"طوفان الأقصى".. الضفة الغربية تغلي

تعيش الضفة الغربية في سجن كبير عبر سياسة العقاب الجماعي التي يُمارسها الاحتلال بحق سكانها، وتشهد فصلاً من فصول المعاناة التي لم تتوقف منذ احتلال فلسطين عام 1948.

  • معركة طوفان الأقصى.
    معركة طوفان الأقصى.

منذ بدء عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، قام الاحتلال بإغلاق الضفة الغربية بشكلٍ كامل، وعمد إلى إغلاق ما يُعرف بجسر "اللمبي" وهو الجسر الفاصل بين الحدود الأردنية - الفلسطينية، وعمل أيضاً على إغلاق جميع الحواجز الرئيسية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، قام بإغلاق ما يُعرف بحاجز "الكونتينر" وهو الفاصل بين مدن جنوب الضفة الغربية وشمالها، وبعد أيام عدة من عملية "طوفان الأقصى" أعاد فتح جسر "اللمبي" والحواجز المقامة في الضفة الغربية بحسب مزاجه الأمني، كما اعتدى على سكان الضفة الغربية وأجرى عمليات تفتيش واسعة عبر هذه الحواجز.

 بالإضافة إلى ذلك، قام الاحتلال بفصل كل مدينة عن الأخرى عبر البوابات الحديدية والسواتر الترابية، وفصل كل قرية ومخيم عن قلب المدينة التي تتبع لها، ثم أقدم على إغلاق الطرق الفرعية (الترابية) ما صعّب من وصول سكان الضفة الغربية في القرى والبلدات والمخيمات الفلسطينية إلى المدن.

كان لهذا الإغلاق وتحويل الضفة إلى سجن كبير دور كبير في التأثير في الحركة التجارية داخل الضفة الغربية، وأيضاً في العلاقات الاجتماعية بين سكانها، يضاف إلى ذلك صعوبة وصول الموظفين إلى أعمالهم في ظل إعاقة حركة التنقل بين المدن، والأهم هو صعوبة وصول مركبات الإسعاف إلى المستشفيات الرئيسية الموجودة في قلب المدن، الأمر الذي جعل القرى والمخيمات بمعظمها تعمل على إنشاء مراكز طبية تطوعية تتكوّن من أطباء متطوّعين وأفراد يمتلكون شهادات في الإسعاف الأولي.

وفي هذا الصدد، لا يُخفي السكان خوفهم على المرضى والمصابين أثناء وقوع اشتباكات مع الاحتلال عند نقاط التماس.

من زاوية أخرى، يعمل في الداخل المحتل، أو ما يصطلح على تسميتهم "عمال إسرائيل"، ما يقارب 182 ألف عامل، بحسب جهاز الإحصاء الفلسطيني عام 2022، قرر الاحتلال منذ "طوفان الأقصى" وقفهم عن العمل، ولا شك أن السبب كان أمنياً بحتاً، إذ يتخوف الاحتلال من أن يقوم هؤلاء العمال بعمليات داخل المدن المحتلة عام 1948، كذلك يمارس الاحتلال سياسة العقاب الجماعي ضد سكان الضفة الغربية عبر هذا القرار، ويحاول من خلال سياسة الضغط الاقتصادي منع سكان الضفة الغربية من ممارسة أي نشاط مقاوم حتى لا تفقد ما تُسمّى كتيبة الضفة الغربية في "الجيش" الإسرائيلي السيطرة على الأحداث في الضفة، خصوصاً بعد الضربة القاصمة التي تعرضت لها كتيبة غزة بعد عملية "طوفان الأقصى"، ولكي تبقى كتيبة "الجيش" في شمال الضفة الغربية تعمل ضد الخطر الأمني، على حد قول الاحتلال، القادم من لبنان وسوريا، وهو بذلك يسعى لفصل كل ساحة على حدة عبر الاستفراد بوضعها الأمني، حيث لكل ساحة من ساحات المقاومة خصوصيتها.

إلى جانب ذلك، قام الاحتلال بشن عمليات اعتقال واسعة طالت معظم مدن الضفة الغربية، إذ قام باعتقال 680 فلسطينياً حتى السابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، اللافت أن الاحتلال يقوم باعتقال أغلبية الأسرى المحررين وهم النسبة الأكبر من مجمل عمليات الاعتقال، علماً بأن 25% من هؤلاء المعتقلين هم من الفتية والمرضى وكبار السن، بحسب هيئة شؤون الأسرى والمحررين. وفي سياق متصل، منذ بدء معركة "طوفان الأقصى"، لم تتوقف حملات الاعتقال الممنهجة والتي تأتي ضمن سياسة العقاب الجماعي بحق سكان الضفة الغربية، إذ قام الاحتلال يوم الخميس الموافق 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 باعتقال 88 فلسطينياً، وكالعادة، كانت لمدينة الخليل المحتلة حصة الأسد. وبطبيعة الحال، تتنوع حملات الاعتقال بين نواب في المجلس التشريعي الفلسطيني، وناشطين فلسطينيين، وأسرى محررين من مختلف الفصائل الفلسطينية، بالإضافة إلى الصحافيين الذين لم يسلموا من هذه الاعتقالات.

في هذا الصدد، يمكن القول إن عمليات الاعتقال تجري في سياق تجفيف منابع المقاومة في الضفة الغربية، إذ يحاول الاحتلال إحكام قبضته على الضفة الغربية التي تقف على صفيح ساخن حتى ما قبل عملية "طوفان الأقصى".

واللافت أيضاً في عمليات الاعتقال هو ممارسة العنف ضد المعتقلين، إذ يتعمد الاحتلال ممارسة الضرب المبرح عند الاعتقال، ما جعل سكان الضفة الغربية يتذكرون سياسة تكسير العظام التي قام بها إسحاق رابين في الانتفاضة الأولى. وفي سياق متصل، يقوم الاحتلال بعمليات تفتيش واسعة داخل البيوت الفلسطينية، وبث الرعب والخوف لدى الأهالي عند عمليات الاعتقال، وأيضاً يعمل الجنود في "جيش" الاحتلال على تصوير المعتقل أثناء عملية الاعتقال وتوجيه رسائل من خلال مقاطع الفيديو إلى المقاومة في قطاع غزة.

لم تتوقف سياسة الاحتلال عند هذا الحد، إذ يقوم الاحتلال بنصب الحواجز شبه الدائمة على مداخل القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية، ويعتدي على الركاب بشكلٍ عنيف تحديداً إذا اكتشف أن الهواتف النقالة التي بحوزة الركاب تحتوي على صور ومقاطع فيديو تدعم المقاومة، إذ يقوم بتفتيش الهواتف وتكسيرها عبر هذه الحواجز. 

وفي سياق منفصل، يُمارس المستوطنون هجمات ضد سكان الضفة الغربية على الشوارع الرئيسية ما أثر بشكلٍ واضح على عمليات التنقل شبه المتوقفة بالإساس، وعلى سبيل المثال لا الحصر، استشهد في بلدة قصرة إحدى ضواحي مدينة نابلس 6 فلسطينيين على يد المستوطنين في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إذ فتح المستوطنون النار بشكلٍ مباشر ضد أهالي هذه البلدة ليستشهد 4 شبان، ولم تنته الأمور عند هذا الحد، فقد هاجم المستوطنون موكب تشييع الشهداء الأربعة في اليوم التالي، وكما اليوم السابق، أطلق المستوطنون النار بشكلٍ مباشر على المشيعين ليستشهد المواطن إبراهيم وادي(  62 عاماً) ونجله أحمد( 25 عاماً). 

إذاً، تعيش الضفة الغربية في سجن كبير عبر سياسة العقاب الجماعي التي يُمارسها الاحتلال بحق سكانها، وتشهد فصلاً من فصول المعاناة التي لم تتوقف منذ احتلال فلسطين عام 1948، ولكن اللافت هو صمود أهالي الضفة الغربية ضد إجراءات الاحتلال بحقهم، وأكثر من ذلك يقولون: " كل ما نقدمه في الضفة لا يُساوي شيئاً أمام تضحيات أهلنا في قطاع غزة"، وفي سياق متصل، تتصدر مجازر الاحتلال في قطاع غزة المشهد في الضفة الغربية، وهذا ما يجعلها آخذه بالاشتعال، إذ إن نار الضفة الغربية تغلي على المرجل، إذ لا شك أنّ كثرة الضغط على الضفة الغربية سوف تولد الانفجار، وأن لكل فعل رد فعل، الأمر الذي يجعل المشهد في الضفة يتدحرج كما كرة الثلج نحو انتفاضة شاملة إذا استمر الاحتلال في إجراءاته.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.