"ميدل إيست آي": هل يتمكّن الرئيس اللبناني الجديد من إنقاذ بلاده من الهاوية؟
قائد الجيش اللبناني جوزاف عون يتولى منصب رئيس البلاد وسط دمار اقتصادي وهدنة هشة مع "إسرائيل".
موقع "ميدل إيست آي" ينشر مقالاً كتبه بول خليفة، تحدث فيه عن التحديات التي تواجه الرئيس اللبناني الجديد جوزاف عون.
انتخب قائد الجيش جوزاف عون يوم الخميس رئيساً للبنان هو الرابع عشر منذ الاستقلال، منهياً بذلك فراغاً في السلطة دام عامين. وبتولّيه قيادة دولة في حالة من الفوضى، يرث بلداً يعاني من الانهيار الاقتصادي والخلل السياسي والندوب المتبقية من الكوارث الأخيرة. طموحاته نبيلة، لكن التحديات التي تواجهه هائلة.
يتولى عون الرئاسة وسط هدنة هشة مع "إسرائيل"، والتي تم انتهاكها مئات المرات منذ توقيعها في تشرين الثاني/نوفمبر 2024. ولا تزال مساحات شاسعة من جنوب لبنان تحت الاحتلال الإسرائيلي.
على الصعيد المحلي، يرزح لبنان تحت وطأة أزمة اقتصادية مدمرة استمرت منذ عام 2019، وقطاع مصرفي مشلول، وفساد متفش. كما تواصل البلاد النضال في أعقاب انفجار مرفأ بيروت الكارثي في عام 2020، وتستضيف ما يقرب من مليوني لاجئ سوري. ولقد كان لبنان في يوم من الأيام منارة إقليمية للرخاء، ولكنه الآن يعاني من الفقر.
في خطاب تنصيبه، أقرّ عون بهذه التحديات، وتعهد بتنفيذ "إصلاحات واسعة النطاق" والعمل من أجل جميع اللبنانيين، بغض النظر عن الطائفة أو المكانة الاجتماعية. وأعلن: "يتعين علينا إعادة التفكير في نهجنا تجاه الحدود والسياسات الاقتصادية والحوكمة وحماية البيئة"، وحظي بتصفيق من أعضاء البرلمان.
"المصارف ستحاسب"
وعد عون بمعالجة الأزمة المصرفية المترسّخة في لبنان، وخاصة الودائع المجمدة والمخفضة القيمة للمواطنين العاديين. وقال: "تحت قيادتي، ستحاسب المصارف وتخضع للقانون".
وفي حديثه عن قضية حساسة سياسياً، ألمح عون إلى ترسانة حزب الله العسكرية من دون أن يذكر صراحة نزع السلاح. وقال: "يجب أن تحتكر الدولة الأسلحة"، مؤكداً الحاجة إلى الاستثمار في الجيش اللبناني لتأمين الحدود ومكافحة التهريب ومنع العدوان الإسرائيلي.
كما اقترح استراتيجية دفاعية، تشمل حزب الله، بهدف توحيد الجهود الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية لمعالجة الاحتلال الإسرائيلي، مع تعزيز سيادة لبنان.
وعلى الساحة الدولية، تعهّد عون بسياسة خارجية منفتحة، تسعى إلى تعزيز العلاقات مع الشرق والغرب مع احترام سيادة لبنان. وأكد الحفاظ على علاقات قوية مع الدول العربية وتبني "الحياد الإيجابي" في الصراعات الإقليمية. ويبدو أنّ هذا النهج مصمم لاسترضاء دول الخليج، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، التي انتقدت تدخلات حزب الله الإقليمية في اليمن والعراق. كما أعرب عون عن استعداده للتعاون مع سوريا لمعالجة المخاوف المتبادلة، بما في ذلك إعادة اللاجئين والسيادة على الحدود.
طريق صعب إلى الرئاسة
على الرغم من طموحاته، لم يكن طريق عون إلى الرئاسة سلساً على الإطلاق. تحظر المادة 49 من الدستور اللبناني على كبار المسؤولين أو الموظفين العموميين تولي مناصب سياسية من دون انقطاع لمدة عامين عن أدوارهم. كان انتخابه يتطلب التحايل على هذا القانون، ما أثار انتقادات حادة من بعض المشرعين.
كانت الجلسة البرلمانية لانتخابه محفوفة بالمناوشات الحادة. فشل عون في تأمين أغلبية الثلثين المطلوبة في الجولة الأولى من التصويت، حيث حصل على 71 صوتاً فقط من أصل 128 صوتاً.
جاء اختراقه في الجولة الثانية، بعد مفاوضات مغلقة مع ممثلي حزب الله وحركة أمل الذين اقترعوا بأوراق بيضاء في البداية.
يُقال إن حزب الله وحلفاءه سعوا للحصول على ضمانات من عون بشأن إعطاء الأولوية للانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان وإعادة بناء المناطق التي دمرتها الحرب، وهي مخاوف حيوية لسكان جنوب لبنان.
كان يُنظر إلى ترشيح عون على نطاق واسع على أنه مفضل من قبل الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين والمملكة العربية السعودية. إنّ هذا التوافق، إلى جانب التأييد المتردد من جانب حزب الله، يعكس التوازن السياسي الدقيق في لبنان.
وفي حين تمثل رئاسة عون فصلاً جديداً في تاريخ لبنان، فإنّ الأشهر المقبلة سوف تكشف ما إذا كانت وعوده بالإصلاح والوحدة قادرة على الصمود في وجه الحقائق السياسية الراسخة في دولة منقسمة بشدة.
نقلته إلى العربية: بتول دياب