"لطيفة" بائعة خضار متجوّلة في لبنان: لن أستسلم

حاولت مساعدتها في جرّ العربة لركنها بعيداً من الطريق، لكني كنت كمن يحاول تحريك صخرة مهولة! كيف تجرّ السيدة لطيفة هذه العربة بعجلات، المزدحمة بالخضار والفاكهة والورقيات؟  كيف تتعامل معها صعوداً ونزولاً؟ كيف تتعاطى مع المارة الفضوليين والمغرِضِين؟

0:00
  • بائعة الخضار المتجولة: لن استسلم
    بائعة الخضار المتجوّلة "لطيفة": أمارس هذه المهنة منذ 9 أعوام (غرافيك: محمد مقلد)

"صدفةٌ خير من ألف ميعاد".. هكذا يقول المثل العربي المعروف. وبالفعل، فقد مرّت أيام وأنا أفكّر بتقريرٍ حول يوم المرأة العالمي، مصادفة بحتة، وفي خنقة أزمة السير، لمحت سيدة تبدو في العقد السادس من عمرها، وهي تجرّ عربة خضار خشبية.

بعيونٍ متسائلة، ونظرة شكّ ثاقبة، تعامَلتْ مع إيقافي السريع للسيارة، والنزول منها في هذا المكان المكتظ بوسائل النقل والناس والبائعين المتجوّلين، بعد الاطمئنان، هزّت برأسها وهي تحاول تعديل دفّة العربة الضخمة.

حاولت مساعدتها وجرّ العربة لركنها بعيداً من الطريق العامّ، لكنني كنت كمن يحاول تحريك صخرة  مهولة! كيف تجرّ السيدة لطيفة هذا الجسم الخشبي بعجلات (100 كلغم وأكثر)، المليء بالخضار والفاكهة والورقيات؟ كيف تتعامل معها صعوداً ونزولاً؟ وأيضاً خلال تحرّكها بين السيارات؟  لا، بل كيف تتعاطى مع المارة الفضوليين وحتى المغرِضِين؟

مهنة مضنية منذ 9 أعوام

ننظر إلى يديها الراجفتين، وأساريرها الواجفة، ونسمع صوتها المتهدّج اللاهث بسبب جهد الدفع والجرّ، عيناها الزائغتان تشيان بما لم تنبس به الشفاه، فـ "لطيفة" تمارس هذه المهنة منذ 9 أعوام، بعدما تقطّعت بها سبُل الحياة، وفقدت عملها في مشغلٍ للخياطة بعد توقّفه، وتطلّقت وتوفي زوجها في وقتٍ لاحق.

منذ أكثر من 30 عاماً، تنوء السيدة بأثقال حياة بعيدة عن الاستقرار في العشوائيات المحيطة بالعاصمة اللبنانية بيروت، بعدما وفدت من سوريا، ولم تجد قربها أحداً يساعدها ويقدّم لها العون، فهي لا تتلقّى أيّ مساعدات، بالرغم من أنها تقدّمت بطلب لمفوضيّة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، والأخيرة تقوم بتوزيع مساعدات مالية وعينيّة لنحو مليون سوري.

  • بائعة الخضار المتجولة
    تخطت "لطيفة" أوجاع يديها  خلال جرّ العربة بوضع قفازات

"أخت الرجال" بسواعد قوية

تعوّدت "لطيفة" على جرّ العربة، باعت الثياب والألعاب وكلّ ما يجعلها تعيش حياةً كريمة،  ولعلّ الندوب التي غلّفت بشرة يديها، خير دليل على المعاناة، التي كانت تتخطّاها بوضع قفازات، كما كانت تستعين بالبعض لجعل العربة تسير في بدايات عملها، لكنها اليوم أمست "أخت الرجال" بسواعد قوية تقوى على الأثقال، "وزن البضاعة على العربة ما بين 75 و100 كلغ، بالإضافة إلى وزن  خشب "العربية"، طعم العيش مرّ، و لا حياة من دون عمل يومي ولن يكون عندي طعام أو حتى ماء!"، تقولها بألم.

الحياة علّمتني أن أكون قوية

وفي يوم المرأة العالمي تقول عبر الميادين نت "لن أستسلم"، تضيف، "الحياة علّمتني أن أكون قوية و"قد حالي"، ومن هنا أنصح الجميع "بعدم الاستسلام، فما قدّمته المرأة العربية كبير، لجهة العطاء والتضحية".

وتضيف "أدعو النساء إلى العمل، وأن لا يكنّ اتكاليات خاصة في مجال تأمين قوتهن وحياتهن، الصمود في وجه المصائب هامّ لكلّ امرأة فعملها هو أمل لها".

  • عربة بيع الخضار تزن 100 كلغم مع البضاعة
    عربة بيع الخضار تزن 100 كلغم مع البضاعة

مع لحظات الفجر،  تقصد "سوق الخضار" قرب مدينة كميل شمعون الرياضية لتملأ عربتها بالخضروات، خاصة الورقية منها، والتي تعدّ أخف وزناً، وتختار لطيفة أماكن مكتظة وشعبية، "اختيار المكان هامّ بالنسبة إلى أيّ بائع، وبعد 9 سنوات أصبحت ذات خبرة بالأماكن التي يقصدني فيها الزبون لشراء حاجاته، وطبعاً في شهر رمضان يزداد الطلب على كلّ ما أبيعه خاصة الفجل والورقيات والحشائش".

بضاعة "مناسبة" حتى الغروب

تختار"لطيفة" البضاعة ذات السعر المتوسط كي تتمكّن من بيعها للناس من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة خلال النهار، حيث تبقى في عملها حتى غروب الشمس. 

ولا يبدو أنّ "الأغنياء" أو ميسوري الحال، هم زبائن "لطيفة"، وربما ينظر بعض الناس باستغراب إلى مهنتها، ولكن معظم زبائن "البائعة المتجولة" هم من المناطق الشعبية، باستثناء بعض سيارات المارة، وهنا تعلّق "عندي زبائن دائمون، ومع الوقت أصبح هذا العمل بعيداً عن تحكّم أصحاب العمل بالموظف، وأيضاً عن الروتين الوظيفي، ويمكن القول إن لي عملي الخاص، ودوامي الحرّ، رغم التعب، ولا شيء يأتي من دون عذاب".

"مضايقات" وعدم استيعاب!

المضحك- المبكي في عمل "سيدة العربة"، أنها لاقت مضايقات في بداية عملها، مثل عدم "استيعاب" الناس لوجودها في هذه المهنة، كما إنّ الرجال عبّروا عن تبرّمهم من وجود هذه "الحالة الشاذة"، بين البائعين المتجوّلين، وفق تعبيرهم، كما قال "يوسف"، وهو صاحب عربة خضار، كاشفاً أنّ بعض الرجال "يخشون أن تنافسهم على الزبائن"، ولا سيما في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تمرّ بها البلاد.

  • بائعة الخضار المتجولة: لن استسلم
    "لطيفة": أحاول جلب الخضار الرخيصة كي يتمكّن الناس من الشراء

وأشارت  إلى أنّ "كثيراً من أصحاب العربات يوجّهون لها سؤالاً: "كيف تعملين في هذا المجال وأنتِ سيدة؟ لافتين إلى التكوين الجسدي للمرأة وكتلة عضلاتها، مقارنةً بالرجال".

اقرأ أيضاً: كرمى..إمرأة عربية تركت بصمتها وأقفلت "سجناً"!

كما أنّ "لطيفة" تعاني من ملاحقة القوى الأمنية للبائعين المتجوّلين، كما يحدث مع زملاء المهنة، لكنها تتخطّى ذلك بتغيير مكان البيع.