اتجاهات الذهب بين توجهات المستثمرين وقرارات الفيدرالي الأميركي

يمكن أن يلجأ بعض الأشخاص إلى قرارات استثمارية سريعة مثل شراء الذهب أو الفضة بشكل كامل عند الأزمات. ومع ذلك، يجب التفكير بعناية قبل أن نستثمر أموالنا في المعادن الثمينة.

  • اتجاهات الذهب بين توجهات المستثمرين وقرارات الفيدرالي الأميركي
    اتجاهات الذهب بين توجهات المستثمرين وقرارات الفيدرالي الأميركي

عادة ما يُشترى الذهب في حالات عدم الثقة في الأصول المالية التقليدية، وأثناء فترات الاضطراب الاقتصادي والتوترات الجيوسياسية، حيث يُعتبر ملاذاً آمناً للقيمة، بسبب استقراره في مقابل تقلبات السوق. كما يعتبر حماية ضد التضخم، حيث يحافظ عادة على قيمته أو يرتفع في حال زيادة التضخم. تشتري البنوك المركزية أحياناً الذهب لتنويع احتياطياتها أو دعم عملاتها، مما يؤثر على الطلب والأسعار.

كذلك يقوم المستثمرون بشراء الذهب أيضاً كتحرك دفاعي عند زيادة المخاطر في الأصول الأخرى، كما يقوم المضاربون بشراء الذهب عند توقع زيادة الأسعار، سواء بسبب الاتجاهات السوقية القصيرة الأجل أو التوقعات الطويلة الأمد لعدم اليقين الاقتصادي.

الذهب يتراجع قبيل بيانات التضخم الأميركية

انخفضت أسعار الذهب من مستويات قريبة من الذروة قبل تقرير البنك المركزي الأميركي الذي سيوضح فيه الموعد المحتمل لبدء خفض أسعار الفائدة، وأيضاً أثر على سعر المعدن الأصفر ارتفاع الدولار.

يتوقع المتداولون خفض أسعار الفائدة الأميركية بين 3 إلى 4 مرات بمعدل 25 نقطة أساس في كل مرة، بفرصة تصل إلى 72% لتنفيذ أول خفض في أسعار الفائدة في حزيران/يونيو المقبل، وفقاً لتطبيق احتمالية أسعار الفائدة التابع لشركة مجموعة بورصات لندن (إل إس إي جي)، ومن المتوقع أن يزيد الإقبال على شراء المعدن الأصفر كملاذ آمن.

تراجعت أسعار الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.3% في الأسبوعين الماضيين. وصلت الأسعار إلى 2145.35 دولاراً للأوقية (الأونصة)،  حسب معطيات الاثنين 19/03/2024 بعد أن ارتفعت لتسع جلسات متتالية، وسجل الذهب مستوى قياسياً مرتفعاً عند 2194.99 دولاراً يوم الجمعة الفائت.

على الرغم من ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 0.4% في شباط/فبراير، وصولًا إلى 3.2%، وهو رقم أعلى من توقعات السوق التي كانت تشير إلى 3.1% المُسجلة في الشهر السابق، فإن المؤشر الأساسي لأسعار المستهلكين لم يتراجع كما كان متوقعاً، حيث بلغ 3.8%، وهو قراءة مرتفعة بقليل عن القراءة السابقة التي كانت 3.9%. ارتفعت أسعار السلع الأساسية مثل التأمين على السيارات والنقل وخدمات المستشفيات بشكل ملحوظ.

هل الاستثمار بالذهب فكرة جيدة لتجنب مخاطر الأصول الأخرى؟

يمكن أن يلجأ بعض الأشخاص إلى قرارات استثمارية سريعة مثل شراء الذهب أو الفضة بشكل كامل عند الأزمات. ومع ذلك، يجب التفكير بعناية قبل أن نستثمر أموالنا في المعادن الثمينة. يُعتبر الذهب والفضة جزءاً مهماً من التاريخ المالي، لكن بعد عام 1971، فقد الذهب دوره كملاذ آمن ضد التضخم بعد إلغاء نظام دعم الدولار به. لذا، يعتقد البعض الآن أن الاستثمار في الذهب قد لا يكون الخيار الأمثل. بدلاً من ذلك، يُفضل الكثيرون اليوم تنويع استثماراتهم، مثل الاستثمار في الأسهم أو صناديق الاستثمار المتبادل المرتبطة بأسعار الذهب.

الاستثمار في الذهب يحمل مخاطر معينة ويتأثر بعوامل متعددة مثل التقلبات السوقية والأحداث الجيوسياسية وحجم الاستثمار.

تأثير المؤشرات الاقتصادية على قرارات الاستثمار في الذهب

الباحثان زافيير وكامالام قاما ببحث حول تأثير العوامل الاجتماعية والاقتصادية مثل العمر والتعليم والمستوى النقدي والمهنة على قرارات الاستثمار في الذهب. اكتشفوا اختلافات ملحوظة في اتجاهات الاستثمار بين فئات ديموغرافية مختلفة، حيث يفضل المستثمرون الأكبر سناً والأثرياء الاستثمار الملموس في الذهب، بينما يفضل المستثمرون الأصغر سناً الاستثمار الافتراضي في الذهب.

قدمت دراسة من "إنفستوبيديا" نظرة مستقبلية على متانة وإمكانية استمرار الذهب كاستثمار، حيث استكشفت سيناريوهات محتملة مثل التطورات في التكنولوجيا المالية والاتجاهات الاقتصادية العالمية والاعتبارات البيئية التي قد تؤثر على مستقبل الاستثمار في الذهب.

تعتبر الإدراكات السائدة أن الذهب خيار استثماري آمن، حيث يُعتقد أنه أقل مخاطرة مقارنة بالبدائل الأخرى، ويثق الكثيرون في استمرار قيمة الذهب كاستثمار في المستقبل.

ما الذي يرفع أسعار الذهب؟

زيادة الطلب على الذهب في الصناعات التي تحتاج إلى كميات كبيرة منه، مثل الإلكترونيات والرعاية الصحية ومركبات الفضاء، قد تؤدي إلى زيادة قيمته. إن إنتاج الذهب أيضاً يواجه تحديات متزايدة نظراً لطبيعته كمورد محدود، مما يجعل عمليات الاستكشاف والتعدين أكثر صعوبة وتكلفة. ومع زيادة الطلب على الذهب مقارنة بالعرض، يرتفع سعره.

 العوامل الجيوسياسية يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي على تسعير الذهب، حيث يُعتبر ملجأً آمناً خلال الفترات المضطربة. وبالتالي، قد يزداد الطلب عليه خلال الصراعات الدولية، مما يرفع قيمته. ظهرت هذه الظاهرة في الحرب في أوكرانيا في عام 2022 والعدوان الإسرائيلي على غزةفي تشرين الأول/أكتوبر 2023 .

في 6 أكتوبر، اليوم السابق لهجوم حماس على المستوطنات الإسرائيلية،كان سعر الذهب 1,834.60 دولاراً للأونصة. بحلول 27 أكتوبر، أي بعد 20 يوماً من بدء العدوان، ارتفع سعر المعدن الثمين بنسبة 8.78% ليصل إلى 1,995.80 دولاراً للأونصة.

العلاقة بين معدلات الفائدة وأسعار الذهب معقدة، حيث تكون عادة عكسية. عندما تنخفض معدلات الفائدة، يرتفع عادة سعر الذهب؛ وعندما ترتفع معدلات الفائدة، ينخفض عادة سعر الذهب. يعزز ارتفاع معدلات الفائدة الثقة في الاقتصاد، مما يشجع على شراء الأصول ذات المخاطر العالية مثل الأسهم بدلاً من الذهب، مما يقلل من الطلب على الذهب وينخفض سعره. ومع ذلك، قد تكون هناك عوامل أخرى تؤثر على الأسعار، مثل ضعف الثقة لدى المستهلكين أو التقارير الضعيفة حول الوظائف، مما قد يؤدي إلى عدم رؤية تأثير معدلات الفائدة المتوقع على أسعار الذهب.

تؤثر معدلات الفائدة بشكل عكسي على أسعار الذهب، ولكن يجب مراعاة العوامل الاقتصادية الأخرى.

قرارات مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) بالاحتفاظ بأسعار الفائدة دون تغيير، أدى إلى ارتفاع أسعار الذهب بفضل تراجع الدولار وعائدات سندات الخزانة .صعد الذهب في المعاملات الفورية 0.1 في المائة إلى 1983.77 دولار للأونصة، وزادت العقود الأميركية الآجلة للذهب 0.2 في المائة إلى 1991.80 دولار. يتوقع المستثمرون أن يصل الذهب إلى مستويات عالية بفعل التيسير النقدي من الفيدرالي، وقد ذكرت استراتيجية المعادن الثمينة في البنك الاستثماري أن الذهب قد يصل إلى 2200 دولار للأونصة بحلول نهاية العام. يشير بنك "يو بي إس" إلى توقعات بتخفيف سياسته النقدية من قبل الفيدرالي.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، أشار إلى أنه من المرجح تأخير خفض أسعار الفائدة حتى ما بعد شهر آذار/مارس، مؤكداً على ضرورة رؤية المزيد من البيانات الاقتصادية للتأكد من استمرارية التضخم في الطريق الصحيح نحو هدفهم المحدد عند 2%. 

بالاستناد إلى ما سبق تظهر علامات تمنح البنك الفيدرالي مساحة أكبر للإبقاء على أسعار فائدة مرتفعة لفترة أطول نظراً لارتفاع مؤشر أسعار المستهلك وبالتالي أسعار الذهب ستتراجع تدريجياً. أما إذا قرر البنك الفيدرالي تنفيذ وعوده كما يتوقع معظم المستثمرين وبدأت الفوائد بالانخفاض ابتداءً من حزيران المقبل، سترتفع اسعار الذهب ويكون بذلك الملاذ الآمن للإستثمار. فإذا صحَ السيناريو الأول فأنه لا يدر بالخير بالنسبة للذهب. فهل سيقوم الفيدرالي بخفض الفائدة كما هو مرجح أو ستستمر أسعار الفوائد بالارتفاع؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة.

 

*ملاك غندور - خبيرة وأكاديمية اقتصادية.