"ميدل إيست آي": لماذا تريد "إسرائيل" أن تصبح سوريا دولة فاشلة؟
نتنياهو يسعى إلى تنفيذ أجندة توسّعية بحجة التقليل من أيّ تهديدات محتملة في مرحلة ما بعد الأسد.
-
"الجيش" الإسرائيلي يحتلّ مناطق حدودية في سوريا
موقع "ميدل إيست آي" ينشر مقالاً يتحدّث عن استراتيجية "إسرائيل" في سوريا التي تهدف إلى إضعاف الحكومة السورية وتفتيتها لصالح احتلال طويل الأمد للأراضي السورية، وخاصة مرتفعات الجولان. ويتناول خطة "إسرائيل" لنزع السلاح من مناطق جنوب دمشق وجعل سوريا دولة فاشلة من خلال تشجيع الطائفية والصراع الداخلي.
كما يتناول النصّ ردود فعل الحكومة السورية تحت قيادة الرئيس السوري أحمد الشرع على نهج "إسرائيل"، وأيضاً الموقف التركي من ذلك.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
في احتفال عسكري أقيم مؤخّراً في "إسرائيل"، أدلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتصريح استفزازي حول الحكومة السورية الجديدة، موضحاً استراتيجية بلاده بعد سقوط نظام الأسد.
وشدّد في خطابه على ثلاث نقاط رئيسية. أولاً، قال نتنياهو إنّ "إسرائيل" لن تسمح للحكومة السورية الجديدة بنشر قوات جنوب دمشق، داعياً إلى "نزع السلاح الكامل" من تلك المنطقة، وتحديداً محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء.
ثانياً، وضع نتنياهو "إسرائيل" في موقف الحامي للأقلية الدرزية، بما يتماشى مع تصريحات وزير الأمن "إسرائيل كاتس الأخيرة حول تعزيز العلاقات مع "السكان الأصدقاء" في جنوب سوريا.
ثالثاً، كرّر نتنياهو التزام "إسرائيل" باحتلال الأراضي السورية، مؤكداً أنّ القوات الإسرائيلية ستبقى "إلى أجل غير مسمّى" في المنطقة العازلة ومنطقة جبل الشيخ.
ويعزّز هذا الموقف أجندة "إسرائيل" المستمرة للتوسّع الإقليمي والاحتلال، وخاصة في مرتفعات الجولان.
ويبدو أنّ الهدف الشامل لنتنياهو هو إضعاف سوريا وتفتيتها بشكل منهجي، وضمان بقائها تحت الاحتلال الإسرائيلي، خالية من حكومة مركزية، وغارقة في الصراع الطائفي.
إنّ بيئة "الفوضى المسيطر عليها" هذه، من شأنها أن تمنع سوريا من التعافي بعد أكثر من عقد من الحرب، وتحوّلها إلى دولة فاشلة، وتمكّن "إسرائيل" بحجة التقليل من أيّ تهديدات محتملة من سوريا الجديدة.
إنّ هذا النهج ليس جديداً. فقد كان عنصراً ثابتاً في السياسة الإسرائيلية منذ تأسيس الدولة، وتمّ تطبيقه في سياقات ومناطق مختلفة، بما في ذلك لبنان.
إنّ نزع السلاح من المنطقة الواقعة جنوب دمشق من شأنه أن يعيق سلطة الحكومة السورية، مما قد يؤدي إلى إضعاف وجود الدولة. وقد يؤدي هذا إلى تمكين تشكيل ميليشيات محلية مدعومة من "إسرائيل" تدفع باتجاه "دولة داخل الدولة".
وتهدف استراتيجية "إسرائيل" أيضاً إلى تشجيع الأقليات الأخرى في شمال سوريا على تحدّي الحكومة السورية، وبالتالي تفتيت البلاد، حتى ولو بطريقة فعليّة.
إنّ الإشارة الصريحة إلى الطائفة الدرزية تعكس مبدأ "تحالف الأقليات" الإسرائيلي، الذي يسعى إلى تشكيل تحالفات مع الأقليات في المنطقة ضدّ الأغلبية السنية. وتعزّز سياسة "فرّق تسد" هذه العداء والشكّ والطائفية، باستخدام الأقليات كوسيلة ضغط لاستفزاز ردود الفعل العنيفة من الأغلبية.
وقد استخدمت "إسرائيل" هذه الاستراتيجية في السابق في لبنان. إنّ "إسرائيل" تحاول الآن أن تفعل الشيء نفسه مع الدروز والكرد والعلويين في سوريا. ولكنّ هذا النهج مدمّر وغير منتج، ويضرّ في نهاية المطاف بالأقليات المعنية وأولئك الذين يسعون إلى التلاعب بها.
إنّ مطالبة نتنياهو بنزع السلاح من جنوب سوريا، إلى جانب زيادة الغارات الجوية الإسرائيلية على المواقع العسكرية السورية، لم تُثِرْ أيّ استجابة من الدول الغربية أو المجتمع الدولي الأوسع. ويفسّر نتنياهو هذا الافتقار إلى ردّ الفعل على أنه ضوء أخضر لمواصلة مثل هذه السياسات.
ومن جانب الحكومة السورية الجديدة، أدّت الإجراءات الاستفزازية والعدوانية التي اتخذتها "إسرائيل" إلى استجابة متعدّدة الأوجه. فقد نجح الرئيس السوري أحمد الشرع في تحقيق التوازن بين ضبط النفس والتحدّي، وهو النهج الذي تشكّل بفعل عدة عوامل حاسمة، بما في ذلك ضعف موقف سوريا العسكري والاقتصادي والسياسي، وحاجته إلى الحفاظ على الشرعية كزعيم، مع توسيع سيطرة الدولة على جميع الأراضي السورية، وعملية إعادة بناء الأمة.
المقاومة الرمزية
رفض بيان مؤتمر الحوار الوطني السوري في أواخر الشهر الماضي أيّ تنازلات إقليمية، مشيراً إلى "إسرائيل" وجمهور الشرع في الداخل بأنه لن يرضخ لمطالب نتنياهو بنزع السلاح. وطالب البيان بانسحاب "إسرائيل" الفوري وغير المشروط من سوريا، وهو عمل رمزي للمقاومة عزّز سلطة الشرع من دون المخاطرة بمواجهة فورية.
في 26 شباط/فبراير، زار الشرع الأردن والتقى بالملك عبد الله الثاني، الذي أكد دعم عمّان لسيادة سوريا وأدان التوغّلات الإسرائيلية. وتشير الزيارة، وهي ثالث رحلة خارجية يقوم بها الشرع منذ تولّيه السلطة، إلى الجهود الرامية إلى بناء تحالف إقليمي لمواجهة تحرّكات "إسرائيل" دبلوماسياً وليس عسكرياً، خاصةً وأنّ الأردن يشاطر سوريا مخاوفها بشأن استقرار الحدود.
إنّ الاستجابة المنضبطة من جانب الشرع تتغلّب أيضاً على الضغوط الداخلية. فالاحتجاجات في القنيطرة ودرعا والسويداء ضدّ التصريح الأخير لنتنياهو تعكس الغضب الشعبي، ولكن الشرع لم يحشد هذه المشاعر في التحرّك ضدّ "إسرائيل"، حيث لم تنتهِ المحاولات السابقة من قبل الأنظمة الإقليمية بشكل جيد.
وبدلاً من ذلك، ردّ الشرع على استفزازات "إسرائيل" بمزيج من الإدانة اللفظية، والمناشدات من أجل السلام، والمناورات الدبلوماسية، وتجنّب التصعيد مع تأكيد حقّ سوريا في أراضيها. ويجسّد تعهّده السابق بالالتزام باتفاق وقف إطلاق النار لعام 1974 هذا النهج.
ولكن في حين أنّ هذا قد يمنح الشرع الدعم الإقليمي والدولي، فإنه قد يؤدي إلى تأكّل شرعيته الداخلية في الأمدين المتوسط والبعيد، ومن غير المرجّح إلى حدّ كبير أن يكون كافياً لردع "إسرائيل". وتاريخياً، فسّرت "إسرائيل" الدعوات إلى السلام على أنها علامة على الضعف؛ فرصة لملاحقة طموحاتها الإقليمية التوسّعية بقوة.
العمل الجماعي
نظراً للوضع المعقّد في سوريا، فإنّ الردّ على تصرّفات "إسرائيل" يجب أن يكون جماعياً. ويتعيّن على المجتمع الدولي أن يتحمّل مسؤولياته، ويتعيّن على الدول العربية أن تعمل معاً، لأنها ستخسر بشكل كبير إذا نجحت "إسرائيل" في تحويل سوريا إلى دولة فاشلة.
لقد أدانت جامعة الدول العربية والأردن ومصر والمملكة العربية السعودية وقطر، من بين دول أخرى، "إسرائيل" بشدة. والأمر الأكثر أهمية هو أنّ تركيا، وهي قوة إقليمية ذات مصالح كبيرة في سوريا، لديها الكثير لتكسبه من دمشق المستقرة، والكثير لتخسره من العدوان الإسرائيلي على سوريا.
منذ كانون الأول/ديسمبر، ردّت تركيا على تصريحات نتنياهو والعدوان الإسرائيلي بإدانة حادّة. وتأكيداً للسيادة السورية، اتهم وزير الخارجية التركي هاكان فيدان "إسرائيل" بالتوسّع وتقويض السلام والاستقرار "تحت ستار الأمن".
ومع ذلك، تظلّ تصرّفات أنقرة دبلوماسية ومنضبطة، وتركّز على القضية الكردية في شمال سوريا بدلاً من مواجهة "إسرائيل" بشكل مباشر.
ويبدو أنّ سياسة تركيا في هذا الصدد مقيّدة بعاملين رئيسيين، الأول هو مصير وحدات حماية الشعب الكردية السورية، وهي فرع من حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره أنقرة جماعة إرهابية. والثاني هو الاتفاق المتوقّع بين تركيا والرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء التعاون الأميركي مع وحدات حماية الشعب.
ومن غير المرجّح أن تنخرط أنقرة بشكل كبير ضدّ "إسرائيل" حتى يتمّ حلّ هاتين المسألتين، حيث إنّ المواجهة المبكرة قد تأتي بنتائج عكسية مع ترامب والمسؤولين المتشدّدين المؤيّدين لـ "إسرائيل" في واشنطن.
وفي الوقت نفسه، فإنّ تجنّب المواجهة مع "إسرائيل" قد لا يشجّع نتنياهو فحسب، بل قد يقوّض مصداقيّة أنقرة ويحوّل سوريا من فرصة إلى تحدّ خطير لتركيا.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.