آفاق توسّع الصراع بين الهند وباكستان بعد هجوم كشمير

وقوع حرب بين الهند وباكستان قد يضرّ بالمصالح الأميركية خاصة في حال تمّ الاتفاق بين باكستان وأميركا على أن تقوم الأخيرة باستثمار المعادن الهائلة الموجودة فيها.

  • يراقب العالم اليوم ما ستؤول إليه الأوضاع بين الهند وباكستان.
    يراقب العالم اليوم ما ستؤول إليه الأوضاع بين الهند وباكستان.

تتصاعد التوترات بين الهند وباكستان على خلفيّة هجوم وصف بالإرهابي ضدّ مدنيين في منطقة جامو وكشمير الهندية المتنازع عليها مع باكستان، وأسفر الهجوم عن مقتل 25 سائحاً هندياً ونيبالي واحد، ممّا أثار المخاوف من تجدّد المواجهة العسكرية بين القوتين النوويتين.

أثار الهجوم المسلّح غضباً وحزناً في الهند، إلى جانب دعوات لاتخاذ إجراءات حازمة ضدّ باكستان، التي تتهمها نيودلهي بتمويل وتشجيع الإرهاب في كشمير، بالمقابل تنفي إسلام آباد هذه الاتهامات وتدّعي بأنها تدعم كشمير دبلوماسياً فقط وليس عسكرياً.

وبالنظر إلى خطورة الهجوم المسلّح بالنسبة للهند، قطع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي زيارته إلى المملكة العربية السعودية وعاد إلى الهند حيث عقد اجتماعاً مع مسؤولين كبار للبحث في الإجراءات التي ستتخذها الهند ردّاً على هذا الهجوم الدموي.

وتعهّد مودي بمعاقبة المسؤولين وداعميهم وملاحقة الجناة حتى أقاصي الأرض، وبذلك حمل تصريحه لهجة شديدة وقوية للردّ بما في ذلك عمل عسكري محتمل.

وبالفعل اتخذت الحكومة الهندية إجراءات ضدّ باكستان منها ما هو دبلوماسي عبر طرد دبلوماسيين باكستانيين، إلغاء الامتيازات التأشيرية للمواطنين الباكستانيين، الطلب من الباكستانيين مغادرة الهند بحلول الـ29 من الشهر الحالي ونصحت رعاياها بمغادرة باكستان في أقرب وقت، إضافة إلى إغلاق المعبر الحدودي الرئيسي الذي يربط البلدين وهو معبر أتاري واغاه، إضافة إلى إجراء اقتصادي يعكس حجم الغضب الهندي إذ علّقت نيودلهي معاهدة مياه نهر السند لعام 1960، وهي خطوة خطيرة إذ من شأن هذا القرار أن يثير الفوضى والاضطرابات في باكستان، حيث يعتبر نهر السند شريان الحياة بالنسبة لها، كون نحو 80% من الزراعة الباكستانية تعتمد على هذا النهر. 

وفي حال قامت الهند بوقف أو تحويل تدفّق مياه نهر السند، فإنّ ذلك يقرّب من احتمال اندلاع حرب شاملة في المستقبل إذ اعتبرت إسلام آباد أنّ ذلك يشكّل "عملاً حربياً"، وتعهّد رئيس الوزراء شهباز شريف بالردّ "بحزم تامّ" على أيّ محاولة هندية للمساس بإمدادات المياه عبر نهر السند.

بالمقابل نفت باكستان أيّ دور لها في الهجمات وطلبت من الهند تقديم أدلتها على ضلوعها بالحادث، وردّت على الإجراءات الهندية بإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الهندية، وأصدرت سلسلة من قرارات إلغاء التأشيرات للهنود، وعلّقت التجارة مع الهند، وحذّرت من أنها قد تعلّق العمل باتفاقية شيملا لعام 1972، التي وقّعت بعد حرب 1971، وبموجبها تمّ تأسيس خط السيطرة المعروف سابقاً بخط وقف إطلاق النار، والذي قسّم كشمير إلى منطقتين إداريتين واحدة تتبع للهند وأخرى لباكستان.

حجز أو تحويل مياه نهر السند

صمدت اتفاقية تقاسم مياه نهر السند، التي توسّط فيها البنك الدولي، أمام فترات عداء عديدة بين الهند وباكستان. وعلى الرغم من أنّ نيودلهي ضغطت مرات عديدة لمراجعة الاتفاقية وتعديلها، إلا أنها المرة الأولى التي يتمّ فيها تعليق الاتفاقية.

عملية حجز أو تحويل مياه حوض نهر السند هي عملية صعبة ومعقّدة وتحتاج إلى سنوات طويلة وتطويراً هائلاً للبنية التحتية واستثمارات بمليارات الدولارات نظراً لافتقار الهند إلى البنية التحتية الضخمة للتخزين.

كما أنّ تعليق المعاهدة قد يؤثّر سلباً على الهند إذ من المحتمل حدوث فيضانات في كشمير الهندية. ومن ناحية أخرى، قد يشجّع هذا الإجراء الصين على إغلاق نهر براهمابوترا الذي يوفّر نحو 30% من موارد المياه العذبة في الهند، ونحو 44% من إجمالي إمكانات الطاقة الكهرومائية في البلاد، وبناء مزيد من السدود على نهر براهمابوترا.

يراقب العالم اليوم ما ستؤول إليه الأوضاع بين الهند وباكستان، وما إذا كان التصعيد سيتحوّل إلى حرب بين البلدين النوويين.

من المحتمل ألّا تتوقّف تدابير الهند ضدّ باكستان عند هذا الحدّ نظراً للغضب الشعبي والرسمي، وبالتالي قد يجد مودي نفسه مضطراً إلى الردّ العسكري على الهجوم المسلّح إرضاء لشعبه على اعتبار أنه يقدّم نفسه على أنه زعيم قومي هندوسي، يقود الهند إلى أن تصبح دولة عظمى. 

كما يسعى مودي إلى استقطاب الناخبين لحزب بهاراتيا جاناتا بعد فشله في الحصول على الأغلبية البرلمانية خلال الانتخابات التي حصلت العام الماضي، وبالتالي فإنّ عدم الردّ الهندي المناسب على الهجوم المسلّح قد يؤدّي إلى تراجع شعبية مودي.

وعلى صعيد آخر سعت الهند خلال السنوات الماضية إلى فرض نفسها قوة عالمية مؤثّرة، وتعزيز حضورها الدولي لتحقيق التوازن مع الصين، وبالتالي عدم ردّها عسكرياً قد يظهر الهند بمظهر الضعيف خاصة أمام الصين التي تشهد العلاقات معها توترات لأسباب عديدة ولا سيما بسبب النزاع على الحدود.

ولكن في حال قامت الهند بردّ عسكري، هل سيتحوّل التصعيد إلى حرب بين البلدين؟

يُستشف من خلال التصريحات الباكستانية أنّ أيّ هجوم هندي سيقابله ردّ باكستاني، وبالعودة إلى تاريخ النزاع بين البلدين، فقد أدّى التصعيد أحياناً إلى حرب بينهما، وأحياناً أخرى لم يصل التصعيد إلى حدّ المواجهة العسكرية الكبيرة.

فمثلاً في عام 2019 استهدفت سيارة مفخّخة في مدينة بولواما الكشميرية حافلات تقلّ جنوداً هنوداً شبه عسكريين أسفر الحادث عن مقتل 40 شخصاً، ما دفع سلاح الجو الهندي إلى شنّ غارات جوية داخل باكستان، تطوّر لاحقاً إلى اشتباك جوي تسبّب في أسر طيّار هندي أطلق سراحه لاحقاً. 

كما أنه في العام 2016 نفّذت الهند ما يسمّى "ضربات جراحية" داخل كشمير الباكستانية رداً على هجوم استهدف منشآت للجيش الهندي في أوري، وفي كلا الحالتين لم يصل التصعيد إلى حدّ اندلاع حرب شاملة بين البلدين.

قد تشنّ الهند هجمات عسكرية محدودة على الأراضي الباكستانية، أو داخل كشمير الباكستانية لحفظ ماء الوجه، ما سيؤدّي إلى ردّ باكستاني، ولكن من دون أن تندلع حرب بين البلدين لأنّ كلا الدولتين النوويتين متوازنتان في قدراتهما النووية، كما أنّ باكستان تعاني من أزمات اقتصادية وسياسية كبيرة، وإذا كانت الهند تتمتّع باقتصاد قوي، فإنّ اندلاع الحرب سيؤدّي إلى إنهاك اقتصادها.

ومن ناحية أخرى، قد تتدخّل بعض الدول لحلّ الأزمة كالصين وروسيا لأن ليس من مصلحة أيّ منهما اندلاع الحرب نظراً لمصالحهما الكبيرة في هذين البلدين. 

وإذا كانت بكين صديقة قوية لإسلام آباد، إلا أنها لا يمكن أن تتوسّط لدى نيودلهي بسبب خلافاتهما لذلك يمكن لروسيا أن تؤدّي هذا الدور مع الهند بسبب علاقة موسكو المتينة مع نيودلهي.

أما الولايات المتحدة الأميركية فعلى الرغم من أنها أدّت دوراً كبيراً لتخفيف التوترات بين البلدين في أزمتي 1999 و2019، إلا أنها في الأزمة الحالية لم تُظهر أيّ مؤشّرات على أنها ستتدخّل لمنع التصعيد. فالرئيس الأميركي دونالد ترامب قال إن الهند وباكستان ستبدآن في تسوية العلاقات بينهما، لكنه لم يجب عند سؤاله عمّا إذا كان سيتواصل مع البلدين. وقد أبدت الولايات المتحدة دعماً قوياً للهند في أعقاب الهجوم، لكنها لم تؤيّد صراحة أيّ ردّ عسكري هندي ضد باكستان.

علاقة واشنطن بهجوم كشمير

قد يجادل البعض بأنّ للولايات المتحدة الأميركية مصلحة في توتير العلاقات بين الهند وباكستان وإشعال الحرب في تلك المنطقة من أجل الأضرار بمصالح الصين في باكستان، ولا سيما الممرّ الاقتصادي الصيني الباكستاني، وزيادة مبيعات الأسلحة.

 ومن المحتمل فشل الاجتماعات التي تمّت قبل عدة أسابيع بين مسؤولين أميركيين وباكستانيين بهدف وصول أميركا إلى الثروة المعدنية الهائلة لباكستان التي يقال إنها تبلغ 8 تريليونات دولار. إلا أن أهم المعادن موجودة في إقليم بلوشستان، الذي يمرّ عبره الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، كما أنّ للصين استثمارات ضخمة في مجال التعدين، وربما يشكّل ذلك تنافساً بين الصين وأميركا.

ولكن من ناحية أخرى، وقوع حرب بين الهند وباكستان قد يضرّ بالمصالح الأميركية خاصة في حال تمّ الاتفاق بين باكستان وأميركا على أن تقوم الأخيرة باستثمار المعادن الهائلة الموجودة فيها.

كما أنه تربط الولايات المتحدة والهند علاقات اقتصادية وعسكرية قوية وتعتمد واشنطن على نيودلهي لمواجهة بكين في المحيطين الهندي والهادئ، وبالتالي ليس من مصلحة أميركا انهيار الهند ولا سيما أنها عزّزت تعاونها معها خلال الزيارة التي قام بها مودي لواشنطن ولقائه بالرئيس ترامب قبل عدة أشهر حيث تمّ إطلاق مبادرة الشراكة الأميركية الهندية، التي تركّز على تعزيز التعاون العسكري، وتوسيع التجارة، وتعزيز التعاون التكنولوجي، والتفاوض على اتفاقية تجارية ثنائية، فضلاً عن دور الهند الأساسي في مشروع الممر الاقتصادي الهندي الشرق أوسطي الأوروبي والذي ينافس طريق الحرير.

ليس من الواضح لغاية الآن ما إذا كان للولايات المتحدة الأميركية يد في الهجوم، أو أي دولة، أو أطراف أخرى تريد زعزعة الاستقرار في المنطقة، أو ما إذا كانت الهند أو باكستان مسؤولتين عن الحادث.

في الوقت الراهن، تجري المملكة العربية السعودية مشاورات مع كلا الطرفين بهدف عدم التصعيد ليضاف إلى سجلها في إيجاد حلول للأزمات الدولية الدائرة كاستضافتها اجتماعات لحلّ الأزمة الأوكرانية.

 ولم تظهر بعد أيّ مؤشرات على ممارسة الصين أو روسيا أو الولايات المتحدة أو أي دولة ذات نفوذ عالمي، ضغوطاً على الهند لتجنّب التصعيد وعدم القيام بهجمات عسكرية ضدّ باكستان التي أعلن رئيس وزرائها شهباز شريف أنّ بلاده مستعدّة للمشاركة في أيّ تحقيق محايد وشفّاف وموثوق.