هذا هو وجه كورونا الإيجابيّ
قدوم هذا الفيروس المجهري غير المرحّب به، كشف لنا عن بعض الأوجه الإيجابية من عمق الذخائر البشرية والهمم المتعالية للشعوب العربية، رغم ما تكابده من أزمات ومحن.
من المؤكّد أن الانبعاث المفاجئ لفيروس كورونا أربك العالم، وفرض الشكّ محل اليقين، وأتى على غطرسة الجبابرة، وتحدّى البحث العلمي، ووضع حداً لحياة العديد من الأبرياء.
في الوطن العربي، حيث تسود الهشاشة أينما حللت وارتحلت، تواجه الشعوب وضع الحجر الصحي ببسالة وعقلانية، رغم وجود بعض الانزلاقات والسلوكيات غير المسؤولة، وتترقّب رفع الوباء والحدّ من تفشيه بما أوتيت من وسائل وجهد، رغم ضعف الوسائل البشرية واللوجيستية المتاحة، غير أن قدوم هذا الفيروس المجهري غير المرحّب به، كشف لنا عن بعض الأوجه الإيجابية من عمق الذخائر البشرية والهمم المتعالية للشعوب العربية، رغم ما تكابده من أزمات ومحن.
ما أحوجنا إلى الطاقة الإيجابية لإتراع النفوس بالأمل والتفاؤل والإقبال على المستقبل! من هذا المنظور، ثمة رزمانة من النقاط الإيجابية التي من الممكن التركيز عليها ومحاولة استثمارها مستقبلاً، إذا كنا من المعتبرين المتعظين، وليس من الممترين. ونؤكد ما يلي:
-تسبّب ظهور الفيروس في دبّ روح حركية وتعبئة داخلية بين عموم الناس، رغم حدوث العديد من التجاوزات، وأيقظ الحس الوطني لدى الغالبية منهم، بالانخراط الفعلي في مواجهة التهديد ونشر التوعية، وخصوصاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومناشدة الجميع بالانضباط والالتزام بتعاليم الجهات الرسمية المختصّة، ومحاولة مساعدة ذوي الفاقة، ولو باليسير المتاح.
- تحلّي معظم المواطنين بالواقعية والعقلانية، بتقديم مصلحة الوطن والمجموعة ككل على المصالح الفردية، والتركيز الكامل والمكثف على مجابهة توغل الفيروس، وتأجيل كل نقد أو مساءلة إلى ما بعد مرحلة الانفراج.
-هناك نزعة إلى التمسك بالتفاؤل، والتسلّح بالطاقة الإيجابية، وعدم التأثر أو الاكتراث بخطابات الترويع والهلع وزعزعة الاستقرار.
-ثمة نزعة نوعية نحو التعامل مع فترة الحجر الصحي كمرحلة تدبر ومساءلة للنفس، لتصحيح المسار والانطلاق نحو الأفضل.
-بروز زمرة من المؤثرين الحقيقيين من العمق الاجتماعي، وإشعاع دورهم التنويري المعنوي، مقابل اندحار كل ما كان يقدم للناس في الواجهة من "قدوات" التفاهة.
-فرض الفيروس المجهري نوعاً من الديموقراطية، إذ أتى معنوياً على جميع أنواع الفوارق الاجتماعية، بعد أن أضحى الجميع يتقاسم درجة الإحساس نفسها بالخطر.
-إجبار مؤسَّسات الدولة على العودة إلى القيادة في هذه الظروف الحرجة، للدفاع عن صحة المواطن، ودعوة صناع القرار إلى مراجعة السياسات العمومية والأولويات والأهداف.
-هناك ميول وإبداء قابلية نحو الارتقاء بالنظام إلى مستوى نمط عيش، وتطوير حسّ المسؤولية لدى السواد الأعظم من الناس، في انتظار الاستثمار الرسمي لهذه الرسائل.
-عودة البعد الإنساني إلى السمو على جميع الاعتبارات والأولويات، بمعنى أن الكائن الإنساني يسمو على الكائن الافتصادي.
-الوعي بضرورة حصر البعد الاقتصادي في خدمة البعد الاجتماعي.
-عدم تواري مكارم فضائل القيم من تضامن وتكافل ونكران الذات أبداً، رغم تسيّد غرائز الأنانية والطّمع والسّيطرة داخل المجتمع.
-التخلّص نسبياً من ضغط الوقت وتسارع الأحداث، وإعادة ترتيب الأولويات.
-إعادة التفكير في بناء مجموعة من المفاهيم.
-إعادة الاعتبار إلى سلطة العلم والعقل، وإسقاط وزن الأوهام والدجل ومقامهما.
-بروز الوعي الفعلي بضرورة تدبير الموارد وترشيد النفقات كنمط عيش، وليس في فترة الأزمات فحسب.
-الإحساس الفعلي، ولو نسبياً، بمعاناة كل من يئنّ تحت وطأة الحصار من شعوب العالم، وفي مقدمتهم الإخوة في فلسطين.
من المؤكّد أن الغالبية العظمى من الشعوب العربية بعثت رسائل بيّنة لصنّاع القرار، وأظهرت استعدادها الفعلي لبناء مرحلة جديدة تتسم بالثقة والتفاؤل والعمل التشاركي.
ما أعظم شعوبنا! في قلب الأزمات، تصنع الفارق، وتترفَّع عن الشوائب، وتحرص على عافية الوطن، رغم تكالب الخائنين وتراكم ويلات الخيبات.