إيران وأذربيجان.. الدبلوماسية بين التمني والتحذير!
إلى أي حدّ سيصل التحالف الأذربيجاني مع الكيان الصهيوني، سيما مع استمرار التشابك في العلاقات بين الطرفين في جميع المجالات وعلى أعلى المستويات؟
- 
العلاقات الإيرانية الآذرية.. إلى أي حد يمكن أن تصل؟  
بعد تحضيرات دامت أكثر من ستة أشهر، أعلنت اللجنة المنظمة لمؤتمر حاخامات أوروبا إلغاء المؤتمر المقرر عقده في باكو للفترة 3-6 نوفمبر/ تشرين الثاني لأسباب قالت إنها أمنية، ومن دون أي تعليق رسمي من السلطات الأذربيجانية التي شكرتها اللجنة على "دعمها المسبق لتنظيم المؤتمر، وبالتالي دورها في حماية ودعم حياة الجالية اليهودية في أذربيجان، والمساهمة في مساعي التعاون والاحترام المتبادل والالتزام المشترك بين الأديان والثقافات حتى في أوقات الأزمات والصراعات الساخنة".
وكان من المقرر أن يشارك في المؤتمر وبدعوة من الحكومة الأذربيجانية نحو 600 شخصية من "إسرائيل" ودول أوروبية وأميركا، ومن بينهم حاخامات وشخصيات دينية كالحاخامين الكبيرين دافيد يوسف وكالمان بر إلى جانب الوزيرين الصهيونيين عمّيحا شيكلي وعميحاي إلياهو ليناقشوا جميعاً "التحديات الأساسية التي تواجه يهود العالم، وآفاق وأطر الحياة اليهودية بالمفهوم الديني في العالم المعاصر".
وكانت المعلومات الصحفية قد تحدثت عن تمويل الحكومة الإسرائيلية وحكومة مقاطعة بافييرا الألمانية للمؤتمر، وكان مقرراً له أن يناقش إمكانيات المساهمة في مساعي ضمّ دول عربية وإسلامية جديدة، ومنها أذربيجان، إلى "الاتفاقيات الإبراهيمية" التي تمّ التوقيع عليها في أيلول/ سبتمبر 2000.
وكان مقرراً أيضاً للرئيس إلهام عالييف أن يتحدث في المؤتمر، المزمع عقده في "المركز الدولي للثقافات" الذي تم بناؤه عام 1999 في إطار فعاليات حوار الأديان في باكو، التي تشهد علاقاتها بـ "تل أبيب" تطورات مثيرة، إذ تستورد الأخيرة أكثر من 60٪ من احتياجاتها من البترول من أذربيجان، وذلك بواسطة الأنبوب الذي يمتد من باكو إلى ميناء جيهان التركي، ومنه يتم نقل هذا البترول بالسفن إلى ميناء حيفا الإسرائيلي.
في الوقت الذي أشارت فيه الأوساط السياسية إلى أهمية اختيار أذربيجان كمكان لانعقاد المؤتمر باعتبارها مجاورة لإيران وجنوب روسيا حيث جمهوريات الحكم الذاتي ذات الأغلبية المسلمة، ومنها الشيشان وداغستان، بالإضافة إلى الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى، وأهمها تركمنستان، وكذلك أفغانستان وباكستان التي تحدّ إيران. ويذكر الحاخام بينشاس جولدشميدت، رئيس منظمة حاخامات أوروبا والحاخام الأكبر ليهود روسيا قبل أن يغادرها عام 2023 بعد اتهامات له بالحصول على تمويل غير شرعي من الدول الأوروبية ودعوته يهود روسيا وأوكرانيا إلى الهجرة إلى الكيان العبري بعد "طوفان الأقصى" والحرب في غزة.
في الوقت الذي تحدثت فيه المعلومات عن نجاح الدبلوماسية الإيرانية، خلال الأسابيع الماضية، في "إقناع أو إجبار" الرئيس إلهام عالييف على إلغاء المؤتمر، إذ أعلنت طهران رسمياً وفي أكثر من تصريح أنه "استفزاز مقصود وخطير سيهدد مستقبل العلاقات بين الدولتين الجارتين"، وتشهد علاقاتهما أساساً فتوراً وأحياناً توتراً جدياً بسبب التحالف بين باكو و "تل أبيب".
وسبق لـ"تل أبيب" أن دعمت أذربيجان في حربها الأخيرة ضد أرمينيا مقابل المزيد من التعاون العسكري والاستخباري بين أذربيجان والكيان الصهيوني، الذي يتمنى لهذا التعاون أن يساعده في "رصد ومراقبة كل التحركات العسكرية الإيرانية، وخلق المشكلات لإيران عبر عملائه في الداخل"، وهو ما أثبتته تطورات العدوان الصهيو / أميركي على إيران في يونيو/ حزيران الماضي.
وتتحدث المعلومات الصحفية باستمرار عن نشاط مكثف للموساد في المناطق الجبلية جنوب البلاد، وقرب الحدود مع إيران في منطقة زينكلان القريبة من ممر زينغازور الذي سيربط أذربيجان بإقليم ناختشوان التابع لها وعبر الأراضي الأرمينية.
وكانت طهران قد أعلنت أكثر من مرة وخلال زيارة الرئيس بزيشكيان الأخيرة إلى باكو في 28 نيسان/ أبريل الماضي عن رفضها لهذا الممر الذي تدعمه واشنطن وأنقرة لكونه سيغير في الخريطة الجغرافية على الحدود بين إيران وأرمينيا.
في الوقت الذي تحدثت فيه المعلومات عن دور تركي في إقناع الرئيس عالييف بإلغاء مؤتمر الحاخامات في باكو إلى موعد لاحق بعد التوصل لصيغة نهائية تسهم في إنهاء الحرب في غزة، في إطار خطة الرئيس ترامب مع استمرار الرفض الإسرائيلي لأي دور تركي في تقرير مصير غزة، سياسياً كان أو أمنياً و عسكرياً.
وكانت أنقرة، بدورها، قد رفضت فتح المجال الجوي التركي أمام الطائرة التي ستقلّ نتنياهو إلى باكو في 7 أيار/ مايو الماضي، ما اضطر "تل أبيب" إلى إلغاء الزيارة آنذاك.
ويذكر أن ما يسمّى بـ "تحالف حاخامات الدول الإسلامية" الذي تأسس عام 2019، وبالتنسيق مع قيادات الجالية اليهودية في تركيا، كان قد عقد مؤتمره الأول في إسطنبول في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2021، والتقى الحاخامات بعد يوم الرئيس إردوغان في أنقرة.
وقام كبير الحاخامات ديفيد سيفي بإهداء إردوغان شمعداناً يهودياً تاريخياً، ثم قام بمباركته والدعاء له وفق الشريعة اليهودية، وتمنى له "العمر الطويل والنجاح والتوفيق والانتصار على أعدائه ورفع شأنه".
ومنح الحاخامات الرئيس إردوغان لوحة تذكارية باسم اليهود، وكرروا شكرهم للدولة التركية، وقبل ذلك الدولة العثمانية التي أرسلت سفنها لنقل يهود إسبانيا إلى المغرب وبعدها الى الأراضي العثمانية.
وأسكنهم السلطان بيازيت الثاني آنذاك في المدن العثمانية ومنها إسطنبول وأزمير وحلب وبيروت وإسكندرون ومصراتة (ليبيا) وسالونيكي (اليونان ) بعد سقوط دولة الأندلس العربية عام 1492. وتزوج البعض من السلاطين العثمانيين ومنهم سليمان القانوني النساء اليهوديات، كما أصبح الكثير من اليهود مستشارين مؤثرين في قصور السلاطين، وخصوصاً في الأمور المالية حيث حصلوا على القروض من رجال الأعمال اليهود في أوروبا مقابل المزيد من الامتيازات لليهود في مختلف أراضي الدولة العثمانية ولاحقاً فلسطين التي كانت جزءاً من هذه الأراضي.
وكان الرئيس الراحل تورغوت أوزال قد نظّم احتفالاً سنوياً كبيراً شمل العديد من الفعاليات خلال عام 1992، وذلك بمناسبة مرور 500 عام على نقل يهود إسبانيا وغادر معظمهم لاحقاً تركيا إلى فلسطين المحتلة بعد قيام الكيان العبري.
واقترح أوزال خلال هذه الفترة مشروع "أنابيب السلام" وقال عنها إنها ستنقل مياه نهري سيحون وجيحون التركيين إلى "إسرائيل" ثم إلى دول الخليج مروراً بالأردن وقبل ذلك سوريا التي رفضت هذا المشروع في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد.
ومن دون أن تعني كل هذه التطورات أن التحالف الأذربيجاني مع الكيان الصهيوني سيتوقف مع استمرار التشابك في العلاقات بين الطرفين في جميع المجالات وعلى أعلى المستويات، خصوصاً بعد أن استضاف الرئيس ترامب الرئيس عالييف ومعه رئيس وزراء أرمينيا باشينيان في البيت الأبيض 9 آب/ أغسطس ووقّعا معاً على اتفاقية السلام المشترك، وقيل إنها تستهدف روسيا وحلفاءها في المنطقة.