"تايم": كيف يُعزز ازدهار السيارات الكهربائية في الصين صعودها التكنولوجي؟

إذا كانت المركبات الكهربائية نذير شؤم، فقد تكون أيام أميركا في تصدّر طليعة الصناعة التكنولوجية باتت معدودة.

  • "تايم": كيف يُعزّز ازدهار السيارات الكهربائية في الصين صعودها التكنولوجي؟

مجلة "تايم" الأميركية تنشر تقريراً يتناول الصعود الصيني السريع في صناعة السيارات الكهربائية، من خلال استعراض شامل لنموذج شركة "نيو" كمثال على الابتكار والتفوّق الصناعي، ويضع هذا الصعود في سياق عالمي يشمل التكنولوجيا، الاقتصاد، والسياسة الدولية.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

في ورشة شركة "نيو" للتصميم في ضواحي شنغهاي، ينشر المهندسون كتلاً من الطين على إطار من الألومنيوم لسيارة يؤسّس متنها الأساسي. ثمّ تقوم ذراع آلية مزوّدة بإزميل ميكانيكي ينحت سلسلة من الأخاديد في الطين، وينسخ رسوم التصميم، وينعّم الأسطح الخشنة بجهد ومثابرة، قبل لصق رقائق الألومنيوم فوق المجسّم المعدني الأنيق المظهر للسيارة، حين تعرض في فناء مضاء بنور الشمس حيث يدقّق في كلّ منحنى وخطّ. 

ويصف المدير الأوّل للشركة كولين فيبس الذي عمل سابقاً لمدّة 12 عاماً لدى شركة "كاديلاك" الأميركية، عمل هؤلاء بالإبداع الفني والحرفية المهنية التي تتطلّب عملاً مكثّفاً للغاية.

ومنذ تأسيسها في عام 2014، حصلت "نيو شنغهاي للتصميم" على 9800 براءة اختراع عالمية، وأكثر ما يثير الإعجاب هو نشر الشركة لتقنية تبديل بطّاريات السيارات الكهربائية، التي تسمح بتغيير البطّارية الفارغة بأخرى مشحونة بالكامل في 3 دقائق فقط في أكثر من 3000 محطّة في جميع أنحاء الصين وأوروبا.

كما تنتج الشركة أيضاً البطّاريات الأطول مدى عالمياً بقطع مسافة تزيد عن 650 ميلاً بشحنة واحدة، بينما الرقم القياسي الذي حقّقته شركة "تسلا" هو 402 ميل. كذلك، تحتوي سيارات "نيو" الكهربائية على زجاج أمامي ثنائي فريد في العالم الذي يعرّض البيانات من منظورين منفصلين في خطّ رؤية السائق مباشرة. كذلك تتميّز كلّ طرازاتها بأوّل نظام قيادة (متجانس يعمل بنظام القيادة بالسلك)، حيث يوجّه العجلات من دون عمود توجيه مادّي.

كذلك كانت سيارات "نيو" الرياضية عند إطلاقها في عام 2016 أسرع سيارات كهربائية في العالم، حيث تجاوزت سرعتها 194 ميلاً في الساعة وحطّمت الأرقام القياسية في حلبة سباق ألمانية شهيرة. ويقول الرئيس التنفيذي للشركة ويليام لي، إنّ "الابتكار يخلق القيمة، ويساعدنا على البقاء وسط المنافسة الشرسة، سواء في الصين أو في جميع أنحاء العالم".

يذكر أنّ "نيو" هي مجرّد إحدى الشركات من مجموعة كبيرة من العلامات التجارية الصينية والتي تهيمن اليوم على سوق السيارات الكهربائية عالمياً. 

ولقد شكّل ذلك صعوداً هائلاً، خاصّة أنّه في عام 2001 كان عدد سيارات الركّاب في الصين أقلّ من 10 ملايين سيارة لسكانها البالغ عددهم 1.2 مليار نسمة. وهذا يعني سيارة واحدة فقط لكلّ 128 شخصاً، بالمقابل كانت السوق الأميركية في عام 1911 بهذا المستوى، أي بعد 3 سنوات من إنتاج هنري فورد أوّل سيارة من طراز "تي". ولكن بحلول عام 2009، أصبحت الصين أكبر سوق للسيارات في العالم.

وبعد أن كانت الصين مستورداً صافياً للسيارات في عام 2020، أصبحت اليوم تصدّر السيارات إلى الخارج أكثر من أيّ دولة أخرى. وقد قفزت صادراتها من سيارات الركاب بنسبة 20% تقريباً في عام 2024 أي نحو 4.9 ملايين سيارة. وفي الوقت نفسه، انخفضت واردات السيارات إلى الصين من ذروة بلغت 1,24 مليون سيارة في عام 2017 إلى 705 آلاف سيارة فقط في العام الماضي.

ومن المتوقّع أن تستحوذ شركات صناعة السيارات الصينية على ثلث السوق العالمية بحلول عام 2030، وفقاً لشركة "أليكس بارتنرز". وفيما يتعلّق بالسيارات الكهربائية، تستحوذ الصين بالفعل على ما يقرب من ثلثي المبيعات العالمية بنحو 62%. تباع السيارات الكهربائية الصينية الجديدة حالياً في 6 دول أوروبية بالإضافة إلى "إسرائيل" والإمارات العربية المتحدة.

وحالياً تحتلّ شركة "بي واي دي" الصينية مرتبة أكبر شركة سيارات كهربائية في العالم بلا منازع. ولديها فروع في أكثر من 70 دولة، وتتفوّق مبيعاتها على مبيعات "تيسلا" عالمياً للربع الثاني على التوالي، وبينما سلّمت تيسلا 336,681 سيارة حول العالم خلال الفترة من كانون الثاني/يناير إلى آذار/مارس الماضي، بانخفاض قدره 13% على أساس سنوي، سلّمت "بي واي دي" 416,388 سيارة، بزيادة قدرها 38%.

لا يزال الأميركيون يجهلون كلّ هذا إلى حدّ كبير. وفي عهد الرئيس جو بايدن فرضت رسوم جمركية بنسبة 100% على واردات السيارات الكهربائية الصينية، ثمّ زاد الرئيس ترامب رسوماً إضافية بنسبة 25% على جميع السيارات الأجنبية. ولهذا الأمر عواقب سلبية على تبنّي السيارات الكهربائية في ما يسمّى بالموطن الروحي للسيارات كون نصف الأميركيين مهتمّين بالانتقال إلى السيارات الكهربائية، وفقاً لاستطلاعات رأي جديدة، كما أنّ ذلك يؤثّر في الجهود العالمية لمكافحة تغيّر المناخ.

يقول بول غونغ رئيس أبحاث السيارات الصينية في بنك يو بي إس للاستثمار، "يمكن للمستهلكين في الولايات المتحدة قيادة سيارات أفضل، واستهلاك بنزين أقلّ، وإنفاق أقلّ على الصيانة، وهذا سيكون مفيداً أيضاً لتغيّر المناخ، ومن المؤسف أنّ العالم ليس بالقدر نفسه من الخضرة والازدهار بسبب الحمائية الجمركية والأوضاع الجيوسياسية.

ولا شكّ في أنّ حواجز الاستيراد تثير مخاوف جدية، بينما الولايات المتحدة وحلفاؤها يتّهمون سياسات الصين أنّها تقدّم دعماً هائلاً لصناعاتها ممّا يتسبّب في زيادة الطاقة الإنتاجية ومزاحمة المنافسين. ووفقاً لـ"مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" وهو مركز أبحاث من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في واشنطن، بلغ إجمالي الدعم الحكومي الصيني لصناعة السيارات الكهربائية في البلاد نحو 230.9 مليار دولار من 2009 إلى 2023. وفي تموز/يوليو الماضي فرض الاتحاد الأوروبي أيضاً تعريفة مؤقّتة لمكافحة الدعم تصل إلى 37.6% على السيارات الكهربائية الصينية، ممّا دفع بكين إلى رفع الرسوم الجمركية على لحم الخنزير الأوروبي والبراندي كردّ انتقامي. ومنذ نحو 3 أشهر رفعت كندا التعريفة الجمركية على استيراد السيارات الكهربائية الصينية إلى 100%.

ويكمن الخطر بالنسبة للولايات المتحدة في أنّ هذه المزايا ستسمح للصين قريباً أيضاً بالسيطرة على صناعات مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي والحوسبة الكمية والروبوتات التي تشبه البشر، وتعتبر السيارات الكهربائية محور هذه الأهداف.

تقول الباحثة إيلاريا مازوكو، "هذه أكثر بكثير من مجرّد مركبات تعمل بالبطاريات، فالتحوّل التكنولوجي ينطوي على الكثير من معالجة البيانات، ومن الذكاء الاصطناعي المدمج في النظام، والتآزر الذي يوفّر مسارات للتقدّم في التقنيات الأخرى.

إنّ صعود الصين لم يقلق الغرب في البداية، بل على العكس من ذلك. فقد حصدت كفاءة التصنيع الصينية منقطعة النظير مليارات الدولارات للشركات الأميركية. وقد اعتبرت حقيقة أنّ دولة شيوعية ظاهرياً كانت تحاول تجربة النظام الرأسمالي يعتبر أمراً محبّباً، بل وجذّاباً، ناهيك عن كون ذلك يشكّل دليلاً على أنّ النظرية الاقتصادية الليبرالية قد انتصرت في النهاية. فالدولة بعد كلّ شيء، كانت تمثّل سوقاً عملاقة ومتنامية للصناعة الأميركية.

كلّ ذلك كان على حاله إلى أن بدأت الصين في التقدّم. وعلى الرغم من ترحيبها بمطاعم ماكدونالدز ومقاهي ستاربكس وتشجيعها لأذكى أبنائها على صقل عقولهم في الجامعات الغربية، إلّا أنّ بكين حافظت على سيطرتها الصارمة على الاقتصاد، بينما كانت تستحوذ على الخبرات الأجنبية بمهارة. واليوم تمتلك الصين حصّة 27.5% من إجمالي مبيعات السيارات العالمية، أي أكثر من الولايات المتحدة والهند واليابان مجتمعة.

ومع ذلك، فإنّ إلقاء اللوم ببساطة على الدعم الحكومي في إتقان الصين لصناعة السيارات الكهربائية هو أمر اختزالي. وسواء تعلّق الأمر بالهواتف الذكية أو الألواح الشمسية أو الجيل الخامس، تجمع الصين مراراً وتكراراً بين دعم الدولة وحجم السوق المحلّية التنافسية الشرسة للسيطرة على التكنولوجيا التحويلية، وتستفيد من سلاسل التوريد القوية للمكوّنات عالية الجودة ومنخفضة التكلفة لتسويق التكنولوجيا في الأسواق الخارجية. كما يوفّر صعود الصين في مجال السيارات الكهربائية نافذة على الصراعات المستقبلية بين أكبر اقتصادين في العالم حول الابتكارات التي ستحرّك الثورة الصناعية الرابعة.

وقد سهّلت الحكومة الصينية هذا الصعود من خلال السماح لشركات السيارات الأجنبية بدخول السوق الصينية فقط من خلال شريك محلّي، بالإضافة إلى ما يمكن تسميته بالحصاد الحاذق للملكية الفكرية. وبمثابة سياسة حمائية تقليدية قد نجحت مع الصين. والشركات الصينية تجتذب المهندسين والمديرين التنفيذيين من شركات تصنيع أوروبية وأميركية عريقة، بينما تشتري منافسيها الأجانب بالجملة. كذلك باعت شركة فورد "الأميركية" ملكية شركة "فولفو" السويدية لشركة "جيلي" الصينية مقابل 1.8 مليار دولار في عام 2010. وفي عام 2017، اشترت "جيلي" أيضاً شركة "لوتس" البريطانية العريقة للسيارات الرياضية.

يقول الرئيس والمدير التنفيذي لشركة "لوتس" لأوروبا وآسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط وأفريقيا دان بالمرّ،" قبل نحو 15 عاماً، لم تكن المنتجات الصينية قادرة على المنافسة عالمياً، وهذا أقلّ ما يقال. لكن كان بالإمكان رؤية الطاقة والحماس للاستثمار في هذه الصناعة، وقد تعلّموا جيداً، وهم الآن روّاد في العديد من المجالات".

ولا تزال "لوتس" تحتفظ بمنشأة واحدة فقط لتصميم وإنتاج المركبات في المملكة المتحدة، بينما جميع سياراتها الكهربائية من طرازي إليتر وإيميا تصنع في ووهان، المعروفة بأنّها مركز ظهور جائحة كورونا، حيث مصنعها بقيمة 1,1 مليار دولار الذي افتتح في عام 2022، ينتج 150 ألف سيارة سنوياً.

يقول فرانك بورنوا عميد كلية الأعمال الدولية الصينية الأوروبية في شنغهاي، "في السابق، كان الناس يأتون إلى الصين لمجرّد تحسين وصولهم بشكل أفضل إلى السوق الصينية، أمّا الآن فيأتون إلى الصين لتحسين عملياتهم، والذكاء الاصطناعي يدفع ذلك إلى الأمام بالفعل.

يواجه صانعو السياسة في الولايات المتحدة صعوبة في التوفيق بين هذا النموذج الجديد، كما يتّضح من شكاوى نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس لقناة "فوكس نيوز" في أوائل نيسان/أبريل الماضي، من "أنّنا نقترض المال من الفلاحين الصينيين لشراء الأشياء التي يصنعونها". ولكن بينما نشأ الجيل الأوّل من روّاد الأعمال الصينيين في فقر، لكنهم كانوا سعداء بكسب عيشهم من المنتجات المقلّدة الرخيصة، فإنّ خرّيجي التكنولوجيا اليوم نجوا من الحرمان الذي تعرّض له آباؤهم، وهم يتوقون إلى شيء أكثر جدوى.

تقول غريس شاو المديرة السابقة في "علي بابا" والمستشارة في تكنولوجيا المعلومات التي تنشر أخبار الذكاء الاصطناعي، "في السابق، كان الصينيون سعداء بتقليد الآخرين فقط لتجنّب الجوع، أمّا الآن، فهم يسعون إلى الشعور بالمسؤولية".

بينما تبرّر واشنطن نجاحات الصين الأخيرة إلى الدعم الحكومي لصناعتها، إلّا أنّ هذا ليس سوى جانب واحد من القصّة. فعندما تحدّد الحكومة المركزية في بكين قطاعاً ما لإعطائه الأولوية، تقدّم حكومات المدن والمقاطعات فوراً حوافز في سباق محموم لتأسيس شركة محلّية رائدة. وهذا يولّد التدفّق الهائل من السيولة كفقاعة تضخّم القيم بشكل مصطنع، وتشجّع اللاعبين الكبار على ولوج السوق. ولكن في عام 2020، كانت شركة "تيسلا" هي الشركة الرائدة في صناعة السيارات الكهربائية المدعومة حكومياً في الصين، حيث حصل مستهلكوها على 325 مليون دولار في التخفيضات الضريبية، بالإضافة إلى 82 مليون دولار كمنح لبناء مصنعها العملاق في شنغهاي. وفي تلك الأثناء بلغت القيمة السوقية لشركة "نيو" الذروة بنحو 96.57 مليار دولار في العام 2021، أي ضعف قيمة شركة "جنرال موتورز".

ومع ذلك، فإنّ المنافسة بين المناطق والمصنّعين لا هوادة فيها. وفي عام 2023 أغلقت نحو 52 ألف شركة ذات صلة بالسيارات الكهربائية في الصين. ومع انفجار فقاعة السيارات الكهربائية، انخفضت قيمة شركة "نيو" إلى 7,53 مليارات دولار فقط، على الرغم من شحنها رقماً قياسياً من السيارات بلغ 221,970 مركبة في العام الماضي. ولكنّ تلك الشركات التي خرجت سالمة من هذا الانهيار هي شركات رشيقة ومرنة من الناحية التكنولوجية، ومتمتّعة بالشجاعة اللازمة للازدهار. فشركة "بي واي دي" على سبيل المثال، توظّف مهندسين أكثر من إجمالي عدد موظّفي شركة "تسلا". ومؤخّراً كشفت النقاب عن بطارية سيارة كهربائية يمكن شحنها في خمس دقائق فقط. يقول غونغ، "لا يمكن تخيّل مثل هذه المنافسة الشديدة في أي سوق رئيسية أخرى".

ومن الأمثلة على ذلك مصنع "نيو" في مقاطعة آنهوي، الذي تصل طاقته الإنتاجية السنوية إلى 300 ألف وحدة سنوياً، ويمكنه تسليم سيارات مصمّمة بشكل خاصّ بالكامل من بين 3,5 ملايين سيارة بمواصفات محدّدة في غضون 10 أيام. ربّما تكون شركة "فورد" رائدة في مجال خطوط التجميع، إلّا أنّ "نيو" تمتلك مصفوفة تجميع بارتفاع 6 طوابق وعرض 5، حيث يمكن تركيب هيكل السيارة في أيّ اتّجاه، وبمجرّد تثبيتها على الأرض تنقل المركبات الآلية الموجّهة بالذكاء الاصطناعي كلّ هيكل بين 940 روبوت لحّام. والأمر الأكثر إثارة للإعجاب هو أنّ العمل بدأ في المصنع في نيسان/أبريل 2021، وبدأ الإنتاج الضخم بعد 17 شهراً فقط وهو جدول زمني نادر في الولايات المتحدة.

والأهمّ من ذلك أنّ شركات تصنيع السيارات التقليدية وشركات الطاقة الجديدة في الصين تتعامل مع عملية الإنتاج بشكل عكسي. فبدلاً من التركيز على الألواح والمحاور والمحامل في السيارة، تنظر "نيو" أوّلاً إلى بنية الجهد العالي مثل البطاريات ومجموعة الطاقة وما إلى ذلك. تليها بنية الجهد المنخفض مثل الحوسبة الرقمية. يقول جوناثان راينر مدير تجربة المركبات في شركة "نيو" الذي انضم إلى الشركة بعد 14 عاماً من العمل في شركتي (جاكوار _لاند روفر)، "نحن نربط القطع الميكانيكية مع بعضها ومع البرمجيات والقدرات الحديثة اليوم، أصبح ما كان صعباً بالنسبة للشركات القديمة أمراً سهلاً نسبياً اليوم".

إنّ دخول البرمجيات في القلب النابض للإنتاج يعني أنّ السيارات الكهربائية الحديثة تختلف عن سابقاتها التي تعمل بالبنزين. حتّى لو كنت قد اشتريت سيارة "نيو" أو "بي واي دي" أو "لوتس" قبل بضع سنوات، فإنّ نظام السيارة يتمّ تحديثه بشكل دائم مثل الهاتف الذكي تماماً. وهذا يعني أيضاً أنّ التقنيات الأساسية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي التي تصقل باستمرار يمكن تطبيقها في العديد من المجالات المجاورة. يقول الرئيس التنفيذي لشركة "نيو" إنّ الذكاء الاصطناعي، "هو عامل تمكين مهمّ جداً لمنتجات سياراتنا، وساعدنا على تحسين تجربة المنتج والقدرة التنافسية الشاملة".

خارج مبنى مكاتب في حيّ بودونغ بشانغهاي، كانت سيارة أجرة روبوتية بيضاء من إنتاج شركة "بوني إيه آي"، وهي شركة سيارات ذاتية القيادة مقرّها غوانزو، تدور ببطء حول ردهة المدخل قبل أن تتوقّف أمامي. وبمجرّد صعودي على متنها، انطلقت السيارة بقيادة ذاتية في جولة لمدّة 20 دقيقة في الحيّ الذي غمرته الأمطار، متجنّبة درّاجات التوصيل والشاحنات المتوقّفة، وتتحرّك بسلاسة بين المارّة وتلتزم بإشارات المرور. يقول جيمس بينغ، الرئيس التنفيذي للشركة المصنّعة، "من الناحية الاستراتيجية، لدينا طموح كبير للانطلاق عالمياً، لأنّ احتياجات التنقّل مطلوبة في كلّ مكان. كما ينبغي أن يكون استخدام التكنولوجيا لإحداث تأثير مجتمعي إيجابي.

بالطبع، تمتلك الولايات المتحدة أيضاً سيارات أجرة آلية. وأنجزت شركة "وايمو" المملوكة لشركة "ألفابت" 4 ملايين رحلة مدفوعة الأجر لسيارات الأجرة ذاتية القيادة في عام 2024 في فينيكس وسان فرانسيسكو ولوس أنجلوس، ومع ذلك لا تزال المنافسة بسيطة في هذا المجال.

كذلك حصلت شركة "زوكس" المدعومة من "أمازون"، على التصاريح اللازمة لنقل الركاب في فوستر سيتي بكاليفورنيا في العام الماضي. وكانت شركة "تسلا" قد أعلنت منذ عام 2016، إنها على بعد عام تقريباً من إطلاق سيارة أجرة ذات قيادة ذاتية، بينما صرّح الرئيس التنفيذي إيلون ماسك مؤخراً بأنّ سيارة سايبركاب ستكون جاهزة بحلول عام.

ومن أبرز اللاعبين الذين خرجوا من هذا المجال، حين باعت شركة "أوبر" أعمالها في هذا القطاع في عام 2020 بعد حادث تصادم مميت. وتخلّت شركة "فورد" عن حصّتها في شركة مطوّرة لسيارات الأجرة الآلية بعد ذلك بعامين. وفي عام 2023، أوقفت "جنرال موتورز" جميع عملياتها في القطاع ذاته، على الرغم من ضخ 10 مليارات دولار بالفعل، بعد حوادث التصادم التي أدّت إلى تعليق تراخيص السيارات الآلية القيادة في ولاية كاليفورنيا.

في حين أنّ الموجة الأخيرة من حوادث السيارات ذاتية القيادة في الصين لم تقلّل من الدعم الرسمي، إلّا أنّ الحكومة في 17 نيسان/أبريل الفائت حظرت كلمة ذاتية القيادة من إعلانات السيارات. وبالمقارنة، تعمل شركة "بوني" بالفعل في 30 مدينة في 9 دول مع غيرها من الشركات الصينية الرائدة في صناعة السيارات الكهربائية وجميعها تتنافس على حصّة في السوق بدعم حكومي صريح. واعتباراً من العام الماضي أصدرت سلطات الأمن العام الصينية 16 ألف ترخيص اختبار للمركبات ذاتية القيادة، وتمّ فتح 20 ألف ميل من الطرق في جميع أنحاء البلاد للاختبار.

يرى بينغ أنّ الفرق يكمن في أنّه بينما يصعب الحصول على التراخيص في الصين في البداية، فإن الحكومة ستدعمها بالكامل بمجرد الحصول عليها، يقول، "في الولايات المتحدة الحصول على رخصة سهل. لكن إذا تعرّضت لحادث وكان السبب خطأك، فستفرض عليك غرامة باهظة.

وبدلاً من تعزيز شركائها المحلّيين، تهدف الاستراتيجية الوطنية الأميركية إلى إبطاء منافسها الرئيسي من خلال تشديد ضوابط التصدير. ومع ذلك، تلحق الصين بالركب. ففي قطاع أشباه الموصلات، وهو قطاع حيوي تتصدّره الولايات المتحدة حالياً، أفادت التقارير أنّ شريحة الذكاء الاصطناعي من شركة "هواوي" تحقّق أداء يصل إلى 60% في مهامّ الاستدلال مقارنة بأحدث شريحة من شركة "إنفيديا" الأميركية، بينما احتوت طرز شركة "نيو" السابقة على 4 شرائح من "إنفيديا". ويقول بورنوا عن ذلك "إنّ نقص أشباه الموصلات تحديداً هو ما يدفع الصين إلى تطوير أشباه الموصلات الخاصّة بها بشكل أسرع.

يتواصل الإقبال على نقل هيمنة السيارات الكهربائية إلى قطاعات أخرى. فقد أثارت الروبوتات البشرية، التي أنتجتها شركة "يونيتري" ومقرها هانغتشو، ضجّة في المنازل في جميع أنحاء الصين عندما ظهرت وهي تحرّك مراوحها الزخرفية وترقص في حفل رأس السنة القمرية المرموق الذي أقامته هيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمي الصيني.

لقد كان عرضاً مذهلاً لصناعة الروبوتات المزدهرة في الصين، وقد سجّل أكثر من 190 ألف شركة ذات صلة بهذه الصناعة العام الماضي، مع تسجيل 44 ألف شركة أخرى منذ بداية عام 2025، وفقاً لشركة البيانات "كيشا تشا". كذلك هو الحال مع المركبات الكهربائية والذكاء الاصطناعي، حيث أعطت بكين الأولوية للروبوتات التي تشبه البشر باعتبارها "منتجات ثورية". وفي عام 2023، أصدرت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية " أم آي آي تي" توجيهات التنمية الصناعية التي حدّدت هدفها المتمثّل في إنتاج الروبوتات البشرية على نطاق واسع بحلول عام 2025 لبناء نظام بيئي صناعي تنافسي عالمي من المتوقّع أن يصل إلى 43 مليار دولار بحلول عام 2035.

السيارات الكهربائية هي المفتاح الرئيسي، وما يقرب من 70% من مكوّناتها قابلة للتبديل، وهذا هو السبب في أنّ شركات صناعة السيارات الصينية من ضمنها شركات "بي واي دي، وشاومي، وشيري، وجي إيه سي موتور، وهواوي، و"سايك، وشيبنغ موتورز"، جميعها منخرطة في سوق الروبوتات أيضاً. وفي مؤتمر الشعب الوطني في شهر آذار/مارس الماضي، وهو البرلمان الصيني السنوي، اقترح رئيس مجلس إدارة شركة "إكس بينغ"، هيو شياو بنغ، سياسات داعمة للروبوتات التي تشبه البشر، على غرار تلك التي تتمتّع بها السيارات الكهربائية، معتبراً أنّ الصناعة لديها إمكانات نموّ مماثلة على مدى العقدين المقبلين.

تكتسب الصين أيضاً أرضيّة في ما يعرف بـ"اقتصاد الارتفاع المنخفض" في صناعة سيارات الأجرة الجوية المستقلّة، وتوصيل الطائرات من دون طيار، وما إلى ذلك. ومنذ نحو 3 أشهر أصدرت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية والجهات التنظيمية للطيران المدني والنقل، خطّة لمدّة 6 سنوات لهذا القطاع، وكشفت عن اللوائح المتعلّقة بالرسوم الجوّية، ورخص الطيارين، وتأسيس مناطق تجريبية حيث يمكن أن تطير المركبات الكهربائية ذات الإقلاع والهبوط العمودي في بيئات المدن الفعلية.

وكان قد أشار تقرير عمل الحكومة لنواب الشعب لعام 2025 إلى هذه الصناعة المستقبلية كإحدى أولويات الدولة، حيث مرّة أخرى توفّر صناعة السيارات الكهربائية في الصين العمود الفقري، ولديها البنية التحتية الأساسية الجاهزة بالفعل لصناعة المركبات ذات الارتفاع المنخفض. كما أنّ سلسلة الإمداد لدى الصين هي نفسها المستخدمة في السيارات الكهربائية.

بالطبع، ليست الأمور كلّها إيجابية بالنسبة للصين. فالبلاد تواجه العديد من التحدّيات الاقتصادية، بما في ذلك الانكماش، والديون المتزايدة للحكومات المحلّية، وضعف إنفاق المستهلكين، وانخفاض قيم العقارات، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، و"القنبلة السكانية الموقوتة". كما أنّ الإطار التنظيمي للصين وخاصّة قواعدها الصارمة بشأن نقل البيانات، تعتبر غير مقبولة بالنسبة للشركاء الأجانب. وفي أيلول/سبتمبر الماضي أصدرت غرفة التجارة الأوروبية في الصين ورقة موقف تضمّنت أكثر من 1000 توصية لتحسين بيئة الأعمال.

كما أنّ هناك التأثير غير المعروف حتّى الآن لحرب تجارية مع الولايات المتحدة، حيث أرسلت الصين في العام الماضي 14,7% من صادراتها، التي تقدّر قيمتها بـ 438,9 مليار دولار إلى الولايات المتحدة الماضية في عزل نفسها. لكن، الصين أيضاً لديها فرصة ذهبية لإعادة ضبط علاقات التجارة مع بقية العالم. منذ أشهر قليلة بعد هجوم ترامب العالمي في رفع التعريفات الجمركية، بدأ الرئيس الصيني شي جين بينغ حملة دبلوماسية في جنوب شرق آسيا، حيث أعلن أنّ الحرب التجارية لا يوجد فيها فائزون، كما أنّ الحماية التجارية لا تؤدّي إلى أيّ مكان.

تماماً كما حفّزت ضوابط التصدير الابتكار المحلّي، فإنّ الحرب التجارية التي تشنّها الولايات المتحدة تراها الشركات الصينية إيجابية. ويقول مازوكو من (مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية)،  إنّ مستوى التوقّعات منخفض من أن تظهر الولايات المتّحدة كشريك أكثر موثوقية هذه الأيام.

لقد كنّا هنا من قبل. أصبحت المملكة المتحدة أكبر قوّة اقتصادية في العالم في القرنين الـ 18 والـ 19، من خلال ميزتها الأولى في التصنيع. ولقد اعتمدت الولايات المتحدة هذه التقنيات، وسرعان ما أصبحت من خلال أسواقها الأكبر وقدراتها التصنيعية الهائلة، الرائدة عالمياً في كلّ من الابتكارات وتسويقها.

والسؤال هو ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على النجاة من حرب تجارية تهدّد بتقليص أسواقها بشكل كبير، وفي الوقت نفسه تقوّض تطوير التقنيات الأساسية من خلال وقف تمويل الجامعات ومؤسسات البحوث، بينما تنتج الصين بالفعل ضعف عدد منشورات أبحاث الذكاء الاصطناعي الذي يشهد له في الولايات المتحدة وفقاً لتقرير حديث.

الصين تقترب من تصدّر الابتكار وتتمركز بين أفضل 6 من أصل 10 في الصناعات المستقبلية كافة. وإذا كانت المركبات الكهربائية نذير شؤم، فقد تكون أيام أميركا في تصدّر طليعة الصناعة التكنولوجية باتت معدودة.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.