نحن وأميركا.. هل نتعلم من التاريخ؟ وكيف؟

على الرغم  من الاهتمام الأميركي بالشرق الأوسط اعتباراً من نهاية الحرب العالمية الأولى، إلا أن التدخل الأميركي  الفعلي والمباشر في المنطقة، وبشكل خاص في فلسطين، بدأ عشية الحرب العالمية الثانية.

  • العداء للدول والشعوب  الأخرى حالة نفسية جينية لأميركا.
    العداء للدول والشعوب  الأخرى حالة نفسية جينية لأميركا.

تستعد الولايات المتحدة الأميركية للاحتفال بالذكرى الـ250 لقيامها في 4 تموز 1776 وبعد سنوات من الحرب الأهلية الطاحنة التي جاءت بعد سنوات من المجازر والتطهير العرقي الذي استهدف الملايين من الهنود الحمر سكان القارة الجديدة التي اكتشفها كولومبوس عام 1492 عندما انطلق من سواحل البرتغال في العام الذي سقطت فيه دولة الأندلس العربية بعد حكم دام حوالى 700 عام. 

وعلى الرغم  من الاهتمام الأميركي بالشرق الأوسط بأطرافه العربية والتركية والفارسية والكردية اعتباراً من نهاية الحرب العالمية الأولى، إلا أن التدخل الأميركي  الفعلي والمباشر في المنطقة وبشكل خاص في فلسطين، بدأ عشية الحرب العالمية الثانية وخلالها وما بعدها، خاصة بعد لقاء الرئيس روزفلت مع الملك عبد العزيز آل سعود في 14 شباط/فبراير 1945 ومن بعده مع الملك فاروق، حيث تعهّدا بخدمة المشاريع والمخططات الأميركية والصهيونية في المنطقة.

وشجّع كل ذلك روزفلت ومن بعده الرئيس ترومان على العمل الدؤوب وبالتنسيق مع الحليف الاستراتيجي بريطانيا صاحبة وعد بلفور وحامي  حمى اليهود،  لتمرير قرار التقسيم في فلسطين في تشرين الثاني/ نوفمبر 1947.

وكان ذلك بداية التدخل الأميركي المباشر في جميع أحداث المنطقة، لا العربية فقط، بل في إيران وتركيا، خاصة بعد التدخل الأميركي /البريطاني لإسقاط حكومة مصدق في إيران عام 1953 وإيصال الحزب الديمقراطي الموالي لأميركا عام 1950 إلى السلطة في أنقرة، التي تحولت خلال عشر سنوات إلى خندق أمامي  للدفاع عن الغرب، وعبر العشرات من القواعد الأميركية والأطلسية التي انتشرت  في جميع أنحاء تركيا.

وأصبحت أنقرة بعد ذلك التاريخ وما زالت حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة الأميركية، صاحبة القول النهائي في مجمل السياسات الخارجية لتركيا، بانعكاسات هذه السياسات على السياسة الداخلية، كما هي الحال منذ تسلّم العدالة والتنمية السلطة في  تشرين الثاني/ نوفمبر2002، حيث أصبح إردوغان في حزيران/يونيو 2004  الرئيس المشترك لمشروع الشرق الأوسط الكبير بعد أن استقبله الرئيس بوش الابن  في  البيت الأبيض في كانون الأول/ ديسمبر 2002 وحتى قبل أن يصبح رئيساً للوزراء، حيث أعلن عن تأييده للغزو الأميركي للعراق، ثم زار الكيان الصهيوني والتقى شارون في القدس.

وكانت العلاقة بين واشنطن وأنقرة وبرضى "تل أبيب" كافية لبقاء العدالة والتنمية في السلطة طيلة  السنوات الـ23 الماضية، على الرغم من حالات المد والجزر في العلاقة بين العواصم الثلاث، وحسب التطورات الإقليمية التي لم تؤثر بشكل استراتيجي على هذه العلاقات، التي اكتسبت طابعاً جوهرياً بإسقاط نظام الأسد في دمشق وتسليم السلطة لأبو محمد الجولاني.

 وقال ترامب عنه وعن جماعته "إنهم رجال إردوغان الذي كان يحلم أجداده بالسيطرة على سوريا منذ ألفي عام"،  معتبراً ذلك "نجاحاً لسياسات" إردوغان الذي قال عنه ترامب أكثر من مرة إنه "سياسي محنك وذكي جداً وانا أحبه كثيراً وهو يحبني أيضاً ويفعل كل ما أطلبه منه".

ومع أن ترامب لم يتذكر رسالته التي بعثها لإردوغان  في20 تشرين الثاني/أكتوبر 2019 وقال له "لا تكن غبياً، اجلس مع مظلوم عبدي واتفق معه" فقد اثبتت تطورات السنوات الست الأخيرة أن ما قاله ترامب آنذاك إنما كان مخططاً أميركياً  يهدف إلى جمع إردوغان مع مظلوم  عبدي وقد يلتقيان قريباً بعد زيارة  أحمد الشرع إلى البيت الأبيض قبل نهاية الشهر الجاري والإعلان عن  الصيغة العملية للاتفاق  النهائي بين دمشق ومظلوم عبدي  في إطار نظام فدرالي وأياً كانت تسميته،ليكون التطبيع السوري - الإسرائيلي بمباركة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي سيلتقي ترامب فس الـ18 من الشهر الجاري في البيت الأبيض، الخطوة التالية المطلوبة من أحمد الشرع ( سيلتقي ترامب في الـ10 من تشرين الثاني/نوفمبر)   الذي تسلّم السلطة في دمشق بدعم واشنطن وأنقرة والرياض شرط أن ينفذ ما هو مطلوب منه الآن ومستقبلاً.

وهي حال حكام الخليج المتواطئين جينياً مع الغرب الإمبريالي، منذ أن أوصلهم الاستعمار البريطاني إلى الحكم في دولهم، التي تآمرت ضد كل القضايا الوطنية والقومية والدينية الشريفة في المنطقة، كما هي الحال منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران، فقال عنها هؤلاء الحكام ومعهم الكيان العبري إنها "شيعية" ناسين أن الشاه أيضاً كان شيعياً ولكن بعباءة أميركية - صهيونية مدعومة من الحكام الذين  دعموا الغزو الأميركي/البريطاني للعراق.

وهم الذين استفزوا  صدام حسين وشجعوه  ليشن عدوانه على إيران كما أنهم أسهموا في الحرب الأفغانية بحجة الغزو السوفياتي، وفي دعم أسامة بن لادن وقاعدته، ثم طالبان، وأخيراً في سنوات "الربيع العربي" داعش والنصرة وكل الفصائل الإرهابية المسلحة، التي أعلنت الجهاد "ضد الكفرة والمرتدين من الشيعة والعلويين".

وكان ذلك  كافياً لتدمير سوريا، وهي  الخندق الأمامي في المواجهة مع الكيان الصهيوني الذي شنّ عدوانه الإرهابي ضد غزة ثم لبنان، وأخيراً إيران، قبل وبعد إسقاط النظام "العلوي" في سوريا وتسليم السلطة للنصرة "السنية" وهي بكل قادتها في مقدمة لوائح الإرهاب دولياً وأميركياً و أوروبياً.

 ومن دون أن يجرؤ أحد من حكام المنطقة على أن يسأل ترامب عن "سر محبته وإعجابه بالجولاني عندما التقى به في الرياض 14 أيار/مايو الماضي، أي في الذكرى السنوية الـ٧٧  لقيام الكيان العبري في فلسطين عام 1948.

وتعرضت منطقة الشرق الأوسط بعد ذلك التاريخ لكل ما تعرضت له من الحروب والحروب الداخلية والتمردات "الإسلامية" والمؤامرات والانقلابات العسكرية، بل وكل المساوئ والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي أوصلت دولنا وشعوبنا إلى حالة الإفلاس الفكري والأخلاقي بكل المعاني وعلى جميع المستويات وفي كل المجالات.

كما لم يجرؤ أحد من الحكام ومثقفيهم المأجورين أن يستذكروا تاريخ حليفهم بل وسيدهم أميركا، المسؤولة بشكل مباشر وغير مباشر عن كل الحروب والحروب الأهلية والغزوات والاحتلالات والانقلابات العسكرية في الأنظمة الديكتاتورية والفاشية وما نتج عنها من فساد خطير في جميع الدول التي رفرف العلم الأميركي الملطخ بدماء الملايين من الأبرياء على أراضيها بشكل أو بآخر.

فالعداء للدول والشعوب  الأخرى حالة نفسية جينية لأميركا الدولة المصطنعة، حليف الكيان العبري المصطنع مثلها، و إلا لما اتفقا دائماً على تدمير العالم، وأياً كانت تسميات المشاريع والخطط التي تم تنفيذها بعد الحرب العالمية الثانية، بل وقبل ذلك في أميركا اللاتينية الهدف الثاني وأحياناً الأول في سيناريوهات الفظائع الأميركية.

وهو ما يثبته الرئيس ترامب الآن من خلال تهديداته التي بدأها بكندا والدنمارك ثم المكسيك، والآن نيجيريا وفنزويلا وكولومبيا وباقي دول أميركا اللاتينية التي يحكمها اليسار بأنماطه المختلفة.

وهو الموقف الذي لا يختلف كثيراً عن عداوات الرؤساء الأميركيين السابقين، كما هي الحال في عملية إطاحة الرئيس الشيوعي سلفادور اللندي في تشيلي عام 1973 ومقتله، ومساعي واشنطن للتدخل في نيكاراغوا، والعديد من محاولات غزو كوبا، ودعم الحكام الفاشيين الذين أوصلتهم الاستخبارات الأميركية إلى السلطة في معظم دول أميركا اللاتينية خلال المئة سنة الماضية.

هذا باختصار عن تاريخ الدولة الأميركية الإمبريالية الاستعمارية التي تتحدث عن الديمقراطية، لكنها تدعم كل الأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية والفاشية في العالم، وبشكل خاص في الشرق الأوسط، لما له من أهمية استراتيجية، لا فقط بالنسبة إليها نفطياً، بل أيضاً دينياً وعقائدياً وفلسفياً بالنسبة إلى صنيعتها الكيان العبري بسفسطاته الدينية والتاريخية عن "أرض الميعاد".

وعاشت وتعيش منطقتنا كل ما تعيشه منذ الآف السنين، فقط بسبب هذه السفسطات التي جعلت من 27 ألف كيلو متر مربع (من أصل 510 ملايين كيلومتر مربع وهي مساحة الكرة الأرضية) وهي مساحة فلسطين الطبيعية، ساحة رئيسية لكل أحداث العالم، لا فقط لأنها ملتقى الأديان  الثلاثة، بل أيضاً بسبب همجية الكيانين الأميركي والصهيوني، وقاسمهما المشترك هو الإجرام المتجذر في عروقهما دائماً و أبداً.

ومع التذكير بما أشار إليه كاتب النشيد الوطني التركي محمد عاكف حيث قال  "يقولون عن التاريخ إنه يكرر نفسه، فلو استخلصت الدروس منه لما كرر نفسه".

لابد لنا جميعاً أن نذكر الكيانين  المصطنعين توأماً ومن دون أي خجل أو خوف أو ملل بتاريخهما الإجرامي الأسود الذي لم  يتغير، ليس فقط منذ 250 عاماً بالنسبة إلى أميركا و77 عاماً بالنسبة إلى الكيان العبري، بل منذ أن وطئت أقدام المرتزقة الأوروبيين أرض الهنود الحمر، والمرتزقة اليهود الصهاينة أرض فلسطين الطاهرة، فخانها البعض من العرب والمسلمين أكثر من  مرة، إما  لأنهم لم يتعلموا من التاريخ شيئاً، أو أنهم عبيد لسيدهم ولو كان على بعد آلاف الأميال.

وجاء رئيس بلدية نيويورك الجديد زهران ممداني "المسلم الاشتراكي الديمقراطي"، ليتبنّى قضيتها وفي عقر دار الإمبريالية الصهيو/أميركية، متحديًا ترامب وكل اللوبيات اليهودية وعصاباتها الخفية والعلنية، ليقول مرة أخرى فور انتصاره إنه سيعتقل نتنياهو إذا جاء إلى نيويورك، وهو ما لم يجرؤ أحد على قوله من الحكام المتواطئين في الجغرافيا العربية والإسلامية.