويلة ومشرفة.
فتح الطوفان نافذة أمل. وإذا كان منفذوه أخطأوا في الرهان على أن عامة العرب والمسلمين سيتحركون معهم، فإن الخطأ ليس في الرهان، بل فيمن لم يرتقِ إلى مستواه. ولا يُعاب القادة الشهداء على استشهادهم، بل يعاب القاعدون الذين تولوا يوم الزحف، وفضلوا الذلة على السلة.
أما إدانة الطوفان بجريرة الإبادة الجماعية التي ارتكبها العدو الصهيوني، فتلك سردية مهترئة. وحتى "الرأي العام العالمي" في عمق الغرب، كما رأينا، لم يعد يقبلها، وكان ذلك من مآثر الطوفان أيضاً، ووسائل التواصل الاجتماعي التي حيدت جزئياً أثر وسائل الإعلام العالمية المهيمن عليها.
فالإدانة لمن يرتكب الجرم، لا لحاضنة المقاومة التي تعرضت له. ولو كانت جرائم العقاب الجماعي التي ترتكبها الاحتلالات ضد المقاومات وحواضنها سبباً وجيهاً لوقفها، لما حدثت مقاومة أبداً، ولاستتبّ الأمر للاحتلالات، لكن كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم، وليس هناك إنسان سويّ يحب الحروب ومشقتها وأثمانها، سوى أن ثمن الاستسلام أكبر كثيراً من ثمن الحرب.