"وول ستريت جورنال": نحو 7 آلاف مفقود.. الغزّيون يبحثون بين الأنقاض عن أحبائهم

يمنح اتّفاق وقف إطلاق النار للحرب الإسرائيلية منذ 15 شهراً على غزّة، فرصة للفلسطينيين لتفقد خسائرهم بين أقاربهم وأحبّائهم، وللاطمئنان على من تبقوا أحياء.

0:00
  • "وول ستريت جورنال": نحو 7 آلاف مفقود.. الغزّيون يبحثون بين الأنقاض عن أحبائهم

صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية تنشر تقريراً تتحدث فيه عن رحلة البحث عن المفقودين في قطاع غزّة بعد وقف إطلاق النار، والذين يقدّر عددهم بـ 7 آلاف شخص. هذه الرحلة شاقة بسبب الصعوبات اللوجستية، ونقص المعلومات.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

مضى نحو عام منذ أن سمعت عائلة محمود أبو هاني خبر عودته إلى غزّة. حين قرّر الموسيقي البالغ من العمر 27 عاماً، بعد أن ضاق ذرعاً بالعيش في خيمة النزوح في جنوب القطاع، العودة إلى منزله في الشمال سيراً على الأقدام، عابراً منطقة مترامية الأطراف يسيطر عليها الجنود الإسرائيليون. ويقول صهر العائلة وهو نازح إلى مدينة دير البلح، "نريد فقط أن نعرف أين هو".

يمنح اتّفاق وقف إطلاق النار عقب الحرب الإسرائيلية منذ 15 شهراً على غزّة، فرصة للفلسطينيين لتفقد خسائرهم بين أقاربهم وأحبّائهم، وللاطمئنان إلى من تبقوا أحياء.

ومنذ بدء العدوان، تلقّت اللجنة الدولية للصليب الأحمر تقارير عن أكثر من 9,000 شخص مفقود. وقد تمّ التأكّد من مكان وجود ما يقرب من 2400 شخص منهم. ومع ذلك، لا يزال هناك ما يقرب من 7000 فلسطيني في عداد المفقودين الذين يفترض الصليب الأحمر أنّ عدداً كبيراً منهم غير مبلغ عنهم، وأنّ العديد ربّما دفنوا تحت الأنقاض، أو احتجزوا من قبل السلطة الإسرائيلية من دون إخطار عائلاتهم. ولا يزال مكان وجود الآلاف غير معروف، ويبدو أنّهم اختفوا من دون أثر.

وكانت عائلة محمود أبو هاني قد بذلت جهوداً مضنية لتعرف أيّ شيء عن مصيره، وما إذا كان قد قتل أو اعتقل من قبل القوات الإسرائيلية في الطريق، أو ما إذا كان قد نجا، ولكن لا يزال يتعذّرُ الوصول إليه، وقد تقدّموا بالتماس إلى الصليب الأحمر، وطلبوا من خلال منظّمات حقوق الإنسان معلومات من الحكومة الإسرائيلية، ولكن أبلغوا بأنّه  ليس محتجزاً لدى "إسرائيل". كذلك، كانت عائلة أبو هاني قد تواصلت مع فلسطينيين أطلق سراحهم مؤخّراً من المعتقلات الإسرائيلية مستفسرة إِذا كانوا قد رأوا ابنهم في أثناء اعتقالهم، إِلّا أنّ أحداً منهم لم يشاهده.

وقد انتظرت العائلة بفارغ الصبر الإفراج المتوالي عن الأسرى الفلسطينيين من المعتقلات الإسرائيلية، بموجب اتّفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ الشهر الماضي، على أمل أن يكون محمود أبو هاني من بينهم. في الأسبوع الماضي، استفادوا من حرّية الحركة المتاحة لزيارة "نتساريم"، وهي المنطقة التي تسيطر عليها القوات الإسرائيلية، والتي كان على محمود أبو هاني أن يعبرها للوصول إلى الشمال، حيث عثروا على رفات عظام بشرية كثيرة متناثرة، ولم يتمكنوا من التعرف على أيّ ما يتّصل بابنهم من بينها.

وقال جلال، صهر عائلة أبو هاني، إنّ "محمود ندم على قراره مغادرة منزله في شمال القطاع" مع والديه وإخوته استجابة لأوامر الإجلاء الإسرائيلية، التي صدرت في الأسابيع الأولى من الحرب. ولم تكن العائلة تعرف أحداً في الجنوب الذي انتقلت إليه، وانتهى بهم المطاف بالعيش تحت خيمة من قماش الخيش بالقرب من جدار مبنى مدرسة. وقد عذّب هذا الإذلال محمود أبو هاني، الذي يصفه أفراد أسرته بأنّه رجل حساس وموسيقي عازف آلة عود، وقد أخبر عائلته أنّه لا يريد الموت لكنّه يرفض العيش من دون كرامة.

والآن، تطلب وزارة الصحّة في غزّة من عائلة أبو هاني لتسجيل ابنهم كمتوفّ، من أجل توثيق اسمه في سجلّات الحصيلة النهائية لضحايا الحرب، كما قال صهره جلال. لكنّ العائلة لن تفعل ذلك من دون العثور على الأقلّ على شيء من جثّته لدفنها، أو أيّ إشارة أخرى تدل على ما آل إليه مصيره. يضيف جلال: "نحن نرفض تسجيله كشهيد من دون وجود دليل على وفاته، و يجب عدم إغلاق هذه القضية عشوائياً أو من دون دليل".

بالنسبة إلى آلاف الأسر التي فقدت أقارب لها خلال الحرب التي شنّتها "إسرائيل"، لا يمكن إغلاق هذه القضايا أبداً قبل التحقّق الدامغ.

إنّ استخراج جثث الضحايا من تحت الأنقاض التي تتركّز إلى حدّ كبير في مدينة غزّة وشمالها، مهمّة شاقّة ومحفوفة بالمخاطر الناجمة عن الذخائر غير المنفجرة وهياكل الأبنية المتصدّعة والمنهارة. وقد قدّرت الأمم المتّحدة أنّه نظراً إلى نقص الحفارات في غزّة والقيود الإسرائيلية المفروضة على استيراد المزيد منها، فقد يستغرق الأمر أكثر من 20 عاماً لإزالة ما يقدّر بـ نحو 50 مليون طنّ من الأنقاض التي خلّفها القصف الإسرائيلي في القطاع.

مصطفى حمدان من ضمن رجال الدفاع المدني في حيّ تلّ الهوى في مدينة غزّة، يقول إنّه شارك في أكثر من عملية انتشال منذ بدء وقف إطلاق النار، وغالباً ما كان يتسلّق أكوام الركام ويبحث بين الأنقاض بيديه، وأنّ معظم ما نجده هو مجرّد عظام، فالكلاب أكلت معظم الجثث.

وتعمل مؤسّسة الدفاع المدني في غزّة بنصف طاقتها بعد مقتل 100 من أفرادها في أثناء الحرب، وإصابة 300 واعتقال آخرين من قبل "الجيش" الإسرائيلي، وفقاً لمتحدّث باسمها.

ويضيف حمدان: "كنّا نظنّ أنّنا سنحصل على قسط من الراحة بعد انتهاء الحرب، ولكنّ الحقيقة هي أنّ الأمر الآن أصعب، مع المزيد من العمل الذي يجب القيام به".

يعتقد بعض الأقارب وأحياناً يأملون في أن يكونوا محتجزين لدى "إسرائيل" التي اعتقلت الآلاف من غزّة منذ بدء الحرب. ويجري التعامل مع العديد من المعتقلين الفلسطينيين من خلال نظام السجون الإسرائيلية، لكن، بعض أسماء المعتقلين تسقط بسبب أخطاء إدارية، وفقاً لجماعات حقوق الإنسان الإسرائيلية. في حين أنّ سلطات المعتقلات ترفض التعليق على الأمر.

كذلك، هناك آخرون احتجزوا في معسكرات إسرائيلية مؤقّتة داخل غزّة، ربّما لم تسجّل أسماؤهم إطلاقاً. وقالت المديرة التنفيذية لـ "مركز الدفاع عن الفرد" جيسيكا مونتيل، التي ساعدت في التأكّد من احتجاز ومكان وجود أكثر من 1180 فلسطينياً اعتقلوا في القطاع: "أعتقد أنّ هؤلاء الأشخاص لم يسجّلوا بأيّ شكل ولا في أيّ نظام، فإذا احتجزوا بضعة أيّام، ثمّ أطلق سراحهم، فلا يوجد سجل لهم. وإذا حدث شيء ما لهذا الشخص بعد الإفراج فلا يوجد أيّ شيء أو معلومة عنه".

تنتظر ريم عجور أخباراً عن زوجها وابنتهما البالغة من العمر الآن 5 سنوات منذ نحو عام. وقد أصيبوا ثلاثتهم عندما اقتحمت القوّات الإسرائيلية منزلهم بالقرب من مستشفى الشفاء في مدينة غزّة، تقول إنّ "الجيش" أجبرها على التوجّه جنوباً بينما بقي زوجها وابنتها في الشمال. وتقول: "الأمل يحثّني على أن أبقى قويّة ولا أستسلم. أتمنّى وأدعو الله أن تصلني أيّ أخبار عنهما قريباً، وإنّ عدم معرفة الحقيقة هو الجزء الأصعب".

  • ريم عجور تنتظر أخباراً عن زوجها وابنتهما البالغة من العمر 5 سنوات المفقودين منذ نحو عام
    ريم عجور تنتظر أخباراً عن زوجها وابنتهما البالغة من العمر 5 سنوات المفقودين منذ نحو عام

نقله إلى العربية: حسين قطايا

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.