"ذي إيكونوميست": لماذا تعثّرت الدبلوماسية بشأن السودان.. كابوس أفريقيا المتواصل؟

إن الاعتراف الديبلوماسي الذي منحه الزعماء الأفارقة لقائد "الدعم السريع" في السودان، محمد حمدان دقلو قد يعكس جزئياً رضوخاً عملياً للأمر الواقع.

  • "ذي إيكونوميست": لماذا تعثّرت الدبلوماسية بشأن السودان، كابوس أفريقيا المتواصل؟

تحت عنوان: "لماذا تعثّرت الدبلوماسية بشأن السودان، كابوس أفريقيا المتواصل؟"، نشرت صحيفة "ذي إيكونوميست" مقالاً تناوت فيه العلاقة بين الإمارات العربية المتحدة وقائد قوات الدعم السريع في السودان "حميدتي"، التي على ما يبدو تفرض مفارقات غريبة في المعركة الدبلوماسية بين الأطراف المتناحرة كما في المعركة العسكرية.

فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:

من الصعب أن نتصور مفارقة أعظم من تلك التي نشهد فيها ترحيباً برجل متهم بارتكاب جرائم إبادة جماعية وهو يقوم بجولة رسمية على متحف يخلّد ذكرى الجريمة الأكثر فظاعة في التاريخ... إلّا أنّ هذا ما حصل فعلياً في السادس من كانون الثاني/يناير، عندما قام محمد حمدان دقلو (المعروف باسم حميدتي)، وهو أشهر أمراء الحرب في السودان، بزيارة متحف الإبادة الجماعية في العاصمة كيغالي إحياءً لذكرى وقوع كارثة رواندا في عام 1994. وسُمع منه قوله إن السودان "يجب أن يتعلم من رواندا".

هذا وتشن قوات الدعم السريع، وهي مجموعة شبه عسكرية تعمل تحت إمرة دقلو، حرباً طاحنة ضد الجيش النظامي السوداني، المعروف باسم القوات المسلحة السودانية، من أجل السيطرة على الدولة. ومنذ اندلاع القتال في نيسان/أبريل الماضي، أُجبر أكثر من 7 ملايين سوداني على ترك منازلهم؛ وفرّ نحو 1.4 مليون منهم إلى البلدان المجاورة. كما تعرّضت العاصمة السودانية الخرطوم للتدمير، بينما أصبحت أجزاء واسعة من المناطق الريفية على حافة المجاعة.

لا وجود لأي طرف ملائكيّ في هذه الحرب. فالقوات المسلّحة السودانية قصفت مراكز لتجمّع المدنيين ونكّلت بالناشطين السلميين. في حين تواجه قوات الدعم السريع وحدها ادعاءات موثوقة بارتكاب إبادة جماعية. وهي تقوم بالتعاون مع الميليشيات المتحالفة معها بشن حملة تطهير عرقي دامية ضد الأفارقة السود في دارفور، وهي منطقة تقع غربي السودان، إلى حد أن كثيرين يخشون تكرار الإبادة الجماعية التي حصلت في تلك المنطقة قبل عقدين من الزمن.

وهذا يجعل الترحيب الذي حظي به دقلو في عواصم أفريقية أكثر إثارة للقلق بالنسبة للكثير من الشعب السوداني. فقد حظي مؤخراً باستقبالات رسمية تليق برئيس دولة وليس بأمير حرب يمارس إبادة جماعية. وفي 27 كانون الأول/ديسمبر، انطلق في جولته الأفريقية من أوغندا وتنقل بين إثيوبيا وجيبوتي مروراً بكينيا وجنوب أفريقيا، قبل زيارته المثيرة للجدل إلى رواندا. 

وفي نيروبي، تلّقى حميدتي ترحيباً حاراً على السجادة الحمراء وعانقه ويليام روتو، رئيس جمهورية كينيا، الذي أثنى على الجهود التي يبذلها لإنهاء الحرب. وفي تدوينة على موقع "إكس"، المعروف بـ"تويتر" سابقاً، حُذفت لاحقاً، أشار مكتب رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوسا، إلى ضيفه بـ"فخامة رئيس السودان محمد دقلو". بعد ذلك، طلبت منه الهيئة الحكومية للتنمية (المعروفة باسم "إيغاد")، وهي كتلة إقليمية خاصة بمنطقة شرق أفريقيا تضم ثماني دول، حضور القمة التي تنظمها في الثامن عشر من كانون الثاني/يناير، ما دفع منافسه الجنرال عبد الفتاح البرهان، قائد القوات النظامية ورئيس البلاد بحكم الأمر الواقع، للانسحاب من المفاوضات احتجاجاً على هذه الدعوة.

إنّ الاعتراف الديبلوماسي الذي منحه الزعماء الأفارقة لدقلو قد يعكس جزئياً رضوخاً عملياً للأمر الواقع. وفي هذا السياق، عبّرت انتصار عبد الصادق من منظمة "البحث عن أرضية مشتركة"، وهي منظمة غير حكومية مقرها واشنطن وبروكسل، قائلة إنّ "حميدتي يفوز". وفي كانون الأول/ديسمبر، استولت قواته على مدينة ود مدني، إحدى أكبر مدن السودان، والتي كان من المفترض أن تكون حصناً منيعاً للجيش النظامي. ومنذ ذلك الحين، هددت هذه القوات بالتقدم شرقاً نحو مدينة بورتسودان، حيث تتمركز حكومة البرهان منذ طردها من الخرطوم في آب/ أغسطس.

وقد حاولت "إيغاد" ترتيب وقف لإطلاق النار، ما يعني أنّ أعضاءها قد يضطرون لاستقبال دقلو من أجل الحفاظ على حياد الكتلة كوسيط.

لكنّ "الأمر لا يقتصر على لقاء [القادة الأفارقة] بحميدتي فحسب، بل على طريقة تعاملهم معه"، بحسب ما تقول خلود خير من مركز "كونفلونس" الاستشاري، وهي مؤسسة بحثية سودانية. فعلى سبيل المثال، يواظب الرئيس الأوغندي يوويري موسيفيني في نشاطاته على اتباع بروتوكولات التباعد الاجتماعي بسبب جائحة "كوفيد-19"، إلّا أنّه ظهر في صورة وهو يصافح دقلو من دون ارتداء كمامة. ولعل تصرّف موسيفيني يدل على عدم مغفرته للجيش النظامي السوداني دعمه ذات مرة لـ "جيش الرب للمقاومة"، وهي جماعة متمردة أرهبت شمال أوغندا في الفترة من عام 1987 وحتى 2006.

وتشير السيدة خير إلى أنّ موسيفيني، مثله مثل كثير من زعماء شرق أفريقيا الآخرين، قد ينظر إلى قوات الدعم السريع على أنها تحمل "إرثاً دموياً أقل" من ذاك الذي تحملها القوات المسلحة السودانية. ويبدو أن الجنرال البرهان لا يمكنه سوى الاعتماد على مصر وجنوب السودان فقط كحليفين موثوقين في المنطقة.

وتتجلّى الميزة الرئيسة التي يتمتع بها دقلو في ساحة المعركة في دعم دولة الإمارات العربية المتحدة، التي يُشاع أنّها كانت تزود مجموعته بالأسلحة والمدرعات والطائرات المُسيّرة. وعليه، فإنّ الدعم الإماراتي قد يساعد في تفسير نجاح مساعيه الدبلوماسية الأخيرة. وتحرص الكثير من الدول الأفريقية على تعزيز علاقاتها مع دولة الإمارات العربية المتحدة، الغنية بعائداتها النفطية والطامحة إلى توسيع نفوذها في جميع أنحاء المنطقة.

أمّا دقلو، الذي يمتلك مناجم ذهب مرتبطة بالإمارات في دارفور، ويتنقل عبر القارة على متن طائرة مسجلة في دبي، فهو عضو في كتلة ناشئة تترأسها دولة الإمارات، وتشمل كلاً من إثيوبيا وتشاد وأرض الصومال الانفصالية غير المعترف بها دولياً. كما يُعتقد باضطلاع الإماراتيين بدور للضغط على كثير من السياسيين السودانيين المعارضين، بما في ذلك رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، من أجل توقيع اتفاق مع دقلو في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في الثاني من كانون الثاني/يناير.

وهذا أشبه بكابوس بالنسبة للقوات المسلحة السودانية، التي هددت بـ "التحقيق" مع أولئك الذين التقوا السيد دقلو وأمضوا الوقت معه في أديس أبابا. في غضون ذلك، زار الجنرال البرهان مؤخراً الجمهورية الإسلامية في إيران، التي يقال بأنّها زوّدته بالأسلحة التي يحتاجها. وعلى الرغم من إدانة الآخرين لمعاملة قائد قوات الدعم السريع على قدم المساواة معه، إلا أن قائد القوات المسلحة أكد استعداده للقاء حميدتي شخصياً، لكنه يصر على ضرورة انسحاب قوات الدعم السريع من الخرطوم والمدن الأخرى كشرط مسبق لعقد مفاوضات. من جهته، يشتم دقلو رائحة انتصار واضح، وعلى الأرجح لن تضع الحرب أوزارها عمّا قريب.

 

نقلتها إلى العربية: زينب منعم.

منتصف نيسان/أبريل تندلع مواجهات عنيفة في الخرطوم وعدة مدن سودانية، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، وتفشل الوساطات في التوصل لهدنة بين الطرفين.