"فايننشال تايمز": ثروات أوكرانيا المعدنية في مرمى ترامب

لقد سلّط عرض "المعادن مقابل المساعدات" الذي قدّمه دونالد ترامب لأوكرانيا الأسبوع الماضي الضوء على الموارد المعدنية الهائلة والنادرة في البلاد، فما هي؟

0:00
  • "فايننشال تايمز": ثروات أوكرانيا المعدنية في مرمى ترامب

صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تنشر تقريراً تتحدّث فيه عن المعادن النادرة والهامّة التي تمتلكها أوكرانيا، والتي يريد الرئيس الأميركي دونالد ترامب حصة منها مقابل المساعدات الأميركية الأمنية والعسكرية لها.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

لقد سلّط عرض "المعادن مقابل المساعدات" الذي قدّمه دونالد ترامب لأوكرانيا الأسبوع الماضي الضوء على الموارد المعدنية الهائلة والنادرة في البلاد، والتي تريد واشنطن حصةً منها كتعويض عن الدعم العسكري السابق.

تمتلك أوكرانيا رواسب كبيرة تحت الأرض تصل قيمتها إلى 11.5 تريليون دولار من المعادن الحرجة، بما في ذلك الليثيوم والغرافيت والكوبالت والتيتانيوم والأتربة النادرة مثل الغاليوم، والتي تعدّ ضرورية لمجموعة من الصناعات الكهربائية.

لكنّ هذه الرواسب، غير الشائعة في أوروبا، لم تخضع لأيّ استكشاف أو تطوير كبير، وهي عمليات تستغرق سنوات. كما تفتقر البيانات إلى جودة الاحتياطيات، وهي المعلومات التي يحتاجها المستثمرون قبل ضخّ الملايين في مناجم جديدة.

يأتي اهتمام الرئيس الأميركي في أعقاب محاولته الصريحة لشراء غرينلاند، الغنية أيضاً بالمعادن النادرة. وتتسابق الدول الغربية لتأمين مصادر بديلة للأتربة النادرة للصين، التي تهيمن على سلسلة التوريد العالمية.

ما هي المعادن النادرة والهامّة التي تمتلكها أوكرانيا؟

بحسب أرقام حكومية، فإنّ باطن الأرض في أوكرانيا يحتوي على ما يقدّر بنحو 10% من احتياطيات العالم من الليثيوم، المستخدم في إنتاج البطاريات. وتظهر الاحتياطيات على مساحة 820 كيلومتراً مربّعاً تقريباً، ولكن لم يتمّ استخراج أيّ منها حتى الآن.

ومن بين المعادن النادرة، تمتلك أوكرانيا احتياطيات كبيرة مؤكّدة من الزركونيوم، المستخدم في محرّكات الطائرات، والسكانديوم، وكلاهما لم يتمّ استخراجهما بعد. كما يتمّ استخراج بعض رواسبها من التنتالوم، المستخدم في أشباه الموصلات، والنيوبيوم، الذي يتمتع بخصائص فائقة، ومعدن البريليوم المستخدم في قطاع الطيران والفضاء على نطاق صغير، لكنّ المسؤولين الأوكرانيين يقولون إنّ إمكاناتها هائلة.

ويقول المسؤولون الأوكرانيون أيضاً إنّ بلادهم من بين العشرة الأوائل في العالم من حيث احتياطيات التيتانيوم، المستخدم في الصواريخ والطائرات والسفن. ومع ذلك، يتمّ تطوير نحو 10% فقط من احتياطياتها المؤكّدة.

زعم رئيس الوزراء دينيس شميهال في وقت سابق من هذا الشهر أنّ أوكرانيا يمكن أن تحلّ محلّ واردات التيتانيوم الروسية الأوروبية. لكن رومان أوبيماخ، المدير العامّ السابق للمسح الجيولوجي الأوكراني، قال الأسبوع الماضي إنّه "لا يوجد تقييم حديث" لاحتياطيات المعادن النادرة في أوكرانيا، وكانت التقديرات تستند إلى دراسات قديمة تعود إلى الحقبة السوفياتية.

وقالت جريسلين باسكاران، مديرة مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في الولايات المتحدة، إنّ "البيانات ليست حديثة، لدينا القليل جداً من المعلومات حول ما هو موجود هناك".

أين تقع الموارد الطبيعية؟

تقول هيئة الجيولوجيا الأوكرانية إنّ الحكومة تستعدّ لنحو 100 موقع للترخيص والتطوير المشترك لكنها لم تكشف سوى القليل من التفاصيل.

تقع الموارد المعدنية لأوكرانيا في جميع أنحاء البلاد ولكن منذ الغزو الكامل في عام 2022، يقع ما يزيد عن 20% منها في مناطق خاضعة للسيطرة الروسية، وفقاً لتقديرات كييف.

اشترت شركة "Critical Metals Corp" التي يقع مقرّها في أستراليا التراخيص لاثنين من أكبر رواسب الليثيوم في أواخر عام 2021، قبل ثلاثة أشهر فقط من بدء الهجوم الروسي. وقال مدير الشركة توني سيج لصحيفة "فايننشال تايمز" إنّ أحد الرواسب في الشرق، خضع للسيطرة الروسية.

وقال سيج، الذي تمتلك شركته أيضاً ترخيص تعدين في جزيرة غرينلاند، إنّه "متحمّس للغاية" للمحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا التي بدأها ترامب. 

ماذا تريد الولايات المتحدة؟

قال ترامب الأسبوع الماضي إنّ الولايات المتحدة تستحقّ 500 مليار دولار من موارد أوكرانيا المعدنية إضافة إلى النفط والغاز وحتى البنية التحتية مثل الموانئ في مقابل المساعدة العسكرية السابقة للدفاع ضدّ روسيا.

هذا أكثر بكثير من إجمالي 69.2 مليار دولار من المساعدات العسكرية التي قدّمتها واشنطن منذ عام 2014، وفقاً لإحصاءات وزارة الخارجية.

رفض زيلينسكي الاقتراح، وأصرّ على أنّ أيّ صفقات بشأن الموارد المعدنية يجب أن تكون مرتبطة بضمانات أمنية أميركية بعد الصراع، وفقاً لأربعة أشخاص مطلعين على المفاوضات. كما أنه حريص على مشاركة الاتحاد الأوروبي ودول أخرى مثل المملكة المتحدة وكندا في استغلال الموارد الطبيعية في المستقبل.

ما هي التعقيدات؟

يقول المستثمرون والخبراء إنّ العوائق الأبرز والأهم لتطوير مشاريع التعدين بسرعة تتمثّل بـ "البيروقراطية الحكومية المعقّدة، واللوائح الحكومية، والوصول المحدود إلى البيانات الجيولوجية والتحدّيات في تأمين الأراضي".

وأجبرت الهجمات الروسية المستمرّة على البنية التحتية للطاقة بعض عمليات التعدين على اللجوء إلى المولدات، ممّا أدّى إلى ارتفاع تكلفة استخراج ونقل المعادن المستخرجة.

وقال جاك بيدر، مؤسس مجموعة استخبارات السوق "Project Blue": "بينما قد تتمتّع أوكرانيا بإمكانات معدنية لمختلف السلع الأساسية، وقطاع راسخ من الصلب والسبائك الحديدية يمكن إنعاشه، فإنّ مستقبلها غير مؤكّد للغاية". وأضاف أنّ هذا "لا يبشّر بالخير للاستثمار في المشاريع التي قد تستغرق عقوداً من الزمن لتمويلها وتطويرها وتشغيلها".

وقال محلّلون في شركة "بيل هانت" يوم الاثنين إنّ شركة "فيريكسبو" السويسرية لديها عملية تعدين وإنتاج كبيرة لخام الحديد في أوكرانيا تتطلّب "استثمارات كبيرة" للحفاظ على الإنتاج "بعد عدة سنوات من الأنشطة المقيّدة". وأضافوا أنّه "بمجرّد توقّف الأعمال العدائية، نشتبه في أنّ الخطر الأكبر سيكون تأمين الموظفين المهرة". وأوقفت شركة "فولت ريسورسز" المدرجة في أستراليا الإنتاج في عملية تعدين الغرافيت في زافالييفسكي في نهاية العام الماضي بسبب الظروف الصعبة.

هل أخطأ زيلينسكي في تقديره لخطته لترامب؟

طرح زيلينسكي للمرة الأولى فكرة تقديم حقوق التعدين للشركات الأميركية كجزء من "خطة السلام" التي عرضها على ترامب العام الماضي.

لكنّ المسؤولين الأوروبيين والأوكرانيين قالوا لصحيفة "فايننشال تايمز" إنّ زيلينسكي ربما ارتكب خطأ استراتيجياً بعدم تضمين قيمة إجمالية أو أيّ تفاصيل.

قال أحد كبار المسؤولين الأوروبيين المشاركين في المحادثات مع كييف: "لقد تمّت كتابتها كإغراء لترامب، لكنّ الافتقار إلى التفاصيل يعني أنّ ترامب يمكنه في الأساس تحديد سعره".

وأضاف المسؤول أنّ "بعض الأشخاص حول زيلينسكي يندمون على الطريقة التي تمّ بها التعامل مع الأمر ... لقد فقدوا السيطرة على السرد".

وقال مسؤول أوكراني كبير إنّ زيلينسكي كان يجب أن يكون "واضحاً تماماً" بشأن ربط هذه الموارد "بضمانات مستقبلية للمساعدة الأمنية الأميركية".

ويحاول فريق زيلينسكي جاهداً التوصّل إلى اقتراح مضاد جذّاب. لقد أثار نهج ترامب غضب حلفائه الأوروبيين، حيث قارنه المسؤولون في مؤتمر ميونيخ للأمن في نهاية الأسبوع الماضي بـ "تكتيكات ابتزاز المافيا" و "الربا" و "الاستعمار".

وقال مسؤول أوروبي ثانٍ إنّ "الأمر يختلف عندما نقول إننا سنساعدك على تحرير أرضك ثمّ استغلال الموارد الموجودة تحت الأرض هناك".

نقلته إلى العربية: بتول دياب.