مآلات الصراع بين غالانت ونتنياهو

في حال تمسك نتنياهو بموقفه، فإن غالانت، وبتشجيع من "الجيش"، سيدير معركة علنية ضد نتنياهو، ستكون مدعومة من أقطاب المعارضة ومختلف القطاعات الاقتصادية والنقابية والشعبية التي تضررت من تداعيات الحرب.

0:00
  • تطور الخلافات بين نتنياهو وغالانت وصل إلى ما يشبه القطيعة بين الرجلين.
    تطور الخلافات بين نتنياهو وغالانت وصل إلى ما يشبه القطيعة بين الرجلين.

تزايدت الخلافات بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت تجاه مختلف القضايا، على الرغم من أنهما ينتميان إلى حزب الليكود، وقيام نتنياهو باختيار غالانت لوزارة الدفاع عند تشكيل الحكومة الإسرائيلية، بيد أن موقف الأخير المتبني والمتماهي مع موقف الجيش والمؤسسة العسكرية منذ اللحظات الأولى لتوليه وزارة الدفاع يعكس أن الخلاف بين الرجلين أبعد ما يكون خلافاً شخصياً أو سطحياً.

بدأت الخلافات تظهر منذ تشكيل حكومة اليمين المتطرف، لا سيما بعد انتزاع صلاحيات من الجيش في الضفة الغربية لمصلحة زعيم الصهيونىة الدينية بتسلئيل سموترتش، ما أثار التنازع في الصلاحيات بين رئيس الأركان هرتسي هليفي وسموترتش، وحظي هليفي بدعم من غالانت، كما أظهر الأخير موقفاً مؤيداً لرؤية الجيش تجاه مخاطر تمرير التعديلات القضائية، ووجه تحذيرات متكررة إلى نتنياهو من أثر الانقسام في الشارع الإسرائيلي في الجيش، وأصدر بياناً علنياً عبّر فيه عن معارضته للمضي قدماً في مسار التغييرات القضائية، الأمر الذي دفع نتنياهو إلى إصدار قرار بإقالته، ما فجّر موجة تظاهرات صاخبة أجبرت نتنياهو على التراجع عن القرار.

بعد أحداث السابع من أكتوبر، سعت المؤسسة العسكرية على المستويين المهني (رئاسة الأركان) والسياسي (وزارة الدفاع) لتجاوز الخلافات مع نتنياهو وأقطاب اليمين الفاشي في حكومته والتركيز في الحرب على قطاع غزة. وأعلن قادة المؤسستين العسكرية والأمنية وغالبية المسؤولين السابقين والحاليين، ومنهم غالانت، تحملهم مسؤولية الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر، بيد أن الوحيد الذي لم يعلن تحمله المسؤولية هو نتنياهو. ولم يكتفِ الأخير بتنصله من المسؤولية، بل رسم خطة متدحرجة، منذ اللحظات الأولى، لتحميل الجهات العسكرية والأمنية مسؤولية الإخفاق.

انعكست سياسات نتنياهو على إدارة الحرب على قطاع غزة، وبدا كأنه يدير حرباً على الجبهتين، الداخلية والخارجية، بيد أن حربه الخارجية على مختلف الجبهات تحولت إلى إحدى الأدوات لتحقيق المصالح الخاصة والضيقة لنتنياهو في المقام الأول، الأمر الذي فجَّر خلافات حادة على كل قضية يكون الجيش ووزيره أحد أطرافها.

ما نستطيع حصره من تلك الخلافات التي برزت مؤخراً هي قضية تجنيد اليهود الحريديم، إذ يدفع غالانت إلى تجنيدهم بسبب النقص الذي نشأ بعد خسائر الجيش الكبيرة والمجهود الحربي منذ السابع من أكتوبر، وسيبدأ الجيش بإرسال أوامر التجنيد خلال أيام بعد قرار قضائي، الأمر الذي يهدد الائتلاف الحكومي بعد تهديدات حزبي شاس ويهوداة هاتوراة الحريديين، فيما يسعى نننياهو لإيجاد حلول وسط من خلال سن تشريع تم تمريره بالقراءة الأولى في الكنيست، وصوّت غالانت ضده، ملتزماً بموقف الجيش على حساب التزامه الحزبي، ما أثار موجة انتقادات حادة، غير أنها موجهة من نتنياهو ضده، طالبت بإقالته.

على صعيد العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، يرى غالانت أن نتنياهو يدير العلاقة معها في إطار حسابات شخصية وليس وفقاً للمصالح الاستراتيجية، ويعارض غالانت والجيش معالجة الخلافات التكتيكية مع الإدارة الأميركية عبر الإعلام، فيما يسعى نتنياهو لتوظيف الخلاف السطحي مع إدارة بايدن لتعزيز شعبيته في أوساط قاعدته اليمينية، وتعزيز فرص دونالد ترمب في الفوز على حساب جو بايدن في الانتخابات الأميركية المقبلة، بينما يعتقد غالانت والجيش أن التدخل في الانتخابات الأميركية وتأييد مرشح بعينه يضر استراتيجياً بـ"إسرائيل" التي تمتعت تاريخياً بتحالف فريد من نوعه مع الولايات المتحدة بصرف النظر عن هوية ساكن البيت الأبيض، جمهورياً كان أم ديمقراطياً.

الخلاف الأبرز بين نتنياهو ووزراء اليمين الفاشي من جهة، وغالانت والجيش من جهة أخرى، يتعلق بإدارة مسارات الحرب على قطاع غزة. ولم تعد الخلافات في الغرف المغلقة، بل أصبحت عبر الفضاء الإعلامي، لا سيما على صعيد مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة وصفقة التبادل بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني على أساس مقترح بايدن، إذ أعلن غالانت بشكل واضح تأييده للصفقة المتبلورة، وأن الاتفاق قاب قوسين أو أدنى، فيما أشارت كل الأوساط الأمنية وممثلوها في فريق التفاوض، الموساد والشاباك والجيش، أن ما طرحه نتنياهو من شروط جديدة لم تتضمنها ورقة بايدن ستعرقل الاتفاق، الأمر الذي دفع نتنياهو إلى اتهام الجيش بأنه مرر عليه ووقة بايدن، كما اتهمه بأنه تقاعس عن الضغط العسكري، الأمر الذي أغضب الجيش وطالب هاليفي رئيس أركان الجيش نتنياهو بالاعتذار، بيد أنه رفض.

يعتقد غالانت أن نتنياهو واليمين الفاشي يسعيان لتوريط الجيش في احتلال قطاع غزة، ما سيؤدي إلى استنزافه وتآكله، الأمر الذي سينعكس على جاهزيته في مواجهة مختلف التهديدات الخارجية، بدءاً من جبهات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن، وليس انتهاء بالتهديد الإيراني.

لذا، بدأ "الجيش" من خلال وزيره ورئاسة أركانه ومختلف أقطابه وأدواته يسوقون للرأي العام ما سمّوها بالإنجازات العسكرية في قطاع غزة بهدف هندسة وعي الجمهور الإسرائيلي للضغط على نتنياهو لتمرير الصفقة المطروحة وعدم عرقلتها مجدداً.

تطور الخلافات بين نتنياهو وغالانت وصل إلى ما يشبه القطيعة بين الرجلين، وكشفت مصادر إسرائيلية أنهما لا يلتقيان إلا في اجتماعات الحكومة الرسمية، على الرغم من حالة الحرب، الأمر الذي انعكس على الفشل في الإنفاق على خطة اليوم التالي للحرب على غزة، والفشل حتى الآن في تحقيق أهدافها المعلنة.

يتضح من سلوك نتنياهو في إدارته للحرب على غزة، ومن قبلها مشاريع التعديلات القضائية، تمسكه بمواقفه حتى لو تعارضت مع توصيات الجهات المهنية، ولا سيما "الجيش"، الأمر الذي يعارضه غالانت، ما قد يدفع الأخير إلى تكرار سيناريو الظهور العلني وإعلان رفضه عرقلة الصفقة المتبلورة، وربما تحميل نتنياهو شخصياً مسؤولية إغلاق النافذة الأخيرة لإبرام صفقة تبادل وتحرير الأسرى الإسرائيليين.

وقد يلجأ غالانت إلى توجيه تحذير لنتنياهو قبل طهوره العلني. وفي حال تمسك نتنياهو بموقفه، فإن غالانت، وبتشجيع من الجيش، سيدير معركة علنية ضد نتنياهو، ستكون مدعومة من أقطاب المعارضة ومختلف القطاعات الاقتصادية والنقابية والشعبية التي تضررت من تداعيات الحرب والسياسات التي انتهجتها حكومته اليمينية المتطرفة. 

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.