"نيويورك تايمز": تحول ترامب نحو روسيا يقلب أجيالاً من السياسة الأميركية رأساً على عقب
مع افتتاح محادثات السلام في المملكة العربية السعودية، أوضح الرئيس ترامب أنّ أيام عزل روسيا قد ولّت، وأشار إلى أنّ أوكرانيا هي المسؤولة عن غزوها.
-
المحادثات الروسية الأميركية في الرياض
صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر تحليلاً لموقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه روسيا، وخوضه محادثات معها للتوصّل إلى وقف لإطلاق النار في أوكرانيا مستبعداً كييف وأوروبا.
أدناه نصّ التحليل منقولاً إلى العربية بتصرّف:
منذ أكثر من عقد من الزمان، واجه الغرب الشرق مرة أخرى في ما أطلق عليه على نطاق واسع "حرب باردة جديدة". ولكن مع عودة الرئيس ترامب إلى منصبه، تعطي أميركا الانطباع بأنها قد تتحوّل إلى جانب آخر.
مع جلوس المفاوضين الأميركيين والروس معاً يوم الثلاثاء للمرّة الأولى منذ الغزو الروسي الكامل لأوكرانيا قبل ما يقرب من ثلاث سنوات، أشار ترامب إلى أنه على استعداد للتخلّي عن حلفاء أميركا من أجل إقامة مصالح مشتركة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
يقترح ترامب أنّ روسيا ليست مسؤولة عن الحرب، وبدلاً من ذلك، يقترح أنّ أوكرانيا هي المسؤولة عن غزو روسيا لها. في رواية ترامب، كان القادة الأوكرانيون مسؤولين عن الحرب لعدم موافقتهم على تسليم الأراضي، وبالتالي، اقترح أنهم لا يستحقّون مقعداً على الطاولة لمحادثات السلام التي بدأها للتوّ مع بوتين. قال الرئيس الأميركي في إشارة إلى القادة الأوكرانيين: "كان من المفترض أن تبرموا صفقة". في حديثه في منتجعه مار إيه لاغو في فلوريدا، تابع: "لديك الآن قيادة سمحت باستمرار حرب لم يكن ينبغي لها أن تحدث أبداً". وعلى النقيض من ذلك، لم ينطق ترامب بكلمة واحدة من اللوم على بوتين أو على روسيا.
ترامب في خضمّ تنفيذ أحد أكثر التحوّلات المذهلة في السياسة الخارجية الأميركية منذ أجيال، وهو تحوّل بمقدار 180 درجة سيجبر الأصدقاء والأعداء على إعادة ضبط أنفسهم بطرق أساسية. منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، رأى العديد من الرؤساء الأميركيين الاتحاد السوفياتي أولاً، وخليفته روسيا ثانياً، كقوة يجب الحذر منها، على أقلّ تقدير، لكن يبدو أنّ ترامب ينظر إلى روسيا باعتبارها شريكاً في مشاريع مشتركة مستقبلية.
ويوضح ترامب أنّ الولايات المتحدة لم تعد قادرة على عزل بوتين. وبدلاً من ذلك، يريد الرئيس الأميركي، الذي كان لديه دوماً شغف محيّر ببوتين، إعادة روسيا إلى النادي الدولي وجعلها واحدة من أفضل أصدقاء أميركا.
وقال كوري شاك، مدير دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في معهد أميركان إنتربرايز، وكان مساعداً للرئيس جورج دبليو بوش لشؤون الأمن القومي: "إن هذا يمثّل تراجعاً مشيناً عن ثمانين عاماً من السياسة الخارجية الأميركية".
في دائرة ترامب، يعدّ التحوّل تصحيحاً ضرورياً لسنوات من السياسة المضلّلة. يرى هو وحلفاؤه أنّ تكلفة الدفاع عن أوروبا مرتفعة للغاية، نظراً لاحتياجات أخرى. من هذا المنظور، فإنّ التوصّل إلى نوع من التسوية مع موسكو من شأنه أن يسمح للولايات المتحدة بإعادة المزيد من القوات إلى الوطن أو تحويل موارد الأمن القومي نحو الصين، التي تعتبرها "التهديد الأكبر"، كما قال وزير الخارجية ماركو روبيو الشهر الماضي.
لقد تمّ الإعلان عن التراجع الأميركي خلال الأسبوع الماضي. وبعد أيام قليلة من انتقاد نائب الرئيس جيه دي فانس للحلفاء الأوروبيين، قائلاً إنّ "التهديد من الداخل" أكثر إثارة للقلق من روسيا، التقى روبيو بوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، وتحدّث عن "الفرص المذهلة المتاحة للشراكة مع الروس" إذا تمكّنوا ببساطة من التخلّص من حرب أوكرانيا.
لم يكن هناك أيّ زعيم أوكراني في الغرفة في الاجتماع، الذي عُقد في الرياض، ناهيك عن الأوروبيين الآخرين، على الرغم من أنّ روبيو اتصل بعدّة وزراء خارجية بعد ذلك لإطلاعهم على المعلومات. وبدلاً من ذلك، كان هذا، من جميع النواحي، اجتماعاً بين قوتين عظميين تتقاسمان مناطق الهيمنة، وهو يعدّ مؤتمر فيينا أو مؤتمر يالطا الحديث.
لطالما نظر ترامب إلى بوتين باعتباره مواطناً، ولاعباً قوياً و"ذكياً للغاية" كانت جهوده في ترهيب أوكرانيا وإجبارها على تقديم تنازلات إقليمية لا تقلّ عن "عبقرية". في نظره، يُعتبر بوتين شخصاً يستحقّ الإعجاب والاحترام، على عكس زعماء حلفاء الولايات المتحدة التقليديين مثل ألمانيا أو كندا أو فرنسا، الذين يظهر لهم ازدراءه.
الواقع أنّ ترامب أمضى الشهر الأوّل من ولايته الثانية في تجاهل الحلفاء، ليس فقط باستبعادهم من محادثات أوكرانيا الناشئة، بل وهدّدهم بفرض تعريفات جمركية عليهم، وطالبهم بزيادة إنفاقهم العسكري وأكّد مطالباتهم ببعض أراضيهم. وقد دعم راعيه الملياردير إيلون ماسك علناً حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرّف.
وقال إيان بريمير، رئيس مجموعة أوراسيا الاستشارية الدولية: "في الوقت الحالي، يرى الأوروبيون هذا على أنه تطبيع من جانب ترامب للعلاقات مع روسيا في حين يعامل حلفاءه الأوروبيين باعتبارهم غير موثوق بهم. إنّ دعم حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي يعتبره القادة الألمان حزباً نازياً جديداً، يجعل ترامب يبدو وكأنه خصم لأكبر اقتصاد في أوروبا. إنه تغيير غير عادي".
وتعهّد ترامب خلال الحملة الانتخابية بأنّه قادر على إنهاء حرب أوكرانيا في غضون 24 ساعة، وأنه سيحقّق السلام في أوكرانيا حتى قبل تنصيبه، وهو ما فشل في القيام به. بعد مكالمة هاتفية استمرّت قرابة 90 دقيقة مع بوتين الأسبوع الماضي، كلّف ترامب روبيو ومستشارين آخرين، مايكل والتز وستيف ويتكوف، بمواصلة المفاوضات.
إنّ التنازلات التي طرحها ترامب وفريقه تبدو وكأنها قائمة رغبات للكرملين: حيث تحصل روسيا على حقّ الاحتفاظ بكلّ الأراضي الأوكرانية التي استولت عليها. ولن تقدّم الولايات المتحدة لأوكرانيا ضمانات أمنية، ناهيك عن عدم السماح لها بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. وسيتمّ رفع العقوبات عن موسكو. حتى أنّ الرئيس اقترح إعادة قبول روسيا في مجموعة القوى الكبرى السبع بعد طردها بسبب توغّلها الأصلي في أوكرانيا في عام 2014.
إنّ إيمان ترامب الواضح بقدرته على إبرام صفقة مع بوتين يحيّر مسؤولي الأمن القومي المخضرمين الذين تعاملوا مع روسيا على مرّ السنين.
في حديثه مع الصحافيين يوم الثلاثاء، جعل ترامب الأمر يبدو وكأنه يعتبر روسيا صديقة، لا أوكرانيا. وقال: "تريد روسيا أن تفعل شيئاً. إنهم يريدون وقف البربرية الوحشية".
أعرب ترامب عن انزعاجه من القتل والدمار الناجم عن ما أسماه "حرباً لا معنى لها". وقال إن أوكرانيا "تُمحى" ويجب أن تنتهي الحرب. لكنه لم يذكر من الذي يمحو أوكرانيا، تاركاً الأمر واضحاً أنه يلوم قادتها ويرفض إصرارهم على المشاركة في أيّ مفاوضات.
"لقد سمعت أنهم منزعجون من عدم حصولهم على مقعد"، قال ترامب. وأضاف: "حسناً، لقد حصلوا على مقعد لمدة ثلاث سنوات. وقبل ذلك بوقت طويل. كان من الممكن تسوية هذا الأمر بسهولة بالغة. كان بإمكان مفاوض غير متمرّس أن يسوي هذا الأمر منذ سنوات، من دون خسارة الكثير من الأراضي ومن دون خسارة الأرواح".
كرّر ادّعاءه بأنّ الغزو لم يكن ليحدث لو كان رئيساً، متجاهلاً حقيقة أنّ القوات التي ترعاها روسيا خاضت حرباً داخل أوكرانيا طوال السنوات الأربع من ولايته الأولى.
وكما يفعل غالباً، أضاف ترامب إلى تعليقاته العديد من الادّعاءات الكاذبة. ومن بينها، قال إنّ الولايات المتحدة ساهمت بثلاثة أضعاف المساعدات لأوكرانيا منذ بدء الحرب مقارنة بأوروبا. في الواقع، وفقاً لمعهد كيل للاقتصاد العالمي، خصصت أوروبا 138 مليار دولار مقارنة بـ 119 مليار دولار من الولايات المتحدة.
كما انتقد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قائلاً أكثر من مرة إنّ "معدل تأييده انخفض إلى نسبة 4%". في الواقع، انخفضت نسبة تأييد زيلينسكي من أعلى مستوياتها إلى نحو 50% فقط وهو ما لا يختلف كثيراً عن نسبة تأييد ترامب.
كما وافق ترامب على وجهة نظر روسية مفادها أنّ أوكرانيا يجب أن تجري انتخابات جديدة لتؤدّي دوراً في المفاوضات.
لم تكن تصريحات ترامب مكتوبة مسبقاً وجاءت ردّاً على أسئلة الصحافيين. لكنها عكست كيف يرى الوضع وتنبّأت بالأشهر القليلة المقبلة. كما أرسلت موجات صدمة جديدة عبر أوروبا، التي بدأت تدرك حقيقة مفادها أنّ حليفها الرئيسي في الحرب الباردة الجديدة لم يعد يرى نفسه بهذه الطريقة.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.