التوسّط الصيني بين باكستان وأفغانستان... أبعاد اقتصادية وأمنية وتوسّع للنفوذ
إنّ نجاح الصين في التوسّط بين أفغانستان وباكستان من شأنه أن يساهم في تعزيز دور الصين إقليمياً بعد نجاحها في التوسّط بين السعودية وإيران في العام 2023.
-
الصين أدركت أنّ بقاء الأوضاع متوترة بين حركة طالبان وباكستان ليس من مصلحتها.
في الوقت الذي يسعى فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إعادة العصر الذهبي لأميركا عبر فرض الرسوم الجمركية والتفاوض عليها، وانشغال الإدارة الأميركية بإحياء المفاوضات حول برنامج إيران النووي فضلاً عن انغماسها في الحرب الروسية الأوكرانية والشرق الأوسط، كانت الصين تعمل لجمع حركة طالبان وباكستان إلى طاولة واحدة ورفع مستوى العلاقات الدبلوماسية بين كابول وإسلام آباد.
مع بلوغ التوترات بين أفغانستان وباكستان ذروتها، وتقارب الهند مع حركة طالبان، تدخّلت الصين للتوسّط بين أفغانستان وباكستان. فبعد أيام قليلة من المناوشات الحدودية بين باكستان والهند، استدعت بكين مسؤولين أفغانيين وباكستانيين لإجراء محادثات.
ونجحت الصين بالفعل في احتضان اجتماع ثلاثي جمع وزراء خارجية كلّ من أفغانستان أمير خان متقي، والصين وانغ يي، وباكستان محمد إسحاق دار، حيث جرى التوافق على التعاون الأمني ومكافحة القوى الإرهابية ومنع القوى الخارجية من التدخّل في الشؤون الداخلية والإقليمية، فضلاً عن إعلان توسيع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني ليشمل أفغانستان وهو ما كان يتمّ التحضير له منذ سنوات.
اندلاع اشتباكات أو حرب بين أفغانستان وباكستان، البلدين المجاورين للصين، ليس من مصلحة الأخيرة التي لها علاقات قوية بحركة طالبان وباكستان، إذ من شأن انفلات الأوضاع بين البلدين الأضرار بمصالح الصين ولا سيما في باكستان التي يربطها بالصين الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي يعتبر جزءاً من طريق الحرير، وارتفاع منسوب الأعمال الإرهابية ضد المصالح الصينية أو ضدّ الصينيين في كلّ من باكستان وأفغانستان اللتين تشهدان بالفعل هجمات مسلّحة ضدّ الصين ولا سيما في باكستان.
ترتبط الصين بعلاقات وثيقة مع حكومة طالبان. فمنذ سيطرة الحركة على الحكم في أفغانستان عام 2021، حرصت بكين على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة معها، وتبادل الجانبان تعيين السفراء بالرغم من أنّ الصين ما زالت لا تعترف بحكومة طالبان.
كما تشهد العلاقات الاقتصادية بين الصين وأفغانستان نمواً مطرداً حيث بلغ حجم التجارة الثنائية عام 2024 نحو 1.59 مليار دولار أميركي بزيادة سنوية قدرها 19%. وتمنح الصين المنتجات الأفغانية إعفاء من الرسوم الجمركية بنسبة 100% إلى السوق الصينية الأمر الذي يوفّر لأفغانستان فرصة لتوسيع صادراتها.
وأظهرت الصين اهتماماً للتعاون مع كابول في مجالات عديدة ولا سيما الزراعة التي تعدّ ركيزة أساسية في الاقتصاد الأفغاني. حيث أعلن دبلوماسيون صينيون عن خطط لبناء ثلاث منشآت تخزين مبرّدة حديثة في ولايات كابول وتخار وبدخشان.
وقد بلغ حجم الاستثمارات الصينية في أفغانستان نحو 14 مليار دولار في قطاعات المعادن والنفط والزراعة. كما جدّدت الصين ممرّ واخان كجزء من استراتيجية أوسع نطاقاً تشمل خطط إيران لبناء ممرّ بين إيران وأفغانستان والصين.
وتحظى أفغانستان بأهمية كبيرة لدى الصين لأسباب عديدة ولا سيما الأمنية والاقتصادية. فعلى الصعيد الأمني، يتشارك البلدان بحدود تصل إلى 76 كيلومتراً، وتخشى بكين من أن يقوم الحزب الإسلامي التركستاني، الذي يضمّ مسلّحين إيغوريين، ينتمون إلى إقليم شينجيانغ، وموجودين في أفغانستان، من شنّ هجمات مسلّحة ضدّ المصالح الصينية والصينيين. لذلك سعت الصين إلى الحصول على ضمانات أمنية من حركة طالبان بعدم استخدام أراضي أفغانستان لشنّ هجمات إرهابية ضدّها من قبل مسلّحي الإيغور.
كما تتعرّض الصين داخل أفغانستان لهجمات بين الحين والآخر من قبل تنظيم "داعش خراسان" الذي يرفض الوجود الصيني على الأراضي الأفغانية. ففي أوائل العام الحالي، أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن مقتل عامل مناجم صيني في إقليم تخار شمال أفغانستان.
وفي العام 2022، استهدف التنظيم فندقاً يقطنه رعايا صينيون بالعاصمة الأفغانية، لذلك أرادت بكين من حركة طالبان مراقبة تحرّكات التنظيم وحماية الصينيين والمصالح الصينية في البلاد، ولا سيما مع انضمام أفغانستان إلى الممرّ الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي من شأنه أن يزيد من الاستثمارات الصينية في أفغانستان.
وتجاوبت حركة طالبان مع المطالب الصينية حيث تعهّدت عدة مرات بعدم السماح لحركة تركستان الشرقية الإسلامية التي تضمّ مسلمي الإيغور بشنّ هجمات ضدّ الصين. وفي محاولة لتهدئة مخاوف بكين ومراقبة أنشطة الجماعات المسلّحة الإيغورية، قامت الحركة بنقل هذه الجماعات من مقاطعة بدخشان في شمال شرق البلاد إلى مقاطعتي بغلان وتخار في وسط أفغانستان.
وفي إطار التعاون بين بكين وكابول لمراقبة تحرّكات المسلّحين، تعمل طالبان مع عملاق التكنولوجيا الصيني هواوي لإنشاء نظام الكاميرات في العاصمة كابول ويجري العمل على نشر كاميرات المراقبة في أنحاء واسعة من البلاد.
أما على الصعيد الاقتصادي، فلبكين أطماع كبيرة في هذا البلد الغني بالمعادن النادرة التي تحتاجها الصين لإنعاش اقتصادها. كما تحظى أفغانستان بأهمية خاصّة ضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية بسبب موقعها الاستراتيجي وثرواتها الهائلة.
تسعى الصين إلى الاستفادة من الثروات المعدنية غير المستغلّة في أفغانستان خصوصاً الليثيوم والنحاس والذهب. ويعدّ الليثيوم من أهمّ المعادن التي قد تستفيد الصين منها خاصة لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية، كما تبدي الصين اهتماماً كبيراً بتأمين إمدادات النفط الأفغاني إليها.
ومن أجل استغلال موارد أفغانستان، استأنف البلدان مشروعاً ضخماً لاستخراج النحاس من ثاني أكبر منجم معروف في العالم قرب كابول بعدما عُلّق العمل فيه عام 2008 بسبب الحرب.
وخلال الاجتماع الثلاثي الذي جمع وزراء خارجية الصين وباكستان وأفغانستان في بكين مؤخراً، تمّ الإعلان عن توسيع الممرّ الاقتصادي الصيني الباكستاني ليشمل أفغانستان، ويدخل هذا الممرّ ضمن إطار مبادرة الحزام والطريق.
ويضمّ المشروع الصيني ممرّ واخان لربط الصين بوسط وغرب آسيا. وممرّ واخان هو شريط ضيّق في مقاطعة بدخشان الأفغانية يربطها بمقاطعة شينجيانغ الصينية.
إلا أنّ هناك العديد من التحدّيات التي ستواجه الصين في أفغانستان إذ من المحتمل أن تستمر هجمات المسلّحين على المصالح الصينية والصينيين داخل أفغانستان.
كما أنّ حركة طالبان كانت تعتمد بشكل أساسي على الصين بعد الانسحاب الأميركي عام 2021، أما الآن فهي تنوّع علاقاتها مع العديد من الدول كروسيا وإيران والهند التي زارها نائب وزير الداخلية في حكومة طالبان إبراهيم صدر مؤخراً، كما أجرى وزير الخارجية الهندي، سوبرامانيام جايشانكار، اتصالاً هاتفياً بوزير الخارجية الأفغاني، أمير خان متقي، أكدا خلاله تعزيز العلاقات بين بلديهما في مجالات عديدة تشمل الاقتصاد والتجارة والسياسة.
هذه الجهود الهندية لتعزيز علاقاتها مع أفغانستان أثارت قلق بكين التي عملت على تخفيف حدة التوترات بين أفغانستان وباكستان، وأثار التقارب الهندي الأفغاني قلق باكستان التي كادت أن تندلع حرب بينها وبين نيودلهي على خلفيّة هجوم مسلّح وقع في إقليم كشمير التابع للإدارة الهندية.
وهناك تحدٍ آخر يتمثّل بموقف الولايات المتحدة الأميركية من التقارب الصيني مع حركة طالبان وانضمام أفغانستان إلى الممر الصيني الباكستاني. فالرئيس الأميركي دونالد ترامب اتهم الصين باحتلال قاعدة باغرام التي كانت أكبر قاعدة جوية أميركية خلال الغزو الأميركي لأفغانستان، الأمر الذي نفته حركة طالبان. وسبق لترامب أن صرّح في العام 2023 أنه على استعداد للتفاوض مع حركة طالبان على اتفاق تجاري إذا أعيد انتخابه مقابل إعادة السيطرة الأميركية على قاعدة باغرام التي تقع في موقع استراتيجي مهمّ على بُعد ساعة من المنشآت النووية الصينية.
ومن المحتمل أيضاً أن لا يسمح ترامب للصين باستغلال الموارد المعدنية في أفغانستان في ظل التنافس الصيني الأميركي.
أدركت الصين أنّ بقاء الأوضاع متوترة بين حركة طالبان وباكستان ليس من مصلحتها، كما سارعت إلى تعزيز علاقاتها مع حركة طالبان وضمّ أفغانستان إلى الممرّ الاقتصادي الصيني الباكستاني لقطع الطريق أمام أيّ قوة تريد أن توسّع نفوذها في أفغانستان.
إنّ نجاح الصين في التوسّط بين أفغانستان وباكستان من شأنه أن يساهم في تعزيز دور الصين إقليمياً بعد نجاحها في التوسّط بين السعودية وإيران في العام 2023، وعندما توترت الأجواء بين إيران وباكستان العام الماضي سارعت الصين إلى عرض وساطتها بين البلدين. ولكن إلى أيّ مدى ستنجح الصين في توسيع حضورها في أفغانستان وباكستان في ظلّ التنافس الصيني الأميركي من جهة والتنافس الصيني الهندي من جهة أخرى؟