"نيويورك تايمز": الحرب على غزّة تعمّق عزلة "إسرائيل"حتى بين الشتات اليهود

لعقود، ارتبطت اليهودية الأميركية بالصهيونية. ماذا يحدث عندما تتعارض مُثُل أحدهما مع واقع الآخر؟

0:00
  • "نيويورك تايمز": الحرب على غزّة تعمّق عزلة "إسرائيل"حتى بين الشتات اليهود

صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقال رأي يتناول أزمة الهوية والانقسام المتزايد داخل الجالية اليهودية الأميركية حول العلاقة بـ"إسرائيل" ومعنى الصهيونية في ظل الحرب على غزة.

يسلط النص الضوء على فوز زهران ممداني في الانتخابات التمهيدية لرئاسة بلدية نيويورك كمؤشر على هذا الانقسام، إذ صوّت له كثير من الشباب اليهود.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

الإجماع الذي جمع يهود أميركا لأجيال آخذ في الانهيار. كان هذا الإجماع، تقريباً، كالتالي: ما هو صالح لـ "إسرائيل" صالح لليهود. معاداة الصهيونية شكل من أشكال معاداة السامية. وسيظهر، قريباً، حل الدولتين الذي يوفق بين الصهيونية والليبرالية.

لقد انهار كل عنصر من هذا الإجماع.

دفع فوز زهران ممداني في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية لرئاسة بلدية مدينة نيويورك العديد من اليهود إلى إعادة النظر في مدى التباعد بينهم. وقد صرّح ممداني بأنه لو كان عمدة المدينة، لواجه بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء "إسرائيل"، الاعتقال بتهم جرائم حرب إذا وطئت قدماه مدينة نيويورك.

كثيرٌ من اليهود الأكبر سناً الذين أعرفهم مصدومون ومذعورون من فوز ممداني. فـ"إسرائيل"، بالنسبة إليهم، هي الملاذ الآمن الوحيد للشعب اليهودي في العالم. يرون في معارضة "إسرائيل" ستاراً لمعاداة السامية، ويعتقدون أنه إذا تخلت الولايات المتحدة عن "إسرائيل"، فإن "إسرائيل" ستزول عاجلاً أم آجلاً. بالنسبة إليهم، ممداني نذير شؤم. إذا استطاع الفوز في مدينة نيويورك، وهي مدينة يقطنها يهود أكثر من أي مدينة أخرى باستثناء تل أبيب، فلن يكون أي مكان آمناً.

صوّت العديد من الشباب اليهود الذين أعرفهم لممداني. إنهم لا يخشونه. ما يخشونه هو مستقبلٌ تكون فيه "إسرائيل" دولة فصل عنصري تحكم أنقاض غزة وبانتوستانات الضفة الغربية. يخشون ما يعنيه ذلك للعنف ضد اليهود في جميع أنحاء العالم. يخشون ما سيفعله ذلك، وما فعله بالفعل، بمعنى اليهودية. إنّ التزامهم بالمُثُل الأساسية لليبرالية أقوى من التزامهم بما آلت إليه "إسرائيل".

يميل اليهود الأميركيون إلى الاعتقاد بأن نجاحنا في الولايات المتحدة ناتج من حقيقة أنّ البلاد لا تُعرّف الانتماء بناءً على العرق أو الدين. و"إسرائيل"، بالطبع، قائمة على فكرة دولة تُمثل جماعة دينية عرقية مُحددة.

بالنسبة إلى يهود الشتات، تُعدّ الديمقراطية متعددة الأعراق، التي تُصان فيها حقوق الأقليات السياسية وأمنها، الأساس الذي يُبنى عليه أمننا. بالنسبة إلى يهود "إسرائيل"، تُعدّ الأغلبية اليهودية الأساس الذي تُبنى عليه دولتهم. قال ديفيد بن غوريون عام 1947: "الدولة التي لا تقل نسبة اليهود فيها عن 80% هي الدولة القابلة للحياة والمستقرة". لعقود، كان حل الدولتين هو الأساس الذي سمح لهذه القيم بالتعايش، ولو في مرحلة ما في المستقبل. أما الآن، فتُدفن هذه الرؤية تحت مستوطنات الضفة الغربية، وبين أنقاض غزة، والطموحات التوسعية للحكومة اليمينية الإسرائيلية.

يُلقي العديد من اليهود الأميركيين باللوم على نتنياهو في هذا. هناك وهمٌ بأنه عند رحيله أو هزيمته ستعود "إسرائيل" إلى سياسات ماضيها، لكن نتنياهو يبقى لأنه، في هذا، كما في كثير من الأمور الأخرى، يُمثل التيار السائد في "إسرائيل". تُظهر استطلاعات الرأي أنّ غالبية اليهود الإسرائيليين منفتحون على طرد الفلسطينيين، وأنّ أقليةً متناقصةً فقط لا تزال مستعدة لقبول دولة فلسطينية. إنّ وجود غضب واسع النطاق على نتنياهو في "إسرائيل" صحيح. أما أنّ الغاضبين منه يريدون من خليفته السعي لإقامة دولة فلسطينية أو حتى الحصول على حقوق الفلسطينيين، فهو باطل.

قالت لي راشيل تيمونر، الحاخامة الكبيرة في جماعة "بيت إلوهيم" في بروكلين: إنه مكانٌ يُعاني فيه الشعب اليهودي معاناةً شديدةً في الوقت الحالي. أعتقد أن شرائح من الجالية اليهودية تشعر بالحزن الشديد إزاء الأوضاع في غزة وسلوك الحكومة.

الغضب من "إسرائيل" يتحول إلى غضبٍ على اليهود في كل مكان، والتقارير الأسبوعية عن إطلاق جنود إسرائيليين النار على فلسطينيين يقفون في طوابير طويلة للحصول على الطعام تُمثل كارثة على اليهود. إنها أزمة روحية، أزمة أخلاقية وسياسية، وأعتقد أن لها آثاراً ملموسة في الأمن اليهودي.

لقد شهدتُ تجربة تصاعد معاداة السامية التي تُقسّم الشباب اليهود إلى معسكرين؛ بعضهم اقتربوا من "إسرائيل"، مقتنعين بأن أجدادهم كانوا على حق، وأن مكانتهم في الغرب أضعف مما كانوا يعتقدون، والبعض الآخر تعمقت عزلتهم، وفزعوا مما يُرتكب باسمهم، وغضبوا من الطريقة التي تعرّضت بها سلامتهم للخطر بسبب أفعال وسياسات دولة لا يعيشون فيها.

 كتب إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، في صحيفة "هآرتس": "ما نفعله في غزة الآن هو حرب دمار.. قتل عشوائي، بلا حدود، وحشي، وإجرامي للمدنيين".

وأضاف: "نحن لا نفعل هذا بسبب فقدان السيطرة في أي قطاع محدد، ولا بسبب انفعال غير متناسب من بعض الجنود في وحدة ما، بل هو نتيجة سياسة حكومية - مُملاة عن علم، وشر، وخبث، وعدم مسؤولية. نعم، إسرائيل ترتكب جرائم حرب".

ما يراه الكثير من الشباب اليهود هو ما يراه أولمرت ولا يريدون المشاركة فيه. هل يدافعون عن جرائم الحرب؟ هل يدافعون عن استخدام التجويع الجماعي كأداة حرب أو حتى يقبلونه؟ هل يؤمنون بالمساواة في كل مكان إلا في "إسرائيل"؟

هذا يكشف الوضع الأخلاقي الضعيف الذي تعيشه "إسرائيل" الآن، إذ لا يمكنها البقاء في ظل مبدأ المساواة السياسية.

الوضع أسوأ بكثير بالنسبة إلى خمسة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية وغزة. "إسرائيل" هي التي تقرر أين يمكنهم التنقل وإلى أين يذهبون. "إسرائيل" هي التي تقرر من يدخل الضفة الغربية وغزة ومن يغادرها. "إسرائيل" هي التي تقرر ما تستطيع السلطة الفلسطينية فعله وما لا تستطيع فعله. 

خارج "إسرائيل"، تُعدّ هيمنة الأغلبية العرقية أكثر ما يخشى منه اليهود. أخبرني براد لاندر، مراقب مدينة نيويورك، قائلاً: "مازحتُ مراراً بأنني سأفتتح عيادةً للعلاج الأسري للآباء الصهاينة الليبراليين الذين أخذ أبناؤهم قيم العدالة الاجتماعية على محمل الجد، فظهروا مناهضين للصهيونية". لاندر هو أعلى مسؤول يهودي في حكومة المدينة، كما أيّد ممداني.

لعقود، ارتبطت اليهودية الأميركية، المبنية على ليبرالية الشتات، بالصهيونية. ماذا يحدث عندما تتعارض مُثُل أحدهما مع واقع الآخر؟

نقلته إلى العربية: بتول دياب.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.