تل أبيب الاقتصاديّة... أوهن من بيت العنكبوت

ما الأهداف الاقتصادية الاستراتيجية التي استهدفتها المقاومة الفلسطينيّة؟ وما تبعاتها على الكيان وخططه المستقبلية؟

  • ارتكز المخطّط الاستراتيجيّ لـ
    ارتكز المخطّط الاستراتيجيّ لـ"إسرائيل" على أن تكون تل أبيب مركز الثقل الاقتصادي والتجاري والمالي والنقدي والإنتاجي في المنطقة.

للمرّة الأولى منذ تأسيس الكيان الإسرائيليّ وبدء المقاومة وتاريخ المواجهات مع العدوّ، يدخل الاقتصاد ببعده الاستراتيجيّ وتداعياته الدّاخليّة والخارجيّة ضمن دائرة الاستهداف. الخيار الَّذي اتّبعه العدوّ وخطَّط له بحصار كلّ اقتصاديات المنطقة وتدميرها، من فلسطين بدايةً، ثم سوريا ولبنان والعراق، قامت المقاومة الفلسطينيّة بعكسه عليه، بفرض معادلة اقتصاديّة توجعه في مخطّطاته.

 

تل أبيب مركز الثقل الاقتصاديّ

ارتكز المخطّط الاستراتيجيّ لـ"إسرائيل" على أن تكون تل أبيب مركز الثقل الاقتصادي والتجاري والمالي والنقدي والإنتاجي في المنطقة، بحيث تترأّس "الدولة" العبريّة منظّمة شرق المتوسط للغاز، وتتّخذ من عاصمتها المزعومة مركزاً ماليّاً لها، بهدف تحويل الشيكل إلى عملة رئيسية لمنتدى شرق المتوسط، علماً أنّ الناتج المحلي لدى الكيان بلغ 394 مليار دولار أميركي قبل كورونا، لكنّه أُصيب بنكسة جراء الجائحة، وانخفض بنسبة 25%.

هذا الاقتصاد يعتمد على الإنتاج الزراعيّ والصناعيّ والسياحة وصناعة الألماس، يُضاف إلى ذلك حاليّاً مصادر الطاقة، وخصوصاً الغاز، وصناعة التكنولوجيا في مشروع وادي السيليكون الإسرائيلي الذي يُعتبر ثاني أكبر مركز لصناعة التكنولوجيا بعد كاليفورنيا.

ما الأهداف الاقتصادية الاستراتيجية التي استهدفتها المقاومة الفلسطينيّة؟ 

 

أوّلاً: غوش دان درّة تاج الاقتصاد

استهدفت المقاومة منطقة غوش دان في تل أبيب، التي تُعتبر درّة تاج الاقتصاد في الكيان، فهي تضم مركز البورصة وتجمُّع الاستثمارات والمصارف والشركات الضخمة للتكنولوجيا. وبالتالي هي العصب المالي الأساسي لـ"إسرائيل"، والإدارة الاقتصادية ومركز التواصل مع العالم، إذ بلغت قيمة الاتفاقيات التجارية التصديريّة لـ"الدولة" العبريّة 114 مليار دولار.

إنّ استهداف غوش دان نتج منه ما يلي:

1- الشيكل: سقوط الحماية الأمنية عن أهم موقع اقتصادي في البلاد أدى إلى فقدان الشيكل قيمته، وتحوّله إلى عملة وهمية قابلة للانهيار في أي لحظة وغير قابلة للحياة، وبالتالي انتهاء حلم تحويله إلى عملة الغاز على سواحل المتوسط منذ الأسبوع الأوّل للمواجهة.

2- الاستثمار: يبحث المستثمرون دائماً عن الأمان والهدوء والثقة، وهو ما لم يعد اليوم ينطبق على "إسرائيل"، جراء استهداف المقاومة للمرافق الاقتصادية الأكثر أماناً في الكيان، وخصوصاً في غوش دان، ما سيؤدي إلى نتيجتين حتميتين؛ الأولى هي ارتفاع كلفة التأمين على أي استثمار، ما يعني خسارة محتّمة، والأخرى هي تراجع الاستثمارات لمصلحة الاقتصاديات الأكثر أمناً.

3- البورصة: تخطّت خسائر البورصة نسبة 20%.

4- الاقتصاد الاجتماعي: بمجرّد استهداف هذه المنطقة، أُصيب الاقتصاد الاجتماعي بخسائر هائلة، وبات حتميّاً على "إسرائيل" أن تبدأ بالتحضير لموازنة طوارئ اجتماعية.

 

ثانياً: أزمة الصناعة

أدّت ضربات المقاومة إلى إقفال 50% من المصانع في غلاف غزة، و20% من المصانع التي تقع في مختلف "أراضي الكيان"، وخصوصاً بعد استهداف معامل التجهيزات الصناعية والمواد الأولية، إذ تجاوزت الخسائر 300 مليون دولار في الأسبوع الأول من المواجهة، وسط صرخة أطلقها رئيس اتحاد الصناعيين.

 

ثالثاً: خروج المطارات من الخدمة

اضطرّت "إسرائيل" إلى إقفال مطار "بن غوريون" بشكل تام، وأُلغيت كل الرحلات منه وإليه. يُعتبر هذا المطار الرئيسي نُقطة الاتصال الاقتصادية والمغذي الرئيسي للقطاعات الاستثمارية والسياحية والنقل، وخصوصاً النقل الزراعي المدعوم من قبل الكيان إلى أوروبا، بحيث يُعتبر من المرافق التي تُغذي الناتج المحلي بشكل مباشر وغير مباشر، ويساهم في حركة 25% من الناتج المحلي. أما مطار "رامون" الاحتياطي، الذي أُنشئ في جنوب البلاد، فقد أصبح خارج الخدمة أيضاً.

كلّ ذلك أدى إلى عزلة اقتصادية على صعيد النقل الجوي منذ الأسبوع الأول للمواجهة.

 

رابعاً: أضرار كبيرة في النّفط والغاز

استطاعت المقاومة إيقاف الإنتاج في حقل "تمار" للغاز، الواقع على الساحل البحريّ، بعد استهدافه، وتوقّف شركة "شيفرون" عن التنقيب واستخراج الغاز. ويُعتبر هذا الحقل المغذي الأساسي للمصانع والكهرباء في الداخل الإسرائيلي. 

إضافةً إلى ذلك، قامت المقاومة باستهداف خط الأنابيب بين إيلات وعسقلان، الأمر الذي سيكون له تداعيات سلبيّة بشكل مباشر على منظمة شرق المتوسط، ولاحقاً على ملفّ ترسيم الحدود مع لبنان، لمصلحة الأخير.

 

خامساً: سقوط السياحة

سقطت مقولة "السياحة والسلام في إسرائيل" التي سوّق لها الكيان مؤخّراً، إذ توقّفت القطاعات السياحيّة عن العمل بشكل كامل في بداية موسم الاصطياف، وهي الَّتي كانت تعاني أصلاً خسائر فادحة نتيجة جائحة كورونا، وكانت تراهن على اتفاقيات التطبيع لإنعاشها.

تكمن أهميّة السياحة في "إسرائيل" في أنّها تُشكّل 7% من الناتج المحلي، أي ما يقارب 28 مليار دولار. وكان الكيان يسعى إلى مضاعفة هذا الرقم باعتماده على التطبيع.

 

سادساً: إقفال الجامعات والمدارس

اضطرت الجامعات والمدارس الإسرائيليّة كافة إلى الإقفال بشكل تام، في سابقة لم يشهدها الكيان منذ تأسيسه، في الوقت الذي كان يُخطط لأن يكون جامعة الشرق الأوسط، ما سيصيب هذا المشروع بنكسة كبيرة، كما سيتضرّر حلم التطبيع العلمي والثقافي بشكل كبير.

 

سابعاً: الاقتصاد العسكري والنكسة

تُصدّر "إسرائيل" أسلحة بقيمة 7.5 مليار دولار سنويّاً، وكانت تطمح لبيع القبة الحديدية لدول التطبيع وغيرها، لكنّ نكسة قبّتها كانت كبيرة في هذه المواجهة، وتشبه إلى حدّ كبير نكسة الميركافا التي دمرتها المقاومة في لبنان في العام 2006، وأدت حينها إلى خسارة كل عقود البيع الخارجيّة، فالكلفة الاعتراضية للقبة الحديدية تجاوزت 100 مليون دولار، بحيث لم تتعدَّ نسبة نجاحها 40%، إذ تضرَّر أكثر من 2800 منزل، وبالتالي أصبحت صفقات القبة الحديدية من أحلام اليقظة لدى بنيامين نتنياهو.

إضافةً إلى ذلك، تكبّدت "إسرائيل" تكاليف عسكريّة باهظة، فكلفة التحضيرات العسكرية والنقل تجاوزت مليار دولار في الأسبوع الأوّل للمواجهة.

ختاماً، بعد كلّ هذه النتائج، أصبحت "صفقة القرن" التجاريّة في خبر كان، وعاد الحديث عن حل سياسي يرتبط بـ"الدولتين"، وبات لزاماً علينا اعتماد معادلة جديدة في الحرب والمواجهة، وهي الاقتصاد مقابل الاقتصاد والحصار والعقوبات، وخصوصاً بعد أن أثبتت المقاومة اقتصاديّاً - بعد أن أثبتت عسكريّاً - أنّ تل أبيب "أوهن من بيت العنكبوت". 

ولا بدَّ من أن تكون للتداعيات الاقتصاديّة لهذه المواجهة ارتدادات إيجابيّة على مستقبل الشعب الفلسطيني، ونهوض لبنان، وإعمار سوريا، وإنقاذ العراق، بمعادلة اقتصاديّة حديثة لا مستقبل فيها للكيان وحصاره وعقوباته واحتلاله.

اعتداءات إسرائيلية متكررة على الفلسطينيين في القدس المحتلة ومحاولة تهجيرهم من منازلهم، استدعت انتفاضة فلسطينية عمت الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتبعها عدوان إسرائيلي على غزة تجابهه المقاومة بالصواريخ التي تشل كيان الاحتلال.