الحواجز الإسرائيلية: التنقل بين المدن والقرى كالسفر بين الدول
الفلسطينيون أثبتوا أنّ ما يحدث على الحواجز الإسرائيلية هو تجسيد لقدرتهم على التحدّي اليومي من خلال صمودهم الإنساني، ورغم الألم والقهر، يظهر الفلسطينيون قدرتهم على تحويل المعاناة إلى مساحة للأمل والصمود.
-
ما يحدث على الحواجز الإسرائيلية هو أداة للتحكّم في تفاصيل الحياة اليومية للفلسطيني.
من الساعة الرابعة أو قبلها بقليل، أو من الخامسة صباحاً أو بعدها بقليل، بينما لا تزال السماء غارقة في عتمتها، يبدأ المواطنون بالخروج من مدنهم وقراهم إلى الحواجز العسكرية الإسرائيلية في طريقهم إلى أعمالهم، يحتسبون أوقاتهم المبكرة من أجل المكوث على الحواجز ما يقارب الساعتين والثلاث أو الأربع، وأحياناً يعودون إلى بيوتهم من دون أن يتمكّنوا من الوصول إلى أماكن عملهم.
هذه الإجراءات الإسرائيلية لم تبدأ، بعد توقيع وقف إطلاق النار وصفقة التبادل، لكنها اشتدّت بشكل ملحوظ بعدها، ومن تجربتي الشخصية، مكثت على أحد هذه الحواجز، حاجز المربعة جنوب نابلس، ما يقارب تسع ساعات قبل وقف إطلاق النار، لكنني لم أستطع حينها العودة من طريق آخر بسبب إغلاق البوابات الحديدية في كلّ المناطق، وقد كان الحاجز مغلقاً يمنع الدخول إليه.
إن مشهد الانتظار على الحواجز الإسرائيلية التي يبلغ عددها 898 حاجزاً منها 18 بوابة حديدية و146 حاجزاً نُصبت منذ بداية العام الحالي، أصبح واقعاً يومياً يفرضه الاحتلال، وهو بمثابة تعذيب للفلسطينيين وعقاب جماعي بحقّهم.
ما يحدث على الحواجز الإسرائيلية من إجراءات أمنية هو أداة للسيطرة والتحكّم في تفاصيل الحياة اليومية للفلسطيني، وهو شيء يدمّر الروح المعنوية، فالساعات المهدورة عليها ليست مجرّد عقاب جماعي بل رسالة سياسية تعكس أن الفلسطينيين يُعاملون كأرقام بلا قيمة. وأنّ الاحتلال يتحكّم بأوقاتنا وحياتنا ويحجز أعمارنا.
ما إن ينتظر المواطنون على الحاجز حتى يتمّ افتتاحه بعد ساعات طويلة، من دون أيّ تفتيش أحياناً، وتعبر السيارات واحدة تلو الأخرى، وكأنّ شيئاً لم يكن، وكأنّ الساعات التي ضاعت على هذا الحاجز لم تكن سوى استعراض للسيطرة وجزء من العقاب الجماعي وتذكير بأنّ القوة التي تمارس على حياتنا اليومية هي رسالة ضمنية تقول "نستطيع أن نوقفكم متى نشاء، ونترككم تمضون حين نرغب".
وإضافة إلى ذلك، أن المواطنين يمكثون على الحواجز بسبب آليات التفتيش الطويلة والمرهقة، فتمكث السيارة الواحدة نحو النصف ساعة أو أقلّ، وكأن الهدف ليس الأمن، بل إذلال الفلسطينيين واستنزاف وقتهم وأعصابهم في طوابير الانتظار والتفتيش.
إن هذا المشهد اليومي يختصر واقعاً قائماً على الغطرسة واللامبالاة بمعاناة الناس، ويترك في النفوس إحساساً بالقهر.
إلا أنّ الانتظار الطويل، يجعل الحاجز محوراً للقصص والحكايات كافة، حيث تتقاطع حياة الناس في انتظار لا يرحم، فيتحدّثون بتحليل واقعي لما يجري على الأرض، من عمليات اقتحام، ومنغّصات يومية، وعربدة مستوطنين. يتحدّثون في كلّ شيء؛ عن حياتهم، عن أوجاعهم، وعن حبّهم الذي لا يندثر لهذه الأرض.
وقد أثبت الفلسطينيون أنّ ما يحدث على هذه الحواجز هو تجسيد لقدرتهم على التحدّي اليومي من خلال صمودهم الإنساني، ورغم الألم والقهر، يظهر الفلسطينيون قدرتهم على تحويل المعاناة إلى مساحة للأمل والصمود، إذ يقوم أهل القرى المجاورة للحواجز بجلب الطعام والماء للمنتظرين، في مشهد يرمز إلى التكاتف الفلسطيني الذي يصعب كسره.