ما الذي يكمن وراء نظرية "فرط الطاقة الإنتاجية الصينية" المزعومة؟
طرح نظرية "فرط الطاقة الإنتاجية الصينية" يُعَدّ، في حد ذاته، تسييساً للقضايا الاقتصادية والتجارية، واستمراراً في إثارة "نظرية التهديد الصيني"، ويعكس زيادة قلق الولايات المتحدة من التطور السريع لصناعة الطاقة الجديدة في الصين.
في الفترة من الـ 4 حتى الـ 9 من نيسان/أبريل الجاري، زارت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين الصين، وتُعَدّ الزيارة الثانية للصين بعد تسعة أشهر.
خلال زيارتها الصين، تحدثت يلين كثيراً عما يسمى "فرط الطاقة الإنتاجية " للصين، وذكرت هذا الموضوع خمس مرات في أثناء حضورها منتدى غرفة التجارة الأميركية في الصين في قوانغتشو الصينية، الأمر الذي يستهدف الصناعة الصينية، وخصوصاً الصادرات الصينية الثلاثة الجديدة: السيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم والمنتوجات الكهروضوئية.
وسواء من منظور مبادئ اقتصاد السوق أو التحليل، بناءً على التقسيم العالمي للعمل وظروف السوق الدولية، فإن نظرية "فرط الطاقة الإنتاجية الصينية " غير مبرَّرة.
أولاً، من منظور السوق الدولية للطلب، فإن الطاقة الإنتاجية العالية الجودة ليست فائضة، لكنها غير كافية على نحو كبير. في مجال الطاقة الإنتاجية الخضراء، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، سيصل الطلب العالمي لمركبات الطاقة الجديدة إلى 45 مليوناً في عام 2030، أي أكثر من أربعة أضعاف ما كان عليه في عام 2022.
وسيصل الطلب العالمي على المنشآت الكهروضوئية الجديدة إلى 820 جيغاوات، أي نحو أربعة أضعاف ما كان عليه في عام 2022. وتكون الطاقة الإنتاجية الحالية بعيدة كل البعد عن تلبية طلب السوق، ولاسيما الطلب الهائل المحتمل على منتوجات الطاقة الجديدة في كثير من البلدان النامية. وتواصل الصين، كونها منتِجا مهماً للمنتوجات الخضراء، أنشطتها الإنتاجية لأمر يتفق مع قانون اقتصاد السوق.
إن الصين لا تلبي الطلب المحلي وتعزز تحقيق الهدف المتمثل بتحقيق ذروة الكربون في عام 2030، وتحقيق حياد الكربون في عام 2060، فحسب، بل تفي أيضاً بالتزاماتها بموجب اتفاق باريس بشأن الاحتباس الحراري العالمي بإجراءات ملموسة، وتقدم مساهمات إيجابية للتصدي لتغير المناخ وتحقيق التنمية الخضراء أيضا. إن ربط الولايات المتحدة والدول الغربية صناعة الطاقة الجديدة بالحمائية سيُضعف بلا شك قدرة دول العالم على التعامل مع تغير المناخ.
ثانياً، من تحليل مؤشرات البيانات المتعلقة بالتصدير الصيني، فإن ما يسمى بـ "نظرية فرط الطاقة الإنتاجية الصينية" غير مبرَّرة أيضاً، لأنه مع زيادة صادرات الصين من السيارات الكهربائية، ترتفع الأسعار في الوقت نفسه أيضاً.
يبلغ متوسط سعر بيع السيارات الكهربائية الصينية الحديثة في أوروبا نحو ضعفَي سعرها في السوق المحلية للصين. وهذا يدل على أن مفهوم "الإغراق" الغربي ليس له أساس من الصحة، ويدل على أن الطلب في السوق في زيادة مستمرة. من ناحية أخرى، تُعَدّ الصين حالياً أكبر سوق للسيارات الكهربائية والهجينة على مستوى العالم، بحيث تمثل نسبة الصادرات للإنتاج أقل كثيراً من البلدان المنتجة للسيارات، مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية.
حققت صناعة الطاقة الجديدة في الصين تطوراً كبيرا خلال الأعوام الأخيرة. ويشير تقرير وكالة الطاقة الدولية إلى أنه، في عام 2023، ستصل قدرة المركبة الزائدة للطاقة المتجددة في العالم إلى 510 ملايين كيلوواط، وتساهم الصين في أكثر من النصف، الأمر الذي يؤدي دوراً كبيراً في نمو توليد الكهرباء بالطاقة المتجددة في العالم.
وفي عام 2023، صدّرت الصين مليوناً ومئتي ألف سيارة تعمل عبر الطاقة الجديدة، بزيادة سنوية قدرها 77.6٪، لتصبح الصين قوة مهمة تقود تحول صناعة السيارات العالمية. وتجدر الإشارة إلى أن التنمية الكبيرة والمزايا التنافسية للصناعة الصينية في مجال الطاقة الجديدة تعود إلى جهود الشركات الصينية في رفع القدرة على البحث والتطوير والسوق الصينية الكبيرة للغاية والنظام الصناعي الكامل للصين والموارد البشرية الوفيرة.
ويمكن القول إنه النتيجة للعمل الشاق للشعب الصيني، والنتيجة الحتمية لدور قانون الاقتصاد، وليس الاعتماد على الإعانات الحكومية التي يتهمها الغرب.
تتخلف الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية عن الصين في تطوير الصناعات الناشئة، مثل سيارات الطاقة الجديدة، ولا يمكنها الاستمرار في كسب فوائد ضخمة من خلال الاحتكارات التكنولوجية، كما كان من قبل.
لذلك، فإنها تريد كبح تطوير صناعة الطاقة الجديدة في الصين من خلال القمع وفرض العقوبات، كي تواصل المحافظة على مكانتها المفيدة في الاقتصاد العالمي.
خلاصة القول أن طرح نظرية "فرط الطاقة الإنتاجية الصينية" يُعَدّ، في حد ذاته، تسييساً للقضايا الاقتصادية والتجارية، واستمراراً في إثارة "نظرية التهديد الصيني"، ويعكس زيادة قلق الولايات المتحدة من التطور السريع لصناعة الطاقة الجديدة في الصين، ومحاولة تشويه التنمية الصينية والعلاقات الاقتصادية للصين بالعالم.
وهذا النهج، الذي تتبعه الولايات المتحدة، يتعارض مع القوانين الاقتصادية، ولا يفضي إلى تحسين نوعية الصناعات المحلية وارتقائها، كما أنه لا يفضي إلى استقرار الاقتصاد العالمي وتنميته.
وينبغي للبلدان في جميع أنحاء العالم، بما فيها الولايات المتحدة والغرب، أن تلتزم المبادئ الأساسية لاقتصاد السوق المتمثلة بالتنافس العادل والتعاون والانفتاح، وأن تعالج النزاعات والخلافات في التعاون، اقتصادياً وتجارياً، وفقاً لقواعد منظمة التجارة العالمية، وأن تحافظ معاً على استقرار سلسلة الإمداد العالمية، وتساهم في الانتعاش الاقتصادي العالمي.