هل تنطلق (هيهات منّا الذلّة) بكلّ قوّتها من حزب الله في هذه المعركة؟

لا يمكن أن يتصوّر من يعرف حزب الله حقّ المعرفة أن تقبل مبادئ الحزب عدم دخوله الكامل لهذه المعركة إن لزم الأمر.

  • معركة طوفان الأقصى.
    معركة طوفان الأقصى.

لا أرى في نفسي أنّني أرى ما لا تراه قيادة حزب الله في تقدير الأمر ودراسة حساباته الدقيقة والعميقة، ولكنّني أزعم أنّني أفهم حزب الله أيديولوجياً وسياسياً منذ نشأته بصفتي متابعاً بقوّة ومعايشاً لمجموعة من حزب الله أيام كنّا في سجن عسقلان، وكذلك ممّا كتبته عن مجموعة من عناصر الحزب، رواية "الشعاع القادم من الجنوب" سنة 1999، ودخلت فيها لأعماقه الدينية والفكرية والسياسية، وطرق تفكيره العلمية والواقعية وصولاً إلى السلوك السياسي واتخاذ القرار.

وقد يقول قائل إنه يشارك في الحرب بما يحدث من قصف متبادل في الشمال، ولكن ما يحدث هو تعديل بسيط على قواعد الاشتباك، وفيه بعض الإسناد وما يرافقه من حرب نفسية تربك الاحتلال قليلاً وتضعه على حافّة الشعور بخطر فتح الجبهة الشماليّة، ولكن المحتلّ لا يعبأ بهذا كثيراً ويمعن في ارتكاب المجازر في غزّة، لو كانت الحرب على غزّة كما كانت في السابق لكان الأمر مقبولاً، ولكنّها هذه المرّة مختلفة، فحجم الإجرام مهول والدماء المسفوحة مريعة جداً، وحجم الانحياز مع الاحتلال أفضل ممّا يريد من قِبل دول الاستكبار العالمي التي تقف معه بقوّة مادّياً وسياسياً ومعنويّاً. 

لذلك إن لم يقف محور المقاومة مع بعضه فمن يقف؟ هل نتوقّع مساندة من الدول العربيّة مثلاً أو من دول مرتبطة مع أميركا وتابعة لها؟ وكذلك وهو الأهم ما تعنيه هذه الحرب من صراع بين الشرق والغرب، بين الامتداد الغربي المزروع في قلب أمتنا بأهدافه المتعددة المعروفة والقوى الرافضة لهذا المشروع.

بداية لا يمكن أن يتصوّر من يعرف حزب الله حقّ المعرفة أن تقبل مبادئ الحزب عدم دخوله الكامل لهذه المعركة إن لزم الأمر. وقد لزم بعد أن بلغ القتل والتدمير هذا المدى غير المسبوق، عدة مجازر يومياً!! كانوا يرتكبون كل عدة سنوات مجزرة واليوم في اليوم الواحد عدة مجازر، إذا مرّت هذه الدماء على كثير من العرب والمسلمين ممّن ضاعت مبادئهم فلا يمكن أن تمرّ هذه على حزب الله. هل من الممكن أن تتعايش مبادئ الحزب وثقافته وقيمه مع هذه المجازر، لا أعتقد ذلك أبداً. وكذلك لما لهذه المعركة من أبعاد، وما يعمل أعداؤنا من الإفصاح عن أهداف تعيد هندسة المنطقة بحسب المزاج الأميركي، وتنصيب هذا الكيان ملكاً على المنطقة بلا منازع.

قد يقول البعض لا مجال للعواطف مع الحسابات السياسية، فأقول هذه ليست عواطف وإنما هي مبادئ يدركها حزب الله جيّداً. وهو يعتقد يقيناً بشعار القوّة والكرامة الذي هو ديدن حزب الله روحيّاً وثقافياً وقد ترجمه في واقع الجهاد والثورة والسياسة: "هيهات منّا الذلّة".

ولا يمكن أن يتصوّر أيضاً من يعرف حزب الله سياسياً أنه لا يدرك بأنه في قمّة الاستهداف الإسرائيلي والأميركي والعربي المتآمر أيضاً، كما هو حال المقاومة الفلسطينية اليوم، إذاً هي مسألة وقت، فالخلاص أو إضعاف المقاومة الفلسطينية لا يغني عن التوجّه بل سيشجّع كثيراً لضرب حزب الله، نجاحهم هنا لا سمح الله سيشجّعهم ويغريهم هناك، فحزب الله يقضّ مضاجعهم ويسبّب لهم قلقاً كبيراً، فلا بدّ من الخلاص من هذا الألم وللأبد على قاعدة "أكلت يوم أكل الثور الأبيض"، صحيح أننا لسنا ثيراناً وجاء الوقت لقلب هذا المثل عليهم وقد جاءتنا هذه الفرصة. 

وكذلك سياسيّاً أيضاً فحزب الله أمام فرصة تاريخيّة لإنهاك هذا المشروع الذي يشكّل له تحدياً كبيراً، أدرك الحسابات اللبنانيّة الداخليّة والتهديدات الفرنسيّة والأميركية، وما إلى ذلك، ولكن متى كانت هذه التهديدات لصالح شرف الأمّة، أو لإحقاق الحقّ وإزهاق الباطل، هي دوماً مع الباطل وتتماهى مع مشروعها في المنطقة. وحزب الله هو الذي يشكّل النقيض التامّ مع محور المقاومة لهذا المشروع المدمّر للإرادة الحرّة في بلادنا. 

أدرك تماماً ضرورة الحسابات السياسية الحكيمة والرشيدة ولكنها تبقى تابعة للمبادئ وما نحمل في صدورنا من دين وقيم وروح إنسانيّة أصيلة، خاصّة ونحن نتحدّث عن حركات تتخذ الدين مرجعية لها وتسعى لتحقيق مقاصد الدين وأهدافه في الحياة، ثمّ لا خير فينا ولا في مبادئنا إن جعلناها في الجيب الصغير للسياسة، إن لم تكن جوهر سياستنا، وإن لم تشكّل التكامل والانسجام بحيث إذا تحدّثنا في الدين أصبنا السياسة، وإن تحدّثنا في السياسة أصبنا الدين، وإنّ الحديث عن هذا الموضوع سهل ولكن عندما نكون على محكّ العمل والتضحية فنصنع هذا التكامل الديني السياسي من دون انحراف أو تقصير أو تفريط أو غلوّ أو تأويل باطل، فإننا بذلك نكون أهلاً للدين وأهلاً للسياسة. 

دخول حزب الله هذه الحرب والانحياز إلى المستضعفين والمقاومة التي تستعيد شرف الأمّة وتصدّ هذه اليهوديّة النازيّة عن ممارساتها التي بلغت ذروة الإجرام، والتي وقف العالم المجرم معها بكل قوة، يشدّ كتف المقاومة اللبنانية كتف المقاومة الفلسطينية في خندق شرف الأمّة، هو لحظة الانتصار التاريخيّة بإذن الله، ولا أعتقد أبداً أن ذلك يخفى على قيادة حزب الله. ولكنه التوقيت والمناورة والمفاجأة. هكذا نأمل وأملنا في محلّه بإذن الله.