بأيّ سلاح تقتل "إسرائيل" المدنيين العزّل في قطاع غزة؟
تشنّ "دولة" الاحتلال حرباً شعواء بمختلف أنواع الأسلحة على شعب أعزل، لا يملك من أدوات الدفاع عن النفس سوى أدوات بسيطة مما صنعت يداه، في ظل حصار خانق يتعرّض له منذ أكثر من ثمانية عشر عاماً.
-
اعتمدت "إسرائيل" في عدوانها على قطاع غزة على كلّ ما في جعبتها من سلاح.
منذ اللحظات الأولى التي شنّت فيها "دولة" الاحتلال عدوانها الإجرامي والهمجي على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر من العام 2023، والذي يستمرّ من دون هوادة للشهر التاسع عشر على التوالي، مخلّفاً وراءه عشرات الآلاف من الشهداء والمصابين، ودماراً وخراباً هائلين في كلّ مناحي الحياة في القطاع المحاصر والمنكوب، منذ تلك اللحظة لجأ "جيش" الاحتلال إلى استخدام مروحة واسعة من الأدوات والوسائل القتالية، والتي يستهدف من خلالها السكّان العزّل من أهالي القطاع، ضارباً بعرض الحائط كلّ القوانين الدولية ذات الصلة بحماية المدنيين أوقات الحرب.
في غزة المنكوبة والمذبوحة تتعمّد "إسرائيل" استهداف المدنيين بأسلحتها المتطوّرة والذكية، والتي في العادة لا تُستخدم إلا في المعارك الكبرى، والتي يكون طرفاها المتنازعان عبارة عن جيوش نظامية، أو شبه نظامية، إلّا أنّ الوضع في غزة يختلف جملة وتفصيلاً عن ذلك، إذ تشنّ "دولة" الاحتلال حرباً شعواء بمختلف أنواع الأسلحة على شعب أعزل، لا يملك من أدوات الدفاع عن النفس سوى أدوات بسيطة ومحدودة مما صنعت يداه، في ظل حصار خانق يتعرّض له منذ أكثر من ثمانية عشر عاماً.
اعتمدت "إسرائيل" في عدوانها على قطاع غزة على كلّ ما في جعبتها من سلاح وعتاد باستثناء السلاح النووي، حيث تتمتّع هذه الأسلحة التي تأتي في معظمها من الولايات المتحدة الأميركية الحليف الاستراتيجي لـ "دولة" الاحتلال بقدرات تدميرية هائلة، وجزء كبير منها ولا سيّما القنابل الملقاة من الجو مخصّص لاختراق التحصينات الأرضية، وتدمير الأهداف التي تتمتّع بدرجة حماية عالية، غير أنها في غزة التي لا تمتلك أيّ نوع من تلك التحصينات تفتك بأجساد الأطفال والنساء والشيوخ، والذين يُستهدفون داخل منازلهم المهترئة، أو في خيامهم البالية، وفي كثير من الأحيان في الشوارع والطرقات التي يقصدونها بحثاً عن لقمة عيشهم التي حرمهم الاحتلال منها.
سنشير فيما يلي إلى مجموعة من تلك الأسلحة الفتّاكة ولا سيّما القنابل الملقاة من الجو، والتي حصدت العدد الأكبر من الشهداء الفلسطينيين خلال هذه الحرب، إذ تستهدف "دولة" الاحتلال المواطنين الأبرياء في غزة بواسطة هذه القنابل وغيرها من أدوات القتل والإجرام عن سبق إصرار وتعمّد، وليس نتيجة أخطاء في التشخيص كما تدّعي أحياناً، أو نتيجة وجودهم في المكان والزمان الخطأ كما تزعم في أحيان أخرى.
لكن قبل ذلك دعونا نذكّر بأنّ "جيش" الاحتلال قد وضع معظم ترسانته العسكرية الهائلة تحت تصرّف قواته في غزة، والتي عملت على استخدامها من دون النظر للتداعيات الكارثية الناتجة عنها، وغير آبهة بالمواقف الدولية المستنكرة والرافضة، والتي فشلت في إرغام العدو أو دفعه لوقف حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها ضد السكّان المدنيين، إذ لجأ "الجيش" الإسرائيلي إلى استخدام سلاح الجو بكلّ ما يحتويه من طائرات حديثة ومتقدّمة، حيث استخدم بكثافة طائرات "F-15"، والتي تستطيع حمل قنابل تزن ألفي رطل، وطائرات "F-16"، ذات القدرة العالية في استهداف المواقع والمنشآت، وصولاً إلى الطائرة المقاتلة الأحدث على مستوى العالم "F-35"، والتي تملك مروحة واسعة من القدرات العملياتية، والمناورة الجوية، كما استخدم "جيش" الاحتلال طائراته المروحية من طراز أباتشي، وهي من صناعة أميركية، وتتميّز بتسليحها العالي، حيث يحمل بعضها صواريخ "هيل فاير" الحارقة، وقذائف من عيار 1200 ملم، بالإضافة إلى مدفعها الرشّاش من طراز"M230".
على صعيد الطائرات المسيّرة استخدمت "إسرائيل" المئات منها، سواء بهدف التجسّس، أو لاستهداف المدنيين الفلسطينيين، كان من بينها طائرة "هيرمس 900" و"هيرمس 450"، وطائرتا "إيتان"، و"هيرون"، والطائرات الصغيرة من طراز "ماعوز"، "وكواد كابتر"، بالإضافة إلى مئات الطائرات الانتحارية من طراز "سويتش بليد" و"أوربيتر" وغيرهما.
سلاح المدرّعات كان حاضراً بقوة في العمليات الإسرائيلية، إذ استخدم "جيش" الاحتلال عربات مدرّعة متطوّرة وحديثة، كان في مقدّمتها عربتا إيتان ونامير المصفّحتان، إلى جانب ناقلات الجند من الطراز الأقدم مثل البوما، والـ M-113، واللتين استخدمتا في الأشهر الأخيرة التي سبقت اتفاق التهدئة المُنهار كعربات مفخّخة ضدّ المربّعات السكنية، ولا سيّما أثناء العملية الواسعة في شمال القطاع.
أما فيما يتعلّق بسلاح الدبابات، فقد استخدم "جيش" الاحتلال أحدث إصداراته من دبابات الميركافا، حيث تشارك مئات الدبابات من طراز ميركافا 4 و5 في الحرب، وهي تملك قوة تدميرية هائلة بواسطة مدفعها من عيار 120 ملم، والذي يُطلق قذائف شديدة الانفجار من طراز "M830A1" ذات القوة التدميرية العالية.
إلى جانب كلّ ما سبق فإنّ "جيش" الاحتلال يستخدم في عدوانه زوارق بحرية، وفرقاطات عسكرية من أنواع مختلفة، مثل ساعر، وإيلات، ولاهاف، وحانيت، وهي مسلّحة بمدافع رشاشة ثقيلة من عيار 76 ملم، وصواريخ وطوربيدات موجّهة، ورادارات حديثة ومتطوّرة.
بالعودة إلى القنابل والصواريخ الملقاة من الجو، وهي الأسلحة الأكثر فتكاً بالفلسطينيين، والتي استخدمها "جيش" الاحتلال بكثافة عالية خلال عدوانه على غزة، يمكن أن نشير إلى مجموعة منها فقط لعدم الإطالة، وهي في معظمها من صناعة أميركية، حيث تتميّز بقوة تدميرية هائلة، ودقّة فائقة في إصابة الأهداف.
1/قنبلة أم كى84-/(Mk-84):
يُطلق عليها لقب "المطرقة"، نسبة إلى حجم الضرر الشديد الذي تُلحقه في إثر انفجارها، تزن هذه القنبلة نحو 2000 رطل، أي ما يعادل 900 كيلوغرام تقريباً، وهي قنبلة موجّهة لها رأس حربي متفجّر.
تتميّز قنبلة "MK-84" بهيكل انسيابي مصنوع من الفولاذ، ومعبّأة بنحو 430 كغم من المتفجّرات شديدة الانفجار، وتتسبّب عند إسقاطها بإحداث حفرة يبلغ قطرها 15 متراً، وعمق يصل إلى 12 متراً، وبإمكانها اختراق نحو 40 سنتيمتراً من المعدن، ونحو 3.4 أمتار من الخرسانة المسلّحة، مما يجعلها فعّالة ضدّ الأهداف المحصّنة أو التحت أرضية.
2/قنبلة جي بي يو39/(GBU-39):
تُعدّ قنبلة GBU-39"" من أهمّ القنابل الذكية والموجّهة التي يملكها "جيش" الاحتلال، وهي ذات جيل متقدّم مخصّصة لاختراق التحصينات والثكنات العسكرية، ونسفها من الداخل مثل المستودعات والملاجئ الخرسانية، ومع أنها ذات قطر صغير نسبياً قياساً بالقنابل الكبيرة، إلا أنها ذات فعّالية تدميرية عالية، وتُخصّص في الغالب لاستهداف مكان بعينه، أو شخص محدّد من دون تعريض محيطه القريب للأذى.
3/قنبلة سبايس/(Spays):
وهي عبارة عن طقم توجيه إضافي يشبه في خصائصه وطريقة عمله طقم "جيدام"، يتمّ تركيبه على مقدّمة القنابل الغبية العادية من فئة "مارك"، بحيث تُثبَّت كاميرا كهروضوئية تُغذَّى سلفاً بصور مفصّلة للهدف، وهي أشبه ما تكون بذاكرة قاتلة، وبفضل دمجها بين نظام تحديد الموقع العالمي "جي بي إس"، ونظام الملاحة بالقصور الذاتي "آي إن إس"، تستطيع هذه القنابل أن تُصيب أهدافها حتى في غياب إشارات الأقمار الصناعية، أو في أجواء مشوّشة، وهامش الخطأ فيها لا يتعدّى الثلاثة أمتار.
4/القنبلة الفراغية:
وتُسمّى أيضاً قنبلة "الغبار الجوي"، أو قنبلة "المتفجّرات الهوائية" التي تعمل بالوقود، وتتكوّن من حاوية وقود ذات شحنتين متفجّرتين منفصلتين، ويمكن إطلاقها كصاروخ، أو إسقاطها على شكل قنبلة من الطائرات، حيث إنها عند وصولها إلى هدفها، تفتح العبوة الأولى الحاوية وتنثر خليط الوقود على نطاق واسع على شكل سحابة تخترق أيّ فتحات أو دفاعات غير محكمة الإغلاق، ثم تفجّر الشحنة الثانية السحابة، مما يؤدّي إلى تكوّن كرة نارية ضخمة تتجاوز حرارتها 3000 درجة مئوية، وينتج عنها انفجار ضخم، وفراغ يمتصّ كلّ الأوكسجين المحيط بها.
بموجب اتفاقيات لاهاي لعامي 1899 و1907 يُعدّ استخدام هذه القنابل جريمة حرب في حال استهدفت السكّان المدنيين في المناطق المبنية مثل المدارس والمستشفيات.
كلّ ما سبق من أدوات القتل والإبادة، بالإضافة إلى أنواع أخرى لم نتطرّق إليها لعدم الإطالة، مثل الصواريخ الموجّهة، وقذائف المدفعية، وقذائف الهاون والهاوتزر، بالإضافة إلى قذائف الدبابات، والرشّاشات الآلية، جعلت من حياة الفلسطينيين في قطاع غزة جحيماً بكلّ ما للكلمة من معنى، وبات المدنيّون العزّل محاصرين بين خيارين أحلاهما مرّ، إمّا الموت جوعاً بفعل الحصار والإغلاق، وإما الموت بلظى نيران هذه الأسلحة التي تستهدفهم في طول وعرض قطاع غزة الصغير والمدمّر.
إلا أنه وعلى الرغم من كلّ ذلك، وبرغم الأوضاع المأساوية والكارثية التي يعيشها كل سكّان القطاع، في ظلّ عجز عربي وإسلامي واضح، وتآمر عالمي ودولي فاضح، فإنهم ما زالوا متمسّكين بحقّهم في الحياة الكريمة على أرضهم كباقي شعوب العالم، مؤمنين بحتمية الانتصار على الجلّاد، رافعين شعاراً ورثه الأبناء عن الأجداد يقول: إنّ الكفّ الفلسطيني الأعزل، سينتصر في يوم ما على مخرز المحتلّ، وهم مستعدّون أن يبذلوا في سبيل الوصول إلى ذلك اليوم كلّ غالٍ ونفيس.