تحقيق: شبكة من شركات التجسس الإسرائيلية تغذي أجهزة الأمن الغربية

كان برنامج "بيغاسوس" للتجسس مجرد البداية. كشف تحقيق جديد لشركات برامج التجسس أنّ شركات إسرائيلية تُستخدم من قِبل وكالات في الدول الغربية لبناء ديكتاتوريات مثالية تحت ستار الديمقراطية.

  • تحقيق: شبكة من شركات التجسس الإسرائيلية تغذي أجهزة الأمن الغربية
    تحقيق: شبكة من شركات التجسس الإسرائيلية تغذي أجهزة الأمن الغربية

موقع "The Grayzone" ينشر تحقيقاً يتناول تغلغل شركات التجسس الإسرائيلية في أجهزة الأمن والشرطة في الغرب، وخاصة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، ودور هذه الشركات في انتهاك الخصوصية وقمع الحريات المدنية عبر أدوات متطورة لجمع البيانات، واعتراض الاتصالات، والتعرف إلى الوجوه والأصوات.

أدناه نص التحقيق منقولاً إلى العربية:

في الأسبوع الماضي، اعتقلت الشرطة البريطانية دفعة أخرى من المتظاهرين السلميين المؤيدين لفلسطين للاشتباه بارتكابهم جرائم "إرهابية"، من بينهم رجل معوّق على كرسي متحرك، في الوقت الذي تواصل فيه المملكة المتحدة انحدارها نحو الاستبداد بالنيابة عن "إسرائيل".

لو كان أيّ من هؤلاء المتظاهرين يحمل هاتفه وقت الاعتقال، لكانت الشرطة على الأرجح قد جمعت بياناته باستخدام برامج تجسس متطورة. أما المتظاهرون الذين لم يُعتقلوا، فسيجري التقاط صورهم بكاميرات محمولة مثبتة على سيارات الشرطة في المملكة المتحدة، وسيجري التقاط وجوههم، وربما حتى أصواتهم، وتحليلها، ومقارنتها بقاعدة بيانات الشرطة.

وفي تطور غريب، من المرجح أن تكون تقنية برامج التجسس هذه قد صُنعت في "إسرائيل" على يد جواسيس إسرائيليين.

لكن الأمر لا يقتصر على المملكة المتحدة.

تُستخدم تقنيات التجسس التي طورها جواسيس إسرائيليون سابقون على نطاق واسع من قبل وكالات مختلفة في الديمقراطيات الغربية، من قوات الشرطة إلى وكالات الأمن القومي إلى الجيوش. بعضها مُعلنٌ قانونياً، وبعضها يتجاوز الحدود القانونية، ولا يزال الكثير مخفياً.

نطاق الاستخدام، ونطاق القدرات التي توفرها تقنية التجسس الإسرائيلية هذه، واسعان جداً. من برامج التعرف إلى الوجوه والصوت، إلى تقنيات التنصت والاعتراض، إلى تتبع المواقع سراً، إلى استخراج البيانات قسراً من الهواتف الذكية وغيرها من الأجهزة.

تُباع هذه التقنية، التي طورها مهندسو برمجيات اكتسبوا خبرةً واسعةً في كتابة الأكواد البرمجية لتمكين وتطبيق الهيمنة الإسرائيلية على الفلسطينيين، وسياسة الفصل العنصري ضدهم، لأجهزة الأمن وقوات الشرطة ووكالات الهجرة في جميع أنحاء الغرب.

في حين أنّ الكثير من المعلومات الواردة في هذه المقالة ليست جديدة، إلا أنها لم تُلخّص في مكان واحد من قبل. كما لم تُوضّح آثار هيمنة "إسرائيل" على الحريات المدنية العالمية في مجال تكنولوجيا التجسس، وقد أغفلت التغطية الإعلامية السابقة أحياناً الصلة الإسرائيلية بهذه الشركات.

ستُحدّد هذه المقالة الجهات الفاعلة الرئيسية، البائعين والمشترين، كما ستُحدّد العقود الأخيرة، التي لم تكن مُوثّقة سابقاً، بين تكنولوجيا التجسس الإسرائيلية والمشترين الغربيين.

وُثّقت الفضائح التي تورطت فيها شركات برامج التجسس الإسرائيلية جيداً من قِبل وسائل الإعلام الرئيسية، وأشهرها قضية مجموعة "NSO". أُدينت شركة NSO، وهي شركة إسرائيلية أسسها الضابطان السابقان في الوحدة "8200"، شاليف هوليو وعمري لافي، في محكمة في كاليفورنيا عام 2019 بتهمة بيع برنامج "بيغاسوس" الخاص بها إلى الحكومات حتى تتمكن من اختراق حسابات واتساب.

بيغاسوس، الذي كان قادراً على تنفيذ ما يُعرف بهجوم "النقرة الصفرية" للوصول إلى هاتف ذكي من دون علم المستخدم، استُخدم من قِبل الحكومات للتجسس على المعارضين وناشطي حقوق الإنسان والصحافيين، ومن المرجح أنه استُخدم من قِبل عملاء سعوديين للتجسس على الصحافي في صحيفة "واشنطن بوست" جمال خاشقجي قبل اغتياله.

أُمرت الشركة في النهاية بدفع 167 مليون دولار كتعويضات لشركة "ميتا"، التي اشترت القضية، وفي عام 2021 أدرج بايدن الشركة في القائمة السوداء، ما منعها من التعامل مع الولايات المتحدة. (ومن الجدير بالذكر أنّ وزارة الخارجية الأميركية بذلت قصارى جهدها للقول إنّ الولايات المتحدة لن تتخذ أي إجراء ضد "إسرائيل"، على الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية توفر تراخيص تصدير لجميع برامج التجسس).

كما أدرج بايدن في القائمة السوداء، كجزء من الأمر التنفيذي نفسه، شركة إسرائيلية أخرى لتصنيع برامج التجسس تُدعى "كانديرو"، والتي لم يجذب برنامجها للقرصنة الاهتمام البارز نفسه الذي حظيت به مجموعة "NSO". كما قامت شركة "كانديرو"، التي أسسها أيضاً أفراد سابقون في وحدة الاستخبارات "8200"، ببيع برامج تجسس للحكومات للتجسس على ناشطي حقوق الإنسان والصحافيين والأكاديميين وموظفي السفارات والمعارضين.

في عام 2023، أدرجت إدارة بايدن شركتين إسرائيليتين متخصصتين في برامج التجسس في القائمة السوداء من دون ضجة تُذكر، ومرة أخرى من دون اتخاذ أي إجراء ضد "إسرائيل". أسس تال ديليان، الذي قضى 24 عاماً في "الجيش" الإسرائيلي، ورُقّي ليصبح القائد الأعلى للوحدة "8200"، شركتي "Cytrox" و"Intellixa". في عام 2019، زار صحافياً من مجلة فوربس ديليان، المقيم في قبرص، حيث عرض عليه كيف يُمكن لبرنامجه اختراق الهواتف عن بُعد في غضون ثوانٍ.

في أوروبا، أصبحت قبرص وبرشلونة مركزين رئيسيين للإسرائيليين السابقين في الوحدة 8200 الذين يؤسسون شركات برامج التجسس.

تم الكشف عن شركة تجسس إسرائيلية أخرى، وهي "Paragon Solutions"، في وقت سابق من هذا العام، حيث قامت بالتسلل واستخراج البيانات من "WhatsApp" و"Signal" و"Messenger" و"Gmail" بصمت من دون الحاجة إلى تفاعل المستخدم. ورُفعت شكوى جنائية ضد "Paragon" في روما بعد أن قامت الحكومة الإيطالية باختراق صحافي إيطالي باستخدام برنامج "Paragon". ومع ذلك، لم  يُتخذ أي إجراء قانوني آخر. الشركة، التي أسسها قادة الوحدة "8200"، إيهود شنيورسون، وإيدان نوريك، وإيغور بوغودلوف، وتلقت استشارات من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك، لم تُدرج في القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، ولا تزال حرة في ممارسة أعمالها.

هذه الشركات ليست سوى غيض من فيض، أسماءٌ تجاوزت المناطق الرمادية القانونية، وسقطت في النهاية في الجانب الخطأ من القانون (كما هي الحال) ودخلت في نطاق السلطات، أو تم اكتشاف أنشطتها التجسسية غير المشروعة.

والأخطر من ذلك، شركات برامج التجسس الإسرائيلية التي تتعاقد علناً مع أجهزة ووكالات أمنية غربية للتجسس على الهواتف المحمولة وغيرها من الأجهزة واختراقها. ولأن هذه الشركات تعمل مع وكالات حكومية قانونية، فإنها تدعي اتباع نموذج مختلف عن نموذج مجموعة "NSO" و"Candiru" وغيرهما ممن يركزون على خدمات القرصنة غير المشروعة. ومع ذلك، في كثير من الحالات، تكون برامجها متشابهة، إن لم تكن متطابقة، والنطاق الكامل لأنشطتها غير معروف.

من أبرز هذه الشركات شركة "سيليبرايت"، التي أسسها الجندي السابق في الجيش الإسرائيلي يوسي كارميل، ويعمل بها عشرات من أفراد الاستخبارات الإسرائيلية السابقين في الوحدة "8200". أداة "سيليبرايت" الرئيسية هي "جهاز الاستخراج الجنائي العالمي"، الذي يستخرج بيانات، بما في ذلك جهات الاتصال والمواقع والرسائل المحذوفة والمكالمات، من مجموعة متنوعة من الأجهزة، بما في ذلك الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وبطاقات "SIM" وأجهزة تحديد المواقع (GPS). في الولايات المتحدة، لدى "سيليبرايت" عقد بقيمة 30 مليون دولار مع إدارة الهجرة والجمارك الأميركية، وعقد بقيمة 1.6 مليون دولار مع الجمارك وحماية الحدود لجمع البيانات من الهواتف التي تُصادر على الحدود.

كما عملت شركة المراقبة مع مكتب التحقيقات الفيدرالي لفتح هاتف توماس كروك، الذي كان يُخطط لاغتيال ترامب. وتسعى شركة "سيليبرايت" إلى ترسيخ مكانتها بشكل أعمق في دولة الأمن والمراقبة الأميركية. في العام الماضي، كُشف عن أنّ "سيليبرايت" قد تعاقدت مع شركة ضغط وأنشأت فرعاً متخصصاً لأعمالها للفوز بمزيد من عقود الحكومة الأميركية، بعد أن حققت أكثر من 18 مليون دولار من عقود الحكومة الفيدرالية الأميركية في عام 2024. في كانون الأول/ديسمبر 2023، تباهت "سيليبرايت" بتوقيعها عقداً بقيمة مليون دولار مع "أحد أكبر أقسام الشرطة في البلاد" من دون الكشف عن هويته. ونظراً لأنه تمت الإشارة إليها على أنها "عميلة منذ فترة طويلة"، فإن المرشح الأكثر ترجيحاً هو شرطة نيويورك، التي تم توثيق عملها مع "سيليبرايت" لسنوات.

علاوة على ذلك، وجد بحثي أنّ "سيليبرايت" لديها عقود نشطة مع مجموعة من الوكالات الفيدرالية الأميركية، من البحرية إلى إدارة مكافحة المخدرات وخفر السواحل إلى هيئة الأسماك والحياة البرية. يتعاقد عدد من السفارات الأميركية أيضاً مع شركة "Cellebrite"، بما في ذلك سفارات الولايات المتحدة في ليما وبوغوتا وأسونسيون. كما تدفع قيادة العمليات الخاصة الأميركية، وهي الوكالة التي تشرف على برامج العمليات الخاصة المختلفة في مختلف فروع الجيش الأميركي، ثمن أدوات "Cellebrite"، وكذلك قيادة الضربات العالمية، وهي وحدة القوات الجوية الأميركية المسؤولة عن الهجمات النووية.

تنشط شركة "Cellebrite" أيضاً في المملكة المتحدة. في عام 2020، وقّعت الشركة عقداً لمدة ثلاث سنوات بقيمة مليوني جنيه إسترليني مع شرطة العاصمة لندن للحصول على منتج "Cellebrite" المتميز. وصرحت شرطة العاصمة بأنّ برنامج "Cellebrite" هو الوحيد في السوق "الذي يلبي متطلبات شرطة العاصمة"، وخاصة قدرته على اختراق هواتف أندرويد. ولم يتضح بعد إذا ما كان قد تم تجديد هذا العقد.

في عام 2018، وقّعت شرطة اسكتلندا عقداً بقيمة 370,000 جنيه إسترليني مع شركة "Cellebrite" لتوفير 41 "كشكاً إلكترونياً" متنقلاً سيتم نشرها في جميع أنحاء اسكتلندا، ما يتيح اختراق الهواتف في الموقع. وفي عام 2022، دفعت شرطة شمال ويلز لشركة "سيليبريت" أكثر من ربع مليون جنيه إسترليني مقابل مجموعة من الأدوات التي تُمكّن من "تجاوز كلمات المرور" و"الهجوم بالقوة الغاشمة" على الهواتف.

وقّعت شرطة "كينت"، التي هدّد أفرادها المسلحون مؤخراً باعتقال أشخاص لحملهم أعلام فلسطين، عقداً لمدة عام واحد مع "سيليبريت" العام الماضي. وهذا العام، وقّعت قوتان شرطيتان بريطانيتان إضافيتان عقوداً مع "سيليبريت". في شباط/فبراير، دفعت شرطة مدينة لندن، شرطة الحي المالي في لندن والمستقلة عن شرطة العاصمة، مئة ألف جنيه إسترليني مقابل أدوات "سيليبريت". وفي نيسان/أبريل، وقّعت شرطة ليسترشاير عقداً لمدة عام واحد مع "سيليبريت" بقيمة 328700 جنيه إسترليني. كما أنّ سيليبريت لديها عقد مع وزارة النقل البريطانية.

في المملكة المتحدة، تُعدّ شركة "Cellebrite" مورداً معتمداً بموجب ما يُعرف بـ "نظام الشراء الديناميكي للتحليلات الجنائية الرقمية"، والذي، وفقاً للهيئة المسؤولة عن توقيع الصفقات التجارية لقوات الشرطة البريطانية، "يُمكّن من تبسيط عملية شراء أدوات Cellebrite عبر القوات البريطانية".

لا يُعرف مدى انتشار استخدام أدوات "Cellebrite" من قِبل قوات الشرطة البريطانية. وقد سبق أن كشفت طلبات حرية المعلومات أنّ 26 من أصل 47 قوّة شرطة في المملكة المتحدة اعترفت باستخدام هذه التقنية، بينما تخطط أخرى لتجربتها. وقد رُفضت طلبات حرية المعلومات الأحدث المُقدّمة لقوات الشرطة البريطانية هذا العام بشأن استخدامها لـ "Cellebrite"، من جنوب ويلز إلى غرب يوركشاير، لأسباب تُسمى "الأمن القومي".

تباهت شركة "Cellebrite" بعملها الذي مكّن "إسرائيل" من ارتكاب مجزرة غزة، قائلةً إنها لعبت دوراً فعالاً في تقديم خدمات اختراق الهواتف للاستخبارات الإسرائيلية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر.

يمكن القول إنّ شركة تكنولوجيا التجسس الإسرائيلية "Cobwebs Technologies"، التي أسسها ضباط سابقون في وحدة "8200" في الجيش الإسرائيلي وهم عمري تيميانكر وأودي ليفي وشاي أتياس، تقدم أدوات أكثر تطوراً، وتوظف عدداً من أفراد الوحدة "8200" السابقين في طاقمها. ومن بين الخدمات التي تقدمها "Cobwebs" (التي بيعت لشركة تسمى "PenLink" في عام 2023 ولكنها احتفظت بفريق "CobWebs") خدمة تعمل بالذكاء الاصطناعي تتيح التعرف إلى الوجوه والصور عبر وسائل التواصل الاجتماعي والويب العميق، وميزة تسمى "WebLoc" تتيح تتبع تحركات الهاتف المحمول في منطقة محددة يحددها المستخدم.

يجري تمكين هذه الإمكانية، المعروفة باسم "geofencing"، من خلال الإعلانات داخل التطبيق التي تسحب البيانات الشخصية من الهواتف الذكية، والتي تُباع بعد ذلك لشركات تكنولوجيا التجسس مثل "Cobwebs" لدمجها في أدوات مثل "WebLoc". تتحدث تفاصيل بيان صحافي حُذف الآن في مجال تكنولوجيا الشركات عام 2019 عن الخدمات التي تقدمها الشركة. سبق لشركة "كوبويبس" أن وقّعت عقداً بقيمة 2.7 مليون دولار مع إدارة الهجرة والجمارك الأميركية (ICE)، ولديها عقد ساري المفعول بقيمة 3.2 مليون دولار مع وزارة الأمن الداخلي الأميركية، وفي حزيران/يونيو الماضي أبرمت عقداً ضخماً بقيمة 5.3 مليون دولار مع إدارة السلامة العامة في تكساس. كما كشف تقرير صدر عام 2024 أنّ شرطة لوس أنجلس تستخدم مجموعة أدوات المراقبة والتتبع من "كوبويبس" منذ عدة سنوات.

في عام 2020، افتتحت الشركة مكتباً في لندن بهدف توفير تقنيات التجسس الخاصة بها للشرطة وأجهزة الأمن البريطانية، ولكن لا تتوفر معلومات عامة عن الهيئات البريطانية التي تعمل مع "كوبويبس".

شركة "كوغنيت" هي شركة إسرائيلية أخرى متخصصة في تقنيات التجسس تعمل مع أجهزة الأمن الغربية وقوات الشرطة والهيئات الحكومية. هذه الشركة، التي انبثقت من شركة "فيرينت" الإسرائيلية الأخرى المتخصصة في تقنيات التجسس، يقودها إيلاد شارون وجيل كوهين وروني ليمبل، وجميعهم متخرجون في الجيش الإسرائيلي والوحدة "8200". شعار الرئيس التنفيذي شارون في موقع "لينكد إن" هو صورة تحمل علامة "كوغنيت" التجارية، ما يُعلن وقوف الشركة إلى جانب "إسرائيل".

نقلته إلى العربية: بتول دياب.