السرايا اللبنانية.. هوية جامعة التحاماً بـ "طوفان الأقصى"
فكرة النهوض بالسرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي كانت بسبب مطالبة اللبنانيين من كل الطوائف بالانخراط في صفوف المقاومة لتشكل تجربة فريدة بين الأحزاب اللبنانية، ونموذجاً من العمل الموحّد في سبيل الأهداف وبناء الوطن.
أسّست شهادة نجل الأمين العام لحزب الله، محمد هادي حسن نصر الله، لمرحلة جديدة في لبنان في إطار مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، إذ ساهمت شهادته في المواجهات ضد الاحتلال في الجنوب، في خلق مساحة مشتركة بين اللبنانيين، المحكومين بالتركيبات التشرذمية، وفي تحرير الفرد من العصبيات الدينية والمذهبية والسياسية والمناطقية، نحو تفتيت هذه العُقد وصوغ مفهوم أشمل هو المقاومة من أجل البلاد ودفاعاً عنها في وجه العدو.
كانت السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي تجربة فريدة بين الأحزاب اللبنانية، ونموذجاً من العمل الموحّد في سبيل الأهداف وبناء الوطن، نهضت بإرادة الشارع اللبناني ورغبته في مرحلة ما بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، لتتماهى مع خيار المقاومة لدى جميع اللبنانيين.
الالتحام في "طوفان الأقصى"
سجلٌ من العمل المقاوم والمشاركة خطّته السرايا اللبنانية تلبيةً للواجب الوطني، لتلتحم بجبهة الإسناد اللبنانية في معركة "طوفان الأقصى"، وبشكل لافت. إذ، وبالتزامن مع الذكرى الـ 18 لبدء العدوان الإسرائيلي على لبنان في 12 تموز/يوليو، وباسم مجموعة الشهيدين عبد العال، استهدفت السرايا موقع "رويسة القرن" العسكري الإسرائيلي في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، بالأسلحة الصاروخية، متعهدةً "مواصلة المقاومة حتى النصر والتحرير".
وقد سمّيت بمجموعة الشهيدين عبد العال، تيمّناً بالمجاهديْن علي وحسين عبد العال من بلدة حلتا/العرقوب جنوبي لبنان، اللذين زفّتهما السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي أثناء قيامهما بواجبهما الوطني، في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2023، بعد أسابيع من بدء التصعيد عند الحدود مع فلسطين المحتلة، دعماً للشعب الفلسطيني ومقاومته، ورداً على الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان.
التأسيس.. التزام مشترك بلبنان
فكرة النهوض بهذه السرايا كانت وليدة مراسم تقبّل السيد نصر الله التبريكات بشهادة نجله في أيلول/سبتمبر عام1997، حينها طالب اللبنانيون من كل الطوائف، وآخرون من دول عربية، بالانخراط في صفوف المقاومة، ليعلن بعد 40 يوماً من شهادة نجله عن فتح باب الانتساب إلى هذا الجناحٍ المرن الذي يحظى بأشكال الدعم كافة من حزب الله، مع احترام خصوصية المنتسبين في حرية المعتقد والفكر.
الطلقة الأولى للسرايا، والتي استهدفت مواقع الاحتلال في بلدتي برعشيت وحداثا الجنوبيّتين بتاريخ 14 آذار/مارس 1998، رسخت حالة وعي في المجتمع اللبناني بأنّ "العدو الإسرائيلي لا يفهم منطق القانون والقرارات الدولية، وأّن هناك منطقاً واضحاً يفهمه هو منطق القوة"، معبّرةً عن "ثقة اللبنانيين بكل طوائفهم بخيار المقاومة"، وفق ما جاء في بيان السرايا الأول.
أقرّ تقرير تفصيلي (ضمن مجلد 7، العدد 11، نوفمبر/ديسمبر 2014) لما يسمى "مركز مكافحة الإرهاب -في المنطقة الغربية" الأميركي، بأنّ "السرايا تخلت عن الانتماءات الدينية والسياسية والعرقية والطبقية والقبلية لصالح الالتزام المشترك بلبنان ووحدته والدفاع الوطني، وأن أهداف السرايا الطموحة ملحوظة في ضوء الشروخ المتأصلة التي يتميز بها المجتمع اللبناني".
أكثر من 200 عملية عسكرية ضد مواقع الاحتلال الإسرائيلي وعملائه في القرى الجنوبية، والتي تنوّعت من قصف مدفعي إلى اقتحام وعمليات مشتركة مع المقاومة الإسلامية، كانت حصيلة السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي في الفترة ما قبل التحرير عام 2000، لكنّ دورها لم ينحصر في تلك الفترة، ما دامت تهديدات الاحتلال وغيره تمسّ لبنان.
عدوان تموز 2006.. السرايا "جيش احتياطي"
تحدث الكتاب بعنوان "هكذا تحول حلم السيد حسن نصر الله إلى حقيقة"، الصادر عن دار "الولاية للثقافة والإعلام" عن دور السرايا اللبنانية في حرب تموز/يوليو 2006، ليؤكد أنّها مثّلت جيشاً احتياطياً انخرط في الميدان.
فقد شارك عناصر السرايا في رد العدوان، وكانوا منتشرين في الخطوط الأمامية في معظم المناطق اللبنانية، وكان من بين عديدها عناصر مدربون التحقوا بالسرايا منذ تأسيسها وسبق أن خاضوا العديد من العمليات العسكرية.
وتوزّع عناصر السرايا اللبنانية كان وفق مهمات مقررة لهم مسبقاً، فمنهم من عمل في المناطق الجنوبية، ومنهم من التحق بتشكيلات خاصة في الضاحية الجنوبية لبيروت، فيما تولى البعض الآخر مهمات لوجيستية وأخرى اجتماعية، وكانوا مستعدين للمواجهة أينما تطلبت الحرب.
التحرير الثاني.. القتال ليس تناقضاً مع الانتماءات المذهبية
موقع"International Business Times" الأميركي، وفي تقرير تحت عنوان "المسيحيون والسنة والشيعة: تعرف إلى الفرع العسكري غير الطائفي لحزب الله الذي يدافع عن لبنان ويقاتل في سوريا"، في نيسان/أبريل 2015، نشر مقابلات أجراها مع عناصر من السرايا اللبنانية.
كانت هذه المقابلات خلال فترة الحرب على الإرهاب وتنظيماته في سوريا، والتي وصل تهديدها إلى لبنان، ولا سيما عند الحدود، لتؤكد دور السرايا اللبنانية في المعارك حينها وصولاً إلى معركة التحرير الثاني (فجر الجرود) عام 2017.
أظهر حديث العناصر المنتسبين تطوّعاً إلى صفوف السرايا تحقق الأهداف المرجوّة منها، في تجاوز الاختلافات والخلافات الداخلية الضيقة نحو الهدف الأسمى وهو الدفاع عن كامل لبنان في وجه أي تهديد.
"عثمان" من الطائفة السنية، شدّد في حديثه إلى الموقع الأميركي على أنّ قتاله في السرايا اللبنانية لا يعد تناقضاً مع خلفيته الدينية، موضحاً أنّ "القومية اللبنانية تهيمن على هذه المنطقة الجبلية ذات الأغلبية السنية على الحدود اللبنانية -السورية".
في السياق، قال أحد عناصر السرايا، وهو من الطائفة السنية أيضاً، سامي رمضان: لماذا على حزب الله أن يقاتل وحده دون غيره؟ لذلك، أنشأ هذا اللواء حتى يتمكّن الجميع من الانضمام إليه".
على خط موازٍ، تحمّلت السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي مسؤوليات اجتماعية وخدمية تجاه الشعب اللبناني في مناطق انتشارها، وقد برز ذلك خلال وباء "كورونا"، إذ عملت على توزيع مساعدات غذائية وتموينية وتعقيمية من دون تفريقٍ بين الانتماءات المذهبية والسياسية.
جملة من الرسائل، قدّمها حزب الله في هذا الجناح، من بينها أن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وغيره من التهديدات لا تحتكره المقاومة الإسلامية، وأنّ المجتمع اللبناني، بكل أطيافه، يؤمن إيماناً عميقاً بأن المقاومة هي السبيل الوحيد للدفاع عن لبنان، فضلاً عن تقديم نموذج يؤكد أنّ لبنان قادر على الوحدة من أجل مستقبل أفضل، بما لا يلغي كيان كل طرف أو يذوّبه في الآخر.