معارك غزة تسلّط الضوء على العلاقات العسكرية بين الهند و"إسرائيل"

التعاون العسكري بين الهند و"إسرائيل"، قد دخل خلال الأعوام الأخيرة، في طور متقدّم للغاية، وقد وضعت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، هذا التعاون أمام اختبار مفصلي.

  • تاريخ
    تاريخ "مستتر" من العلاقات العسكرية بين الهند و"إسرائيل".

من حيث المبدأ، لم تكن العلاقات العسكرية بين نيودلهي و "تل أبيب" سرية أو غير معلنة ـــــ خاصة خلال السنوات الأخيرة ـــــ لكن كان واضحاً حرص الهند على عدم "التنويه" بشكل دائم بهذه العلاقات، وكان التركيز الأكبر في هذا الإطار منصبّاً على وضع هذه العلاقات في إطار "اضطراريّ"، تضع فيه الهند في الاعتبار مواقف إسرائيلية إيجابية سابقة حيال الهند خلال الجولات المتكرّرة من التصعيد بينها وبين باكستان.

لكن جاءت الحرب الإسرائيلية الجارية حالياً في قطاع غزة، لتلقي الضوء بشكل أكبر على هذه العلاقات، وهو ما يمكن اعتباره مفارقة في حد ذاته، نظراً للبعد الجغرافي الكبير للهند عن مسرح التفاعلات الجارية حالياً في قطاع غزة، وعدم ارتباط نيودلهي بأيّ مفصل من المفاصل المحرّكة لهذه الحرب أو الداعمة لها.

العلاقات العسكرية بين نيودلهي و "تل أبيب" تصل إلى مراحل متقدّمة

حتى وقت قريب، لم يكن معلوماً بشكل واضح المدى الذي وصل إليه التعاون بين الهند و"إسرائيل" على مستوى التصنيع العسكري، حيث كانت العلاقات بين الجانبين على المستوى التسليحيّ، مرتكزة بشكل أساسي على شراء المنظومات القتالية الإسرائيلية الصنع، كون نيودلهي أكبر مستورد للأسلحة في العالم، حيث أنفقت وفقاً لتقديرات معهد "ستوكهولم" الدولي لأبحاث السلام، ما قيمته 37 مليار دولار بين عامي 2012 و2022، بينها نحو 2.9 مليار دولار كانت مخصصة للمنظومات الإسرائيلية الصنع.

وقد أشارت وسائل إعلام هندية عديدة في شباط/فبراير الماضي، إلى أن عمليات توريد الأسلحة الإسرائيلية إلى الهند، ظلت مستمرة حتى بعد بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة أواخر العام الماضي، إلا أن بعض هذه الوسائل، تحدّثت عن أن عمليات التوريد هذه، تضمّنت عمليات "عكسية"، نقل عتاد عسكري من الهند إلى "إسرائيل"، لتصبح هذه الإشارة هي الأولى إلى أن مستوى العلاقات بين الجانبين في هذا الصدد، وصل إلى مراحل أكثر أهمّية.

الوصول إلى هذا النتيجة جاء عبر ما نقلته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الشهر الماضي، حول بدء نيودلهي تزويد "الجيش" الإسرائيلي، بقذائف مدفعية وأسلحة خفيفة وطائرات مسيّرة، منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة.

ومن ضمن هذه الأعتدة العسكرية، طائرات مسيّرة من نوع "هيرميس-900"، وهي طائرات إسرائيلية المنشأ، لكن بدأت نيودلهي في تصنيعها محلياً، في مصنع أقيم خصيصاً لهذا الغرض، في مدينة "حيدر آباد"، وقد كان الهدف الأساسي من إنشاء هذا المصنع، هو تنفيذ الاستراتيجية الوطنية الهندية لتوطين الصناعات العسكرية على أراضيها، لكن قامت نيودلهي بتحويل 20 طائرة من إنتاج هذا المصنع، إلى "الجيش" الإسرائيلي، لسدّ النقص الذي طرأ على وسائط الاستطلاع الجوي الإسرائيلية، في ظلّ تعدّد الجبهات، وخسارة خمس طائرات مسيّرة من نوعي "هيرميس-450" و"هيرميس-900" في جبهة لبنان.

اللافت في هذا الصدد لم يكن فقط توريد معدات عسكرية من الهند إلى "إسرائيل" فحسب، بل أيضاً مسألة لجوء "إسرائيل" إلى تنويع مصادر تزويدها بالذخائر من الخارج، والتي تمّ تدشينها عملياً بعد توجيهات أصدرها مؤخّراً، مدير عام وزارة الأمن الإسرائيلية، اللواء احتياط، إيال زمير، تقضي بتوسيع الهوامش المتاحة أمام استيراد ذخائر وأسلحة من الدول الحليفة لـ "إسرائيل" كافة، بهدف توسيع "الاستقلالية الاستراتيجية للجيش الإسرائيلي"، وذلك من خلال قيام توسيع خطوط إنتاج الذخيرة والبحث عن حلول مشتركة مع هذه الدول، لتصنيع وإنتاج الصواريخ والقنابل الدقيقة.

هذه التوجيهات جاءت ردّاً على ما لمسته "تل أبيب" من "تباطؤ" في غالبية شحنات الأسلحة من الولايات المتحدة إلى "إسرائيل" خلال الأشهر الأربعة الماضية.

تاريخ "مستتر" من العلاقات العسكرية بين الهند و"إسرائيل"

بعد حصول الهند على الاستقلال عام 1947، أعلنت نيودلهي سياسة عدم الانحياز، وحافظت على علاقات وثيقة مع الدول العربية، كما كان موقفها بشكل عام من القضية الفلسطينية إيجابياً بشكل كبير، حيث صوّتت الهند ضدّ خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين تحت الانتداب البريطاني، كما صوّتت عام 1948، ضدّ قبول "إسرائيل" في الجمعية العامة للأمم المتحدة. 

وقد كان السبب الأساسي لهذا الموقف، الخشية من إثارة غضب الأقلّية المسلمة في الهند، وهو ما استمرّ خلال السنوات اللاحقة، حتى بعد أن اعترفت الهند بـ "إسرائيل" عام 1950، حيث حرصت نيودلهي على تجنّب أيّ تعاطٍ "معلن" مع "إسرائيل" خلال العقود اللاحقة.

إلا أن دخول الهند في مواجهة عسكرية قصيرة مع الصين عام 1962، مثّلت نقطة التحوّل الأولى في العلاقات العسكرية بينها وبين "إسرائيل"، حيث وجد الجيش الهندي نفسه حيال هزيمة حاسمة تعرّض لها أمام القوات الصينية المتفوّقة، ووجد لزاماً عليه استغلال أي فرصة سانحة لتحسين معدلات قوته وتسليحه.

حاولت "تل أبيب" استغلال هذا الموقف، فعرضت على رئيس الوزراء الهندي آنذاك، جواهر لال نهرو، شحنة من الأسلحة والذخيرة. ووافق نهرو على ذلك مضطراً بحكم الظرف الذي كان فيه الجيش الهندي في ذلك التوقيت، لكنه طلب أن تتسلّم بلاده الشحنة بشكل سريّ وغير معلن، كي لا يثير ذلك حفيظة الدول العربية التي كانت تحتفظ بعلاقات وثيقة بنيودلهي، وعلى رأسها مصر.

إلا أن ديفيد بن غوريون، رئيس وزراء "إسرائيل" آنذاك، رفض أن تتمّ هذه العملية بشكل سريّ، وفضّل أن تتمّ بشكل علني، مما اضطرّ نهرو إلى التراجع عن شرطه، وبالفعل تمّ تسليم الأسلحة الإسرائيلية إلى الجيش الهنديّ لكن في الأيام الأخيرة من الاشتباكات مع الجيش الصيني.

بذلك كانت المواجهة العسكرية بين الهند والصين، نقطة أساسية لإطلاق التعاون العسكري بين نيودلهي و "تل أبيب"، وهو تعاون ظلّ مستتراً في أغلب مفاصله، وتمحور بشكل أساسي في تشاور قيادات الجيش الهندي مع القيادات العسكرية الإسرائيلية، حيث زار رئيس أركان "الجيش" ورئيس الاستخبارات العسكرية في "الجيش" الإسرائيلي، نيودلهي عام 1963، وفي السنوات اللاحقة، زارت شخصيات إسرائيلية سياسية وعسكرية رفيعة الهند من وقت لآخر، مثال إيغال ألون، الذي زار الهند عام 1965، وموشيه ديان الذي زارها عام 1977، كما دخل كِلا الجانبين في عمليات تعاون مشترك على المستوى الاستخباراتي والمعلوماتي، خلال فترة السبعينيات والثمانينيات، وساعدت "تل أبيب" نيودلهي بعد مقتل رئيسة وزراء الهند، إنديرا غاندي عام 1984، في تحسين آلية أمن الشخصيات المهمة.

نيودلهي وتغيّرات ما بعد انتهاء الحرب الباردة

أدى سقوط الاتحاد السوفياتي، وحدوث تغيّرات أساسية في النطاق الإقليمي والدولي للهند، إلى دفع نيودلهي لتعديل مستوى علاقاتها مع "تل أبيب"، وإعلان قيام علاقات دبلوماسية كاملة معها عام 1992. 

تعدّدت الأسباب التي دفعت الهند إلى هذه الخطوة، منها حاجتها الملّحة إلى تأمين مصادر جديدة للذخائر والأسلحة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ـــــ الذي كان من المورّدين الأساسيين على المستوى العسكري ـــــ وكذلك تصاعد العلاقات الباكستانية مع دول غرب آسيا وشمال أفريقيا، وإيجابية مواقف الدول العربية حيال وجهة النظر الباكستانية فيما يتعلّق بملف إقليم كشمير.

رغم هذه الأسباب، إلا أن العلاقات بين الهند و"إسرائيل"، ظلّت محدّدة ومؤطّرة بحدود أساسية، ترتبط بعدم رغبة الهند في خسارة علاقاتها بالدول العربية، نظراً لأنّ بعض هذه الدول، تمثّل أكبر مورّدي النفط إلى الهند، ومصدر تحويلات العملة الصعبة من الهنود العاملين على أراضيها، كما أن العامل المتعلّق بالأقلية المسلمة في الهند، ظلّ في أذهان الحكومات الهندية المتعاقبة كافة.

بحلول منتصف عام 1992، حقّقت الهند و"إسرائيل" تقدّماً كبيراً بشأن إمكانيات التعاون العسكري، حيث سارعت "تل أبيب" بإرسال فريق عسكري تقني مكوّن من ستة أعضاء إلى العاصمة الهندية، قام بوضع أسس التعاون بين الجانبين في هذا الإطار، وقد ظهر من خلال هذا التحرّك السريع، مدى الرغبة الإسرائيلية في توسيع تعاونها العسكري مع الهند، وهو ما تمّ تعزيزه بزيارة وزير الخارجية الإسرائيلي، شيمون بيريز، إلى نيودلهي في أيار/مايو 1993، وكذلك زيارة وفد رسمي من وزارة الدفاع الإسرائيلية الهند في نيسان/أبريل 1995، وهي الزيارة التي تمّ خلالها للمرة الأولى عرض المنتجات العسكرية الإسرائيلية على الجيش الهندي، ومن ثم قام وفد برئاسة وزير الدفاع الهندي، بزيارة "إسرائيل" في تموز/يوليو من العام نفسه، وتمّت خلال هذه الزيارة، مناقشة أوّل عقد رئيسي بين الجانبين، لتحديث أنظمة مقاتلات "ميغ-21" السوفياتية الصنع، العاملة في الترسانة الهندية، وهو ما تمّ تنفيذه لاحقاً.

وقد تلقّت العلاقات الهندية الإسرائيلية دفعة كبيرة في أواخر أيار/مايو 1999، عندما شنّت الهند هجوماً لصدّ القوات الباكستانية التي احتلّت منطقة "كارجيل" في إقليم جامو وكشمير، حيث واجهت نيودلهي نقصاً حاداً في الذخائر خلال هذه المواجهة، وحينها تدخّلت "إسرائيل" من خلال توفير قذائف الهاون والذخيرة والصواريخ الموجّهة بالليزر، ما مكّن الجيش الهندي من استعادة زمام المبادرة واستعادة الأراضي التي سيطر عليها الجيش الباكستاني، وقد كان الموقف الإسرائيلي خلال هذه المواجهة، عاملاً حاسماً في رفع مستوى التعاون العسكري بين الجانبين بشكل أكبر خلال الفترات اللاحقة، حيث تتالت الزيارات رفيعة المستوى بين الجانبين على  المستويات كافة، بداية من أول زيارة لرئيس وزراء إسرائيلي إلى الهند عام 2003، وزيارة رئيس الأركان الإسرائيلي، جابي أشكنازي، إلى نيودلهي أواخر عام 2009.

لكن يمكن اعتبار وصول رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، إلى السلطة عام 2014، بمثابة نقلة أخرى في العلاقات بين الجانبين، حيث أصبحت هذه العلاقات أكثر علنية، وتوّج هذا بزيارة إلى "تل أبيب" عام 2017، هي الأولى من نوعها لرئيس وزراء هندي إلى "إسرائيل"، وقد كانت ملحوظةً العلاقات القوية التي جمعت بين مودي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي قام بدوره بزيارة نيودلهي عام 2018، وهو ما تمّت ترجمته بتصاعد مستمر في الصادرات العسكرية الإسرائيلية إلى الهند، والتوسّع الكبير في التعاون بينهما في مجال التصنيع العسكري المشترك، وهو ما توازى مع تراجع واضح في دعم الهند للقضية الفلسطينية، رغم بقائها ملتزمة بها على المستوى العام.

رقم صعب للصادرات العسكرية الإسرائيلية إلى الهند

انعكس التحسّن المستمر في العلاقات العسكرية بين الجانبين، على حجم الصادرات التسليحية الإسرائيلية إلى نيودلهي، التي ارتفعت من 83 مليون دولار عام 2001، إلى 736 مليون دولار عام 2016، لتصبح "إسرائيل" بذلك ضمن أكبر ثلاثة مورّدين للسلاح إلى الهند، وتفوّقت في بعض الأحيان على الصادرات العسكرية الروسية للهند، خاصة خلال الفترة بين عامي 2013 و2016. وقد قدّرت خلال العقد الممتد بين عامي 2000 و2010، قيمة العقود العسكرية التي وقّعها الجانبان، بنحو 10 مليارات دولار.

وقد شملت الأنظمة القتالية التي اشترتها نيودلهي من "إسرائيل"، الطائرات من دون طيار من أنواع "Heron" و"Searcher" و"Harop" و"SKY STRIKER"، وأنظمة الدفاع الجوي "Spyder" و"Barak"، إلى جانب الذخائر الجوية والصاروخية، والأسلحة الرشاشة الخفيفة والمتوسطة، والأنظمة الإلكترونية والرادارية الخاصة بالقطع البحرية والطائرات.

اللافت في هذا الإطار، أن كلا الجانبين قد حوّلا العلاقات التسليحية بينهما، لتصبح مرتكزة على عمليات التصنيع المشترك، حيث تقوم الهند في الوقت الحالي بتصنيع مجموعة من الأسلحة والمنظومات الإسرائيلية، خاصة الرشاشات الخفيفة وبنادق القنص، والطائرات من دون طيار من نوع "هيرميس"، وأنظمة الدفاع الجوي "Barak-8"، التي تطوّر النسخة البحرية والبرية منها بشكل مشترك، شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية (IAI) بالتعاون مع منظّمة البحث والتطوير الدفاعية المملوكة للدولة في الهند (DRDO).

يلاحظ هنا أن توطين صناعة الطائرات من دون طيار وأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية في الهند، جاء بعد زيارة ناريندرا مودي إلى "إسرائيل" عام 2017، وتضمّنت هذه الزيارة توقيع شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية (IA) وشركة (BEL) الهندية، أكبر عقد تسليحي بين الجانبين، بلغت قيمته أكثر من 1.6 مليار دولار، لإنتاج وتطوير النسخة الأرضية من نظام الدفاع الجوي "BARAK-8".

هذه الاستراتيجية تخدم كلا الجانبين، فالهند من جانبها تستهدف تقليل حجم الواردات العسكرية إليها، وزيادة حجم ونطاق قطاع الصناعات العسكرية على أراضيها، أما "إسرائيل" فتستهدف خلق "مصدر موازٍ"، يمكن أن يمثّل منفذاً مكمّلاً لتوريد الذخائر وغيرها من المعدات الدفاعية لـ "إسرائيل"، خاصة في حالات الطوارئ، وهو ما يبدو أنه قد حدث بالفعل خلال العمليات الجارية حالياً في قطاع غزة.

ومع ذلك، فإنّ بعض الشركات الإسرائيلية العاملة في القطاع العسكري، واجهت صعوبات في التعاطي مع السلطات الهندية، وتمّ وضع بعض هذه الشركات لفترة وجيزة في القائمة السوداء التي يمنع التعامل معها في الهند، مثل شركة "رافائيل" وشركة "إلبيت"، إلا أن الشراكات العسكرية بين الجانبين، أفادت "تل أبيب" في الفترة الحالية، حيث زوّدت شركة "ADANI - Elbit" المشتركة بين الجانبين "الجيش" الإسرائيلي، بذخائر جوية وطائرات من دون طيار من نوع "هيرميس-900"، إلى جانب تصدير شركتي "Munitions India" و"Tonbo Imaging" الهنديتين، ذخائر وأنظمة كهروضوئية لسلاح الجو الإسرائيلي.

جدير بالذكر أنّ وزير الدفاع الإسرائيلي، بني غانتس، قد زار الهند في حزيران/يونيو 2022، واتفق حينها مع نظيره الهندي، على توسيع التعاون الدفاعي بينهما، وقام بالتوقيع على خارطة طريق شاملة مدتها 10 سنوات، لتحديد مجالات جديدة للتعاون بينهما في المجال الدفاعي، وهو ما تمّ التمهيد له في وقت سابق، خلال زيارة قام بها الأمين العام لوزارة الدفاع الهندية، أجاي كومار، إلى "تل أبيب" في تشرين الأول/أكتوبر 2021.

خلاصة القول إن التعاون العسكري بين الهند و"إسرائيل"، قد دخل خلال الأعوام الأخيرة، في طور متقدّم للغاية، وقد وضعت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، هذا التعاون أمام اختبار مفصلي، حيث وجدت الهند نفسها أمام معادلة صعبة، تريد من خلالها الحفاظ على المكتسبات التي حصلت عليها على مستوى التصنيع العسكري، من جراء التعاون مع "تل أبيب"، وفي الوقت نفسه لا تريد زعزعة علاقاتها الحالية مع الدول العربية، وتريد تفادي أيّ استفزاز محتمل للأقلية المسلمة على أراضيها.

وربما هذا الوضع كان سبباً في التأييد القوي من جانب نيودلهي لـ "إسرائيل"، خلال الأسابيع التالية للسابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ثم تراجع قوة هذا التأييد خلال الأشهر اللاحقة، خاصة بعد دخول البلاد في انتخابات عامّة في نيسان/أبريل الماضي، وقد أضافت الحكومة الهندية إلى موقفها الحالي من الحرب في قطاع غزة، عوامل إضافية تراعي الاعتبارات السالف ذكرها، منها  دعم "حلّ الدولتين"، والدعوة إلى زيادة المساعدات الإنسانية لغزة، لكنّ الأكيد أنّ الظرف الحالي ألقى الضوء بشكل أكبر على جانب مهم ومحوري في العلاقات بين الهند و"إسرائيل"، قد تكون له انعكاسات مهمة خلال المدى المنظور.