"وول ستريت جورنال": أزمة الاغتصاب الكارثية تتكشّف في حرب الكونغو

تعرّض نحو 80% من النساء في مخيمات النازحين في الكونغو للاغتصاب في هجمات وحشية في ظل تراجع الاهتمام الدولي. 

  • إحصائيات أممية تظهر ارتفاعاً مثيراً للقلق في حالات الاغتصاب والعنف ضد النساء في الكونغو
    إحصائيات أممية تظهر ارتفاعاً مثيراً للقلق في حالات الاغتصاب والعنف ضد النساء في الكونغو

صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية تنشر مقالاً للكاتبة والصحافية غابرييل ستينهوسر، تتحدث فيه عن أزمة الاغتصاب في الكونغو، التي ارتفعت من 100 حالة مبلغ عنها شهرياً، إلى 100 حالة مبلغ عنها يومياً. كما تحدثت عن تراجع وضعف المساعدات الدولية المقدّمة إلى اللاجئين.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

تسير النساء في صمت، وتضرب نعالهنّ الصخور البركانية السوداء ويقطفن أحياناً النباتات التي تظهر بينها. وخلال رحلتهنّ التي تستغرق خمس ساعات، يتبادلن القصص سراً، وهي الطريقة الوحيدة لاستجماع شجاعتهنّ لمواجهة المخاطر المحدقة بهنّ في الغابة.

على هذا الطريق، تعرضت كلّ النساء للاغتصاب مرّة أو مرتين أو ثلاث مرات. وتعرضت إحداهنّ للاغتصاب بينما كان طفلها ملقى على الأرض بجانبها وهو يبكي. وأخرى قام رجلان مسلحان بالسكاكين والخناجر بدفعها على الأرض لساعات. وقد سمعت كل منهن صرخات صديقاتها المكبوتة وهنّ يتعرضن للاعتداء في مكان قريب.

إلّا أنهنّ لا زلن يسلكن هذا الطريق، فليس لديهن خيار آخر. وتعيش النساء في مخيم رثّ على مشارف هذه المدينة الحدودية الكونغولية، حيث يتضور أطفالهن جوعاً أثناء النهار ويرتعشون برداً أثناء الليل. ويتوجب عليهنّ جمع الحطب والنباتات الصالحة للأكل لاستكمال حصصهن الصغيرة من الدقيق والفاصولياء التي يحصلن عليها مرة واحدة في الشهر. ويمكن العثور عليها في جزء بعيد من متنزه "فيرونغا" الوطني في الكونغو، المشهور عالمياً بغوريلا الجبال المهيبة، والذي بات حالياً مخبأ لمئات المقاتلين الذين تم تمكينهم حديثاً.

ووفقاً للأطباء النفسيين والممرضات وغيرهم من العاملين مع النساء اللاتي تعرضن لاعتداءات جنسية، فقد تعرّض نحو 80% من النساء للاغتصاب، بما في ذلك فتيات لا تتجاوز أعمارهن 8 سنوات. وتقول إسبيرانس كانيامانزا، وهي أم لأربعة أطفال تبلغ من العمر 26 عاماً وقد تعرّضت للاغتصاب 3 مرات على مدار 7 أشهر، إنّ هذه النسبة تبدو قليلة، باعتبار أنّ جميع النساء تقريباً يقصدن الغابة بحثاً عن الطعام والحطب، وهو المكان الذي يتعرّضن فيه للاغتصاب. 

منذ أكثر من عقد من الزمن، تعهد القادة السياسيون والمشاهير من جميع أنحاء العالم بوضع حد لاستخدام الاغتصاب كسلاح في الحرب. وعلى الرغم من صرف ملايين الدولارات للحد من هذه الظاهرة، فإنّها لا تزال تؤرق مضجع النساء في الكونغو. وتقول جماعات الإغاثة المحلية إنها لا تملك التمويل اللازم لدعم الناجين، أو تزويد النساء بالضروريات الأساسية التي تغنيهنّ عن الذهاب إلى الغابة. 

وقد قام مراسلو صحيفة "وول ستريت جورنال" بزيارة مخيّم "غوما" بشكل مستقل في أواخر آذار/مارس، وأجروا مقابلات مع عدد من النساء اللاتي تعرّضن للاغتصاب وأخريات شهدنا على الهجمات التي تعرضت لها النساء الأخريات ودعمن روايتهن. وتوافقت شهاداتهن مع النتائج التي توصلت إليها وكالات الأمم المتحدة وجماعات الإغاثة، بما في ذلك منظمة "أطباء بلا حدود"، التي تقول إنّها شهدت عدداً غير مسبوق من حالات الاغتصاب في شرقي الكونغو. وفي إحدى مجموعات التركيز المكونة من 13 فتاة مراهقة جمعتها وكالات الأمم المتحدة لإعداد تقرير حديث حول هذه القضية، قالت 12 منهن إنهن تعرضن للاغتصاب.

الفرار للنجاة بحياتها

كانت كانيامانزا تبيع البيرة التقليدية المصنوعة من الذرة في قرية روغاري في خريف عام 2022 عندما شعرت بالأرض تهتز نتيجة سقوط قذائف الهاون في مكان قريب. فمنذ أشهر، سيطر المقاتلون المتمردون من حركة "23 مارس" أو " M23" على الأراضي في مقاطعة شمال كيفو الغنية بالمعادن في الكونغو، كجزء من تمرد واسع النطاق تقوده دولة رواندا المجاورة، بحسب محققي الأمم المتحدة والولايات المتحدة. وهم يسيطرون حالياً على جميع الطرق الرئيسة المؤدية إلى غوما من الريف الكونغولي وتقدموا مسافة 15 ميلاً من المدينة. أمّا المباني المملوكة لسكان غوما الأكثر ثراء أو جماعات الإغاثة الدولية، فتضم أبراج مراقبة يحرسها مسلحون، كإجراء احترازي ضد تكرار محتمل لهجوم حركة 23 مارس في عام 2012، عندما احتلت الجماعة المدينة لفترة وجيزة.

نتيجة لذلك، هربت كانيامانزا مع اثنين من أولادها باتجاه مدينة غوما الحدودية المنخفضة التي يسكنها نحو مليوني شخص وتقع على ضفاف بحيرة كيفو، ليلتحق بها زوجها وابنتها في ما بعد. ونصبت الأسرة خيمة مصنوعة من العصي الخشبية والأقمشة البلاستيكية في حقل من الصخور السوداء شمالي غوما. ومع الوقت، تضاعف حجم هذه المستوطنة الصغيرة وباتت تستضيف اليوم نحو 200 ألف من بين أكثر من مليوني كونغولي شرّدتهم حركة "23 مارس". 

ويقول محققو الأمم المتحدة إنّ رواندا نشرت سراً ما يصل إلى 4000 جندي وأسلحة متطورة داخل الكونغو لدعم حركة "23 مارس". في حين قال مسؤولون روانديون إنهم يقومون بحماية أراضيهم، من دون الرد على الاتهامات المحددة.

ورداً على ذلك، أرسلت الحكومة الكونغولية، المتمركزة على بعد نحو 1500 ميل في العاصمة كينشاسا، آلافاً من جنودها، مدعومة بقوات حفظ السلام من مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي (SADC)، وهي كتلة إقليمية، بالإضافة إلى قوات الأمم المتحدة.

ووفقاً لمحققي الأمم المتحدة، بدأت الحكومة أيضاً في تسليح بعض من أكثر من 100 ميليشيا نشطة في المنطقة للمساعدة في محاربة حركة "23 مارس". وهؤلاء المقاتلون المتحالفون مع الحكومة، والمعروفون مجتمعين باسم "وازاليندو"، وهي الكلمة السواحيلية التي تعني "الوطنيون"، متمركزون على التلال خارج غوما، ويعيش الكثير منهم في  المخيم نفسه الذي تعيش فيه كانيامانزا والنساء الأخريات اللاتي أجرت الصحيفة مقابلات معهن.

وقد قامت منظمة "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة العفو الدولية ووكالات الأمم المتحدة بتوثيق اعتداءات جنسية على يد مقاتلين ينتمون إلى جميع أطراف النزاع، بما في ذلك حركة "23 مارس" والجيش الكونغولي و"وازاليندو".

العودة إلى نقطة الصفر

نتيجة الأحداث العسكرية المتواترة في البلاد، شهد الأطباء والمراكز الصحية ارتفاعاً كبيراً في عدد النساء اللاتي يطلبن المساعدة بعد تعرّضهن لاعتداءات جنسية، غالباً ما ترتكبها مجموعات من الرجال المسلّحين. وقد عانى الكثير منهن من إصابات داخلية معقدة بعد تعرضهن للاغتصاب بأشياء مثل البنادق والعصي. ونتيجة لذلك، دقّ عدد من الأطباء والناشطين ناقوس الخطر، وقد بدا أنّ العالم استمع إليهم لبعض الوقت. فتهافت الصحافيون والساسة والمشاهير على المنطقة، وقدموا التمويل لعدد من المستشفيات والمشورة القانونية لمساعدة النساء في الإبلاغ عن الاعتداءات ومحاسبة الجناة. 

بالإضافة إلى ذلك، وسّعت المستشفيات نطاق عملياتها وقدّمت لآلاف النساء العلاج الوقائي بعد التعرض للفيروس، الذي يمنع إصابتهن بفيروس نقص المناعة البشرية والحمل عند إعطائه في غضون 72 ساعة بعد تعرّضهن للاعتداء، بالإضافة إلى الدعم النفسي. وبحسب عمّال الإغاثة والناشطين، فإنه يتم إطلاق سراح الجناة المزعومين الذين اعتقلتهم الشرطة بعد أيام بعد دفعهم رشىً، في حين كانت المحاكم أكثر استعداداً لإدانة الضباط ذوي الرتب المنخفضة من القادة.

ووفقاً للناشطين، فإنّ أكبر انتكاسة لسلامة المرأة كانت القتال والنزوح الجماعي الناجم عن تمرد حركة "23 مارس"، الذي أغرق المنطقة بآلاف من الرجال المسلّحين غير المدربين الذين يتقاضون أجوراً زهيدة، وحرم النساء من حماية مجتمعاتهن المحلية.

وتقول جوستين ماسيكا بيهامبا، التي أسست قبل 20 عاماً منظمة "Synergy of Women for Victims of Sexual Violence"، التي تقدم الدعم للنساء النازحات: "يبدو الأمر كما لو أننا عدنا إلى نقطة الصفر".

الحاجة الماسة إلى الغذاء

في مخيم "غوما"، كافحت كانيامانزا للاعتناء بأطفالها. وكانت الأسرة تتلقى مرة واحدة في الشهر الدقيق والفاصولياء وزيت الطهي من برنامج الأغذية العالمي، لكن هذه الحصص لم تكن كافية، وكانوا يفتقرون إلى كل شيء آخر، من الملابس والبطانيات إلى أوعية الطهي.

وقد روت نساء أخريات من قريتها قصصاً عن تعرضهن لاعتداءات وحشية خلال مسيرهن الذي يستغرق أربع إلى خمس ساعات إلى غابة فيرونغا لجمع الحطب والنباتات الصالحة للأكل. أما الرجال الذين يغامرون بصناعة الفحم، وهي إحدى الطرق القليلة لكسب العيش، فيتعرضون لخطر التجنيد القسري من قبل حركة "وازاليندو" أو يتم استهدافهم من قبل حركة "23 مارس".

وبعد وفاة زوجها، اضطرت كانيامانزا للذهاب إلى الغابة مع نساء أخريات بحثاً عن الطعام والحطب، وهناك تعرّضت للاغتصاب عدّة مرات وشهدت على تعرّض صديقاتها للاغتصاب من قبل رجال مسلّحين. 

ووفقاً لتقرير الأمم المتحدة الصادر في تموز/يوليو، فقد زاد عدد حالات الاغتصاب المبلغ عنها لمجموعات الإغاثة من نحو 100 حالة شهرياً في تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر 2022، إلى أكثر من 100 حالة يومياً في النصف الثاني من عام 2023، وذلك في منطقة نيراغونغو التي تضم المخيم الذي تعيش فيه كانيامانزا والنساء الأخريات وجزءاً من غابة "فيرونغا" التي يبحثن فيها عن النباتات والحطب. 

فتور همّة الجهات المانحة

يقول الناشطون إنّ تمرّد حركة "23 مارس" تزامن مع انتقال عدد من الجهات المانحة الرئيسة إلى صراعات أكبر، كالحرب في أوكرانيا. كما شعرت بعض الجهات الممولة بالإحباط إزاء أداء الحكومة في كينشاسا وفشلها في تهدئة الأوضاع في شرقي الكونغو بعد نحو ثلاثة عقود من الحرب أو تقديم الخدمات الأساسية لمواطنيها.

ونتيجة لذلك، اضطر عدد من مراكز المساعدة القانونية للإقفال، ولم تعد المؤسسات قادرة على توفير المستلزمات الضرورية للنازحين والمراكز الصحية غير قادرة على توفير الرعاية للمرضى وتأمين العلاج الوقائي بعد التعرض للفيروس والمضادات الحيوية اللازمة لمنع العدوى بعد التعرّض للاعتداء.

وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، فإنّ الجهات المانحة الدولية قدّمت 908.5 مليون دولار أميركي فقط من أصل 2.6 مليار دولار أميركي تحتاجه الكونغو في عام 2024. وتتعرض عملية التمويل المتاحة حالياً لضغوط أكبر نتيجة تفشي فيروس جدري القردة (Mpox) الذي انتشر في مخيمات النازحين.

وكانت كانيامانزا والنساء الأخريات يحضرن العلاج الجماعي في مركز يموله صندوق الأمم المتحدة للطفولة، لكنّ الموظفين هناك يقولون إنهم لا يمتلكون الوسائل اللازمة لحمايتهن من المزيد من الاعتداءات.

وترى كانيامانزا أنّ القضاء على العنف يكون في حلّين اثنين، إما بانتهاء الحرب أو بالحصول على الطعام. وبذلك، لن تتعرض مجدداً للاغتصاب والنساء الأخريات.

نقلته إلى العربية: زينب منعم