"واشنطن بوست": العالم قد يشهد انتحار قوة عظمى
إنّ هجوم ترامب على العلم يقوّض بشكل خطير مكانة أميركا كقوة عظمى.
-
جامعة هارفرد
صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تنشر مقالاً يناقش التأثير المدمّر لسياسات دونالد ترامب في البحث العلمي في الولايات المتحدة، وكيف يقوّض ذلك مصادر القوة الحقيقية لأميركا على المدى الطويل لمصلحة منافسين مثل الصين.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
لا شكّ في أنّ هجوم الرئيس على البحوث العلمية يقوض بشكل خطير مكانة أميركا كقوة عظمى. في 14 من الشهر الجاري، تحل الذكرى السنوية الـ250 لتأسيس الجيش الأميركي، وستشهد واشنطن عرضاً مبهراً للقوة العسكرية الأميركية تحت نظر دونالد ترامب الذي يصادف عيد ميلاده الـ79 في اليوم عينه. ولن يتوانى ترامب عن الاعتقاد بأنّ كلّ الدبابات والجنود المشاركين في العرض سيظهرون أميركا ورئيسها ذوي قوة شديدة.
لكنّ هذا الاستعراض المخطّط له سخيف للغاية. وبينما يسعى الرئيس إلى استعراض القوة العسكرية الأميركية، فإنّه يلحق ضرراً جسيماً، وربّما لا يمكن إصلاحه، بالمصادر الحقيقية للقوة الأميركية، من ضمنها استثمارها الطويل الأجل في البحوث العلمية؛ ففي الواقع، يعلن ترامب الحرب على العلم، وسيكون الاقتصاد الأميركي هو الضحية.
منذ أربعينيات القرن الماضي، أدّت معظم الجامعات الأميركية دوراً رئيسياً في "مشروع مانهاتن" للبحوث العلمية، الذي كان المحرك الذي يقود القدرة التنافسية الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة بدعم فيدرالي للجامعات البحثية. وقد أنتجت هذه الشراكة معظم الاختراعات الرئيسية في عصر المعلومات، من ضمنها الإنترنت ونظام تحديد المواقع العالمي والهواتف الذكية والذكاء الاصطناعي.
ومكّن الدعم الاتحادي للأبحاث الجامعية من نجاح صناعات التكنولوجيا الحيوية والصناعات الدوائية الرائدة عالمياً. ومن بين التطورات التي أتيحت آلة التصوير بالرنين المغناطيسي، ومشروع الجينوم البشري، وجراحة الليزك، وعقاقير إنقاص الوزن، والأدوية التي أنقذت عدداً لا يحصى من مرضى الإيدز وفيروس كورونا.
والآن، يخرّب ترامب خط سير البحث والتطوير العلمي الأميركي المحسود عليه. وسيخفض من ميزانية مؤسسة العلوم الوطنية نسبة 55%. وبالفعل، أنهت وزارة الدفاع الأميركية أكثر من 1600 منحة دعم بقيمة 1.5 مليار دولار.
ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز"، تُصرف منح المؤسسة العلمية هذا العام بوتيرة هي الأبطأ منذ 35 عاماً على الأقلّ. كما تدعم المؤسسة الوطنية للعلوم 357,600 باحث وطالب بشكل مباشر، ومعظمهم لن يحالفهم الحظّ للحصول على المنح مرّة أخرى. وينطبق الأمر ذاته على المعاهد الوطنية للصحة، ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، وإدارة الغذاء والدواء.
قام وزير الصحة والخدمات الإنسانية روبرت ف. كينيدي الابن، الذي يؤيد مجموعة من النظريات الصحية المعتوهة، بخفض القوى العاملة في وزارة الصحة والخدمات الإنسانية إلى 10 آلاف شخص من خلال عمليات التسوية أو التقاعد المبكّر. والآن، ينوي تسريح 10 آلاف موظّف إضافي.
وممّا يزيد الطين بلّة أنّ كينيدي يريد منع العلماء الحكوميين من النشر في المجلّات الرائدة التي يراجعها أقرانهم. وقد قال أحد المسؤولين: "لقد ضُرب مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها، وتعرّض لهزيمة نكراء، ولن تكون الوكالة قادرة على العمل، لنكن صادقين في هذا الأمر".
كما أنّ هذه التخفيضات الشديدة في الميزانية تضرّ الجامعات البحثية الرائدة في أميركا والعالم ضرراً بالغاً. على سبيل المثال، خسرت جامعة جونز هوبكنز 800 مليون دولار، فيما خسرت جامعة كولومبيا 400 مليون دولار، وجامعة بنسلفانيا 175 مليون دولار. ولم تعانِ أي جامعة أكثر من جامعة هارفارد، التي خسرت أكثر من 2.6 مليار دولار من الأموال الفيدرالية.
وبشعبوية مفرطة، يقول ترامب إنّهُ يريد إلغاء جميع عقود هارفارد الفيدرالية وتخصيص الأموال للمعاهد المهنية، وعلى الرغم من أهمّية هذه المعاهد، فإنّها لن تحقّق تقدّماً كبيراً في مكافحة مرض الألزهايمر أو السرطان والسكتات الدماغية وغيرها من الأمراض التي تعد جامعة هارفارد أبحاثاً فيها، فيما تشن إدارة ترامب هجوماً على الطلّاب الأجانب والدوليين بهدف طردهم جميعاً من كلّية هارفارد، وهو أمر أوقفه قاضٍ فيدرالي الأسبوع الماضي.
في أثناء ذلك، سعى وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي تعهّد بالانتقام من حلفاء الولايات المتحدة الذين لا يفرضون رقابة على حرّية التعبير، إلى طرد الطلّاب الأجانب، بسبب مواقفهم التي لا تروقه بشأن الحرب على غزّة.
وأعلنت وزارة الخارجية الأسبوع الماضي أنّها أوقفت مؤقتاً جميع المقابلات الخاصة بتأشيرات الطلاب الأجانب، وقال روبيو إنّ الوكالة "ستلغي بقوة" تأشيرات الطلاب الصينيين الذين تربطهم صلات بالحزب الشيوعي الصيني أو الذين يدرسون في مجالات حساسة.
ومن بين 277,398 طالباً صينياً يدرسون حالياً في الجامعات الأميركية، هناك أكثر من 110,000 طالب صيني يسعون للحصول على شهادات في الرياضيات والعلوم والهندسة، وكلّها مجالات ضعف في النظام التعليمي الأميركي. ومن شأن طرد عدد كبير من الطلاب الأجانب، الذين يدفعون عادة الرسوم الدراسية كاملة، أن يوجه ضربة قوية أخرى إلى الجامعات التي تعاني بالفعل من تخفيضات الميزانية الفيدرالية.
لا تستفيد الجامعات وحدها من وجود الطلاب الأجانب، بل الدولة بأكملها. ووفقاً لرابطة المعلمين الدوليين، فإنّ أَكثر من 1.1 مليون طالب أجنبي في الولايات المتحدة يولدون نحو 44 مليار دولار من النشاط الاقتصادي و378,000 وظيفة، وهناك الفوائد التي يقدمونها بعد تخرّجهم، على افتراض أنّه يسمح لهم بالبقاء في هذا البلد. وتشير تقارير المؤسّسة الوطنية للسياسة الأميركية إلى أن ربع الشركات الأميركية الناشئة التي تبلغ قيمتها مليار دولار أميركي لها مؤسس التحق بإحدى الجامعات الأميركية كطالب دولي.
إنّ منافسي الولايات المتحدة يسيل لعابهم لاحتمال اكتساب ميزة في المنافسة التكنولوجية على حسابها؛ ففرنسا وأستراليا وكندا ترحب بالعلماء الذين لم يعد بإمكانهم القيام بعملهم في الولايات المتحدة، ولكن من المرجّح أن تكون الصين المستفيد الأكبر؛ فحتّى قبل تخفيضات ترامب، كانت الصين قد بدأت بالفعل في اللحاق بالولايات المتحدة في الإنفاق العلمي، إذ نمت ميزانيتها للبحث والتطوير بمعدل 8.9% سنوياً، مقارنة بـ 4.7% فقط في الولايات المتحدة.
وفي آذار/مارس الفائت، أعلنت بكين عن صندوق حكومي بقيمة 138 مليار دولار سيستثمر في مجالات متطورة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية والطاقة الهيدروجينية. وبينما تستثمر الصين من أجل الفوز في المنافسات الاقتصادية، و"ربّما العسكرية في المستقبل"، فإن ترامب يقوض القدرة التنافسية العسكرية والاقتصادية الأميركية على المدى الطويل بعدائه الشائن للعلوم والفكر.
إنّ أنظمة الأسلحة التي ستشارك في العرض العسكري في واشنطن في 14 الشهر الجاري لن تكون ذات فائدة كبيرة للولايات المتحدة في المستقبل إذا تخلّفت في سباق البحث والتطوير مع الصين. أخشى أنّ العالم قد يشهد، بحسب وصف الخبير الصيني راش دوشي، انتحار قوة عظمى.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.