حوار الدبابات لن يحسم الحرب في أوكرانيا

راهنت الولايات المتحدة والدول الغربية على عدم قدرة موسكو على الصمود في وجه العقوبات الغربية الكبيرة، وعلى عدم بقاء الجيش الروسي متماسكاً، مستندين في ذلك إلى معلومات استخبارية أثبتت الأيام ضحالتها.

  • حوار الدبابات لن يحسم الحرب في أوكرانيا
    حوار الدبابات لن يحسم الحرب في أوكرانيا

مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لنشوب الحرب في أوكرانيا، تسعى الأطراف المتحاربة لتسجيل انتصارات تكرس تقدمها في هذه الحرب. وقد كثر الحديث عن معركة الربيع المنتظرة، والتي من المتوقع أن تسجل تغييراً في مجريات الحرب وامتداداتها. 

لذا، قامت الولايات المتحدة وألمانيا وباقي الدول الأوروبية بإرسال أحدث وأقوى الدبابات في العالم إلى أوكرانيا، في حين تعهدت موسكو بحرق تلك الدبابات ليس في أرض المعركة فحسب، بل استهدافها في الدول التي سوف تنقل منها، وهو ما يعني أن الحرب أصبحت بين روسيا وحلف "الناتو"، وبشكل معلن.

لقد أعلنت الولايات المتحدة نيتها إرسال 31 دبابة من طراز "أبرامز"، مطالبة ألمانيا بإرسال عدد من دباباتها إلى أوكرانيا. ألمانيا، من جهتها، تعهدت بتقديم 62 دبابة من طراز "ليوبارد 2" إلى أوكرانيا، فيما تعهدت بريطانيا بإرسال 14 دبابة، ومن المتوقع أن تقدم الدول الـ20 التي تمتلك هذه الدبابة نحو 100 دبابة. فيما تحاول فرنسا الوقوف في المنتصف، رغبة منها في أداء دور الوسيط بين روسيا و"الناتو" مستقبلاً.

إن فاعلية تلك الدبابات وقدرتها على إحداث فرق في مجريات الحرب تتوقفان على عدة أمور منها:

- أعداد تلك الدبابات بحيث تكون قادرة على إحداث فرق في المعركة، فحتى الآن، تبدو الأعداد صغيرة، إذ يعتقد الخبراء العسكريون أن إحداث الفرق يحتاج إلى أكثر من 300 دبابة لتكون قادرة على تشكيل فرقة.

- فعالية النظام اللوجستي المرافق لها، إذ تحتاج إلى أطقم مدربة وقادة مؤهلين لديهم الجرأة والمبادرة. 

- وقت وصول الدبابات ودخولها أرض المعركة، وتشير التوقعات إلى وصولها بعد نحو 3 أشهر. وبالتالي، ستكون معركة الربيع التي يتحدث عنها الغرب قد حسمت لمصلحة موسكو.

- قدرة القوات الأوكرانية على استخدامها، فهي دبابات معقّدة من الناحية التكنولوجية، ويحتاج من يريد التعامل معها إلى تدريب لا يقل عن 3 أشهر.

- تعمل تلك الدبابات على وقود الطائرات (الكيروسين)، وبالتالي فهي مكلفة، ويصعب تأمين الوقود لها بشكل مستمر.

- الجيش الأوكراني تسليحه الأساسي روسي، وبالتالي سيجد صعوبة في التعامل مع الأسلحة الغربية وتأمين قطع الغيار لها.

- حاجة تلك الدبابات إلى غطاء جوي لحمايتها، خاصة في ظل التفوّق الجوي الروسي الكبير، ما يجعلها هدفاً سهلاً أمام الطيران الروسي.

- تلكؤ الدول الغربية، فألمانيا اشترطت أن تقوم الولايات المتحدة أولاً بإرسال تلك الدبابات، وهو ما يشير إلى أن برلين تخشى ألا تفي واشنطن بتعهداتها، فتبقى الدبابات الألمانية وحدها في مواجهة الروس، وخصوصاً أن ألمانيا لا تريد استذكار الحرب العالمية الثانية حين قامت القوات السوفياتية بسحق دبابات "البانزر" الألمانية.

وتشير الإحصاءات إلى أن إجمالي الدعم الغربي لأوكرانيا سيتراوح بين 100-200 دبابة، وهو عدد ليس بكبير نسبياً من الناحية العسكرية، لكنه يحمل رسالتين: 

- رسالة سياسية مفادها أن "الناتو" لن يتخلى عن دعم أوكرانيا.

- رسالة عسكرية تؤكد أن "الناتو" أصبح فعلاً طرفاً في الصراع، وبدأ يزود أوكرانيا بأحدث الأسلحة النوعية القادرة على إحداث فرق في مجريات المعركة.

فشل التوقعات هو القاسم المشترك لدى جميع الأطراف

مر عام تقريباً على بداية الحرب في أوكرانيا، أو "العملية الخاصة" كما أراد الروس تسميتها، في إشارة إلى محدودية هذه الحرب، وقصر المدة المحددة لها لتحقيق أهدافها. ولعل الميزة الأهم لهذه الحرب، هي "سوء التقدير" وعدم القدرة على توقع مآلاتها بشكل دقيق. وهو ما يشير إلى ضعف في التخطيط، وعدم القدرة على التنبؤ بتطورات أي معركة، حتى عندما يتعلق ذلك بالدول العظمى.

لقد راهنت الولايات المتحدة والدول الغربية على عدم قدرة موسكو على الصمود في وجه العقوبات الغربية الكبيرة، وعلى عدم بقاء الجيش الروسي متماسكاً، مستندين في ذلك إلى معلومات استخبارية أثبتت الأيام ضحالتها أو عدم دقتها على أقل تقدير.

كما راهن الغرب على ماكينته الإعلامية الضخمة التي أسقطت دولاً وهزت عروشاً، فعملوا على توظيف تلك الماكينة ضد روسيا والرئيس بوتين شخصياً، بدءاً من الترويج لمرضه مروراً بالانقلاب العسكري عليه وغير ذلك من الأكاذيب التي لم تعد تنطلي على أحد بعد أن اختبر العالم مصداقيتها، وخاصة في أزمة "الربيع العربي". 

وقد جاءت النتائج عكسية على ذلك الإعلام، فشهدنا إغلاق الإذاعة العربية في هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" بعد نحو 85 عاماً من العمل، الذي لم يخلُ من دس السم في العسل لجمهورها العربي المتعطش لسماع أي رأي آخر، لكن، وعلى الرغم من ذلك، بقي الإعلام الغربي متفوّقاً على نظيره الروسي الذي خسر الحرب الإعلامية على المستوى الدولي.

وراهن الروس وبشكل كبير، على سلاح الطاقة ونجاعته في جعل الأوروبيين يخضعون لإرادة موسكو ورغباتها، مستندين في ذلك إلى ضعف "الديمقراطيات"، وعدم قدرتها على مواجهة السلوك الاستهلاكي لشعوبها، وخضوعهم لإرادة الناخب عبر تقديم مزيد من الوعود له بتحسين وضعه الاقتصادي، الذي لا يهتم بشيء سواه. 

تلك الشعوب التي اعتادت في اختيارها لحكوماتها على قدرة الأخيرة على تأمين مزيد من الرفاه لها، بغض النظر عن الأسلوب الذي ستسلكه تلك الحكومات، والوسائل التي تستخدمها، حتى لو اضطرت إلى سرقة ثروات غيرها من الدول، فلا ضير في ذلك لدى المجتمعات التي تتغنى بالديمقراطية، وتنادي بحقوق الإنسان!

سوء تقدير الموقف جعل هذه الحرب مستمرة، وكلا الطرفين يتجهان إلى نقل الصراع الدائر فيها لأن يكون صراعاً صفرياً، متجاهلين تبعات ذلك عليهما، وعلى العالم كله. لقد كرّست هذه الحرب مقولة: "من السهل البدء بالحرب، لكن من الصعب جداً التنبؤ بنهايتها أو القدرة على إيقافها في وقت محدد". 

ومن هنا، بات الحديث عن نهاية قريبة للحرب الأوكرانية أمراً غير وارد حالياً، في ظل الانقسامات التي يعيشها المجتمع الدولي، والتجييش الكبير الذي ينبئ بإرهاصات الاقتراب من حرب عالمية جديدة. لذا، فقد شهدت الساحة الأوكرانية تطورات كبيرة، لجهة ازدياد الدعم الغربي وعلانيته، والانتقال من تقديم أسلحة دفاعية إلى الحديث عن مساعدات عسكرية استراتيجية، وذات قدرات هجومية فائقة.

وفي الوقت نفسه، يزداد الضغط الأميركي على باقي الدول لوقف دعمها لروسيا التي لم نر موقفاً حاسماً من حلفائها "المفترضين" حتى الآن، وعلى وجه التحديد الصين وكوريا الشمالية.

إن الدعم الذي تحتاجه موسكو هو دعم ذو جانبين، جانب سياسي يتمثل في الوقوف معها وتأييدها سياسياً وبشكل معلن. ودعم عسكري قد يأخذ طابع السرية أحياناً، لكن من المفيد التصريح به، لتحقيق جانب الردع، وهو عامل ضروري في توجيه مجريات الصراع. وحتى الآن، لم تكن هناك مواقف سياسية داعمة لموسكو وبشكل مطلق، وبخاصة من الدول الكبرى (الصين-كوريا الشمالية).

لقد سعت بكين إلى "عدم الانجرار وراء موسكو ودعمها بشكل مطلق"، حرصاً منها على حماية مصالحها الكبيرة مع الولايات المتحدة وأوكرانيا وباقي الدول الغربية.

وفي الوقت ذاته، تدرك الصين أهمية الحرب التي تخوضها موسكو في الدفاع عنها، والتخفيف من حدة الهجمة الغربية عليها، خاصة وأن الولايات المتحدة ترى في الصين "عدوها الاستراتيجي الذي يجب احتواؤه".

إلى أين يمضي الصراع؟

سؤال كبير تشكل الإجابة عنه أساساً لمعرفة مستقبل العالم كله، ولعل هذا السؤال يتمثل في: ماذا يريد الغرب لروسيا؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تتطلب منا وضع كل الاحتمالات ومناقشتها، من دون استبعاد أي منها، مع إمكانية ترجيح احتمال على آخر، وفقاً للمعطيات التي بين يدينا. 

إن فكرة هزيمة روسيا غير منطقية من الناحية العملية. إذ لا يمكن هزيمة دولة نووية في حروب تقليدية، فالسعي لهزيمة دولة نووية في حرب تقليدية سيفجر بالضرورة حرباً نووية جديدة، بمعنى أنه لا يمكن لروسيا أن تقبل بالهزيمة وهي تمتلك قوة نووية، خاصة في ظل وجود رئيس قوي كفلاديمير بوتين الذي لم يعرف الهزيمة في حروبه السابقة التي خاضتها روسيا. 

أما الأوكران، فقد بات الانتصار لديهم يعني الانسحاب الروسي من الأراضي التي "احتلتها" موسكو، والعودة إلى ما كان عليه الوضع قبل الحرب، أي أن الانتصار في ظل أوكرانيا المدمرة هو سقف الحلم الأوكراني اليوم، على الرغم من الدعاية الغربية التي تقول إن الجيش الأوكراني انتقل في ترتيبه من المرتبة 22 عالمياً إلى المرتبة 15 بفضل الكميات الكبيرة من الأسلحة المتطورة التي زوّده بها الغرب.

وتشير التوقعات إلى أن إعادة إعمار أوكرانيا تحتاج إلى 20 عاماً على الأقل، بمعنى أن هزيمة أوكرانيا أصبحت أمراً واقعاً لا يمكن تغييره.

أما المعسكر الغربي، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، فقد يكون هدفه إضعاف روسيا ما أمكن عبر إشغالها في الحرب في أوكرانيا لاستنزاف قوتها، من دون أن يصل ذلك إلى حد حشرها في الزاوية، لأن ذلك سيجعل موسكو تلجأ من دون تفكير إلى استخدام سلاحها النووي، وهو ما هدد به القادة الروس مؤخراً، لكن المشكلة تكمن فيما إذا كان الغرب لم يأخذ تلك التهديدات على محمل الجد، عندها يكون العالم كله قد انزلق إلى ما لا تحمد عقباه.