سفن الشحن الإسرائيلية.. منصات لوجستية عائمة لتنفيذ العمليات الأمنية والاستخبارية
للوهلة الأولى، تبدو عملية احتجاز سفينة الحاويات في مضيق "هرمز" من قبل القوات البحرية في حرس الثورة الإيرانية، خطوة سياسية إيرانية إلى الأمام، لها أبعاد اقتصادية، ولكنّ تحقيقاً في خلفيات الحدث تكشف عن بعدٍ أمني للعملية لا يقل أهمية عن بقية أبعادها، فماذا في الدور الأمني لسفن الشحن الإسرائيلية؟
مشهد اعتلاء عناصر القوات البحرية في حرس الثورة الإيراني سفينة الشحن الإسرائيلية في مضيق "هرمز"، السبت، لن يكون عابراً، والتقديرات في كيان الاحتلال تؤكد أنّ العملية - وإن كانت الأولى من نوعها - لن تكون الأخيرة، مع الإشارة إلى أنّها ليست جزءاً من الرد على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق.
وإن كانت للعملية أبعاد سياسية لا تخفى على المتابع لمجريات الأمور منذ اندلاع "طوفان الأقصى"، وأبعاد اقتصادية لخصها المحللون الإسرائيليون بضرب خط التجارة البري، وخط الشاحنات من الإمارات عبر السعودية والأردن وصولاً إلى "إسرائيل"، فإن لها أيضاً بعداً أمنياً لا يقل خطورةً. فماذا عن الدور الأمني لسفن الشحن الإسرائيلية في الخارج؟
"سيف جدعون".. كيف وصل أفراد "سييرت متكال" إلى سيدي بوسعيد؟
في منتصف نيسان/أبريل من عام 1988، غادرت سفينة حاويات إسرائيلية ميناء حيفا المحتلة، متجهةً إلى تونس. وحين أصبحت قبالة سواحل تونس، فُتحت أبواب هيدروليكية مثبتة مسبقاً، ومن مكان مخفيّ في السفينة أقلعت مروحيّتان محمّلتان بأفراد من وحدة القوات الخاصة الإسرائيلية "سييرت متكال"، أو الوحدة "269".
قبل ذلك بثلاثة أيام، وصل إلى تونس ثلاثة عملاء يتبعون جهاز "الموساد" الإسرائيلي، تحت ستار "سياح لبنانيين"، يحملون أسماء جورج نجيب وعاطف علام وعائشة شريدي، واستأجروا حافلتين صغيرتين من طراز "فولكس فاغن"، وسيارة من طراز "بيجو 305"، وقاموا بعملية استطلاع.
منتصف ليل 16/15 نيسان/أبريل 1988، كان عملاء "الموساد" الثلاثة ينتظرون عند الشاطئ لتنفيذ مهمتهم، وإدخال أفراد "الكوماندوس" الإسرائيلي بواسطة سيارات مستأجرة ستنقلهم إلى فيلا على شاطئ البحر، في حي سيدي بوسعيد شمالي شرقي تونس العاصمة.
داخل الفيلا، كان الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية، خليل الوزير، "أبو جهاد"، أحد محركي الانتفاضة الفلسطينية الأولى، والمسؤول عن عدد من العمليات الفدائية، يعمل في مكتبه كالمعتاد.
وفي غضون دقائق، أُنجِزَت عملية "سيف جدعون"، والتي خطط لها رئيس الأركان دان شومرون، ونائبه إيهود باراك، ورئيس الاستخبارات العسكرية آمنون شاحاك، وتم اغتيال أبي جهاد بالرصاص أمام زوجته وأطفاله، قبل أن يعود عناصر "سييرت متكال" إلى موقع مغاير ليتم نقلهم منه جواً إلى سفينة الحاويات.
محمود المبحوح شهيداً.. يد "الموساد" تعبث في دبي
وفي كانون الثاني/يناير من عام 2010، اغتيل محمود المبحوح، أحد أعضاء كتائب الشهيد عز الدين القسام، داخل غرفته في أحد فنادق دبي، بعد صعقه كهربائياً، ثم خنقه حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة. لم تظهر أي إصابات على جسد ابن مخيم جباليا، والذي تتهمه "إسرائيل" بالمسؤولية عن نقل السلاح من إيران إلى قطاع غزة، لكن تشريح الجثة كشف آثاراً للسمّ في جسده.
في عام 2011، كشف تقرير نشرته صحيفة "التايمز" البريطانية أنّ القاسم المشترك بين اغتيال أبي جهاد الوزير عام 1988، ومحمود المبحوح عام 2010، هو استخدام عناصر "الموساد" سفن الشحن العائدة لسامي عوفر في الانتقال من كيان الاحتلال إلى مكان المهمة، والعودة بعد التنفيذ.
"سامي عوفر".. عمرٌ كامل في خدمة البحرية الإسرائيلية.. و"الموساد"!
نشر التقرير جاء بعد أيام من وفاة عوفر (89 عاماً)، أغنى رجل في "إسرائيل"، والذي كانت سفن الشحن التي يملكها تُستخدم أيضاً لنقل قوات النخبة الإسرائيلية للقيام بعمليات داخل إيران.
وجاءت وفاة عوفر في "تل أبيب"، بعد أيام فقط من مزاعم أميركية عن خرق شركته العقوبات المفروضة على إيران من خلال بيعها ناقلة نفط، وكان أمراً محيراً في كيان الاحتلال أن تُتَّهَم شركة لها علاقة وثيقة بالحكومة بمخالفة القوانين وخرق العقوبات الأميركية.
اتهام عوفر، أحد المساهمين في تأسيس البحرية الإسرائيلية، كان ملائماً تماماً للتمويه على دور شركته "زودياك" الكبير في العمليات الأمنية الإسرائيلية في الخارج، وبصورة خاصّة في إيران، بحيث أشار خبراء عسكريون إلى أن سفن الشحن كانت تحمل طائرات مروحية من طراز "بلاك هوك"، مخبأة في حاويات معدلة، لاستخدامها من جانب فرق "الكوماندوس" في مهمّات الاستطلاع ضد المواقع النووية السرية الإيرانية.
وتحاول "إسرائيل"، من خلال عملية استخبارية واسعة النطاق، مراقبة برنامج الأسلحة النووية الإيراني، عبر استخدام سفن الشحن العملاقة مع المروحيات والرجال المختبئين في الحاويات.
عملية مضيق هرمز وأبعادها المتعددة.. خطوة في اتجاه صحيح وتوقيت مناسب
احتجاز القوات الخاصة البحرية التابعة لحرس الثورة الإيراني، اليوم السبت، سفينة حاويات تابعة لشركة "زودياك" تحمل اسم "MCS Aries" بالقرب من مضيق هرمز، وتنفيذ عملية إنزال بالهليكوبتر ، لم يكن معزولاً عن كل ذلك السياق.
وبالإضافة إلى أهمية العملية من الناحيتين السياسية والعسكرية، وما كشفه إعلام الاحتلال من أهمية اقتصادية تتمثل في ضرب خط التجارة البري، وخط الشاحنات من الإمارات عبر السعودية والأردن وصولاً إلى "إسرائيل"، وعدّها "ضربة شبيهة بضرب اليمنيين للسفن العابرة لقناة السويس"، فإن البعد الأمني للعملية يفرض نفسه أيضاً، بحيث توفر سفن "زودياك" منصات لوجستية لتنفيذ العمليات الأمنية والاستخبارية.