بين استعادة الثقة ومواجهة التهديدات.. بيندر يرث حملاً ثقيلاً في "أمان"

تنصيب شلومي بيندر في رئاسة شعبة الاستخبارات العسكرية في "الجيش" الإسرائيلي، خلفاً لأهارون هاليفا، يعيد الحديث عن واقع "أمان" الصعب في ظل التهديدات الخطيرة التي تنتظرها، إلى الواجهة.

  • بين استعادة الثقة ومواجهة التهديدات.. بيندر يرث حملاً ثقيلاً في
    رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في "الجيش" الإسرائيلي، "أمان"، شلومي بيندر

دفع حفل التسلم والتسليم في رئاسة شعبة الاستخبارات العسكرية في "الجيش" الإسرائيلي، "أمان"، الذي جرى يوم الأربعاء المنصرم، بحضور رئيس هيئة الأركان العامة في "الجيش" الإسرائيلي، هرتسي هاليفي؛ بين رئيسها المُستقيل، اللواء أهارون هاليفا، وخلفه اللواء شلومي بيندر، بالمعلقين والمحللين الإسرائيليين، إلى إعادة تسليط الأضواء على واقع "أمان" الصعب في ظل التهديدات الخطيرة التي تنتظرها.

وبرز في القراءات والتحليلات التي قُدمت بشأن هذا التعيين، حديث مفاده أنّ هذا التعيين "المثير للجدل" على رأس شعبة تعيش "أزمة غير مسبوقة"، يأتي في زمن تُفرض فيه على "أمان" تحديات كثيرة، كمواجهة إيران وحزب الله، وترميم الشعبة، وقيادة تغيير جوهري في طابعها في العمل، وإعادة الثقة بها التي تضررت بشكل كبير.

وألقى رئيسا "أمان" المُستقيل، والمُعين، ومعهما رئيس هيئة الأركان العامة في "الجيش" الإسرائيلي، هاليفي، كلمات في الحفل، أقر خلالها هاليفا بأنّ "أمان"، برئاسته، لم تنجح في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، في "المهمة الأكثر أهمية" المطلوبة منها، وهي تقديم إنذار من الحرب؛ فيما طرح بيندر ملامح مشروعه في منصبه الجديد، والذي وضع فيه إيران كتهديد أول على "إسرائيل"، مشدداً على أنّ "خطرها ليس نووياً فحسب".   

من هو شلومي بيندر؟

نشرت "القناة الـ 12" الإسرائيلية تقريراً مقتضباً عن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الجديد، اللواء شلومي بيندر، ورد فيه أنّ بيندر ولد في حيفا، منذ 49 سنة، وترعرع ودرس فيها، حيث كان ناشطاً في حركة "هتسوفيم" (الكشافة).

وأضافت القناة أنّ بيندر "انضم إلى الجيش الإسرائيلي في العام 1993، وتدرج في مناصب مختلفة حتى وصل إلى سييرت متكال"، حيث "قاد الوحدة في عملية الجرف الصلب، كما قاد وحدة إيغوز، لواء غولاني، وتشكيلة الجليل، قبل أن يتولى رئاسة لواء العمليات، وهو المنصب الذي كان يشغله قبل أن يتولى رئاسة شعبة الاستخبارات العسكرية".

وأشارت القناة إلى أنّ بيندر "أصيب خلال خدمته إصابة خطيرة عام 1999، وذلك بعبوة في جنوبي لبنان".

مراسم تسلم وتسليم "قاتمة"

جرى يوم الأربعاء المنصرم، حفل تسلم وتسليم في رئاسة شعبة الاستخبارات العسكرية في "الجيش" الإسرائيلي، "أمان"، بين رئيسها المُستقيل، هاليفا، وخلفه بيندر، حيث ألقى كل منهما كلمة، عرض فيها الأول جردة حساب لولايته، فيما طرح الثاني ملامح مشروعه في منصبه الجديد.

ونقل موقع قناة "مكان" الإسرائيلية، مقتطفات من خطاب هاليفا، الذي أعلن بوضوح أنّ "أمان"، برئاسته، لم تنجح في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، في "المهمة الأكثر أهمية"، وهي تقديم إنذار من الحرب، مضيفاً بأنّ  المسؤولية العليا عن هذا الفشل ملقاة على عاتقه، ومن هنا أتت استقالته من منصبه في سياق تحمل المسؤولية، وفقاً لكلامه.

وقال هاليفا أيضاً، وفقاً للموقع، إنّه "سيحمل مرارة هذا الفشل طيلة حياته".

محلل الشؤون العسكرية في موقع "والاه" الإسرائيلي، أمير بوحبوط، أشار إلى أنّ هاليفا طلب صراحة في الحفل بتشكيل لجنة تحقيق رسمية للتحقيق بشكل جذري ومعمق بمختلف الأسباب التي أدت إلى الحرب، كما دعا إلى القيام بكل شيء من أجل منع تكرار ما حدث.

وفي مقابل خطاب الانكسار والشعور بالفشل، الذي ألقاه هاليفا، حاول بيندر في خطابه، تقديم صورة إيجابية عن المستقبل. وأشار خلال كلمته، بحسب موقع "مكان"، إلى أنّه يتولى قيادة شعبة الاستخبارات "بخوف مقدس"، مضيفاً أنّ "الفشل الذريع الذي أشعل الحرب، والثمن الباهظ الذي دفعناه سيظل محفوراً في عظامي إلى الأبد".

وأردف بيندر، بحسب محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشع، أنّ "إيران ليست دائرة ثالثة، بل دائرة أولى، وهي ليست مسألة نووية فحسب، فهي موجودة على الحدود مع إسرائيل، وهكذا يجب التعامل معها عملياً".

أمّا فيما يتعلق بالجبهة الشمالية والدخول في حرب، أكّد بيندر أنّه "يجب تعميق الاستعدادات لهذه الجبهة وإعداد بنية تحتية استخبارية قوية.

وفي معرض بث الأجواء الإيجابية أيضاً، حاول رئيس هيئة الأركان العامة في "الجيش" الإسرائيلي، هاليفي، بحسب يهوشع، "تبرئة بيندر" من تهمة التقصير والفشل في أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر، خلال الكلمة التي ألقاها في الحفل، حيث قال: "لقد فحصت أفعالك في 7 تشرين الأول/أكتوبر.. ووجدت فيها الحكمة والمسؤولية والنزاهة وفحص الذات. لقد اخترناك لأنّ أمان تحتاج دائماً إلى قائد مناسب جداً. لقد اخترناك لأنّك الشخص المناسب لمثل هذا المنصب المهم والصعب بالنسبة إلى إسرائيل".

سحابة فشل تحوم فوق رأس بيندر مع توليه منصبه الجديد

في هذا السياق، أشار يهوشع إلى أنّ حفل استبدال رئيس شعبة الاستخبارات "كان يُعدّ دائماً أحد الأحداث الاحتفالية الرئيسية في الجيش الإسرائيلي، وذلك لأنّ وظيفته هي الأكثر تعقيداً، وأهمية من بين مناصب هيئة الأركان العامة، (بعد رئيسها)".

كما أنّه عادة حين يدخل أي شخص إلى المكتب في قاعدة غليلوت، فهو يعلم أنّه يمكن أن يكون هذا المكتب محطة أخيرة له في الطريق إلى رئاسة الأركان".

أمّا هذا الحفل، فقد كان عكس ذلك تماماً، وفقاً ليهوشع، فهاليفا "ترك منصبه، بوصمة لا تمحى، وهو يحمل على ظهره مسؤولية أسوأ فشل استخباراتي في تاريخ الجيش الإسرائيلي،  لذا سيطرت على مراسم الحفل أجواء قاتمة".

كما أنّ بيندر يتولى منصبه الجديد، في حين أنّ "سحابة الفشل لا تزال تخيّم فوق رأسه كرئيس للواء العمليات في اليوم الذي اختفى فيه الجيش الإسرائيلي".

ويُضاف إليهما أيضاً، بحسب يهوشع، رئيس الأركان، الذي "ينتظر كثيرون في الجيش الإسرائيلي منه تحمل المسؤولية عن الفشل والاستقالة".

وأشار إلى أنّ تعيين بيندر، "المثير للجدل"، "أثار دهشة وغضباً في صفوف الجيش الإسرائيلي، فمفهوم تحمل المسؤولية، الذي تحدث عنه هاليفا، هو الفيل الموجود في الغرفة" داخل "الجيش، لأنّه باستثناء هاليفا، "بقي الضباط الكبار في شعبة الاستخبارات، الذين فشلوا، في مناصبهم، ولم يستقيلوا ولم يُقالوا، لأنّ القادة الذين فوقهم (من خارج الشعبة)، وعلى رأسهم رئيس الأركان، لم يفعلوا ذلك بعد".

ووجه يهوشع انتقاداً إلى بيندر لأنّه "لم يضف في خطابه، كلمة "تواضع"، وهي الصفة التي "كانت تفتقدها شعبة الاستخبارات في السنوات الأخيرة"، والتي ربما لو كانت موجودة لديها، "لما كان حفل الاستبدال محبطاً للغاية".

وأضاف أنّ تبرئة بيندر من الفشل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، "لا يمكن أن تأتي من هاليفي شخصياً، بل من خارج هيئات الجيش الإسرائيلي المختلفة، والتي تحتاج بنفسها إلى فحص وتحقيق معها، وحتى ذلك الوقت، سيبقى بيندر رئيساً لأمان، لكن مع علامة استفهام".

وإضافةً إلى ذلك، برز كلام لقائد الكليات العسكرية والفيلق الشمالي سابقاً، اللواء احتياط غيرشون هاكوهِن، نشره في مقال في صحيفة "إسرائيل هيوم"، ورد فيه أنّ منصب رئيس "أمان" كان دائماً "مشحوناً بمسؤولية ثقيلة"، إلاّ أنّ بيندر "يتولاه والشعبة تمر بأزمة غير مسبوقة"، لأنّ إحراج الفشل الرهيب في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، "يفرض عليه تحدياً قيادياً لوضع الشعبة على مسار جديد، بعد أن تبين بشكل واضح أنه يوجد فجوة في عمل أمان بين التميز المثالي في الاستخبارات التكتيكية - استخبارات الأهداف؛ وبين العجز الذي تكشف في كل ما يتعلق بالاستخبارات الاستراتيجية".

هاكوهِن رأى أيضاً أنّه ليس من قبيل الصدفة أنّ المهارات التقنية في "أمان" غير كافية في التحقيق في المسائل الاستراتيجية التي تعتمد بشكل أساسي على مجموعة واسعة من القضايا التي تشمل أبعاداً اقتصادية واجتماعية وثقافية ودينية.

وأضاف أنّه "في هذه المجالات، فإنّ "تاريخ أمان مليء بالإخفاقات"، من الفشل المعروف في "مفاجأة حرب يوم الغفران (1973)، والفشل في مفاجأة اندلاع الانتفاضة الأولى (1987)، وسوء فهم توجهات حزب الله في اليوم التالي للانسحاب الإسرائيلي من لبنان في (2000)".

وانتقد الباحث الرفيع في معهد أبحاث "الأمن القومي"، عوفر شيلح، في مقابلة مع "القناة الـ 13" الإسرائيلية أيضاً، تعيين بيندر في هذا المنصب، قبل انتهاء التحقيقات بفشل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، لأنّ لواء العمليات الذي كان يرأسه بيندر في ذلك اليوم، فشل لدرجة لا تضاهيه فيها إلاّ "أمان"، و"فرقة غزة".

ولفت شيلح إلى أنّ "أمان" لا تحتاج اليوم إلى أحد يأتي من "عوالم التشغيل"، كبيندر، بل "تحتاج إلى ضابط قديم يأتي من عوالم التفكير، فهي تواجه اليوم تحدياً يتعلق بتحديد من هي؟ وما هي؟". 

كذلك، رسم محلل الشؤون العسكرية في "القناة الـ 13"، ألون بن دافيد، صورة قاتمة لحفل استبدال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، وقال إنّه "توجد سحابة ثقيلة جداً فوق هذه المراسم، وتحديداً فوق رأس من أقر هذا التعيين (هاليفي)، ومن قبل به (بيندر)، في ظل تحقيق حتى الآن لم يتم كشفه للجمهور بشأن دور بيندر في إخفاق 7 تشرين الاول/أكتوبر.

وأضاف بن دافيد بأنّ هذه المراسم "ليس فيها احتفالية ولا سرور، بل هي ذات مذاق مر وحامض".

تعيين بيندر أثار أيضاً حفيظة عائلات قتلى "إسرائيل" في هذه الحرب، حيث نظّموا، بحسب موقع قناة "مكان"، تظاهرة قبالة مقر وزارة الأمن في "تل أبيب"، قبل بداية حفل الاستبدال، اعتراضاً على تعيينه، قبل أن تعمل الشرطة على تفريق المتظاهرين.

بيندر والتحديات المنتظرة

في الإطار، أعد معلق الشؤون العسكرية في "القناة الـ 12"، نير دفوري، تقريراً موسعاً بشأن التحديات التي تنتظر بيندر، في رئاسة شعبة الاستخبارات العسكرية، قائلاً إنّ "مهمات غير بسيطة ستواجهه؛ فهو ليس مطلوب منه ترميم هذه الشعبة فقط، بل قيادة تغيير جوهري في طابعها في العمل في مواجهة التهديدات المستقبلية المُعقدة أيضاً، وقسّم دفوري هذه التحديات إلى عدة عناوين، هي:

1- ترميم الثقة بـ"أمان": تعرضت "أمان" لضربة قوية قوضت الثقة فيها بعد إخفاقها في التحذير من هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر. لذلك على بيندر أن يقود عملية شاملة من التحقيق الداخلي، وتشخيص الإخفاقات، واستخلاص العِبر، من أجل تشخيص نقاط الضعف في الشعبة، واقتراح حلول عملانية لتصحيحها.

2- التهديد الإيراني: يشكل التهديد الإيراني تحدياً استراتيجياً بعيد المدى على "إسرائيل"، فإيران تُشكل التحدي الأهم على "الأمن القومي" الإسرائيلي.

3- خطر حزب الله: مطلوب من "أمان"، رغم أزمتها، أن تستعد لحرب محتملة مع حزب الله تطرح تحديات استخباراتية معقدة أكثر من القتال في غزة، لأنّ حزب الله منظمة مدّربة ومجهزة جيداً، مع قدرات عسكرية متطوّرة. الأمر الذي يتطلب من "أمان" قيادة مسعى استخباراتي حثيث لمراقبة حزب الله، كما سيتحتم عليها التأكد من امتلاكها وسائل تتيح لها معرفة نوايا حزب الله.

4- الحفاظ على القوة البشرية في "أمان": سيتحتم على بيندر ترميم ثقة وحافزية الضباط والعناصر في "أمان"، بسبب وجود خشية حقيقية من مغادرة أشخاص مؤهلين ومتمرسين للشعبة، الأمر الذي سيضرّ بالقدرات الاستخباراتية لـ"إسرائيل" على المدى الطويل. وسيتحتم أيضاً على بيندر أن يغيّر كلياً الحمض النووي لـ"أمان"، عبر إيجاد بيئة عمل تُشجع على النقاش المنفتح وطرح أفكار جديدة وانتقادية.

5- بناء نموذج جديد لجمع وتحليل الاستخبارات: بعد أن كشفت أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر، عن محدودية الاعتماد الزائد على حلول تكنولوجية متطوّرة، حيث تبين من الإخفاق في تشخيص نوايا حماس أنّه يوجد حاجة إلى تعزيز استخبارات الميدان والاستخبارات البشرية. لذلك، سيتحتم على بيندر أن يقود عملية إعادة توازن تُدمج فيها التكنولوجيات المتطوّرة مع التواجد البشري المتزايد في الميدان، ومع شبكة مصادر بشرية متطوّرة.

6- تطوير "ثقافة النزاهة المهنية": في ظل تضرر الثقة بـ"أمان"، سيواجه بيندر تحدي تطوير قدرة صمود أفراد الشعبة في وجه الضغوط السياسية والعسكرية، بحيث يستمر تقديم تقديرات استخباراتية بشكل موضوعي ومهني. 

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.